Al-Qawl Al-Fasl Fi Hukm Tarik Al-Salah Amadan Hatta Yakhruj Waqtuha
القول الفصل في حكم تارك الصلاة عمدا حتى يخرج وقتها
Genre-genre
القولُ الفصل في حُكم تارك الصّلاة عمدًا حتّى يخرجَ وقتُها
تأليف: الشيخ محمّد تقي الدين الهلالي الحُسيني
_________
خرّج أحاديث هذه النسخة الإلكترونية، وعلّق عليها: أبو سامي العبدان حُسن التَمام
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: ١٠٢]
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء: ١]
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا. يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: ٧٠، ٧١]
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة.
كلفني أحد إخواننا في الله تعالى الاعتناء بهذه الرسالة لنفاستها في موضوعها، وهذا من حسن ظنه بالعبد الفقير إلى ربه، فأجبته إلى طلبه على وجل، فقمت بتخريجها مع الحكم على الأحاديث والآثار التي تضمنتها هذه الرسالة القيّمة، التي تطرقت إلى موضوع خطير ألا وهو ترك الصلاة حتى يخرج وقتها، فتجد العلماء دائمًا يحملون هموم هذه الأمة، وعندهم الحرص على النصح، فيبذلون النفس والنفيس في التحذير من الشر، وإن مما ابتلي به أكثر الناس - إلا من رحم الله تعالى - التهاون في أداء الصلاة في أوقاتها، وهو أمر عظيم قد بيّن المؤلف خطورته في هذه الرسالة المباركة، فجزاه الله تعالى خير ما جزى عالِمًا عن الإسلام وأهله، قال ابن حزم في "المحلى" ٢/ ٢٤٢:
"وقد جاء عن عمر، وعبد الرحمن بن عوف، ومعاذ بن جبل، وأبي هريرة، وغيرهم من الصحابة ﵃ أن من ترك صلاة فرض واحدة متعمدا حتى يخرج وقتها فهو كافر مرتد".
وقال الحافظ المنذري في "الترغيب والترهيب" ١/ ٣٩٤:
"وقد ذهب جماعة من الصحابة، ومن بعدهم، إلى تكفير من ترك الصلاة متعمدا لتركها حتى يخرج جميع وقتها، منهم عمر بن الخطاب، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عباس، ومعاذ بن جبل، وجابر بن عبد الله، وأبو الدرداء ﵃، ومن غير الصحابة أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وعبد الله بن المبارك، والنخعي، والحكم بن عتيبة، وأيوب السختياني، وأبو داود الطيالسي، وأبو بكر بن أبي شيبة، وزهير بن حرب وغيرهم".
والمؤلف رحمه الله تعالى منهجه في هذه الرسالة منهج العالم السلفي، الذي يستدل بالكتاب والسنة ويكون فهمه لهما من معين السلف الصالح، فبدأ بالنقل من كتاب "الصلاة" لابن القيم ذاكرًا أدلة كفر تارك الصلاة من الكتاب العزيز، ثم دلائل السنة على كفر تارك الصلاة، ثم ما جاء عن الصحابة ﵃ في حكم تارك الصلاة، ثم يذكر أن قبولَ الأعمال من العبد متوقفٌ على فعل الصلاة، ثم يسوق أقوال العلماء من التابعين ومن بعدهم في كفر تارك الصلاة، وينقل عنهم من حكى الإجماع على ذلك، ثم يبيّن بالأدلة أن من نام عن صلاة أو نسيها فهو معذور وإن خرجت الصلاة عن وقتها، وأن وقتها في حقه حين يذكرها أو يستيقظ من نومه، ثم يبيّن أن من ترك صلاة عمدًا حتى يخرجَ وقتُها لا ينفعه قضاؤها، وفيه فوائد عظيمة جليلة غير ما ذكرتُ، فأترككم مع هذه الرسالة القيّمة، والله الموفق.
كتبه الفقير إلى الله تعالى
أبو سامي العبدان
حسن التمام
(١٧ - رجب - ١٤٣٩ هجري)
1 / 1
المقدمة
الحمد لله وبه أستعين، وصلِّ اللهمّ على خير خلقك محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، الذين كانوا على صلاتهم يحافظون، أما بعد:
فيقول العبد الفقير إلى رحمة ربِّه، الوالي محمد تقي الدين بن عبد القادر الهلالي، سألني جماعة من إخواننا الموحِّدين لربِّ العالمين، المتمسكين بسنة النبيّ الأميّ عن حكم تارك الصلاة عمدًا أهو كافر أم هو من عصاة المسلمين؟ وما هو عقابه في شريعة ربّ العالمين؟
فوجب عليّ أن أجيبهم بما يروي الغليل، ويشفي العليل، فأقول وبالله التوفيق.
الفصل الأول
أدلة كفر تارك الصلاة
أنقله من "كتاب الصلاة" لابن القيم، وربّما أضيف إلى كلامه زيادة إن شاء الله تعالى، قال الحافظ شمس الدين محمد بن أبي بكر المشهور بابن القيم (^١):
أدلة الكتاب العزيز:
قال الله تعالى: ﴿أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ. مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ. أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ. إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ. أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ. سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ. أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكَائِهِمْ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ. يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ. خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ﴾ [القلم: ٣٥ - ٤٣]، فوجه الدلالة من الآية أنه سبحانه أخبر أنه لا يجعل المسلمين كالمجرمين وأن هذا الأمر لا يليق بحكمته ولا بحكمه ثم ذكر أحوال المجرمين الذين هم ضد المسلمين، فقال: ﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ﴾، وأنهم يدعون إلى
_________
(^١) في كتابه "الصلاة وأحكام تاركها" (ص ٤٩ - ٥٠)
1 / 3
السجود لربهم ﵎، فيحال بينهم وبينه فلا يستطيعون السجود مع المسلمين، عقوبة لهم على ترك السجود له مع المصلين في دار الدنيا، وهذا يدل على أنهم مع الكفار والمنافقين، الذين تبقى ظهورهم إذا سجد المسلمون كصياصي (^١) البقر، ولو كانوا من المسلمين لأذن لهم بالسجود كما أذن للمسلمين.
الدليل الثاني: قوله تعالى: ﴿كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ. إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ. فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ. عَنِ الْمُجْرِمِينَ. مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ. قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ. وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ. وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ. وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ. حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ﴾ [المدثر: ٣٨ - ٤٧]، فلا يخلو إما أن يكون كل واحد من هذه الخصال هو الذي سلكهم في سقر وجعلهم من المجرمين، أو مجموعها: فإن كان كل واحد منها مستقلا بذلك فالدلالة ظاهرة، وإن كان مجموع الأمور الأربعة فهذا إنما هو لتغليظ كفرهم وعقوبتهم، وإلا فكل واحد منها مقتض للعقوبة إذ لا يجوز أن يضم ما لا تأثير له إلى ما هو مستقل بها.
ومن المعلوم أن ترك الصلاة وما ذكر معه ليس شرطًا على التكذيب بيوم الدين، بل هو وحده كاف في العقوبة، فدل على أن كل وصف ذكر معه كذلك، إذ لا يمكن لقائل أن يقول: لا يعذب إلا من جمع هذه الأوصاف الأربعة! فإذا كان كل واحد منها موجبا للإجرام، وقد جعل الله سبحانه المجرمين ضد المسلمين كان تارك الصلاة من المجرمين السالكين في سقر، وقد قال: ﴿إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ (٤٧) يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ﴾ [القمر: ٤٧، ٤٨]، وقال تعالى:
﴿إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ﴾ [المطففين: ٢٩]، فجعل المجرمين ضد المؤمنين المسلمين.
الدليل الثالث: قوله تعالى: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ [النور: ٥٦]، فوجه الدلالة أنه سبحانه علق حصول الرحمة لهم بفعل هذه الأمور، فلو كان ترك الصلاة لا يوجب تكفيرهم وخلودهم في النار لكانوا مرحومين بدون فعل الصلاة، والرب تعالى إنما جعلهم على رجاء الرحمة إذا فعلوها.
_________
(^١) في المطبوع من هذه الرسالة النافعة، وأيضا في "الصلاة" لابن القيم (كميامن البقر)، والصواب ما أثبته، ويشير إلى الحديث الصحيح الذي أخرجه إسحاق بن راهويه كما في "المطالب العالية" (٤٥٣٩)، و"إتحاف الخيرة" (٧٦٨٤)، وعبد الله بن أحمد في "السنة" (١٢٠٣)، والمروزي في "تعظيم قدر الصلاة" (٢٧٨) و(٢٨١)، وابن خزيمة في "التوحيد" ٢/ ٥٨٣ - ٥٨٤، والطبراني ٩/ (٩٧٦٣)، والآجري في "الشريعة" (٦١٠)، والدارقطني في "الرؤية" (١٦١) و(١٦٢)، والحاكم في "المستدرك" ٢/ ٣٧٦ و٤/ ٥٨٩ - ٥٩٢، وصححه، واللالكائي في "شرح أصول الاعتقاد" (٨٤٢)، وابن أبي الدنيا في "صفة الجنة" (٢٩)، والبيهقي في البعث والنشور (٤٣٤) من حديث ابن مسعود الطويل في حشر الخلائق يوم القيامة، وفيه "ويبقى أهل الِإسلام جثوما، فيقول لهم: ما لكم لا تنطلقون كما انطلق الناس؟ فيقولون: إن لنا ربا ما رأيناه بعد، قال: فيقول: فبم تعرفون ربكم إن رأيتموه؟ قالوا: بيننا وبينه علامة، إن رأيناه عرفناه، قال: وما هي؟ قالوا: الساق، فيكشف عن ساق، قال: فيحني كل من كان لظهر طبق ساجدا ويبقى قوم ظهورهم كصياصي البقر، يريدون السجود فلا يستطيعون … الحديث".
ومعنى (صياصي البقر) أي قرونها، واحدتها صيصية. قاله ابن الأثير في "النهاية" ٣/ ٦٧.
1 / 4
الدليل الرابع: قوله تعالى: ﴿فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ. الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ﴾ [الماعون: ٤، ٥] وقد اختلف السلف في معنى السهو عنها، فقال سعد بن أبي وقاص، ومسروق بن الأجدع، وغيرهما: هو تركها حتى يخرج وقتها.
روي في ذلك حديث مرفوع، قال محمد بن نصر المروزي: حدثنا
سفيان (^١) بن أبي شيبة، حدثنا عكرمة بن إبراهيم، حدثنا عبد الملك بن عمير، عن مصعب بن سعد، عن أبيه: "أنه سأل النبي ﷺ عن الذين هم عن الصلاة ساهون، قال: هم الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها" (^٢).
وقال حماد بن زيد: حدثنا عاصم، عن مصعب بن سعد، قال: "قلت: لأبي يا أبتا أرأيت قول الله: ﴿الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ﴾ أينا لا يسهو؟ أينا لا يحدث نفسه؟ قال: إنه ليس ذاك ولكنه إضاعة الوقت" سنن البيهقي (^٣).
وقال حيوة بن شريح: أخبرني أبو صخر، أنه سأل محمد بن كعب القرظي عن قوله: ﴿الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ﴾ قال: هو تاركها. ثم سأله عن الماعون قال: منع المال عن حقه.
إذا عرف هذا، فالوعيد بالويل اطَّرد في القرآن للكفار، كقوله: ﴿وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ. الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ﴾ [فصلت: ٦، ٧] وقوله: ﴿وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ. يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا - إلى قوله - مُهِينٌ﴾ [الجاثية: ٧، ٨]، وقوله: ﴿وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ﴾ [إبراهيم: ٢]، إلا في موضعين وهما ﴿وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ﴾ [المطففين: ١] و﴿وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ﴾ [الهمزة: ١]، فعلق الويل بالتطفيف وبالهمز واللمز، وهذا لا يكفر به بمجرده، فويل تارك الصلاة إما أن يكون ملحقا بويل الكفار أو بويل الفساق، فإلحاقه بويل الكفار أولى لوجهين:
الأول: أنه قد صح عن سعد بن أبي وقاص في هذه الآية أنه قال: "لو تركوها لكانوا كفارا ولكن ضيعوا وقتها" (^٤).
الثاني: ما سنذكر من الأدلة على كفره يوضّحه:
الدليل الخامس: وهو قوله سبحانه: ﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا﴾ [مريم: ٥٩].
قال عبد الله بن مسعود:
"غي: واد في جهنم بعيد القعر" (^٥).
فوجه الدلالة من الآية أن الله سبحانه جعل هذا المكان من النار لمن أضاع الصلاة واتبع الشهوات، ولو كان مع عصاة المسلمين لكانوا في الطبقة العليا من طبقات النار، ولم
_________
(^١) كذا في المطبوع من هذه الرسالة النافعة، وأيضا في "الصلاة" لابن القيم، وهو تصحيف، وصوابه: شيبان بن أبي شيبة، وهو ابن فروخ: وثّقه الإمام أحمد، وغيره، وقال أبو زرعة: صدوق.
(^٢) ضعيف مرفوعا - أخرجه المروزي في "تعظيم قدر الصلاة" (٤٢)، وأبو يعلى (٨٢٢)، وابن أبي حاتم في "العلل" (٥٣٦)، والدولابي في "الكنى" (١٤٤٥)، وابن المنذر في "الأوسط والاجماع" (١٠٨١)، والطبراني في "المعجم الأوسط" (٢٢٧٦)، والبيهقي ٢/ ٢١٤ عن شيبان بن أبي شيبة، والبزار (١١٤٥) من طريق يحيى بن حسان، والعقيلي في "الضعفاء" ٣/ ٣٧٧، والطبري في "التفسير" ٢٤/ ٦٣٢ - ٦٣٣ من طريق عمرو بن الربيع بن طارق، والبيهقي ٢/ ٢١٤ من طريق حرمي بن حفص القسملي، أربعتهم عن عكرمة بن إبراهيم به.
