Al-Qisas Al-Qurani - Yasser Burhami
القصص القرآني - ياسر برهامي
Genre-genre
الفرق بين معصية آدم ومعصية إبليس
وكفر الرد والإباء يؤدي إلى زوال أصل الانقياد من القلب، وأصل العبودية خضوع وانقياد مع حب، فإذا زال من القلب أصل الخضوع كفر المخلوق والعياذ بالله، فهذا إبليس كفر مع إقراره بوجود الله، ومع إقراره أن الله خلقه، ومع إقراره بيوم البعث، ومع إقراره أن الله هو الذي يمد في العمر ومع كل ذلك كفر إبليس؛ لأنه انتفى من قلبه أصل الانقياد، وانتفى من قلبه الخضوع لله ﷿، فآدم ﵇ عصى، وإبليس عصى، وآدم لم يكفر ﵇، وإبليس كفر؛ لأن آدم لما عوتب قال: ﴿رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا﴾ [الأعراف:٢٣].
وشتان بين من قال: ﴿لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ﴾ [الحجر:٣٣]، وبين من قال: ﴿رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا﴾ [الأعراف:٢٣]! وهذا فرق كبير جدًا بين إنسان تأمره بطاعة الله فيقول: أنا مخطئ، أنا مقصر، وبين آخر يقول: دعنا من الشرع! لا ألتزم ولا أطيع! فهذا هو الذي يرد شرع الله ﷿.
والمؤمن لا بد أن يكون في قلبه أصل الحب والانقياد، وأصل الخضوع لله ﷿، ولذا يقال: طريق معبد أي: مذلل، فالعبودية أصلها من الذل والخضوع، ولذلك إذا زال من القلب أصل الخضوع -بمعنى: أنه لا يرى لله عليه أمرًا يطاع- زال من قلبه الإيمان ولو أطاع في أوامر أخرى، ولو كان يعبد الله قبل ذلك بسنين فإنه لا يكون مؤمنًا، ثم كانت الصفة الثانية التي دلت عليها الآية الكريمة: أنه يزكي نفسه، قال الله عنه: «أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ» فتزكية النفس والإعجاب بها ورؤيتها كبيرة مرض؛ لذا كان مرض الكبر والعياذ بالله مرضًا منتشرًا أيضًا في بني آدم، والذرة منه تمنع دخول الجنة، كما قال النبي ﷺ: (لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر) وإبليس رأى نفسه في المحل الأعلى فزكى نفسه، قال ﷿: ﴿فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى﴾ [النجم:٣٢].
وكم تجد من الناس من يقول: أنا خير من فلان، وأنا أحسن من فلان، وأنا أعلى قدرًا من فلان، وأنا أغنى من فلان، وأنا أكثر مالًا من فلان، أنا أكثر منك مالًا وولدًا! كم من الرجال والنساء! المرأة تقول: أنا أجمل من فلانة، وأنا أحسن من فلانة، حتى إن أهل الدين قد يدخل فيهم هذا الداء، حتى إنه يوجد من يعبد الله ﷿ ليقال: فلان أعبد من فلان! وفلان أزهد من فلان! وهو في نفسه يقول: أنا أعلم من فلان، وأنا أكثر طاعة من فلان، نسأل الله العافية! فهذا بلاء شديد وخطير، وقد يبتلى به أهل الدنيا وأهل الدين على حد سواء؛ لذلك لا بد أن تكون حذرًا من ذلك في نفسك، فاحذر أن تزكي نفسك، فمن كان على طريقة إبليس فإنه يزكي نفسه، فليست كلمة (أنا) حرام فقط، فبعض الناس يقول لك: أنا اسمي فلان! وأعوذ بالله من كلمة أنا! لا، ليست (أنا) حرامًا، وإنما (أنا) هذه تصبح كلمة منكرة أي: التي فيها تزكية للنفس والشعور بالكمال، وتنقيص الآخرين وازدرائهم، فهذه هي التي فيها الذم والعيب، وليس كل (أنا) تكون محرمة يستعاذ منها، وإلا فقد ثبت في الكتاب والسنة أن يقول الإنسان: أنا.
قال: «أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ»، فإبليس جاهل جهلًا عظيمًا لأمور: أولًا: أن في هذا رد لشرع الله ﷾.
ثانيًا: فيه اعتقاد عدم حكمة الله ﷾، وكأنه يقول: الأمر الذي أمرت به غير مناسب فكيف تأمرني بالسجود له؟! إذًا: ففيه اعتراض على الله ﷾ في حكمته وكأنه يقول: إن الأمر غير صحيح، إبليس لا يؤمن بصفة العلم والحكمة وأن الله ﷿ حكيم يضع الأشياء في مواضعها، ويشرع الشرائع للمصالح والحكم، فهذا داء خطير موجود في كثير من الناس، فتراه يعترض على شرع الله ﷿ بعقله، ويقول: لماذا أمر الله بالشيء الفلاني؟ كان ينبغي كذا فيقترح على شرع ربنا سبحانه، ولماذا ربنا حرم الشيء الفلاني؟! ولماذا ربنا أوجب الشيء الفلاني؟! وإبليس سن سننًا لكثير جدًا من الناس ليسيروا عليها، ومنها: الإعجاب بالنفس، واعتقاد عدم الحكمة في شرع الله ﷾، والكبر الذي يدفع الإنسان إلى عدم الالتزام بدين الله وشرعه ﷾.
4 / 8