Al-Rawd Al-Nadir: The Biography of Imam Abu Ja'far Al-Baqir
الروض الناضر في سيرة الإمام أبي جعفر الباقر
Penerbit
مبرة الآل والأصحاب
Nombor Edisi
الأولى
Tahun Penerbitan
١٤٢٨ هـ - ٢٠٠٧ م
Lokasi Penerbit
الكويت
Genre-genre
مبرة الآل والأصحاب
سلسلة سير الآل والأصحاب (٧)
الروض الناظر في سيرة الإمام أبي جعفر الباقر
تفسيره وفقهه ومروياته
كان من دعاء الإمام الباقر: (اللهم من كانت له حاجة ههنا وههنا، فإن حاجتي إليك وحدك لا شريك لك) بحار الأنوار ٩١/ ٢٧٠
1 / 1
مبرة الآل والأصحاب
سلسلة سير الآل والأصحاب (٧)
الروض الناظر في سيرة الإمام أبي جعفر الباقر
تفسيره وفقهه ومروياته
بقلم
بدر محمد باقر
البريد الإلكتروني للمؤلف
BBaqer@gmail.com
1 / 2
فهرسة مكتبة الكويت الوطنية أثناء النشر
1 / 3
حقوق الطبع متاحة لكل محبي آل البيت الأطهار والصحابة الأخيار
بشرط عدم إجراء أي تعديل بالإضافة أو الحذف أو التغيير
إلا بإذن خطي من مبرة الآل والأصحاب
الطبعة الأولى
١٤٢٨ هـ / ٢٠٠٧ م
مبرة الآل والأصحاب
هاتف: ٢٥٦٠٢٠٣ - ٢٥٥٢٣٤٠ فاكس: ٢٥٦٠٣٤٦
ص. ب: ١٢٤٢١ الشامية الرمز البريدي ٧١٦٥٥ الكويت
E-mail: almabarrh@gmail.com
www.almabarrah.net
رقم الحساب: بيت التمويل الكويتي... ٢٠١٠٢٠١٠٩٧٢٣
1 / 4
إهداء إلى محبي آل البيت الأطهار والصحابة الأخيار
1 / 5
إنشاء المبرة وأهدافها (^١)
تأسست في دولة الكويت طبقًا لأحكام القوانين الصادرة في شأن الأندية وجمعيات النفع العام والمبرات الخيرية والقرارات المنفذة لها مبرة أطلق عليها اسم «مبرة الآل والأصحاب» مقرها مدينة الكويت.
وقد تم إشهارها بموجب قرار وزير الشؤون الاجتماعية والعمل رقم ٢٨/ ٢٠٠٥ م وقد سجلت المبرة في إدارة الجمعيات الخيرية والمبرات بوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل تحت رقم ٢٣
أهداف المبرة:
١ - العمل على غرس محبة الآل (آل البيت) الأطهار والأصحاب (الصحابة) الأخيار في نفوس المسلمين.
٢ - نشر العلوم الشرعية بين أفراد المجتمع وخصوصًا تلك المتعلقة بتراث الآل والأصحاب من عبادات ومعاملات.
٣ - التوعية بدور الآل والأصحاب، وما قاموا به من خدمات جليلة لنصرة الإسلام، والدفاع عن المسلمين وتحقيق هدي القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة.
٤ - دعم الوحدة الوطنية وزيادة التقارب بين شرائح المجتمع من خلال تجلية بعض المفاهيم الخاطئة التي رسخت في نفوس بعض المسلمين عن أهل البيت الأطهار والصحابة الأخيار.
_________
(^١) حرفيًا من واقع النظام الأساسي للمبرة الصادر بقرار وزير الشؤون الاجتماعية والعمل.
1 / 7
«شكر وتقدير»
يسر مبرة الآل والأصحاب أن تتقدم بالشكر والتقدير إلى الأخ الكريم بدر محمد باقر لجهده الطيب في إعداد هذا الكتاب.
وتود أن توضح لقرائها الكرام أن مركز البحوث والدراسات فيها لا يألو جهدًا على تأليف ما يتيسر له من مواد علمية يصُب محتواها في تحقيق الأهداف النبيلة للمبرة.
وبالإضافة إلى ذلك لعله من المناسب الاستفادة من كل ما يتيسر للمركز من الكتابات المتاحة في المكتبة الاسلامية، سائلين الله سبحانه أن يجزي كل مجتهد بالاجرين، وأن يجمع هذه الأمة الإسلامية على كلمة الله تعالى وهدي رسوله الكريم ﵌ على المنهج المبارك للآل والأصحاب... اللهم آمين.