وقال أبو زرعة:
"هذا خطأ، والصحيح موقوف".
وقال البزار:
"وهذا الحديث قد رواه الثقات الحفاظ، عن عبد الملك بن عمير، عن مصعب بن سعد، عن أبيه موقوفا، ولا نعلم أسنده إلا عكرمة بن إبراهيم، عن عبد الملك بن عمير، وعكرمة لين الحديث" وقال العقيلي:
"وقال الثوري وحماد بن زيد وأبو عوانة وقيس بن الربيع عن عاصم بن بهدلة، عن مصعب ابن سعد، عن أبيه موقوفا.
وروى الأعمش عن مصعب بن سعد، عن أبيه موقوفا أيضا.
ورواه حاتم بن أبي صغيرة عن سماك بن حرب، عن مصعب بن سعد، عن أبيه موقوفا أيضا، والموقوف أولى.
ورواه ابن عيينة عن موسى الجهني، عن مصعب بن سعد، عن أبيه موقوفا أيضا".
وصوّب وقفه الدارقطني في "العلل" (٥٩٢).
(^٣) إسناده حسن - أخرجه المروزي في "تعظيم قدر الصلاة" (٤٣)، وأبو يعلى (٧٠٤) من طريق حماد بن زيد، وابن أبي شيبة ١/ ٣١٦ من طريق سفيان، والطبري ٢٤/ ٦٣٠ - ٦٣١ من طريق هشام الدستوائي، والبيهقي ٢/ ٢١٤ من طريق أبان بن يزيد، أربعتهم تاما ومختصرا عن عاصم بن بهدلة به. وانظر التعليق الذي قبله حاشية رقم (٤).
(^٤) لم أجده - وهذا إنما ذكروه عن عبد الله بن مسعود:
أخرجه العدني في "الإيمان" (٢٦)، وعبد الله بن أحمد في "السنة" (٧٧٣)، والمروزي في "تعظيم قدر الصلاة" (٦٢) و(٩٣٨)، والخلال في "السنة" (١٣٨٥) و(١٣٩٠)، والطبري في "التفسير" ١٨/ ٢١٦، وأبو القاسم البغوي في "الجعديات" (١٩٢٤)، وابن المنذر في "الأوسط" (١٠٧٩)، والطبراني ٩/ (٨٩٣٨) و(٨٩٣٩) و(٨٩٤٠)، وابن بطة في "الإبانة الكبرى" (٨٨٦)، واللالكائي في "شرح أصول الاعتقاد" (١٥٣٢) و(١٥٣٣) و(١٥٣٤)، وابن عبد البر في "التمهيد" ٤/ ٢٣٠ بإسناد منقطع.
(^٥) إسناده ضعيف - أخرجه المروزي في "تعظيم قدر الصلاة" (٣٥)، والطبري في "التفسير" ١٨/ ٢١٨، والطبراني ٩/ (٩١١١)، والحاكم ٢/ ٣٧٤، وأبو نعيم في "الحلية" ٤/ ٢٠٦، والبيهقي في "البعث والنشور" (٤٧٠) من طريق شعبة، وأسد بن موسى في "الزهد" (١١)، والطبراني (٩١٠٦) عن إسرائيل، وأسد بن موسى في "الزهد" (١٢)، والطبراني (٩١٠٧) عن قيس بن الربيع، وهناد في "الزهد" (٢٧٦)، والطبري في "التفسير" ١٨/ ٢١٨، والطبراني (٩١١٠) من طريق سفيان، أربعتهم عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن عبد الله، في هذه الآية " ﴿فسوف يلقون غيا﴾ [مريم: ٥٩] قال: نهر في جهنم خبيث الطعم، بعيد القعر".
وقال الحاكم:
"هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه" وأقره الذهبي!
قلت: إسناده منقطع، أبو عبيدة لم يسمع من أبيه.
وأخرجه المعافى بن عمران في "الزهد" (١٧٦)، وأسد بن موسى في "الزهد" (١٤)، وابن أبي الدنيا في "صفة النار" (٣٨)، والطبري في "التفسير" ١٨/ ٢١٨، والطبراني ٩/ (٩١٠٨)، والبيهقي في "البعث والنشور" (٤٧١) عن أبي الأحوص، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن أبيه، قال: "الغي نهر في جهنم يقذف فيه الذين اتبعوا الشهوات".
وأخرجه الطبراني (٩١٠٩) من طريق شريك، عن أبي إسحاق به، وفيه "واد في جهنم من قيح".
وله طريق أخرى عن أبي عبيدة:
أخرجه أسد بن موسى في "الزهد" (١٣)، ومن طريقه الطبراني ١٩/ (١١١٢) حدثنا مروان ابن معاوية، عن العلاء بن المسيب، عن أبي عبيدة، عن عبد الله، قال: "هو نهر في النار يقال له غي".
وأخرجه الطبراني (٩١١٣) من طريق خلف بن خليفة، عن العلاء بن المسيب، عن أبيه، عن أبي عبيدة به.
1 / 5
يكونوا في هذا المكان الذي هو أسفلها، فإن هذا ليس من أمكنة أهل الإسلام، بل من أمكنه الكفار، ومن الآية دليل آخر وهو قوله تعالى: ﴿فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا. إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا﴾ [مريم: ٥٩، ٦٠]، فلو كان مضيع الصلاة مؤمنا لم يشترط في توبته الإيمان وأنه يكون تحصيلا للحاصل.
الدليل السادس: قوله تعالى: ﴿فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ﴾ [التوبة: ١١]، فعلّق أخوتهم للمؤمنين (^١) بفعل الصلاة، فإذا لم يفعلوا، لم يكونوا إخوة للمؤمنين فلا يكونوا مؤمنين، لقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ [الحجرات: ١٠].
الدليل السابع: قوله تعالى: ﴿فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى. وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى﴾ [القيامة: ٣١، ٣٢]، فلما كان الإسلام تصديق الخبر، والانقياد للأمر جعل سبحانه له ضدين: عدم التصديق، وعدم الصلاة، وقابل التصديق بالتكذيب والصلاة بالتولي، فقال: ﴿وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى﴾ فكما أن المكذِّب كافر، فالمتولِّي عن الصلاة كافر، فكما يزول الإسلام بالتكذيب، يزول بالتولّي عن الصلاة.
قال سعيد: عن قتادة ﴿فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى﴾: لا صدق بكتاب الله ولا صلى لله، ولكن كذب بآيات الله، وتولّى عن طاعته ﴿أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى. ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى﴾ [القيامة: ٣٤، ٣٥]، وعيد على إثر وعيد.
الدليل الثامن: قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ [المنافقون: ٩].
قال ابن جريج: سمعت عطاء بن أبي رباح، يقول: هي الصلاة المكتوبة.
ووجه الاستدلال بالآية أن الله حكم بالخسران المطلق لمن ألهاه ماله وولده عن الصلاة، والخسران المطلق لا يحصل إلا للكفار، فإن المسلم ولو خسر بذنوبه ومعاصيه فآخر أمره إلى الربح، يوضّحه أنه ﷾ أكّد خسران تارك الصلاة في هذه الآية بأنواع من التأكيد:
الأول: إتيانه بلفظ الاسم الدال على ثبوت الخسران ولزومه دون الفعل الدال على التجدد والحدوث.
الثاني: تعريف (^٢) الاسم بالألف
_________
(^١) تمام الكلام كتب في الحاشية، فأثبته في الأصل إذ هو نفسه كلام ابن القيم إلا أن يكون الشيخ اختصره، فألحقه غيرُه بالحاشية!
(^٢) كذا في "المطبوع"، وفي "الصلاة" لابن القيم (تصدير).
1 / 6
واللام المؤدية لحصول كمال المسمى لهم، فإنك إذا قلت: زيد العالم الصالح أفاد ذلك إثبات كمال ذلك له بخلاف قولك عالم صالح.
الثالث: إتيانه سبحانه بالمبتدأ والخبر معرفتين وذلك من علامات انحصار الخبر في المبتدأ كما في قوله تعالى: ﴿وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [البقرة: ٥] و[آل عمران: ١٠٤] و[التوبة: ٨٨] و[النور: ٥١] و[الروم: ٣٨] و[لقمان: ٥]، وقوله تعالى: ﴿وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [البقرة: ٢٥٤]، وقوله ﴿أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا﴾ [الأنفال: ٤، ٧٤]، ونظائره.
الرابع: إدخال ضمير الفصل بين المبتدأ والخبر وهو يفيد مع الفصل فائدتين أخريين: قوة الاسناد، واختصاص المسنَد إليه بالمسند، كقوله: ﴿وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾ [الحج: ٦٤]، وقوله: ﴿وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [المائدة: ٧٦]، وقوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [الشورى: ٥]، ونظائر ذلك.
الدليل التاسع: قوله سبحانه: ﴿إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ﴾ [السجدة: ١٥]،
ومن أعظم التذكير بآيات الله: التذكير بآيات الصلاة، فمن ذُكِّر بها ولم يتذكر، ولم يصلِّ لم يؤمن بها، لأنه سبحانه خصّ المؤمنين بها بأنهم أهل السجود، وهذا من أحسن الاستدلال وأقربه، فلم يؤمن بقوله تعالى:
﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ﴾ إلا من التزم إقامتها.
الدليل العاشر: قوله تعالى: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ. وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ﴾ [المرسلات: ٤٨، ٤٩]، ذكر هذا بعد قوله: ﴿كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ﴾، ثم توعدهم على ترك الركوع: وهو الصلاة إذا دعوا إليها، ولا يقال: إنما توعدهم على التكذيب، فإنه ﷾ إنما أخبر عن تركهم لها وعليه وقع الوعيد.
على أنا نقول لا يصر على ترك الصلاة إصرارا مستمرا من يصدق بأن الله أمر بها أصلا، فإنه يستحيل في العادة والطبيعة أن يكون الرجل مصدقًا تصديقًا جازمًا أن الله فرض عليه كل يوم وليلة خمس صلوات، وأنه يعاقبه على تركها أشدّ العقاب، وهو مع ذلك مصرٌ على تركها، هذا من المستحيل قطعًا، فلا يحافظ على تركها مصدقٌ بفرضها أبدًا فإن الايمانَ يأمر صاحبَه بها، فحيث لم يكن في قلبه ما يأمر بها،
1 / 7
فليس في قلبه شيء من الإيمان،
ولا تُصغ إلى كلام من ليس له خبرة ولا علم بأحكام القلوب وأعمالها، وتأمل في الطبيعة بأن يقوم بقلب العبد إيمان بالوعد والوعيد والجنة والنار وأن الله فرض عليه الصلاة وأن الله يعاقبه معاقبة على تركها، وهو محافظ على الترك في صحته وعافيته وعدم الموانع المانعة له من الفعل.
وهذا القدر هو الذي خفي على من جعل الإيمان مجرد التصديق، وإن لم يقارنه فعل واجب ولا ترك محرم، وهذا من أمحل المحال أن يقوم بقلب العبد إيمانٌ جازمٌ لا يتقاضاه فعلُ طاعةٍ ولا ترك معصيةٍ، ونحن نقول: الإيمان هو التصديق، ولكن ليس التصديق مجرد اعتقاد صدق المخبر دون الانقياد له، ولو كان مجرد اعتقاد التصديق إيمانا لكان إبليس وفرعون وقومه وقوم صالح واليهود الذين عرفوا أن محمدا رسول الله كما يعرفون أبناءهم مؤمنين مصدقين.
وقد قال تعالى: ﴿فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ﴾ [الأنعام: ٣٣]، أي: يعتقدون أنك صادق ﴿وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ﴾ [الأنعام: ٣٣]، والجحود لا يكون إلا بعد معرفة الحق قال تعالى: ﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا﴾ [النمل: ١٤]، وقال موسى لفرعون: ﴿لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ﴾ [الإسراء: ١٠٢]، وقال تعالى في اليهود: ﴿يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: ١٤٦]، وأبلغ من هذا قول النفرين اليهوديين لما جاءا إلى النبي ﷺ، وسألاه عما دلهما على نبوته فقالا نشهد أنك نبي فقال: "ما يمنعكما من اتباعي" قالا إن داود دعا أن لا يزال في ذريته نبي وإنا نخاف إن اتبعناك أن تقتلنا اليهود. (^١)، فهؤلاء قد أقروا بألسنتهم إقرارا مطابقًا لمعتقدهم أنه نبيٌ، ولم يدخلوا بهذا التصديق والإقرار في الإيمان، لأنهم لم يلتزموا الطاعةَ والانقياد لأمره.
ومن هذا كفرُ أبي طالب فإنه عرف حقيقةَ المعرفة أنه صادقٌ وأقرّ بذلك بلسانه وصرّح به في شعره، ولم يدخل بذلك في الإسلام، فالتصديقُ إنما يتم بأمرين:
أحدهما: اعتقاد الصدق.
والثاني: محبة القلب وانقياده.
