20

Al-Shafi'i: His Life and Era – His Opinions and Jurisprudence

الشافعى حياته وعصره – آراؤه وفقهه

Penerbit

دار الفكر العربي

Nombor Edisi

الثانية

Tahun Penerbitan

1398 AH

ذهب الشافعي إلى مالك يحمل معه كتاب توصية من والي مكة(١)، وبهذه الهجرة أخذت حياة الشافعي تتجه إلى الفقه بجملتها، ولما رآه مالك وكانت له فراسة قال له: يا محمد اتق الله، واجتنب المعاصي، فإنه سيكون لك شأن من الشأن، إن الله تعالى قد ألقى على قلبك نوراً، فلا تطفئه بالمعصية. ثم قال له: إذا ما جاء الغد تجيء ويجيء ما يقرأ لك، ويقول الشافعي: فغدوت عليه وابتدأت أن أقرأ ظاهراً، والكتاب في يدي، فكلما تهيبت مالكا، وأردت أن أقطع، أعجبه حسن قراءتي وإعرابي، فيقول: يا فتى زد، حتى قرأته عليه في أيام يسيرة.

وبعد أن روى الشافعي عن مالك موطأه لزمه يتفقه عليه، ويدارسه المسائل يفتى فيها الإمام الجليل إلى أن مات سنة ١٧٩ وقد بلغ الشافعي

(١) جاء في معجم ياقوت عن الآبري، وجاء في مناقب الشافعي للرازي، كلام للشافعي عن رحلته إلى مالك ولقائه به ننقلها لك لأنها تكشف عن مكان رجال العلم في هذا الزمان، قال: (دخلت إلى والي مكة) وأخذت كتابه إلى والي المدينة، والي مالك بن أنس. فقدمت المدينة، فأبلغت الكتاب إلى الوالي فلما قرأه قال: يا فتى إن مشيي من جوف المدينة إلى جوف مكة حافيا راجلا أهون علي من المشي إلى باب مالك بن أنس، فلست أرى الذل، حتى أقف على بابه، فقلت أصلح الله الأمير، إن رأى الأمير يوجه إليه ليحضر فقال: هيهات. ليت إني إذا ركبت أنا ومن معي وأصابنا من تراب العقيق نلنا بعض حاجتنا. فواعدته العصر، وركبنا جميعا، فوالله لكان كما قلنا: لقد أصابنا من تراب العقيق فتقدم رجل فقرع الباب فخرجت إلينا جارية سوداء، فقال لها الأمير: قولي لمولاك إني بالباب، فدخلت فأبطأت ثم خرجت فقالت: إن مولاي يقرئك السلام، ويقول: إن كانت لديك مسألة فارفعها في رقعة يخرج إليك الجواب، وإن كان للحديث فقد عرفت يوم المجلس فانصرف، فقال لها: قولي له إن معي كتاب والي مكة إليه في حاجة مهمة، فدخلت وخرجت وفي يدها كرسي، فوضعته ثم إذا أنا بمالك قد خرج وعليه المهابة والوقار، وهو شيخ طويل مسنون اللحية، فجلس، وهو متطلس فرفع إليه الوالي الكتاب، فبلغ إلى هذا: (إن هذا رجل من أمره وحاله، فتحدثه، وتفعل وتصنع)، فرمى بالكتاب من يده، ثم قال: سبحان الله، أو صار علم رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤخذ بالوسائل، فرأيت الوالي قد تهيبه أن يكلمه، فتقدمت إليه وقلت: أصلحك الله إني رجل مطلبي ومن حالي وقصتي.. فلما سمع كلامي نظر إلى ساعته، وكان لمالك فراسة فقال ما اسمك؟ قلت محمد، فقال لي: يا محمد اتق الله، واجتنب المعاصي، فإنه سيكون لك شأن من الشأن).

20