1 / 8
المقدمة
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، الحمدلله حتى يرضى والحمد لله إذا رضي، والحمد لله بعد الرضى، وصلى الله وسلم وبارك على خير ولد آدم سيدنا وحبيبنا وقرة أعيننا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحابته أجمعين أما بعد:
فإني سأحاول في هذا البحث أن أطرح طرحا موضوعيا يبين للقارئ الكريم هدي أحد أئمة المسلمين وأئمة آل البيت وهو الإمام محمد بن علي بن الحسين المعروف بـ «الباقر»، أما اختياري لهذا البحث وهذه الشخصية تحديدًا فكان لعدة أسباب منها:
أولا: ندرة الكتب التي استقصت كل ما ورد عن الإمام الباقر من روايات صحيحة على المستوى العقائدي والفقهي والأخلاقي، وندرة الكتب التي تحدثت عن شخصية هذا الإمام بموضوعية ودون مبالغة أو تقصير.
ثانيًا: الدفاع عن هذا الإمام والذبّ عنه وعن آل بيت النبي صلوات الله وسلامه عليهم خاصة، وعن الإسلام عامة، فقد نُسبت للإمام «الباقر» أباطيل اتخذها أصحاب الأهواء رداءً يلتحفون به، وجعلوها ملجأً يلتجئون إليه لتبرير شذوذهم وضلالهم، ثم لبّسوا على عامة المسلمين وجعلوا هذا الشذوذ والضلال دينًا يتقربون به إلى الله وجعلوا من اسم «الباقر» وغيره من أئمة آل البيت ومن
1 / 17
العاطفة التي تربط المسلمين بآل بيت نبيهم، جوازًا لتمرير هذه البدع والضلالات على قلوب وعقول أهل القبلة.
ثالثًا: الحب الذي يكنّه كل مسلم لمن ينحدر من نسل نبينا الكريم صلوات ربي وسلامه عليه والذي يحثنا على التعرّف على ترجمة أعلام بيت النبوة واستطلاع سيرتهم الطيبة العطرة، والاقتداء بهديهم والسير على نهجهم المستقى من نهج سيدهم وسيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فمن كان صادقًا في حب النبي وآل بيته الكرام صلوات الله وسلامه عليهم فينبغي عليه أن يقتدي بهم ويتبعهم وأن لا يسمح للهوى وللتعصب أن يُبعدانه عن هدي من يحب، ورحم الله القاضي عياض إذ يقول: «اعلم أنّ من أحب شيئًا آثره وآثر موافقته وإلا لم يكن صادقًا في حبه وكان مدّعيًا، فالصادق في حب النبي ﵌ من تظهر علامات ذلك عليه وأولها: الاقتداء به واتباع سنته واتباع أقواله وأفعاله والتأدب بآدابه في عسره ويسره، قال تعالى: ﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ (^١)».
وقد تعرضت خلال بحثي في سيرة «الباقر» ﵁ إلى صدمات عدّة وذلك بسبب الكمّ الهائل من الأحاديث المفتراة التي أُلصقت بهذا الإمام فجعلتُ منهجي في معرفة الحقّ ومعرفة منهج وسلوك وتراث هذا الإمام، هو قول
_________
(^١) الشفا بتعريف حقوق المصطفى ٢/ ٢٤.
1 / 18
«الباقر»: «كلّ شيءٍ خالف كتاب الله ردَّ إلى كتاب الله والسنة»، فجعلت كتاب الله وسنة رسوله الصحيحة الميزان، فما كان راجحًا في كفتهما لم أجد ضيرا في قبول نسبته إلى «الباقر»، وأما ما خالفهما فقد نزَّهت الإمام الباقر عنه وعلمتُ يقينا بأنه من الأباطيل المفتراة عليه وقد ضربت أمثلة لبعض هذه الإفتراءات مع الرد عليها نقلًا وعقلًا، ولا أزعم أني قد استوفيت جميع الجوانب في حياة هذا الطود الشامخ وإنما اجتهدت قدر الطاقة فما كان حقا وصوابا فمن الله وحده الرحمن ذي المنن وأما ما كان خطأً فمن نفسي ومن الشيطان وأسال الله العفو والمغفرة.