ولهذا قال تعالى لإبراهيم: ﴿يَا إِبْرَاهِيمُ. قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا﴾ [الصافات: ١٠٤، ١٠٥]، وإبراهيم كان معتقدًا لصدق رؤياه من حين رآها، فإن رؤيا
_________
(^١) ضعيف - أخرجه الترمذي (٢٧٣٣) و(٣١٤٤)، والنسائي (٤٠٧٨)، وفي "الكبرى" (٣٥٢٧) و(٨٦٠٢)، وابن ماجه (٣٧٠٥)، وأحمد ٤/ ٢٣٩ و٢٤٠، والطيالسي (١٢٦٠)، وابن أبي شيبة ٨/ ٥٦٢ و١٤/ ٢٨٩، وفي "المسند" (٨٨٠)، وفي "الأدب" (٣)، وابن أبي حاتم في "التفسير" (٦٢١٢) و(١٦١٦١)، والعقيلي في "الضعفاء" ٢/ ٢٦١، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (٢٤٦٥)، والطحاوي ٣/ ٢١٥، وفي "شرح مشكل الآثار" (٦٣) و(٦٤) و(٦٥)، وابن قانع في "معجم الصحابة" ٢/ ١١، والطبراني ٨/ (٧٣٩٦)، وابن المقرئ في "تقبيل اليد" (٤)، والحاكم ١/ ٩، وأبو نعيم في "الحلية" ٥/ ٩٧، والبيهقي ٨/ ١٦٦، وفي "دلائل النبوة" ٦/ ٢٦٨ من طرق عن شعبة، عن عمرو بن مرة، عن عبد الله بن سلمة، عن صفوان بن عسال، قال: "قال يهودي لصاحبه: اذهب بنا إلى هذا النبي فقال صاحبه: لا تقل نبي، إنه لو سمعك كان له أربعة
أعين، فأتيا رسول الله ﷺ، فسألاه عن تسع آيات بينات؟ فقال لهم: لا تشركوا بالله شيئا، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق، ولا تمشوا ببريء إلى ذي سلطان ليقتله، ولا تسحروا، ولا تأكلوا الربا، ولا تقذفوا محصنة، ولا تولوا الفرار يوم الزحف، وعليكم خاصة اليهود أن لا تعتدوا في السبت. قال: فقبلوا يديه ورجليه، فقالا: نشهد أنك نبي، قال: فما يمنعكم أن تتبعوني؟ قالوا: إن داود دعا ربه أن لا يزال من ذريته نبي، وإنا نخاف إن تبعناك أن تقتلنا اليهود".
وقال الترمذي:
"حديث حسن صحيح".
وقال الحاكم:
"صحيح لا نعرف له علة" وأقره الذهبي!
قلت: إسناده ضعيف، قال النسائي:
هذا حديث منكر، حكي عن شعبة قال: سألت عمرو بن مرة عن عبد الله بن سلمة، فقال: تعرف وتنكر.
وقال البخاري: لا يتابع في حديثه.
وقال أبو حاتم: تعرف وتنكر.
وقال شعبة: روى عبد الله بن سلمة هذا الحديث بعد ما كبر - أي بعد تغير حفظه.
1 / 8
الأنبياء وحي (^١) وإنما جعله مصدقا لها بعد أن فعل ما أُمر به.
وكذلك قوله ﷺ: "والفرج يصدق ذلك كله أو يكذبه" (^٢).
فجعل التصديق عمل الفرج لا ما يتمنى القلب، والتكذيب تركه لذلك وهذا صريح في أن التصديق لا يصح إلا بالعمل.
وقال الحسن: ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل.
وقد روي هذا مرفوعا (^٣) والمقصود أنه يمتنع مع التصديق الجازم بوجوب الصلاة والوعد على فعلها، والوعيد على تركها، وبالله التوفيق.
توضيح هذه الأدلة العشرة:
قال محمد تقي الدين: قد أقام الحافظ ابن القيم ﵀ عشرة أدلة من كتاب الله على كفر تارك الصلاة كسلا مع اعترافه بوجوبها، وسأحاول أن أعيد ذكر هذه الأدلة بعبارة، أرجو أن تكون أسهل على فهم أهل هذا الزمان، وخصوصا العامة، وسألتزم الاختصار.
الدليل الأول: قال تعالى في سورة القلم من الآية ٣٥ إلى الآية ٤٣
﴿أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ﴾ [القلم: ٣٥]، حاصل معنى ما ذكره أن الله قسم الناس إلى مسلمين ومجرمين، وأخبر أن عدله وحكمته يقتضيان إكرام المسلمين في الدنيا والآخرة، وأخبر أن تارك الصلاة ولو صلاة واحدة حتى يخرج وقتها من المجرمين، وأنه يدعى يوم القيامة إلى السجود فإذا أراد أن يسجد صار ظهره طبقة واحدة فعجز عن السجود، وسقط على ظهره، لأنه يدعى إلى السجود في الدنيا فيمتنع منه، ومن كان من المجرمين لا يكون من المسلمين، وليس هناك قِسْم ثالث، فهذا وجه استدلاله ﵀.
الدليل الثاني: قوله تعالى في سور المدثر الآية ٣٨ إلى الآية ٤٧، حاصل هذا الدليل أن الله تعالى أخبرنا أن أهل النار يُقال لهم ما الذي أدخلكم جهنم؟
فيخبرون بارتكابهم أربعة ذنوب:
الأول: أنهم لم يكونوا من المصلين.
الثاني: أنهم لم يكونوا يطعمون المسكين.
الثالث: أنهم كانوا يخوضون مع
_________
(^١) صحيح موقوفًا - أخرجه ابن أبي حاتم كما في "تفسير ابن كثير" ٧/ ٢٤ حدثنا علي بن الحسين بن الجنيد، حدثنا أبو عبد الملك الكرندي، حدثنا سفيان بن عيينة، عن إسرائيل بن يونس، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس ﵄ قال: قال رسول الله ﷺ:
"رؤيا الأنبياء في المنام وحي".
وهذا إسناد ضعيف، أبو عبد الملك الكرندي: لم أجده، ورواية سماك عن عكرمة: مضطربة، وقد رواه عن سعيد بن جبير موقوفا:
أخرجه ابن أبي عاصم في "السنة" (٤٦٣)، وأحمد بن منيع كما في "المطالب العالية" (٢٨٥١)، والطبري في "التفسير" (١٨٧٧٨) و(١٨٧٧٩)، وابن أبي حاتم في "التفسير" (١١٣٢٨)، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (٥٧٦١)، والطبراني ١٢/ (١٢٣٠٢)، والحاكم ٢/ ٤٣١ و٤/ ٣٩٦ من طريق الثوري، عن سماك بن حرب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس موقوفًا.
وقال الحاكم:
"صحيح على شرط الشيخين" وأقره الذهبي!
وقال في موضع آخر على شرط مسلم، وهو كما قال، فلم يحتج البخاري بسماك.
(^٢) متفق عليه من حديث أبي هريرة ﵁.
(^٣) ضعيف جدا - أخرجه السلمي في "الأربعين" (٧) من طريق محمد بن إسماعيل الصائغ، وابن بشران في "الأمالي" (١٢٢٤) من طريق أبي علي الحسن بن أحمد بن الليث الرازي، وابن النجار في "ذيل تاريخ بغداد" ٢/ ٣٤ من طريق السري بن إسحاق بن إبراهيم الحنظلي، ثلاثتهم عن عبد السلام بن صالح، حدثنا يوسف بن عطية، عن قتادة، عن الحسن، عن أنس ﵁، قال: قال رسول الله ﷺ:
"ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل، والعلم علمان: علم باللسان، وعلم بالقلب، فعلم القلب النافع، وعلم اللسان حجة الله على ابن آدم".
وأخرجه أبو نعيم في "الأربعين على مذهب المتحققين" (٤٣) حدثنا أبو الحسن سهل بن عبد الله التستري، حدثنا الحسين بن إسحاق، حدثنا عبد السلام بن صالح بمكة، حدثنا يوسف بن عطية، حدثنا قتادة، عن أنس به.
ليس فيه الحسن، والحديث مداره بإسناديه على يوسف بن عطية وهو الصفار: متروك الحديث.
وعبد السلام بن صالح هو أبو الصلت الهروي: قال الذهبي: واه شيعي، متهم مع صلاحه.
وأخرجه أحمد في "الزهد" (١٤٨٣)، وابن أبي شيبة ١١/ ٢٢ و١٣/ ٥٠٤، وفي "الإيمان" (٩٣) من طريق جعفر بن سليمان، قال: حدثنا زكريا، قال: سمعت الحسن، يقول:
"إن الإيمان ليس بالتحلي، ولا بالتمني، إن الإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل".
وهذا إسناد تالف، زكريا هو ابن حكيم الحبطي البصري، قال الذهبي في "الميزان" ٢/ ٧٢:
"قال علي بن المديني: هالك".
وقال ابن حبان: يروي عن الأثبات ما لا يشبه أحاديثهم حتى يسبق إلى القلب أنه المتعمد.
وأخرجه ابن بطة في "الإبانة الكبرى" (١٠٩٤) من طريق عباس الدوري، قال: حدثنا حجاج، قال: حدثنا أبو عبيدة الناجي، عن الحسن به.
وهذا إسناد ضعيف جدا، أبو عبيدة الناجي: متروك.
وأخرجه ابن بطة في "الإبانة الكبرى" (١٠٩٣)، والبيهقي في "الشعب" (٦٥)، والخطيب في "اقتضاء العلم العمل" (٥٦)، وابن العديم في "بغية الطلب" ١٠/ ٤٣٣٦ من طريق عبيد الله ابن موسى، أخبرنا أبو بشر الحلبي، عن الحسن بأتم منه.
وهذا إسناد جيد، أبو بشر الحلبي: قال الإمام أحمد: ليس به بأس.
وقال أبو حاتم كما في "الجرح والتعديل" ٦/ ٢٩٤: صالح.
وذكره ابن حبان في "الثقات" ٧/ ٢٣٩.
وعبيد الله بن موسى هو باذام: ثقة.
فهذه الجملة ثابتة عن الحسن البصري، ولا تصحّ نسبتها إلى رسول الله ﷺ، وقد أشار إلى هذا ابن القيم إذ صدرّه بصيغة التمريض.
1 / 9
الخائضين، والخوض هو الكفر بآيات الله، والاستهزاء بها.
الرابع: أنهم كانوا يكذّبون بالبعث. ولا يمكن أن يكون دخولهم النار متوقفًا على هذه السيئات كلها، بل كل واحد منها موجب لدخول النار، وأوّلها ترك الصلاة، وقوله تعالى ﴿فما تنفعهم شفاعة الشافعين﴾ يدل على خلودهم في النار، ولا يخلد في النار إلا كافر ترك الصلاة كفرا.
الدليل الثالث: قوله تعالى في سورة النور رقم ٥٦، حاصله أن الله تعالى شرط لرحمته ثلاثة أمور:
الأول: إقامة الصلاة.
الثاني: إعطاء الزكاة.
الثالث: طاعة الرسول ﷺ. فمن ترك واحدا منها لا تناله رحمة الله، ومن لم تنله رحمة الله فهو كافر.
الدليل الرابع: قوله تعالى في سورة الماعون ﴿فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ. الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ﴾ [الماعون: ٤، ٥]، استدل به ابن القيم ﵀ على كفر تارك الصلاة بحديث سعد بن أبي وقاص مرفوعًا إلى النبي ﷺ في بعض الروايات وموقوفها عليه في بعضها (^١) أن السهو عنها ترْكها حتى يخرج وقتها.
الدليل الخامس: قوله تعالى في سورة مريم رقم ٥٩ و٦٠ ﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا. إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا﴾ [مريم: ٥٩، ٦٠]، وبيان ذلك من وجهين:
الوجه الأول: أن عبد الله بن مسعود ﵁ قال: إن غيا واد في جهنم بعيد القعر (^٢)، يعني في أسفل جهنم، والمؤمن لا يكون في الطبقة السفلى من جهنم.
والوجه الثاني: أن الله تعالى قال: ﴿إلا من تاب وآمن﴾ وهو دليل أنه ليس بمؤمن، لأن المؤمن لا يطلب منه أن يؤمن فدلّ ذلك على أنه كافر، وطلب الإيمان من المؤمن من تحصيل الحاصل، وهو محال،
_________
(^١) تقدّم في الحاشية رقم (٤) أنه لا يصح مرفوعًا، وبيّنت في الحاشية رقم (٥) أن إسناده حسن موقوفا على سعد بن أبي وقاص.
(^٢) إسناده ضعيف - وانظر بيان ضعفه في الحاشية رقم (٧).
1 / 10
وبيانه أن كل شيء موجود لا يطلب وجوده.
الدليل السادس: قوله تعالى في سورة التوبة رقم ١١ ﴿فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ [التوبة: ١١]، وبيانه أن الله شرط لأخوّة المشركين للمؤمنين، ثلاثة شروط:
الأول: التوبة من الشرك.
الثاني: إقامة الصلاة، أي: أدائها بشروطها، ومن أخرجها عن وقتها لا يكون مقيمًا لها، ومن لم تثبت له أخوة المؤمنين فهو من الكافرين. (^١)
الدليل السابع: قوله تعالى في سورة القيامة رقم ٣١ و٣٢ ﴿فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى. وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى﴾ [القيامة: ٣١، ٣٢]، قال ابن القيم ﵀: الإسلام أمر أن تصديق النبي ﷺ فيما جاء به والانقياد لأمره، فمن لم يصدقه فهو كافر، وكذبك من امتنع من الانقياد لأمره بترك الصلاة فهو كافر، وقد جمعهما الله تعالى، فلا سبيل إلى التفرقة بينهما.
