Al-Qisas Al-Qurani - Yasser Burhami

Yasser Borhami d. Unknown
55

Al-Qisas Al-Qurani - Yasser Burhami

القصص القرآني - ياسر برهامي

Genre-genre

دعوة موسى على فرعون وملئه وكان هنا لك واجب آخر، وهو الدعاء، فالدعاء سلاح عظيم قال الله: «وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا». وتأمل هذه الأدعية العظيمة «رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ»، لم يقل: يا رب! فرعون عنده، وعنده، ولكن قال: «رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ»، وهذه روح إيمانية عالية جدًا؛ لأن الإيمان يعلو بالإنسان فيرى أن ذلك عطاء من الله نازل من عنده وليس من جهد فرعون، فهذه الأرض كلها صغيرة جدًا وهي ذرة في هذا الوجود، ولم يحصل فرعون هذا بنفسه بل الذي آتاه ذلك هو الله «رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ»، فموسى يستحضر القدر، ويستحضر أن الله مالك الملك كما قالوا له عندما قال ﴿سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ * قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [الأعراف:١٢٧ - ١٢٨]، استعينوا؛ لأن الله هو المالك؛ فالضر والنفع بيده ﷾، وكل الأمور من عنده لا من عند فرعون، فلا قهر لفرعون بل الله هو القاهر فوق عباده ﷾. ولذلك قال ﷾ عن موسى: «وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا»، فاستحضر موسى صغر هذه الحياة الدنيا وسماها دنيا وزينة وأموالًا، وذكرها بالصيغة المنكرة؛ لأن فيها تقليلًا واستحقارًا لهذا الذي أعطي فرعون؛ ولأن الله هو الذي أعطاه وليس هو الذي جمع، ولم يكن له الأمر في الجنود وإنما هذا بأمر الله، ثم استحضر أمرًا آخر «رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ»، وهذا الإضلال وقع بقدر الله وإرادته، واللام للتعليل «رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ»، وليس تعليلًا شرعيًا؛ فإن الله لم يأذن شرعًا أن يضل عن سبيله، ولكن قدر ذلك ﷾، فموسى يستحضر أن ذلك من الله ﷿ خلقًا وإيجابًا، فالله خالق أفعال العباد، وقد أعطاهم الله ليضلوا عن سبيله، ولكي تجتمع عليهم قلوب المفسدين، كما قال ﷿: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ﴾ [الأنعام:١٢٣]، فربنا هو الذي جعلهم يمكرون وهو يعلم أنهم يمكرون، وفي هذا فائدة لنا نحن؛ لأن الله يحب أن تظهر منا عبادات أخرى؛ كالصبر واليقين بوعده، والتوكل؛ ولأجل ذلك سخر وأوجد من يمكر ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ * وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ﴾ [الأنعام:١١٢ - ١١٣]، لتصغى إلى الباطل بمعنى: لتميل إلى الباطل قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة ﴿وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ﴾ [الأنعام:١١٣]، فالله هو الذي قدر ذلك، وجعلهم يفعلونه. قال ﷿: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ﴾ [الأنفال:٣٦]، لماذا قدر الله ذلك؟ الجواب ﴿لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ [الأنفال:٣٧]، وجعلهم مغناطيس من أجل أن يأتي الباطل على بعضه، ولكي تصغى إليه القلوب الفاسدة، ثم تلقى بعد ذلك في النار ﴿مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ﴾ [آل عمران:١٧٩]. وحين تقرأ قول الله: «رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ»، فإنك لا تستحضر قوة فرعون، ولا تستحضر كثرة ما معه، بل استحضر أن ناصيته بيد الله، وأن الله أعطاه ليبتليك أنت ﴿وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا﴾ [الفرقان:٢٠]، ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ﴾ [الفرقان:٣١]، الله الذي جعل ذلك ﴿وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا﴾ [الفرقان:٣١]، فهم الذين يضلون وكفى بالله هاديًا، وهم الذين يحاربون الإسلام ليهزم وكفى به ﷿ نصيرًا، وسوف يظهر أن الهداية لله ﷿، وأنه يهدي رغم كيد المضلين، وسيظهر رغم حرب المحاربين أن الله هو النصير، وأنه سينصر الإسلام ويظهر الحق بفضله ﷾. قال تعالى: «رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الأَلِيمَ»، وتلك الدعوات شديدة جدًا من أجل أن يظل فرعون مربوطًا على قلبه لا يقبل الحق هو وقومه حتى يروا العذاب الأليم، فسيدنا موسى دعا عليهم دعوة عظيمة من أجل أنهم لم يؤمنوا، فأراد أن ينزل بهم عقاب الله من كثرة ما رأى من إعراضهم وكبرهم، فدعا عليهم أن يظلوا على الكفر إلى الموت، فطمس الله على أموالهم وتحولت إلى حجارة كما قال غير واحد من أهل العلم، أو طمس عليها فلم يعد لها فائدة. قال ﷿: «قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا»، وقد كان سيدنا هارون يؤمن فسميت دعاءً أيضًا «قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا»، ومعناها سوف تجاب، وسوف يؤمن فرعون حين يرى العذاب، ومع ذلك قال: (قد أجيبت). وكان بين الدعوة هذه وإجابتها التي أخبر الله بتحققها سنين، ففي بعض الأقوال: أربعون سنة، وما نظنها وصلت إلى ذلك فالله أعلم، لكن كان بينهما مدة، ولذلك فلا تستعجل فقد أجيبت الدعوة بالفعل، فالله يجيب الدعوة في السماء قبل أن يرى الناس وقوعها على الأرض. ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام، ويقول الله: (وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين)، والحين عند الناس طويل، وأما عند الله ﷿ فهو قصير، وقد أمرنا ربنا ألا نستعجل بل قال لنبيه: ﴿وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ﴾ [الأحقاف:٣٥] فلا تقل يا رب أنزل عليهم العذاب الآن، بل اتركهم لله ﷿ فله الحكمة والعلم يفعل ما يشاء، ولعلك في فترة الشدة والإحراق أفضل منك في فترة الرخاء والإشراق. فعندما تطلع الشمس سوف يكون الناس كلهم سائرين إلى أعمالهم، وسوف يدخل الناس في دين الله أفواجًا، وأما أنت فينبغي لك في فترات الإحراق والشدة وحدك أن تعبد الله ولعل هذا خير لك، فأكثر الناس لا يصبرون عن فتنة السراء، ففتنة الدنيا تأخذ الناس بعيدًا عن الإسلام، فالصحابة أنفسهم يخشى عليهم النبي ﷺ من الدنيا، فلا تستعجل فإن لك أجلًا مقدرًا ولعل ما أنت فيه من الشدة والضيق خير لك من السعادة التي تطلبها، فالله هو الأعلم ففوض الأمر إليه.

3 / 17