Al-Sahib and Caliph Abu Bakr Al-Siddiq
الصاحب والخليفة أبو بكر الصديق
Genre-genre
خطبة الصديق بعد استخلافه
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
اللهم اغفر لنا وارحمنا واهدنا وعافنا وارزقنا واجبرنا وارفعنا، اللهم زدنا ولا تنقصنا، وأكرمنا ولا تهنا، وأعطنا ولا تحرمنا، وآثرنا ولا تؤثر علينا، وارضنا وارض عنا، اللهم آتنا الحكمة وثبّتنا، واجعلنا هادين مهديين.
وصل اللهم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله، وصحبه وسلم.
أما بعد.
فمع الدرس الأخير من دروس الصديق ﵁ وأرضاه.
ودروس الصديق ﵁ لا تنتهي، ولكن أقصد أن هذه هي الحلقة الأخيرة في هذه المجموعة مجموعة الصديق الصاحب والخليفة.
وقد تحدثنا فيها عن صفات الصديق الرئيسية التي ميزت شخصيته عن الآخرين، وإن كان الحق أن الصديق ﵁ وأرضاه جمع خلال الخير كلها، وتفوق فيها على غيره، وكان بحق نِعم الصاحب لرسول الله ﷺ، ونِعم الخليفة من بعده.
وتحدثنا أيضًا في هذه المجموعة عن مصيبة وفاة رسول الله ﷺ، والكوارث التي أحاطت بالمدينة بعد موته ﷺ، وكيف خرج المسلمون من هذا المأزق العنيف وهم مستمسكون بشرع الله ﷿ ومحتكمون إلى كتابه وإلى سنة نبيه محمد ﷺ.
وتحدثنا أيضًا عن السقيفة وما دار فيها من أحداث وحوارات.
وتحدثنا عن أرقى عملية انتخاب على وجه الأرض.
وتحدثنا عن مقومات الصديق ﵁ وأرضاه كخليفة، وعن رغبة رسول الله ﷺ في استخلافه وإن كان لمح لذلك ولم يصرّح.
وأخيرًا تحدثنا عن الشبهات التي آثارتها بعض طوائف الشيعة، وأثارها المستشرقون والمستغربون بعد ذلك، وفصّلنا في الرد عليها قدر المستطاع.
وبقيت لنا بعض الأمور المتعلقة بهذا الحدث، ولكن آمل أن تكتمل بها الصورة عند الجميع.
وهذه الأمور أربعة: أولًا: الخطبة التي خطبها الصديق ﵁ وأرضاه في اليوم الثاني لمبايعته، وكيف حدد فيها الصديق ﵁ الخطوط العريضة لسياسته في الحكم.
ثانيًا: خطة المحاضرات القادمة، وكيف سنكمّل الحديث عن بقية الجوانب الهامة في حياة الصديق ﵁.
ثالثًا: سألني بعض الإخوة عن المراجع التي رجعت إليها في هذا البحث، وإن شاء الله ستكون نقطة من نقاط هذه المحاضرة.
رابعًا: الدروس المستفادة من هذا الحدث الكبير، أو من هذه المجموعة بصفة عامة.
ونبدأ بعون الله وفضله في الأمر الأول وهو خطبة الصديق ﵁ يوم أن بايعه العامة في اليوم الثاني لوفاة الرسول ﷺ.
هذه الخطبة على قصرها وإيجازها كانت بليغة وهادفة جدًا، ومحددة لسياسة الصديق ﵁ في الحكم، وشارحة للمسلمين وحكامهم الأصول الصحيحة للحكم في الإسلام والخطبة فعلًا عجيبة، فقد حوت معاني كثيرة جدًا في كلمات قليلة جدًا، ولذلك فالخطبة أتت في صورة بيان يلقيه زعيم الأمة في يوم استلامه للحكم، تلا فيه قواعد حكمه القاعدة تلو الأخرى.
قال الصديق ﵁ في خطبته بعد أن حمد الله وأثنى عليه بما هو أهله: أما بعد: أيها الناس! فإني قد ولّيت عليكم ولست بخيركم.
هذه هي القاعدة الأولى في بيان الصديق ﵁ وأرضاه، وهي المساواة بين جميع أفراد الأمة، وأنه ليس لأحد على أحد فضل إلا بالتقوى، لا فرق بين الحاكم والمحكوم، ولا فرق بين الوزير والجندي، فالكبر مهلك، سواء الكبر في الحاكم أو الهيئة الحاكمة فإنه يُهلك الأمة بكاملها، والرسول ﷺ عرف الكبر في الحديث فقال: (الكِبر بطر الحق وغمط الناس) بطر الحق: إنكار الحق، وغمط الناس: احتقار الناس، وانظر إلى قوله ﷿ في كتابه الكريم: ﴿ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ * إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا عَالِينَ * فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ﴾ [المؤمنون:٤٥ - ٤٧] هذا هو الكبر، فالكِبر: غمط الناس واحتقارهم واستصغار شأنهم، فكانت النتيجة: ﴿فَكَذَّبُوهُمَا﴾ [المؤمنون:٤٨] وهذا هو بطر الحق، أنكروا الحق لأنه أتى من قبل غيرهم، فكانت النتيجة النهائية والمحصلة النهائية للأمة: ﴿فَكَذَّبُوهُمَا فَكَانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ﴾ [المؤمنون:٤٨].
فالكبر مهلك، والصديق ﵁ وأرضاه يضع قاعدة هامة لكل من تولى أمرًا للمسلمين: لا تتكبر، فها هو أعظم رجال الأمة على الإطلاق بعد رسولها ﷺ بشهادة
12 / 2