Siraj Munir
السراج المنير في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا الحكيم الخبير
Penerbit
مطبعة بولاق (الأميرية)
Nombor Edisi
الأولى
Lokasi Penerbit
القاهرة
Genre-genre
حق بالاضافة إلى زمانها مراعى فيها صلاح من خوطب بها حتى لو نزل المتقدّم في أيام المتأخر لنزل على وفقه، ولذلك قال ﵊ كما رواه الإمام أحمد وغيره: «لو كان موسى حيًا لما وسعه إلا اتباعي» وفي ذلك تنبيه على أن اتباع تلك الكتب الإلهية لا ينافي الإيمان بالقرآن بل يوجبه ولذلك عرّض بقوله: ﴿ولا تكونوا أوّل كافر به﴾ أي: بالقرآن بل يجب أن تكونوا أوّل مؤمن به لأنكم أهل نظر في معجزاته والعلم بشأنه.
فإن قيل: كيف نهوا عن التقدّم في الكفر وقد سبقهم مشركو العرب أجيب: بأن المراد به التعريض بما يجب عليهم لمقتضى حالهم لا الدلالة على ما نطق الظاهر، كقولك لمن أساء: أمّا أنا فلست بجاهل، أو ولا تكونوا أوّل كافر من أهل الكتاب لأن خلفكم تبع لكم فإثمهم عليكم أو ممن كفر بما معه فإن من كفر بالقرآن فقد كفر بما يصدقه أو مثل من كفر من مشركي مكة.
تنبيه: أوّل كافر به وقع خبرًا عن ضمير الجمع بتقدير أوّل فريق أو فوج أو بتأويل لا يكن كل واحد منكم أوّل كافر به كقولك: كسانا حلة أي: كل واحد منا ﴿ولا تشتروا﴾ تستبدلوا ﴿بآياتي﴾ التي في كتابكم من نعت محمد ﷺ ﴿ثمنًا قليلًا﴾ أي: عوضًا يسيرًا من الدنيا أي: لا تكتموها خوف فوات ما تأخذونه من سفلتكم وذلك أنّ رؤساء اليهود وعلماءهم كانت لهم مآكل يصيبونها من سفلتهم وجهالهم يأخذون منهم كل سنة شيئًا معلومًا من زروعهم وضروعهم ونقودهم فخافوا أنهم إن بينوا صفة النبيّ ﷺ وتابعوه أن يفوتهم تلك المآكل فغيروا نعته وكتموا اسمه فاختاروا الدنيا على الآخرة فنهوا عن ذلك فإنّ حظوظ الدنيا وإن جلت قليلة مسترذلة بالاضافة إلى ما يفوت من حظوظ الآخرة ﴿وإياي فاتقون﴾ خافون في ذلك دون غيري.
﴿س٢ش٤٢/ش٤٦ وَتَلْبِسُوا؟ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا؟ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ * وَأَقِيمُوا؟ الصلاةَ وَءَاتُوا؟ الزكاةَ وَارْكَعُوا؟ مَعَ الرَّاكِعِينَ * أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ؟ أَفَ تَعْقِلُونَ * وَاسْتَعِينُوا؟ بِالصَّبْرِ وَالصلاةِ؟ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِ s عَلَى الْخَاشِعِينَ * الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَاقُوا؟ رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾
﴿ولا تلبسوا﴾ أي: تخلطوا ﴿الحق﴾ الذي أنزلت عليكم من صفة محمد ﷺ ﴿بالباطل﴾ الذي تخترعونه وتكتبونه بأيديكم من تغيير صفته ﴿و﴾ لا ﴿تكتموا الحق﴾ أي: تكتموا نعت النبيّ ﷺ ﴿وأنتم تعلمون﴾ أنكم لابسون الحق بالباطل كاتمون فإنه أقبح إذ الجاهل يعذر.
﴿وأقيموا الصلاة﴾ أي: الصلوات الخمس بمواقيتها وحدودها ﴿وآتوا الزكاة﴾ أي: أدوا زكاة أموالكم المفروضة. أمرهم بفروع الإسلام بعدما أمرهم بأصوله وفيه دليل على أنّ الكفار مخاطبون بها والزكاة مأخوذة من زكا الزرع إذا نما وكثر أو من الزكاة بمعنى الطهارة وكلا المعنيين موجود في الزكاة فإنّ إخراجها يستجلب بركة في المال ويثمر للنفس فضيلة الكرم ويطهر المال من الخبث والنفس من البخل ﴿واركعوا مع الراكعين﴾ أي: صلوا مع المصلين محمد ﷺ وأصحابه في جماعتهم فإنّ صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ أي: الفرد بسبع وعشرين لما فيها من تظاهر أي: تعاون النفوس، وعبر عن الصلاة بالركوع احترازًا عن صلاة اليهود لأنّ صلاتهم لم يكن فيها ركوع أي: صلوا مع الذين في صلاتهم ركوع، وقيل: الركوع الخضوع والانقياد لما يلزمهم الشارع، قال الشاعر:
لا تذلّ الضعيف (وروي لا تهين الفقير) علك (أي: لعلك) أن تركع يومًا والدهر قد رفعه.
فتركع من الركوع بمعنى الانحناء والميل وأراد به الانحطاط من الرتبة.
ونزل في علماء اليهود
1 / 54