ولا يسعني إلا أن أتقدم بالشكر الجزيل لكل من ساندني وعاونني في إتمام هذا البحث وأخصّ بالذكر أخويّ الفاضلين الشيخ الكريم محمد سالم الخضر والشيخ الكريم علي بن حمد التميمي، اللذين كانا مرجعًا لي بعد الله تعالى فلولا جهودهما الكريمة لما تمكنت من إتمام هذا البحث وأسأل الله جل وعلا أن يجعل ما كتبنا في ميزان حسناتنا وأن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل وأسأله ﷿ أن يلهمنا التوفيق والسداد لما يحبه ويرضاه، وأن يجمعنا مع آل النبي وصحابته في دار الرضوان مع النبيين والشهداء والصالحين.
الفقير إلى عفو ربه ومغفرته ورضوانه
بدر محمد باقر
1 / 19
كلمةٌ لابد منها
يهمُّنا قبل أن نشرع في الحديث عن سيرة الإمام «الباقر»، أن نعرف من هم آل بيت النبي صلوات الله وسلامه عليهم، وما الواجب علينا تجاههم.
آل بيت النبي صلوات الله وسلامه عليهم هم كل من التقى مع النبيِّ محمد ﵌ في هاشم (^١) ١) وهم آل العباس وآل علي، وآل جعفر وآل عقيل كما أن أزواج النبي محمد من آل بيته صلى الله وسلم عليهم أجمعين وذلك بسبب المصاهرة.
والواجب علينا حبهم جميعًا وذلك لقرابتهم من النبي ﵌ ولأنَّ النبي صلوات الله وسلامه عليه أوصانا بذلك كما في الحديث الشريف الذي رواه الإمام «مسلم» بسنده عن يزيد بن حيان قال:
«انطلقت أنا وحصين بن سبرة وعمر بن مسلم إلى زيد بن أرقم فلما جلسنا إليه قال له حصين: لقد لقيت يا زيد خيرًا كثيرًا رأيت رسول الله ﵌ وسمعت حديثه وغزوت معه وصليت خلفه، لقد لقيت يا زيد خيرًا كثيرًا، حدثنا يا زيد ما سمعت من رسول الله ﵌، قال يا ابن أخي والله لقد
_________
(^١) من أراد الإستزادة في مبحث (من هم آل البيت؟)، فإني أنصحه بالرجوع إلى كتاب «جلاء الأفهام» للعلامة ابن القيم ﵀، ومن المعاصرين كتاب (معالي الرتب لمن جمع بين شرفي الصحبة والنسب) للشيخ مساعد سالم العبد الجادر ﵀.
1 / 20
كبرت سني وقدم عهدي ونسيت بعض الذي كنت أعي من رسول الله ﵌ فما حدثتكم فاقبلوا وما لا فلا تكلفونيه، ثم قال: قام رسول الله ﵌ يوما فينا خطيبًا بماءٍ يدعى خمًّا بين مكة والمدينة فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكر ثم قال: أمّا بعد ألا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به، فحث على كتاب الله ورغب فيه، ثم قال: وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي فقال له حصين ومن أهل بيته؟ يا زيد أليس نساؤه من أهل بيته؟ قال: نساؤه من أهل بيته ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده قال: ومن هم؟ قال: هم آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس قال: كل هؤلاء حرم الصدقة؟، قال: نعم» (^١).
وقد غفل البعض عن فهم ذلك فضيَّقوا تعريف آل البيت واقتصروا على أفرادٍ معدودين منهم خصُّوهم بالحبِّ والثناء والتعظيم، وأهملوا الآخرين، بل وطعنوا في بعضهم، وغفلوا أنَّ آية الحب هي الاتِّباع، فعندما نجد من يدَّعي حب نبينا ﵌ فدليل حبِّه هو إتباع هديه وسيرته أمَّا أن يدَّعي حبه وهو أبعد ما يكون عن نهجه فليس صادقًا في ادعائه قط، وكذا من يدّعي حبَّ الصحابة وآل بيت النبي صلوات الله وسلامه عليهم، يتوجب عليه أن يكون هديه
_________
(^١) صحيح مسلم كتاب (فضائل الصحابة)، باب (فضائل علي بن أبي طالب) رقم (٤٤٢٥).
1 / 21
موافقًا لهديهم فيحبَّ من أحبّوا ويؤمن بما آمنوا به، ويعمل بعملهم ونهجهم، أمَّا أن يدعي حبَّهم ويكون مخالفًا لسيرتهم ونهجهم فهذا مسكين ما فهم حقيقة المحبة وما زاده ادّعاؤُه إلا حيرةً وضلالًا، فيظنُّ أنَّه على خيرٍ بحبِّه محمدًا وآل بيته وأصحابه وهو أبعد ما يكون عن الحقِّ والله المستعان.