الدليل الثامن: قوله تعالى في سورة المنافقين رقم ٩ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ [المنافقون: ٩]، قال عطاء بن أبي رباح المراد بذكر الله هنا الصلوات المكتوبة، وقد حكم الله على من شغله ماله وولده وغير ذلك من شواغل الدنيا بالخسران المطلق، والخسران المطلق لا يكون إلا للكافر، قال تعالى في سورة الزمر: ﴿قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ﴾ [الزمر: ١٥]، وقد أكّد الله تعالى خسرانهم بالتعريف بالألف واللام، وبالجملة الإسمية، وصيغة الحصر، وضمير الفصل وهو (هم)، فتمّ لهم الخسران المطلق، ولا يتم إلا للكافر.
الدليل التاسع: قوله تعالى في سورة السجدة رقم ١٥ ﴿إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا
_________
(^١) ترك المصنف ذكر الشرط الثالث لأنه واضح، وهو إيتاء الزكاة.
1 / 11
ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ﴾ [السجدة: ١٥]، وبيان الاستدلال بهذه الآية أن الله تعالى حصر الإيمان بآياته في الذين إذا ذُكِّروا بالصلاة صلوا، فمن ذُكِّر بها ولم يسجد ولم يصلِّ فليس بمؤمن، وهذا من أحسن الاستدلال.
الدليل العاشر: قوله تعالى في سورة المرسلات رقم ٤٨ و٤٩ ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ. وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ﴾ [المرسلات: ٤٨، ٤٩]، قد شرحه الإمام ابن القيم بما لا يحتاج إلى مزيد.
* * *
الفصل الثاني دلائل السنة على كفر تارك الصلاة الدليل الأول: ما رواه مسلم في "صحيحه" عن جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله ﷺ: "بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلَاةِ" رواه أهل السنن، وصححه الترمذي (^١). _________
(^١) هذا حديث صحيح، وله طرق عن جابر:
الطريق الأول - أخرجه مسلم (٨٢)، والترمذي (٢٦١٨)، والمروزي في "تعظيم قدر الصلاة" (٨٨٦)، وابن منده في "الإيمان" (٢١٩)، والبيهقي ٣/ ٣٦٥ - ٣٦٦،
وفي "الشعب" (٢٥٣٦) من طريق جرير، والترمذي (٢٦١٨) من طريق أبي معاوية، والترمذي (٢٦١٩)، وأبو عوانة (١٧٣) من طريق أسباط بن محمد، وأحمد ٣/ ٣٧٠، والخلال في "السنة" (١٣٧٦)، وأبو نعيم في "الحلية" ٨/ ٢٥٦ من طريق أبي إسحاق الفزاري، وابن أبي شيبة ١١/ ٣٣، وفي "الإيمان" (٤٥)، وابن الأعرابي في "المعجم" (٥٠٧) عن عبيدة بن حميد، وعبد الله بن أحمد في "السنة" (٧٦٧)، والخلال في "السنة" (١٣٧٥)، وأبو يعلى (٢١٠٢)، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (٣١٧٥)، وأبو عوانة (١٧٤)،
وابن حبان (١٤٥٣)، وإبراهيم بن عبد الصمد في "أماليه" (١٦)، وابن منده في "الإيمان" (٢١٩)، وابن بطة في "الإبانة الكبرى" (٨٦٩)، واللالكائي في "شرح أصول الاعتقاد" (١٥١٥)، والخطيب في "تاريخ بغداد" ١٠/ ١٧٨ من طريق سفيان الثوري، وأبو يعلى (١٩٥٣) من طريق إسماعيل بن زكريا، وأبو عوانة (١٧٣)، وابن منده في "الإيمان" (٢١٩) من طريق أبي عوانة، وأبو عوانة (١٧٧) من طريق محمد بن فضيل، وأبو نعيم في "الحلية" ٨/ ١٢١ من طريق فضيل بن عياض، والطبراني في "الأوسط" (٥٢٨٩)، وفي "الصغير" (٧٩٩)، ومن طريقه الخطيب في "تاريخ بغداد" ٣/ ٣٧٧ من طريق هدبة بن المنهال، كلهم جميعا عن الأعمش، عن أبي سفيان، قال: سمعت جابرا، يقول: سمعت النبي ﷺ يقول:
"إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة".
وفي لفظ "بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة".
وفي لفظ "بين الكفر والإيمان ترك الصلاة".
وقال الترمذي:
"حديث حسن صحيح، وأبو سفيان اسمه: طلحة بن نافع".
الطريق الثاني - أخرجه مسلم (٨٢)، والنسائي (٤٦٤)، وفي "الكبرى" (٣٢٨)، والدارمي (١٢٣٣)، والمروزي في "تعظيم قدر الصلاة" (٨٨٨)، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (٣١٧٨)، وأبو عوانة (١٧١)، والآجري في "الشريعة" (٢٦٦)، وابن الأعرابي (١٤٦٥)، وابن منده في "الإيمان" (٢١٧)، والبيهقي ٣/ ٣٦٦، وفي "السنن الصغير" (٥٦٠)، واللالكائي في "شرح أصول الاعتقاد" (١٥١٦) و(١٥١٧) من طريق ابن جريج،
وأبو داود (٤٦٧٨)، والترمذي (٢٦٢٠)، وابن ماجه (١٠٧٨)، وعبد الرزاق (٥٠٠٩)، وابن أبي شيبة ١١/ ٣٣، وفي "الإيمان" (٤٤)، وعبد بن حميد (١٠٢٢) -المنتخب،
وعبد الله بن أحمد في "السنة" (٧٦٨)، والمروزي في "تعظيم قدر الصلاة" (٨٨٧)، والخلال في "السنة" (١٣٧٣)، وأبو عوانة (١٧٢)، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (٣١٧٦)، وإبراهيم بن عبد الصمد في "أماليه" (١٥)، وابن منده في "الإيمان" (٢١٨)، وابن بطة في "الإبانة الكبرى" (٨٦٨) و(٨٧٠)، والقضاعي في "مسند الشهاب" (٢٦٧)، وتمام في "الفوائد" (١٢٩٢)، والدارقطني ٢/ ٣٩٦ و٣٩٨، والبغوي في "شرح السنة" (٣٤٧) من طريق سفيان الثوري، وأحمد ٣/ ٣٨٩، واللالكائي في "شرح أصول الاعتقاد" (١٥١٣) من طريق موسى بن عقبة، وعبد الرزاق (٥٠٠٧)، وعنه عبد بن حميد (١٠٤٣)، والمروزي (٨٩٠) عن عمر بن زيد، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (٣١٧٧) من طرق ابن لهيعة، والآجري في "الشريعة" (٢٦٧) من طريق ليث،
ستتهم عن أبي الزبير، أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: سمعت رسول الله ﷺ يقول:
"بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة".
الطريق الثالث - أخرجه أبو يعلى (١٧٨٣)، وفي "المعجم" (١٧٩)، والمروزي (٨٩٢)، والآجري في "الشريعة" (٢٦٥)، والطبراني في "الصغير" (٣٧٤)، والقضاعي في "مسند الشهاب" (٢٦٦)، والبيهقي ٣/ ٣٦٦ عن أبي الربيع سليمان بن داود الزهراني قال: حدثنا حماد بن زيد، قال: حدثنا عمرو بن دينار، عن جابر بن عبد الله ﵄ قال: قال رسول الله ﷺ:
"بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة".
رجاله رجال الصحيحين، وإسناده على شرط مسلم، وقال الطبراني: تفرد به أبو الربيع. وليس كما قال رحمه الله تعالى، فقد قال البيهقي: وكذلك رواه محمد بن عبد الله
الرقاشي عن حماد بن زيد.
الطريق الرابع - أخرجه المروزي (٨٩٣)، والخلال في "السنة" (١٣٧٩)، وابن بطة في "الإبانة الكبرى" (٨٧٦)، واللالكائي في "شرح أصول الاعتقاد" (١٥٣٨) من طريق ابن إسحاق، قال: حدثني أبان بن صالح، عن مجاهد بن جبر أبي الحجاج، عن جابر بن عبد الله الأنصاري ﵁ صاحب رسول الله ﷺ، قال: قلت له: "ما كان يفرق بين الكفر والإيمان عندكم من الأعمال في عهد رسول الله ﷺ؟ قال: الصلاة".
وهذا إسناد حسن.
الطريق الخامس - أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (٥٠٠٦) عن معمر، عن قتادة، أن جابر بن عبد الله قال: قال النبي ﷺ:
"ليس بين أحدكم وبين أن يكفر إلا أن يدع صلاة مكتوبة".
وهذا إسناد منقطع، قتادة لم يسمع من جابر ﵁.
وأخرجه الطبراني في "الأوسط" (٤١٢٦)، وفي "مسند الشاميين" (٢٧٤٤) من طريق سعيد ابن بشير، عن قتادة، عن سليمان بن يسار، عن جابر بن عبد الله قال:
قال رسول الله ﷺ:
"ما بين الرجل والشرك والكفر إلا ترك الصلاة".
وهذا إسناد ضعيف، قتادة مدلس، ونفى ابن معين سماعه من سليمان بن يسار.
وسعيد بن بشير: ضعيف.
الطريق السادس - أخرجه المروزي في "تعظيم قدر الصلاة" (٨٨٩) حدثنا محمد بن يحيى، قال: حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم الصنعاني، قال: حدثني إبراهيم بن عقيل بن معقل بن منبه، عن أبيه عقيل، عن وهب بن منبه، قال:
"هذا ما سألت عنه جابر بن عبد الله الأنصاري ﵄ فأخبرني سألته في المصلين من طواغيت؟ قال: لا وسألته: هل فيهم من مشرك؟ قال: لا، وأخبرني أنه سمع النبي ﷺ يقول: بين الشرك والكفر ترك الصلاة. وسألته: أكانوا يدعون الذنوب شركا؟ قال: معاذ الله ولم يكن يدعون في المصلين مشركا".
وهب بن منبه: قال ابن معين: لم يلق جابر بن عبد الله إنما هو كتاب. وقال في موضع آخر: هو صحيفة ليست بشيء.
الطريق السابع - أخرجه أبو يعلى (٢١٩١) من طريق أبي أسامة، وأبو نعيم في "الحلية" ٦/ ٢٧٦ من طريق عبد الله بن رجاء البصري، كلاهما عن هشام بن حسان، عن الحسن، عن جابر، قال رسول الله ﷺ:
"بين الرجل والكفر ترك الصلاة".
هشام بن حسان: في روايته عن الحسن وعطاء مقال لأنه قيل: كان يرسل عنهما كما في "التقريب"، وينظر "طبقات المدلسين" (١١٠).
الطريق الثامن - أخرجه عبد الله بن أحمد في "السنة" (٧٧٠) من طريق شيبان، والطبراني في "الأوسط" (٧٦٨٣) من طريق مندل بن علي، كلاهما عن ليث، عن عطاء، عن جابر،
عن النبي ﷺ قال:
"بين الرجل وبين الشرك أن يترك الصلاة وبين الرجل وبين الكفر أن يترك الصلاة".
وقال الطبراني:
"لم يرو هذا الحديث عن ليث، عن عطاء إلا مندل بن علي".
قلت: وليس كما قال رحمه الله تعالى، فقد توبع مندل عليه، تابعه شيبان بن عبد الرحمن، وليث هو ابن أبي سليم: ضعيف.
وله شاهد من حديث أنس بن مالك:
أخرجه ابن ماجه (١٠٨٠)، وعبد الله بن أحمد في "السنة" (٧٣٢)، والمروزي في "تعظيم قدر الصلاة" (٨٩٧) و(٨٩٨)، من طريق عمرو بن سعد، والمروزي في "تعظيم قدر الصلاة" (٨٩٩) و(٩٠٠)، وأبو يعلى (٤١٠٠)، وابن بطة في "الإبانة الكبرى" (٨٨٢) من طريق عكرمة بن عمار، كلاهما عن يزيد الرقاشي، عن أنس بن مالك، عن النبي ﷺ، قال: "ليس بين العبد والشرك إلا ترك الصلاة، فإذا تركها فقد أشرك".
وفي إسناده يزيد الرقاشي: ضعيف.
وله طريقان آخران عن أنس:
الطريق الأول - أخرجه ابن الأعرابي في "المعجم" (٢٧٠) حدثنا محمد، حدثنا محمد بن عبد الرحمن العنبري، حدثنا أمية بن خالد، حدثنا همام، عن قتادة، عن أنس، أن النبي ﷺ قال:
"ليس بين العبد والكفر إلا ترك الصلاة".
فيه عنعنة قتادة.
الطريق الثاني - أخرجه الطبراني في "الأوسط" (٣٣٤٨) حدثنا جعفر قال: حدثنا محمد بن أبي داود الأنباري قال: حدثنا هاشم بن القاسم، عن أبي جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس،
عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله ﷺ:
"من ترك الصلاة متعمدا فقد كفر جهارا".
وقال الطبراني:
"لم يروه عن أبي جعفر الرازي إلا هاشم بن القاسم، تفرد به محمد بن أبي داود".
وقال الهيثمي في "المجمع" ١/ ٢٩٥:
"رجاله موثقون، إلا محمد بن أبي داود، فإني لم أجد من ترجمه، وقد ذكر ابن حبان في الثقات محمد بن أبي داود البغدادي، فلا أدري هو هذا أم لا".
قلت: أبو جعفر الرازي عيسى بن ماهان: سيء الحفظ، وأما محمد بن أبي داود فهو أبو هارون محمد بن سليمان الأنباري من رجال أبي داود: صدوق.