أما اعتقادنا كمسلمين، فإنّنا نحبّ كل آل بيت محمد صلوات الله وسلامه عليهم ونوقِّرهم وذلك لقرابتهم من النَّبي ولحبِّنا لمحمد صلوات الله وسلامه عليه وأمّا من عرف منهم بالعلم والصلاح والتقوى فنحبُّه لأمرين، أولهما: تقواه وصلاحه وعلمه، وثانيهما: قرابته من النبي ﵌.
وفي هذا البحث سأعمل جاهدًا لأبيَّن سيرة ومنهج قطبٍ من أقطاب آل البيت وهو الإمام محمد «الباقر» رضوان الله عليه، وكيف أنَّه كان ممَّن يتبعون النبي ﵌ ولا يخالفونه، فلم يكن مبتدعًا، بل كان حكم الله ورسوله هو المقدَّم دائمًا لديه رضوان الله تعالى عليه.
1 / 22
الفصل الأول
إِشراقة ذاتية
اسمه ولقبه:
هو محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي القرشي أبو جعفر «الباقر» أمُّه أم عبد الله بنت الحسن بن علي بن أبي طالب (^١) ﵃.
لُقِّب بالباقر لنبوغه في العلم وتوسعه فيه كما قال ابن منظور في «لسان العرب»: «وكان يقال لمحمد بن علي بن الحسين بن علي «الباقر» رضوان الله عليهم لأَنَّه بقر العلم وعرف أَصله واستنبط فرعه، وتَبقَّر في العلم وأَصل البَقْر الشقّ والفتح والتوسعة، بَقَرْتُ الشيءَ بَقْرًا فتحته ووسعته، وفي حديث حذيفة: فما بال هؤلاء الذين يَبْقُرونَ بيوتنا أَي يفتحونها ويوسعونها...» (^٢).
وقد قال فيه القرظي:
يا باقر العلم لأهل التقى... وخير من لبّى على الأجبل (^٣).
وذكر المفيد في «الإرشاد» والمجلسي في «بحار الأنوار» أنّ من لقَّبه بالباقر هو رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، وهذا القول لم نجد له مستندا صحيحا
_________
(^١) تهذيب الكمال (٢٦/ ١٣٧).
(^٢) لسان العرب (٤/ ٧٣).
(^٣) سير أعلام النبلاء (٤/ ٤٠٤).
1 / 23
تاريخيّا أو حديثيّا، وقد تتبع هذه الروايات آية الله الشيخ محمد آصف محسني في كتابه «مشرعة بحار الأنوار» فخلص إلى عدم صحة أيّ منها.
ثناء العلماء عليه:
قال عنه الحافظ الذهبي: «الإمام الثبت الهاشمي العلوي المدني أحد الأعلام» وقال: «كان أحد من جمع العلم والفقه والشرف والديانة والثقة والسؤدد وكان يصلح للخلافة» (^١).
وقال عنه الحافظ ابن كثير: «محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب القرشي الهاشمي أبو جعفر «الباقر»، وأمّه أمّ عبد الله بنت الحسن بن علي، هو تابعيٌّ جليل كبير القدر كثيرًا، أحد أعلام هذه الأمة علمًا وعملًا وسيادةً وشرفًا» (^٢)، وقال أيضًا: «وسمي «الباقر» لبقره العلوم واستنباطه الحكم كان ذاكرًا خاشعًا صابرًا وكان من سلالة النبوة رفيع النسب عالي الحسب وكان عارفًا بالخطرات كثير البكاء والعبرات معرضًا عن الجدال والخصومات» (^٣).
وقال عنه الحافظ ابن حجر العسقلاني ﵀: «محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب أبو جعفر «الباقر» ثقةٌ فاضل» (^٤).
_________
(^١) تذكرة الحفاظ (١/ ١٢٤).
(^٢) البداية والنهاية (٩/ ٣٣٨).
(^٣) البداية والنهاية (٩/ ٣٣٩).
(^٤) تقريب التهذيب (٢/ ١١٤).
1 / 24
ومن تتبَّع أقوال أهل العلم في الإمام «الباقر» سيجد لا محالة مدحًا وإشادةً بفضله، بل حتى تقي الدين ابن تيميه الذي يتهمه المتعصبة بالنّصب قد مدحه في أكثر من موضع من كتبه ومن أراد التأكد من ذلك فليطالع «مجموع الفتاوى ١٩/ ٦٩» على سبيل المثال لا الحصر، أما المغالي فإنه لا يقنع سوى بالغلو فيهم، فينسب لهم العصمة والعلم المطلق وما أشبه ذلك، بل ويتَّهم من ينفي عنهم مثل هذا الغلو بالنصب وبمعاداة أهل البيت متناسيًا بهذا الوصيَّة النبوية القائلة:
«لاتطروني كما أطرت النصارى ابن مريم فإنما أنا عبده فقولوا: عبد الله ورسوله» (^١)، فإن كان الغلو في خير الخلق محمد ﵌ محرّما فكيف بمن هم دونه في الفضل والعلم والتقوى، ولو أنَّ هؤلاء الغلاة طرحوا التعصّب جانبًا واكتفوا بما في كتاب الله وسنة نبيه الصحيحة الثابتة، لأدركوا البعد الكبير بينهم وبين هدي النبي ﵌ وآل بيته الكرام.
_________
(^١) صحيح البخاري كتاب (أحاديث الأنبياء) باب (واذكر في الكتاب مريم إذ إنتبذت)، رقم (٣١٨٩) خلاصة عبقات الأنوار (٣/ ٣٠٥).
1 / 25
مولده ونشأته:
ولد سنة ست وخمسين على قول أحمد بن البرقيّ (^١). وكان ذلك قبلَ استشهادِ الحسين ﵁ وأرضاه بأربع سنين، قال أبو جعفر الباقر: «قتل جدي الحسين ولي أربع سنين، وإني لأذكر مقتله، وما نالنا في ذلك الوقت» (^٢).
وقال ابن خلكان: «إن مولده يوم الثلاثاء ثالث صفر سنة سبع وخمسين للهجرة، وكان عمره يوم قتل جده الحسين ﵁ وأرضاه ثلاث سنين» (^٣).
وأما البيت الذي نشأ فيه «الباقر» رضي الله تعالى عنه، فهو بيتٌ زاخرٌ بالتقوى والورع والعلم والعبادة؛ كما سنبين ذلك في المباحث القادمة.
أبوه:
هو الإمام علي بن الإمام الحسين بن الإمام علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم الهاشمي المدني زين العابدين (^٤) ﵁، أمُّه أم ولد، اسمها سلافه بنت ملك الفرس يزدجرد، وقيل: غزالة (^٥)، وقد ذكر أبو القاسم الزمخشري في كتاب «ربيع الأبرار» أنَّ الصحابة، ﵃، لما أتوا المدينة بسبي فارس في خلافة عمر بن
_________
(^١) تاريخ الإسلام (٧/ ٤٣٦)، تهذيب التهذيب (٩/ ٣١٢).
(^٢) تاريخ اليعقوبي (٢/ ٣٢٠).
(^٣) وفيات الأعيان (٤/ ١٧٤).
(^٤) تاريخ الإسلام (٦/ ٤٣١).
(^٥) سير أعلام النبلاء (٤/ ٣٨٦).
1 / 26
الخطاب، ﵁، كان فيهم ثلاث بنات ليزدجرد، فباعوا السبايا، وأمر عمر ببيع بنات يزدجرد أيضًا، فقال له علي بن أبي طالب، ﵁: إنَّ بنات الملوك لا يعاملن معاملة غيرهن من بنات السوقة، فقال: كيف الطريق إلى العمل معهن قال: يقومن مهما بلغ ثمنهن قام به من يختارهن فقومن وأخذهن علي، ﵁، فدفع واحدة لعبد الله بن عمر وأخرى لولده الحسين وأخرى لمحمد بن أبي بكر الصديق، وكان ربيبه (^١)، ﵃ أجمعين، فأولد عبد الله أمته ولده سالمًا، وأولد الحسين زين العابدين، وأولد محمد ولده القاسم، فهؤلاء الثلاثة بنو خالة، وأمهاتهم بنات يزدجرد (^٢)، وكان أهل المدينة يكرهون اتخاذ أمهات الأولاد حتى نشأ فيهم علي بن الحسين والقاسم بن محمد وسالم بن عبد الله، ففاقوا أهل المدينة فقهًا وورعًا، فرغب الناس في السراري (^٣).