وأبو النضر هاشم بن القاسم: خالفه ابن الجعد فرواه عن أبي جعفر، عن الربيع مرسلا كما في "العلل" (٢٤٤٦) للدارقطني، وقال:
"والمرسل أشبه بالصواب".
الدليل الثاني: ما رواه [بريدة بن الحصيب] (^١) الأسلمي، قال: سمعت رسول الله ﷺ، يقول: "الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمُ الصَّلَاةُ، فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ" رواه الإمام أحمد، وأهل السنن (^٢)، وقال الترمذي: "حديث صحيح". إسناده على شرط مسلم. _________
(^١) في المطبوع (يزيد بن الحبيب) وهو تحريف.
(^٢) صحيح - أخرجه الترمذي (٢٦٢١)، وابن ماجه (١٠٧٩)، وأحمد ٦/ ٣٤٦، والمروزي في "تعظيم قدر الصلاة" (٨٩٥) و(٨٩٦)، والدارقطني ٢/ ٣٩٥، وابن المقرئ في "المعجم" (١٠٤٦)، واللالكائي في "شرح أصول الاعتقاد" (١٥١٩) و(١٥٢٠)، والحاكم ١/ ٦ - ٧، والبيهقي ٣/ ٣٦٦ عن علي بن الحسن بن شقيق، وابن أبي شيبة ١١/ ٣٤، وفي "الإيمان" (٤٦)، واللالكائي في "شرح أصول الاعتقاد" (١٥١٨) عن يحيى بن واضح، والترمذي (٢٦٢١)، والمروزي (٨٩٤)، والنسائي (٤٦٣)، وفي "الكبرى" (٣٢٦)، وابن حبان (١٤٥٤)، والحاكم ١/ ٦ - ٧، واللالكائي في "شرح أصول الاعتقاد" (١٥١٨)، وابن عبد البر في "التمهيد" ٤/ ٢٣٠ من طريق الفضل بن موسى، والترمذي (٢٦٢١) من طريق علي بن الحسين بن واقد، وأحمد ٥/ ٣٥٥، وعنه ابنه عبد الله في "السنة" (٧٦٩)، والخلال في "السنة" (١٣٧٤)، والآجري في "الشريعة" (٢٦٨)، وابن بطة في "الإبانة الكبرى" (٨٧٤)، واللالكائي (١٥١٨)، والبيهقي ٣/ ٣٦٦، وفي "الشعب" (٢٥٣٨) عن زيد بن الحباب، خمستُهم عن الحسين بن واقد، حدثنا عبد الله بن بريدة، عن أبيه به.
وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح غريب".
وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح الإسناد لا تعرف له علة بوجه من الوجوه، فقد احتجا جميعا بعبد الله بن بريدة، عن أبيه، واحتج مسلم بالحسين بن واقد ولم يخرجاه بهذا اللفظ" وأقره الذهبي.
قلت: لم يحتج الإمام مسلم بالحسين بن واقد وهو أحد الثقات إنما أخرج له متابعة، وله طريق أخرى عن عبد الله بن بريدة:
أخرجه ابن عدي في "الكامل" ٣/ ٤٤٨، والدارقطني ٢/ ٣٩٥ من طريق العلاء بن عمران أبي عبد الرحمن، حدثنا خالد بن عبيد العتكي، حدثنا عبد الله بن بريدة، عن أبيه، قال: سمعت رسول الله ﷺ، مثله سواء.
وإسناده ضعيف جدا، خالد بن عبيد العتكي: متروك.
ولم أجد للعلاء بن عمران ترجمة، وذكره ابن حبان في "المجروحين" ١/ ٢٧٩ فيمن يروي عن خالد بن عبيد، وكذا المزي في "تهذيب الكمال" ٨/ ١٢٥، والذهبي في "تاريخ الإسلام" ٩/ ٧٧.
تنبيه: قوله رواه أصحاب السنن، يوهم أن أبا داود أخرجه، ولم أجده في "سننه"، ولم يعزه المزي إليه في "تحفة الأشراف" (١٩٦٠).
الدليل الثالث: ما رواه ثوبان مولى رسول الله ﷺ، قال: سمعت رسول الله ﷺ، يقول: "بين العبد وبين الكفر والإيمان الصلاة فإذا تركها فقد أشرك" رواه هبة الله الطبري، وقال: "إسناده صحيح على شرط مسلم" (^١). _________
(^١) إسناده ضعيف - أخرجه اللالكائي في "شرح أصول الاعتقاد" (١٥٢١) أخبرنا محمد بن الحسين الفارسي، قال: حدثنا محمد بن بكار بن إسحاق الدمشقي السكسكي، قال: أخبرنا شعيب بن إسحاق الدمشقي، قال: حدثنا أبو المغيرة، قال: حدثنا الأوزاعي، قال: حدثنا الوليد بن هشام، قال: حدثنا معدان بن أبي طلحة، قال: قلت لثوبان مولى رسول الله ﷺ: حدثنا حديثا ينفعنا الله به فسكت فقلت: حدثنا حديثا ينفعنا الله به قال: سمعت رسول الله ﷺ، يقول: فذكره.
وقال العجلوني في " كشف الخفاء" ١/ ٣٣٧:
"إسناد صحيح".
قلت: بل إسناده ضعيف، محمد بن الحسين الفارسي: ترجمه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" ٥٢/ ٣٥٩ - ٣٦٠، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا.
ومحمد بن بكار بن يزيد السكسكي: قاضي بيت لِهْيا، هذا كل ما ذكره ابن عساكر في ترجمته من "تاريخ دمشق" ٥٢/ ١٥٧ - ١٥٩، وكذا الذهبي في "تاريخ الإسلام" ٧/ ٦٦٣.
الفصل الثاني دلائل السنة على كفر تارك الصلاة الدليل الأول: ما رواه مسلم في "صحيحه" عن جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله ﷺ: "بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلَاةِ" رواه أهل السنن، وصححه الترمذي (^١). _________
الدليل الثاني: ما رواه [بريدة بن الحصيب] (^١) الأسلمي، قال: سمعت رسول الله ﷺ، يقول: "الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمُ الصَّلَاةُ، فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ" رواه الإمام أحمد، وأهل السنن (^٢)، وقال الترمذي: "حديث صحيح". إسناده على شرط مسلم. _________
الدليل الثالث: ما رواه ثوبان مولى رسول الله ﷺ، قال: سمعت رسول الله ﷺ، يقول: "بين العبد وبين الكفر والإيمان الصلاة فإذا تركها فقد أشرك" رواه هبة الله الطبري، وقال: "إسناده صحيح على شرط مسلم" (^١). _________
1 / 12
الدليل الرابع: ما رواه عبد الله بن عمرو بن العاص، عن النبي ﷺ، أنه ذكر الصلاة يوما، فقال: "مَنْ حَافَظَ عَلَيْهَا؟ كَانَتْ لَهُ نُورًا، وَبُرْهَانًا، وَنَجَاةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ لَمْ يُحَافِظْ عَلَيْهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نُورٌ، وَلَا بُرْهَانٌ، وَلَا نَجَاةٌ، وَكَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ قَارُونَ، وَفِرْعَوْنَ، وَهَامَانَ، وَأُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ" (^١) رواه الإمام أحمد في "مسنده"، وأبو حاتم بن حبان في "صحيحه"، وإنما خصّ هؤلاء الأربعة بالذكر لأنهم من رؤوس الكفرة.
وفيه نكتة بديعة وهو أن تارك المحافظة على الصلاة إما أن يشغله ماله أو ملكه أو رياسته أو تجارته، فمن شغله عنها ماله فهو مع قارون، ومن شغله عنها ملكه فهو مع فرعون، ومن شغله عنها رياسته، ووزارته فهو مع هامان، ومن شغله عنها تجارته فهو مع أبيّ بن خلف.
_________
(^١) إسناده حسن - أخرجه أحمد ٢/ ١٦٩، وعنه ابنه عبد الله في "السنة" (٧٨٢)، والخلال في "السنة" (١١٩٦)، وأبو يعلى كما في "إتحاف الخيرة" (٧٦٦)، وعبد بن حميد (٣٥٣) - المنتخب، والدارمي (٢٧٢١)، والمروزي في "تعظيم قدر الصلاة" (٥٨)، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (٣١٨٠) و(٣١٨١)، وابن حبان (١٤٦٧)، والطبراني ١٣/ (١٦٣)، وفي "الأوسط" (١٧٦٧)، وفي "مسند الشاميين" (٢٤٥)، والآجري في "الشريعة" (٢٧٥) و(٢٧٦)، وابن بطة في "الإبانة الكبرى" (٨٩٥)، وابن شاهين في "فضائل الأعمال" (٥٩)، والبيهقي في "الشعب" (٢٥٦٥)، والضياء في "حديث ابن المقرئ" (٢٦) من طرق عن سعيد بن أبي أيوب، حدثني كعب بن علقمة، عن عيسى بن هلال الصدفي، عن عبد الله بن عمرو به.
وفي "شرح مشكل الآثار" (٣١٨٠) ابن لهيعة مقرونا بسعيد بن أبي أيوب، وإسناده حسن، عيسى بن هلال الصدفي: روى عنه جمع، وذكره البخاري في "التاريخ الكبير" ٦/ ٣٨٥ - ٣٨٦، وابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" ٦/ ٢٩٠، ولم يذكرا فيه جرحا ولا تعديلا، وذكره يعقوب بن سفيان في ثقات التابعين من أهل مصر من "المعرفة والتاريخ" ٢/ ٥١٥، ووثقه ابن حبان ٥/ ٢١٣، وحسّن الترمذي إسناد حديث هو أحد رجاله، وباقي رجاله ثقات.
الدليل الخامس: ما رواه عبادة بن الصامت قال: أوصانا رسول الله ﷺ، فقال: "لا تشركوا بالله شيئا، ولا تتركوا الصلاة عمدا، فمن تركها عمدا متعمدا، فقد خرج من الملة" (^١) رواه عبد الرحمن بن أبي حاتم في "سننه". _________
(^١) إسناده ضعيف - أخرجه البخاري في "التاريخ الكبير" ٤/ ٧٥، وابن عبد الحكم في "فتوح مصر" (ص ٣٠٠)، والمروزي في "تعظيم قدر الصلاة" (٩٢٠)، والطبري في "تهذيب الآثار" (٦٨٦) - مسند عمر، والشاشي في "مسنده" (١٣٠٩)، وابن أبي حاتم في "التفسير" (٥٢٩٠) و(٨٠٥٨)، ومن طريقه اللالكائي في "شرح أصول الاعتقاد" (١٥٢٢)، والطبراني كما في "جامع المسانيد والسنن" (٤٨٦٧)، و"مجمع الزوائد" ٤/ ٢١٦، والخطيب البغدادي في "تلخيص المتشابه" ٢/ ٦٦١، والضياء في "المختارة" (٣٥٠) و(٣٥١) تاما ومختصرا من طريق سعيد بن أبي مريم، أخبرنا نافع بن يزيد، حدثني سيار بن عبد الرحمن، عن يزيد بن قوذر، عن سلمة بن شريح، عن عبادة بن الصامت، قال:
"أوصانا رسول الله ﷺ بسبع خلال فقال: لا تشركوا بالله شيئا وإن قطعتم وصلبتم، ولا تتركوا الصلاة متعمدين فمن تركها متعمدا فقد خرج من الملة، ولا تركبوا المعصية فإنها سخط الله، ولا تقربوا الخمر فإنها رأس الخطايا، ولا تفروا من الموت والقتل وإن كنتم في فيه، ولا تعص والديك وإن أمراك أن تخرج من الدنيا كلها فاخرج، ولا تضع عصاك عن أهلك وأنصفهم من نفسك" والسياق للشاشي، وعند ابن الحكم ابن لهيعة مقرونا بسعيد بن أبي مريم.
وقال البخاري:
"لا يعرف إسناده".
فتعقبه ابن ماكولا في "تهذيب مستمر الأوهام" (ص ٢٧٨)، بقوله:
"ابن يونس أعرف بأهل بلده وكان قوله الأشبه وعليه التعويل فيما يورد عن تلك الأعمال".
قلت: يصحّ هذا لو كان البخاري قاله في ترجمة يزيد بن قوذر، أمَا إنه قاله في ترجمة سلمة بن شريح فله وجهه كما لا يخفى، ولهذا قال الذهبي في "الميزان" ٢/ ١٩٠:
"سلمة بن شريح، عن عبادة بن الصامت: لا يعرف".
وأما ابن حبان فعلى عادته ذكره في "الثقات" ٤/ ٣١٨!
الدليل السادس: ما رواه معاذ بن جبل قال: قال رسول الله ﷺ: "من ترك صلاة مكتوبة متعمدا فقد برئت منه ذمة الله" (^١) رواه الإمام أحمد، ولو كان باقيا على إسلامه لكانت له ذمة الإسلام. _________
(^١) حسن - أخرجه أحمد ٥/ ٢٣٨ حدثنا أبو اليمان، أخبرنا إسماعيل بن عياش، عن صفوان بن عمرو، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير الحضرمي، عن معاذ، قال:
"أوصاني رسول الله ﷺ بعشر كلمات قال: "لا تشرك بالله شيئا وإن قتلت وحرقت، ولا تعقن والديك، وإن أمراك أن تخرج من أهلك ومالك، ولا تتركن صلاة مكتوبة متعمدا، فإن من ترك صلاة مكتوبة متعمدا فقد برئت منه ذمة الله، ولا تشربن خمرا، فإنه رأس كل فاحشة، وإياك والمعصية فإن بالمعصية حل سخط الله ﷿، وإياك والفرار من الزحف وإن هلك الناس، وإذا أصاب الناس موتان وأنت فيهم فاثبت، وأنفق على عيالك من طولك، ولا ترفع عنهم عصاك أدبا وأخفهم في الله".