وكان ﵁ وأرضاه ثقةً عابدًا زاهدًا عالمًا ورعًا، اجتمعت فيه جلُّ الفضائل وقد مَدحه خلقٌ كثير ممن عاصروه.
قال ابن سعد في ترجمته للإمام «زين العابدين» ما نصه: «وكان ثقة مأمونا كثير الحديث عاليًا رفيعًا ورعًا»، وقد نقل ابن عيينة عن الزهري قوله: «ما رأيت قرشيًّا
_________
(^١) ربيبه: أي يعوله ويرعاه، ويتكفل بنفقته، وهذا مثال واضح وظاهر على قوة العلاقة بين أبي بكر الصديق وعلي بن أبي طالب ﵄.
(^٢) وفيات الأعيان (٣/ ٢٦٧).
(^٣) وفيات الأعيان (٣/ ٢٦٨).
1 / 27
أفضل من علي بن الحسين وكان مع أبيه يوم قتل وهو مريض فسلم»، وقال أيضا: «ما رأيت أحدًا كان أفقه منه ولكنَّه كان قليل الحديث»، وقال ابن وهب عن مالك: «لم يكن في أهل بيت رسول الله ﵌ مثل علي بن الحسين»، وقال حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد: «سمعت علي بن الحسين وكان أفضل هاشمي أدركته»، ويروى أن سعيد بن المسيب قال: «ما رأيت أورع منه»، وقال العجلي: «مدني تابعي ثقة»، وقال جويرية بن أسماء: «ما أكل علي بن الحسين لقرابته من رسول الله ﵌ درهمًا قط» (^١).
وقد كان الإمام علي بن الحسين رضي الله تعالى عنه وأرضاه محبًّا للصالحين وعلى رأسهم خير البشر بعد الأنبياء، وهم صحابة النبيّ ﵌ فقد كان يجلُّ الشيخين أبا بكر وعمر حتى أنه قد سُئِل: كيف كانت منزلة أبي بكر وعمر عند رسول الله ﵌، فأشار بيده إلى القبر، ثم قال: «بمنزلتهما منه الساعة» (^٢).
وعن جعفر «الصادق» بن محمد عن أبيه قال: «جاء رجل إلى أبي فقال: أخبرني عن أبي بكر؟ قال: عن الصدِّيق تسأل؟ قال: وتسمِّيه الصدِّيق؟! قال: ثكلتك أمّك قد سمَّاه صدِّيقًا من هو خير مني، رسول الله ﵌، والمهاجرون
_________
(^١) تهذيب التهذيب (٧/ ٢٦٩).
(^٢) سير أعلام النبلاء (٤/ ٣٩٥).
1 / 28
والأنصار، فمن لم يسمه صديقًا، فلا صدق الله قولَه، اذهب فأحب أبا بكر وعمر وتولهما، فما كان من أمر ففي عنقي» (^١).
وكان ﵁ وأرضاه يقول: «والله ما قتل عثمان ﵀ على وجه الحق» (^٢).
وعُرف ﵁ بحسن الخلق ولين الجانب، فروي أنه كان بينه وبين حسن بن الحسن (^٣) أمر، فما ترك حسن شيئا إلا قاله، وعلي ساكت، فذهب حسن، فلما كان في الليل، أتاه علي، فخرج، فقال علي: «يا ابن عمي إن كنت صادقًا فغفر الله لي، وإن كنت كاذبًا، فغفر الله لك، السلام عليك، قال: فالتزمه حسن، وبكى حتى رثى له» (^٤).
وعرف في زمانه برفعة القدر بين الناس وفاق بذلك الخلفاء، فيُروى أن هشام بن عبد الملك حج قبيل ولايته الخلافة، فكان إذا أراد استلام الحجر زوحم عليه، وإذا دنا علي بن الحسين من الحجر تفرقوا عنه إجلالًا له، فوجم لها هشام وقال: من هذا؟ فما أعرفه، فأنشأ الفرزدق يقول:
هذا الذي تعرفُ البطحاءُ وطأتَهُ... والبيتُ يعرفهُ والحلُّ والحرمُ
_________
(^١) سير أعلام النبلاء (٤/ ٣٩٥).
(^٢) سير أعلام النبلاء (٤/ ٣٩٧).
(^٣) هو الحسن «المثنى» بن الحسن «السبط» بن علي بن أبي طالب ﵃ من علماء وأفاضل أهل البيت توفي سنة «٩٧» هـ.
(^٤) سير أعلام النبلاء (٤/ ٣٩٧).
1 / 29