وقال الهيثمي في "المجمع" ٤/ ٢١٥:
"عبد الرحمن بن جبير بن نفير لم يسمع من معاذ".
وأخرجه المروزي في "تعظيم قدر الصلاة" (٩٢١)، والطبراني ٢٠/ (١٥٦)، وفي "الأوسط" (٧٩٥٦)، وفي "مسند الشاميين" (٢٢٠٤)، وعنه أبو نعيم في "الحلية" ٩/ ٣٠٦ من طريق عمرو بن واقد، عن يونس بن حلبس، عن أبي إدريس الخولاني، عن معاذ.
وإسناده ضعيف جدا، عمرو بن واقد: متروك، وتحرّف في مطبوع الحلية إلى هارون بن واقد!
وأخرجه الطبراني ٢٠/ (٢٣٣) و(٢٣٤) من طريق بقية بن الوليد، حدثني أبو بكر بن أبي مريم قال: سمعت حريث بن عمرو الحضرمي يحدث، عن معاذ بن جبل، أن رسول الله ﷺ قال له: "يا معاذ بن جبل، من ترك الصلاة فقد برئت منه الذمة".
وفي لفظ "من ترك الصلاة متعمدا".
وإسناده ضعيف جدا، أبو بكر بن عبد الله بن أبي مريم: قال الدارقطني: متروك.
وله شواهد من حديث أميمة مولاة النبي ﷺ، وأم أيمن، وعمر بن الخطاب، وأبي الدرداء.
أما حديث أميمة مولاة النبي ﷺ:
فأخرجه ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (٣٤٤٧)، والمروزي في "تعظيم قدر الصلاة" (٩١٢)، والطبراني ٢٤/ (٤٧٩)، والحاكم ٤/ ٤١، وأبو نعيم في "معرفة الصحابة" (٧٥١٨) تاما ومختصرا من طريق يزيد بن سنان، عن سليم بن عامر أبي يحيى، عن جبير بن نفير، عن أميمة مولاة رسول الله ﷺ، قالت:
"كنت أصب على رسول الله ﷺ وضوءه فدخل رجل فقال: أوصني، فقال: لا تشرك بالله شيئا، وإن قطعت وحرقت بالنار، ولا تعصين والديك وإن أمراك أن تخلي عن أهلك ودنياك فتخله، ولا تشربن خمرا فإنها رأس كل شر، ولا تتركن صلاة متعمدا، فمن فعل ذلك برئت منه ذمة الله وذمة رسوله، ولا تفرن يوم الزحف، فمن فعل ذلك باء بسخط من الله، ومأواه جهنم وبئس المصير، ولا تزدادن في تخوم أرضك فمن فعل ذلك يأتي به على رقبته يوم القيامة
من مقدار سبع أرضين، وأنفق على أهلك من طولك، ولا ترفع عصاك عنهم، وأخفهم في الله".
وقال الذهبي:
"سنده واه".
قلت: يزيد بن سنان الرهاوي: ضعيف.
وأما حديث أم أيمن:
فأخرجه أحمد ٦/ ٤٢١ عن الوليد بن مسلم، وعبد بن حميد (١٥٩٤) - المنتخب: عن عمر بن سعيد الدمشقي، والبيهقي ٧/ ٣٠٤، وفي "الشعب" (٧٤٨١) من طريق بشر بن بكر، والمروزي في "تعظيم قدر الصلاة" (٩١٣)، وأبو يعلى كما في "المطالب العالية" (٢٥٣٣)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" ٣٥/ ٣٢٥ - ٣٢٦ و٦٠/ ١٩٩ من طريق أبي مسهر عبد الأعلى بن مسهر الغساني، والخطيب البغدادي في "الجامع لأخلاق الراوي" (١٧٠٠) من طريق يحيى بن صالح الوحاظي، خمستُهم تاما ومختصرا عن سعيد بن عبد العزيز التنوخي، عن مكحول، عن أم أيمن، أنها سمعت رسول الله ﷺ يوصي بعض أهله، فقال:
"لا تشرك بالله شيئا وإن قطعت أو حرقت بالنار، ولا تفر يوم الزحف فإن أصاب الناس موت وأنت فيهم فاثبت، وأطع والديك، وإن أمراك أن تخرج من مالك، ولا تترك الصلاة متعمدا، فإنه من ترك الصلاة متعمدا، فقد برئت منه ذمة الله، إياك والخمر فإنها مفتاح كل شر، وإياك والمعصية فإنها تسخط الله، لا تنازع الأمر أهله، وإن رأيت أن لك، أنفق على أهلك من طولك، ولا ترفع عصاك عنهم، وأخفهم في الله ﷿".
وهذا إسناد منقطع، قال البيهقي: "في هذا إرسال بين مكحول وأم أيمن".
وأخرجه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" ٦٢/ ٢٢٤ من طريق إبراهيم بن زبريق، عن إسماعيل ابن عياش، حدثنا عبيد الله بن عبيد الكلاعي، عن مكحول وسليمان بن موسى، عن أم أيمن به.
وقال الألباني في "الإرواء" ٧/ ٩٠:
"وإبراهيم هذا لم أجد له ترجمة".
قلت: إبراهيم بن العلاء بن الضحاك بن زبريق: مستقيم الحديث، مترجم في "تهذيب الكمال" ٢/ ١٦١، وسليمان بن موسى هو الدمشقي، الأشدق: قال العلائي في
"جامع التحصيل" (ص ١٩٠):
"قال البخاري: لم يدرك سليمان أحدا من أصحاب النبي ﷺ ذكره الترمذي عنه في العلل".
وقال ابن عساكر:
"وقد روي عن مكحول من وجه آخر مرسلا".
ثم أخرجه في "تاريخه" ٦٠/ ١٩٩ - ٢٠٠ من طريق الحسين المروزي (وهو في زياداته على "البر والصلة" لابن المبارك (١٠٦» حدثنا سفيان بن عيينة، عن يزيد بن يزيد بن جابر، قال: سمعت مكحولا، يقول: أوصى رسول الله ﷺ بعض أهله فقال: فذكره مرسلا.
وأخرجه العدني في "الإيمان" (٣٣) حدثنا سفيان، عن ابن عجلان، ويزيد بن يزيد بن جابر، سمعا مكحولا، يقول:
"أوصى النبي ﷺ بعض أهله، فقال: ولا تتركن صلاة متعمدا، فإنه من ترك صلاة مكتوبة متعمدا فقد برئت منه ذمة الله".
وله طرق عن مكحول يرويه مرسلا:
أ - أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (٥٠٠٨) عن محمد بن راشد، أنه سمع مكحولا، يقول: قال رسول الله ﷺ:
"من ترك الصلاة متعمدا فقد برئت منه ذمة الله".
وهذا مرسل جيد، محمد بن راشد هو الخزاعي: صدوق.
ب - أخرجه المروزي في "تعظيم قدر الصلاة" (٩١٧) من طريق محمد بن إسحاق، عن مكحول، قال:
"أوصى رسول الله ﷺ فيما أوصى فقال: لا تشرك بالله شيئا وإن قتلت أو حرقت، ولا تترك الصلاة عمدا فإنه من تركها عمدا برئت منه ذمة الله تعالى".
وأخرجه الخلال في "السنة" (١٣٩٦) من طريق ابن إسحاق، وفيه "أن رسول الله ﷺ قال للفضل بن العباس وهو يعظه".
وإسناده ضعيف فيه عنعنة محمد بن إسحاق.
جـ - أخرجه هناد في "الزهد" ٢/ ٤٨٣ حدثنا حاتم بن إسماعيل، عن محمد بن عجلان، عن مكحول أن رسول الله ﷺ أوصى بعض أهله، فقال: فذكره مرسلا.
حاتم بن إسماعيل: صدوق، وتابعه ابن عيينة عند العدني في "الإيمان" (٣٣).
وأما حديث أبي الدرداء فهو الذي يأتي بعده.
وأما حديث عمر بن الخطاب:
فأخرجه قوام السنة في "الترغيب والترهيب" (١٩٢٧) من طريق أبي عبد الرحمن محمد بن مأمون المروزي، حدثنا عون بن منصور المروزي، حدثنا موسى بن بحر الكوفي، حدثنا عمرو ابن الغفار الفقيمي، عن الحسن بن عمرو الفقيمي، حدثنا سعد بن سعيد الأنصاري،
عن عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر أبي طوالة الأنصاري، عن سالم بن عبد الله بن عمر، عن أبيه، عن عمر بن الخطاب ﵁، قال: قال رسول الله ﷺ:
"من ترك صلاة عمدا متعمدا أحبط الله عمله وبرئت منه ذمة الله حتى يراجع لله ﷿ توبة".
وإسناده ضعيف جدا، عمرو بن عبد الغفار بن عمرو الفقيمي: قال ابن المديني: " كان رافضيا، رميت بحديثه، وقد كتبت عنه شيئا".
وقال أبو حاتم: "ضعيف الحديث، متروك الحديث".
وقال العجلي: "الفقيمي كوفي نزل بغداد متروك وقد رأيته".
وقال العقيلي: منكر الحديث.
وقال ابن عدي: هو متهم إذا روى شيئا في الفضائل، وكان السلف يتهمونه بأنه يضع في فضائل أهل البيت، وفي مثالب غيرهم.
وموسى بن بحر الكوفي: قال الحافظ في "التقريب": "مقبول" يعني حيث يتابع وإلا فلين الحديث كما نصّ عليه في المقدمة.
وعون بن منصور المروزي: لم أجده.
الدليل السابع: ما رواه أبو الدرداء، قال: "أوصاني أبو القاسم ﷺ أن لا أترك الصلاة متعمدا فمن تركها متعمدا فقد برئت منه الذمة" (^١) رواه عبد الرحمن ابن أبي حاتم في سننه. _________
(^١) حسن - أخرجه ابن ماجه (٣٣٧١) و(٤٠٣٤)، والبخاري في "الأدب المفرد" (١٨)، وابن أبي عاصم في "الجهاد" (٢٧٦)، والمروزي في "تعظيم قدر الصلاة" (٩١١)،
والطبري في "تهذيب اللآثار" (٦٨٤) - مسند عمر، والطبراني كما في "المجمع" ٤/ ٢١٦ - ٢١٧، وتمام في "الفوائد" (١٧٩١)، واللالكائي في "شرح أصول الاعتقاد" (١٥٢٤)، والبيهقي في "الشعب" (٥٢٠٠) تاما ومختصرا من طريق راشد أبي محمد الحماني، عن شهر ابن حوشب، عن أم الدرداء، عن أبي الدرداء، قال:
"أوصاني رسول الله ﷺ بتسع: لا تشرك بالله شيئا؛ وإن قطعت أو حرقت، ولا تتركن الصلاة المكتوبة متعمدا، ومن تركها متعمدا برئت منه الذمة، ولا تشربن الخمر، فإنها مفتاح كل شر، وأطع والديك، وإن أمراك أن تخرج من دنياك فاخرج لهما، ولا تنازعن ولاة الأمر وإن رأيت أنك أنت، ولا تفرر من الزحف، وإن هلكت وفر أصحابك، وأنفق من طولك على أهلك، ولا ترفع عصاك عن أهلك، وأخفهم في الله ﷿".
وإسناده ضعيف من أجل شهر بن حوشب: صدوق كثير الإرسال والأوهام كما في "التقريب"، لكن الحديث له شواهد تقدّم الكلام عليها في الحاشية رقم (٢٣) يصير بها الحديث حسنا، والله أعلم.
الدليل الخامس: ما رواه عبادة بن الصامت قال: أوصانا رسول الله ﷺ، فقال: "لا تشركوا بالله شيئا، ولا تتركوا الصلاة عمدا، فمن تركها عمدا متعمدا، فقد خرج من الملة" (^١) رواه عبد الرحمن بن أبي حاتم في "سننه". _________
الدليل السادس: ما رواه معاذ بن جبل قال: قال رسول الله ﷺ: "من ترك صلاة مكتوبة متعمدا فقد برئت منه ذمة الله" (^١) رواه الإمام أحمد، ولو كان باقيا على إسلامه لكانت له ذمة الإسلام. _________
الدليل السابع: ما رواه أبو الدرداء، قال: "أوصاني أبو القاسم ﷺ أن لا أترك الصلاة متعمدا فمن تركها متعمدا فقد برئت منه الذمة" (^١) رواه عبد الرحمن ابن أبي حاتم في سننه. _________
1 / 13
الدليل الثامن: ما رواه معاذ بن جبل، عن النبي ﷺ، أنه قال: "رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة" (^١) وهو حديث صحيح مختصر ووجه الاستدلال به أنه أخبر أن الصلاة من الإسلام بمنزلة العمود الذي تقوم عليه الخيمة، فكما تسقط الخيمة بسقوط عمودها، فهكذا يذهب الإسلام بذهاب الصلاة، وقد احتج أحمد بهذا بعينه.
_________
(^١) صحيح - أخرجه الترمذي (٢٦١٦)، وابن ماجه (٣٩٧٣) من طريق عبد الله بن معاذ الصنعاني، والنسائي في "الكبرى" (١١٣٣٠)، والقضاعي في "مسند الشهاب" (١٠٤) مختصرا، وكذا البيهقي في "الشعب" (٣٠٧٩) من طريق محمد بن ثور، وعبد الرزاق كما في "الجامع لمعمر" (٢٠٣٠٣)، ومن طريقه أحمد ٥/ ٢٣١، وعبد بن حميد (١١٢ - المنتخب)، والمروزي في "تعظيم قدر الصلاة" (١٩٦)، والطبراني ٢٠/ (٢٦٦)، والبيهقي في "الآداب" (٣٩٩)، والبغوي في "شرح السنة" (١١) ثلاثتهم (عبد الله بن معاذ، ومحمد بن ثور، وعبد الرزاق) عن معمر، عن عاصم بن أبي النجود، عن أبي وائل، عن معاذ بن جبل ﵁ قال:
"قلت يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني عن النار، قال: لقد سألت عن عظيم وإنه ليسير على من يسره الله تعالى عليه: تعبد الله لا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت. ثم قال: ألا أدلك على أبواب الخير؟: الصوم جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وصلاة الرجل في جوف الليل ثم تلا: ﴿تتجافى جنوبهم عن المضاجع﴾ ﴿حتى إذا بلغ﴾ ﴿يعملون﴾ ثم قال ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه؟ قلت: بلى يا رسول الله، قال: رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد. ثم قال: ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ قلت: بلى يا رسول الله، فأخذ بلسانه وقال: كف عليك هذا. قلت: يا نبي الله، وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: ثكلتك أمك، وهل يكب الناس في النار على وجوههم - أو قال على مناخرهم - إلا حصائد ألسنتهم؟ ".
وقال الترمذي:
"حديث حسن صحيح".
فتعقبه الحافظ ابن رجب في "جامع العلوم والحكم" ٢/ ١٣٥، بقوله: "وفيما قاله ﵀ نظر من وجهين:
أحدهما: أنه لم يثبت سماع أبي وائل من معاذ، وإن كان قد أدركه بالسن، وكان معاذ بالشام، وأبو وائل بالكوفة، وما زال الأئمة - كأحمد وغيره - يستدلون على انتفاء السماع بمثل هذا، وقد قال أبو حاتم الرازي في سماع أبي وائل من أبي الدرداء: قد أدركه، وكان بالكوفة، وأبو الدرداء بالشام، يعني: أنه لم يصح له سماع منه، وقد حكى أبو زرعة الدمشقي عن قوم أنهم توقفوا في سماع أبي وائل من عمر، أو نفوه، فسماعه من معاذ أبعد.
والثاني: أنه قد رواه حماد بن سلمة، عن عاصم بن أبي النجود، عن شهر بن حوشب، عن معاذ، خرجه الإمام أحمد مختصرا، قال الدارقطني: وهو أشبه بالصواب، لأن الحديث معروف من رواية شهر على اختلاف عليه فيه".
قلت: قد جاء بإسناد موصول:
أخرجه أبو القاسم البغوي في "الجعديات" (٣٤٠٣)، ومن طريق ابن الجعد أخرجه ابن حبان (٢١٤)، والطبراني ٢٠/ (١٢٢)، وفي "مسند الشاميين" (٢٢٢) حدثنا عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان، عن أبيه، عن مكحول، عن معاذ بن جبل، وعن عمير بن هانئ، سمع عبد الرحمن بن غنم يحدث، أنه سمع معاذ بن جبل يحدث، عن رسول الله ﷺ أنه قال له: حدثني بعمل يدخل الجنة إذا هو عمله؟ قال:
"بخ بخ، سألت عن عظيم، وهو يسير لمن يسره الله له، تقيم الصلاة المكتوبة، وتؤدي الزكاة المفروضة، ولا تشرك بالله شيئا".
وأخرجه البزار (٢٧ - كشف) وتحرّف في المطبوع (أبيه) إلى (أمه)! وإسناده جيد.
وأخرجه هناد في "الزهد" ٢/ ٥٣٠ حدثنا حاتم بن إسماعيل، عن محمد بن عجلان، عن مكحول، عن معاذ بن جبل، وفيه أن النبي ﷺ قال له:
"ألا أنبئك برأس هذا الأمر وعموده وذروة سنامه؟ قال: رأسه الإسلام، فمن أسلم سلم، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله، ألا أنبئك بأبواب الخير:
الصيام جنة، والصدقة تمحو الخطيئة، وقيام العبد في جوف الليل لله، قال: ثم تلا هذه الآية (تتجافى جنوبهم عن المضاجع) حتى فرغ منها، ألا أنبئك بأملك الناس
من ذلك. فأشار إلى لسانه ثلاثا. قال: فقلت: وإنا لنؤاخذ بما نتكلم به؟ فضرب منكبي، ثم قال: ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا هذا اللسان، إنك ما سكت سلمت، وإذا تكلمت فلك أو عليك".
وإسناده منقطع، مكحول لم يسمع من معاذ، وهو مدلس أيضا.
وله طرق أخرى عن عبد الرحمن بن غنم:
أخرجه ابن ماجه (٧٢)، وأحمد ٥/ ٢٣٦ و٢٤٥، وابن المبارك في "الجهاد" (٣١)، وعبد ابن حميد (١١٣ - المنتخب)، والبزار (٢٦٦٩) و(٢٦٧٠)، والطبراني ٢٠/ (١١٥) و(١١٧)، والدارقطني ١/ ٤٣٤، وابن عبد البر في "التمهيد" ٥/ ٦٥ - ٦٦ مطولا ومختصرا من طريق شهر بن حوشب، عن عبد الرحمن بن غنم، عن معاذ بن جبل، أن رسول الله ﷺ خرج بالناس قبل غزوة تبوك … وفيه "ثم قال نبي الله ﷺ: إن شئت حدثتك يا معاذ برأس هذا الأمر، وقوام هذا الأمر وذروة السنام. فقال معاذ: بلى بأبي وأمي أنت يا نبي الله فحدثني. فقال نبي الله ﷺ: إن رأس هذا الأمر أن تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وإن قوام هذا الأمر إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وإن ذروة السنام منه الجهاد في سبيل الله، إنما أمرت أن أقاتل الناس حتى يقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، ويشهدوا أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله، فإذا فعلوا ذلك فقد اعتصموا وعصموا دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله، وقال رسول الله ﷺ: والذي نفس محمد بيده ما شحب وجه، ولا اغبرت قدم في عمل تبتغي فيه درجات الجنة بعد الصلاة المفروضة كجهاد في سبيل الله، ولا ثقل ميزان عبد كدابة تنفق له في سبيل الله أو يحمل عليها في سبيل الله".
وشهر بن حوشب: مختلف فيه، ولم يتفرّد به فقد توبع عليه:
أخرجه المروزي في "تعظيم قدر الصلاة" (١٩٥)، والبخاري في "التاريخ الكبير" ٧/ ٤٢٦، والطبراني ٢٠/ (١٣٧)، وابن بشران في "الأمالي" (٨١٨) من طريق سعيد بن مسروق، عن أيوب بن كريز، عن عبد الرحمن بن غنم، عن معاذ مطولا، وفيه "أما رأس الأمر فالإسلام، وأما عموده فالصلاة، وأما ذروته فالجهاد".
وأخرجه الطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (١٤٧٨) من طريق سعيد بن مسروق، عن أيوب - قال الطحاوي وهو ابن عبد الله بن مكرز - عن شهر بن حوشب، عن عبد الرحمن ابن غنم، عن معاذ بن جبل.
وليس الأمر كما قال الطحاوي رحمه الله تعالى، فإن أيوب هذا هو ابن كريز، وهو الذي يروي عن ابن غنم، ويروي عنه سعيد بن مسروق كما في "التاريخ الكبير" ١/ ٤٢١ للبخاري، و"الجرح والتعديل" ٢/ ٢٥٦ لابن أبي حاتم، و"الثقات" ٦/ ٥٤ لابن حبان، وقد وضّح ذلك يقينا رواية المروزي والبخاري والطبراني، وهو مجهول، وأما أيوب بن عبد الله بن مكرز فهو أعلى طبقة من ابن كريز فهو من الوسطى من التابعين يروي عن عبد الله بن مسعود، ووابصة بن معبد ﵄، ويروي عنه شريح بن عبيد الحضرمي، والزبير أبو عبد السلام.
وأخرجه الطبراني ٢٠/ (١٤١) من طريق عبد الرحمن بن يزيد بن تميم، حدثني الزهري، عن عبد الرحمن بن غنم الأشعري، حدثني معاذ بن جبل.
وعبد الرحمن بن يزيد بن تميم: ضعيف.
ومن طريق شهر (وحده):
أخرجه أحمد ٥/ ٢٣٢ و٢٤٢ و٢٤٨، وفي "الزهد" (١٦٤) مختصرا، والطبراني ٢٠/ (٢٠٠).
وإسناده منقطع شهر لم يلق معاذا.
وله طرق أخرى عن معاذ:
الطريق الأول - أخرجه النسائي (٢٢٢٦)، وفي "الكبرى" (٢٥٤٧)، وأحمد ٥/ ٢٣٣ و٢٣٧، وابن أبي شيبة ٥/ ٢٨٦ و٩/ ٦٤ و١١/ ٦، وفي "الإيمان" (١)، وفي "الأدب" (٢٢٠)، والطيالسي (٥٦١)، والحارث بن أبي أسامة (١٢ - بغية الباحث)، وابن أبي عاصم في "الجهاد" (١٦)، وفي "ذكر الدنيا" (٧)، والطبراني ٢٠/ (٣٠٤) و(٣٠٥)، والقضاعي في "مسند الشهاب" (٤٨)، والبيهقي في "الشعب" (٢٥٤٩) و(٣٠٧٨) و(٣٩٢١) مطولا ومختصرا من طرق عن شعبة، عن الحكم، قال: سمعت عروة بن النزال،
يحدث عن معاذ بن جبل، قال: قلت: يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة قال:
"بخ بخ لقد سألت عن عظيم وإنه ليسير على من يسره الله: صل الصلاة المكتوبة وأد الزكاة المفروضة أفلا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه؟ أما رأس الأمر فالإسلام من أسلم سلم، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله … الحديث".
وعروة بن النزال لم يسمعه من معاذ وهو مجهول.
الطريق الثاني- أخرجه النسائي (٢٢٢٤) و(٢٢٢٥) و(٢٢٢٧)، وفي "الكبرى" (٢٥٤٥) و(٢٥٤٦) و(٢٥٤٨)، وأحمد ٥/ ٢٣٣ و٢٣٧، وابن أبي شيبة ٩/ ٦٤ و١١/ ٧، والمروزي في "تعظيم قدر الصلاة" (١٩٧)، وهناد في "الزهد" ٢/ ٥٢٩، وابن أبي الدنيا في "الصمت" (٦)، والطبراني ٢٠/ (٢٩٢) و(٢٩٣) و(٢٩٤)، والشاشي في "مسنده" (١٣٦٦)، والحاكم ٢/ ٧٦ و٤١٢ - ٤١٣، وأبو نعيم في "الحلية" ٤/ ٣٧٦،
والواحدي في "الوسيط" (٧٣٤)، والبيهقي ٩/ ٢٠، وفي "الشعب" (٤٦٠٧) من طريق ميمون بن أبى شبيب، عن معاذ بن جبل، وفيه "رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله".
وقال الحاكم:
"هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه" وأقره الذهبي!
قلت: ميمون بن أبي شبيب لم يخرج له البخاري في الصحيح شيئا إنما أخرج له في "الأدب المفرد"، وكذا مسلم إنما خرج له في "المقدمة" ١/ ٨، وإسناده منقطع بينه وبين معاذ.
الطريق الثالث - أخرجه المروزي في "تعظيم قدر الصلاة" (١٩٨) حدثنا أحمد بن محمد ابن أبي بكر المقدمي، حدثنا إسحاق بن محمد الفروي، حدثنا عبد الله بن عمر، عن نعيم ابن وهب، عن معاذ بن جبل مختصرا.
وإسناده ضعيف، فيه عبد الله بن عمر العمري وهو ضعيف، وإسحاق بن محمد الفروي مختلف فيه، ونعيم بن وهب لم أجد له ترجمة.
الطريق الرابع - أخرجه هناد في "الزهد" ٢/ ٥٣١ حدثنا عبدة، وابن أبي الدنيا في "الصمت" (٢٢)، والشاشي في "مسنده" (١٤٠٠) من طريق يزيد بن هارون، والطبراني ٢/ (٣٧٤) من طريق عبد العزيز بن محمد، ثلاثتهم عن محمد بن عمرو، حدثنا أبو سلمة قال: قال معاذ بن جبل: يا رسول الله، أوصني، فقال رسول الله ﷺ:
"اعبد الله كأنك تراه، واعدد نفسك مع الموتى واذكر الله عند كل حجر وشجر، وإذا عملت السيئة فاعمل بجنبها حسنة، السر بالسر، والعلانية بالعلانية، وأخبرك بما هو أملك بك من ذلك؟ قال: يا رسول الله، وما هو؟ قال: "هذا"، وأشار إلى لسانه، قال معاذ: يا رسول الله، هو ذا، وأشار إلى لسانه. قال: "وهل يكب الناس على مناخرهم في النار إلا هذا".
وإسناده منقطع بين أبي سلمة ومعاذ.
الطريق الخامس - أخرجه البزار (٢٦٤٣)، والطبراني ٢٠/ (٢٥٨)، وابن البناء في "السكوت ولزوم البيوت" (٥) من طريقين عن محمد بن عبد الله بن الزبير، حدثنا أبو معاوية عمرو بن عبد الله النخعي، حدثنا أبو عمرو الشيباني، عن معاذ بن جبل، قال:
"قلت يا رسول الله، أنؤاخذ بكل ما نتكلم به؟ فقال: ثكلتك أمك يا معاذ بن جبل، وهل يكب الناس على مناخرهم في جهنم إلا حصائد ألسنتهم؟ ".
وهذا إسناد رجاله ثقات، أبو عمرو الشيباني الكوفي سعد بن إياس: مخضرم.
تنبيه: لقد توهّم المعلقون على "مسند الإمام أحمد" ٣٦/ ٣٤٦ - طبعة الرسالة أن أبا معاوية عمرو بن عبد الله النخعي: هو عمرو بن عبد الله السبيعي، وقد جاء التصريح بكنيته في "المعجم الكبير".
الطريق السادس- أخرجه أحمد ٥/ ٢٣٤، والبزار (٢٦٥١)، والطبراني في "الشاميين" (١٤٩٢)، وأبو نعيم في "الحلية" ٥/ ١٥٤ من طريق أبي بكر بن مريم، عن عطية بن قيس،
عن معاذ بن جبل ﵁ أن النبي ﷺ قال: "الجهاد عمود الإسلام، وذروة سنامه".
وهذا منكر، الحديث معروف بلفظ "الصلاة عمود الإسلام، والجهاد ذروة سنامه"، وأبو بكر ابن عبد الله بن أبى مريم الغساني: ضعيف وكان قد سرق بيته فاختلط، وإسناده منقطع عطية ابن قيس لم يسمع من معاذ.
الطريق السابع - أخرجه الطبراني ٢٠/ (٩٦)، وابن شاهين في "فضائل الأعمال" (٤٣٥) من طريق الوليد بن مسلم، حدثنا عثمان بن أبي العاتكة، عن علي بن يزيد، عن القاسم،
عن أبي أمامة، عن معاذ بن جبل، أنه قال: "يا رسول الله، ما رأس ما بعثت به؟ قال: الإسلام، من أسلم سلم، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله".
وإسناده ضعيف، علي بن يزيد الألهاني: ضعيف.
وعثمان بن أبي عاتكة: ضعفوه في روايته عنه.
وجاء من مسند عبادة بن الصامت:
أخرجه الحاكم ٤/ ٢٨٦ - ٢٨٧ حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، حدثنا الربيع بن سليمان، حدثنا عبد الله بن وهب، أخبرني أبو هانئ، عن عمرو بن مالك الجنبي، عن
فضالة بن عبيد، عن عبادة بن الصامت ﵁ أن رسول الله ﷺ: خرج ذات يوم على راحلته وأصحابه معه بين يديه، فقال معاذ بن جبل:
يا نبي الله أتأذن لي في أن أتقدم إليك على طيبة نفس؟ قال: نعم فاقترب معاذ إليه فسارا جميعا، فقال معاذ: بأبي أنت يا رسول الله، أن يجعل يومنا قبل يومك أرأيت إن كان شيء ولا نرى شيئا إن شاء الله تعالى فأي الأعمال نعملها بعدك؟ فصمت رسول الله ﷺ فقال: الجهاد في سبيل الله ثم، قال رسول الله ﷺ: نعم الشيء الجهاد، والذي بالناس أملك من ذلك فالصيام والصدقة قال: نعم الشيء الصيام والصدقة فذكر معاذ كل خير يعمله ابن آدم فقال رسول الله ﷺ: وعاد بالناس خير من ذلك قال: فماذا بأبي أنت وأمي عاد بالناس خير من ذلك؟ قال: فأشار رسول الله ﷺ إلى فيه قال: الصمت إلا من خير قال: وهل نؤاخذ بما تكلمت به ألسنتنا؟ قال: فضرب رسول الله ﷺ فخذ معاذ، ثم قال: يا معاذ ثكلتك أمك - أو ما شاء الله أن يقول له من ذلك - وهل يكب الناس على مناخرهم في جهنم إلا ما نطقت به ألسنتهم فمن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليسكت عن شر، قولوا خيرا تغنموا واسكتوا عن شر تسلموا".
وقال الحاكم:
"هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه" وأقره الذهبي!
قلت: رجاله ثقات، وليس هو على شرط الشيخين أو أحدهما، فلم يخرجا شيئا للربيع بن سليمان المرادي، وأبو هانئ هو حميد بن هانئ الخولاني المصري لم يخرج له البخاري إنما أخرج له في "الأدب المفرد"، ومسلم في "الصحيح"، وكذا عمرو بن مالك الهمداني الجنبي لم يخرجا له شيئا إنما أخرج له البخاري في "الأدب المفرد".
وله شواهد من حديث أبي هريرة، وعمر، وعلي:
أما حديث أبي هريرة:
فأخرجه المروزي في "تعظيم قدر الصلاة" (١٩٩) حدثنا المقدمي، حدثنا الفروي، حدثنا عبد الله، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة، مثل حديث نعيم.
يعني نعيم بن وهب، عن معاذ بن جبل، أن النبي ﷺ قال له:
"وسأنبئك برأس الأمر وعموده، رأسه الإسلام، وعموده الصلاة".
وإسناده ضعيف، فيه عبد الله بن عمر العمري وهو ضعيف، وإسحاق بن محمد الفروي مختلف فيه، ونعيم بن وهب لم أجد له ترجمة.
وأما حديث عمر:
فأخرجه البيهقي في "الشعب" (٢٥٥٠) أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرنا أبو حامد أحمد ابن محمد بن أحمد بن شعيب بن هارون بن موسى الفقيه، حدثنا زكريا بن يحيى بن موسى ابن إبراهيم النيسابوري، أخبرنا وهب بن جرير، حدثنا شعبة، عن قتادة، عن عكرمة، عن عمر، قال:
"جاء رجل، فقال: يا رسول الله أي شيء أحب عند الله في الإسلام؟ قال: الصلاة لوقتها، ومن ترك الصلاة فلا دين له، والصلاة عماد الدين".
وقال البيهقي: "قال أبو عبد الله - يعني الحاكم -: عكرمة لم يسمع من عمر وأظنه أراد، عن ابن عمر".
قال الزيلعي في "تخريج الكشاف" ١/ ٤٢:
"الظاهر أن عكرمة هذا هو عكرمة بن خالد بن سعيد بن العاص لا عكرمة مولى ابن عباس، وهو أوثق من مولى ابن عباس، وروى ابن أبي حاتم في "مراسيله" عن أحمد بن حنبل، أنه قال: لم يسمع عكرمة بن خالد من عمر، إنما سمع من ابن عمر. بل قال أبو زرعة: عكرمة ابن خالد عن عثمان مرسل فضلا عن عمر انتهى.
وقال ابن القطان في كتابه الوهم والإيهام: عكرمة بن خالد رجلان وكلاهما مخزوميان:
أحدهما عكرمة بن خالد بن سعيد بن العاص، وهو تابعي يروي عن ابن عمر وابن عباس، وروى عنه عمرو بن دينار وإبراهيم بن مهاجر وابن جريج وعامر الأحول وحنظلة بن أبي سفيان، وثقه النسائي وابن معين وأبو زرعة، ولم يسمع فيه بتضعيف قط وقد أخرج له البخاري ومسلم.
والآخر عكرمة بن خالد بن سلمة يروي عن أبيه، وعنه مسلم بن إبراهيم ونصر بن علي ذكره إلياس في الضعفاء، قال البخاري وأبو حاتم هو منكر الحديث".
وأخرج أبو نعيم الفضل بن دكين في كتاب الصلاة كما في "تلخيص الحبير" ١/ ٣٠٨ عن حبيب بن سليم، عن بلال بن يحيى، قال:
"جاء رجل إلى النبي ﷺ يسأل عن الصلاة؟ فقال: الصلاة عمود الدين".
وقال الحافظ:
"وهو مرسل ورجاله ثقات".
وأما حديث علي:
فأخرجه ابن شاهين في "فضائل الأعمال" (٤٤٤)، وقوام السنة في "الترغيب" (٢٠١٦) من طريق محمد بن عثمان العبسي، حدثنا أحمد بن طارق، حدثنا حبيب، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي، عن النبي ﷺ، قال:
"الصلاة عماد الإسلام، والجهاد سنام العمل".
وإسناده ضعيف جدا، الحارث الأعور: في حديثه ضعف، كذبه الشعبي في رأيه، ورمي بالرفض كما في "التقريب". وحبيب هو أخو حمزة كما جاء مصرّحا به في "الغرائب الملتقطة"، وهو ابن حبيب الزيات: قال الذهبي في "الميزان" ١/ ٤٥٧:
"وهاه أبو زرعة، وتركه ابن المبارك".
وأحمد بن طارق الوابشي: لم أجده، وقد تفرّد بالرواية عنه محمد بن عثمان العبسي: وهذا الآخر قد اختلف فيه، ودافع عنه العلّامة المعلمي في "التنكيل" ٢/ ٦٩٤ - ٦٩٦.
قوله (رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد) قال ابن رجب:
"أخبر النبي ﷺ عن ثلاثة أشياء: رأس الأمر، وعموده، وذروة سنامه.
فأما رأس الأمر، ويعني بالأمر: الدين الذي بعث به وهو الإسلام، وقد جاء تفسيره في الرواية الأخرى بالشهادتين، فمن لم يقر بهما ظاهرا وباطنا، فليس من الإسلام في شيء.
وأما قوام الدين الذي يقوم به الدين كما يقوم الفسطاط على عموده فهو الصلاة، وفي الرواية الأخرى: "وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة" وقد سبق القول في أركان الإسلام وارتباط بعضها ببعض.
وأما ذروة سنامه - وهو أعلى ما فيه وأرفعه - فهو الجهاد، وهذا يدل على أنه أفضل الأعمال بعد الفرائض، كما هو قول الإمام أحمد وغيره من العلماء.
وقوله في رواية الإمام أحمد: "والذي نفس محمد بيده ما شحب وجه ولا اغبرت قدم في عمل يبتغى به درجات الجنة بعد الصلاة المفروضة كجهاد في سبيل الله ﷿" يدل على ذلك صريحا.
وفي " الصحيحين " عن أبي ذر، قال: قلت: يا رسول الله، أي العمل أفضل؟ قال: "إيمان بالله وجهاد في سبيله".
الدليل التاسع: في "الصحيحين" و"السنن" و"المسانيد" من حديث عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله ﷺ: "بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة وحج البيت، وصوم رمضان" (^١) رواه الإمام أحمد، وفي بعض ألفاظه: "الإسلام خمس" فذكره. ووجه الاستدلال به من وجوه: أحدها: أنه جعل الإسلام كالقبة المبنية على خمسة أركان، فإذا وقع ركنها الأعظم وقعت قبة الإسلام. الثاني: أنه جعل هذه الاركان في كونها أركانا لقبة الإسلام قرينة الشهادتين، فهما ركن، والصلاة ركن، والزكاة ركن، فما بال قبة الإسلام تبقى بعد سقوط أحد أركانها، دون بقية أركانها. الثالث: أنه جعل هذه الأركان نفس الإسلام، وداخلة في مسمى اسمه، وما كان اسما لمجموع أمور، إذا ذهب بعضها ذهب ذلك المسمى، ولا سيما إذا كان من أركانه لا من اجزائه التي ليست بركن له، كالحائظ للبيت فإنه إذا سقط، سقط البيت بخلاف العود والخشبة واللبنة ونحوها. _________
(^١) متفق عليه من حديث عبد الله بن عمر، وقد استوفيت طرقه في كتابي "الأربعون النووية بين الرواية والدراية" (٣).
الدليل العاشر: قول الرسول ﷺ: "من صلى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا فهو المسلم، له ما لنا وعليه ما علينا" (^١). ووجه الدلالة فيه من وجهين: أحدهما: أنه إنما جعله مسلما بهذه الثلاثة، فلا يكون مسلما بدونها. الثاني: أنه إذا صلى إلى الشرق لم يكن مسلما حتى يصلي إلى قبلة المسلمين، فكيف إذا ترك الصلاة بالكلية؟! _________
(^١) أخرجه البخاري (٣٩١)، والنسائي (٤٩٩٧)، وابن عدي في "الكامل" ٨/ ١٥٨، وابن منده في "الإيمان" (١٩٥)، والبيهقي ٢/ ٣ من طريق منصور بن سعد، عن ميمون بن سياه، عن أنس به.
وأخرجه البخاري (٣٩٢)، وأبو داود (٢٦٤١)، والترمذي (٢٦٠٨)، والنسائي (٣٩٦٧) و(٥٠٠٣)، وفي "الكبرى" (٣٤١٥)، وأحمد ٣/ ١٩٩ و٢٢٤ - ٢٢٥، وابن أبي شيبة ١٢/ ٣٨٠ مختصرا، والمروزي في "تعظيم قدر الصلاة" (٩)، وابن حبان (٥٨٩٥)، والدارقطني ١/ ٤٣٣، وابن منده في "الإيمان" (٣١) و(١٩٢)، وأبو نعيم في "الحلية" ٨/ ١٧٣، والبيهقي ٢/ ٣، والخطيب في "تاريخ بغداد" ١٠/ ٤٦٤، والبغوي (٣٤) عن ابن المبارك (وهو في "مسنده" (٢٤٠»، والبخاري (٣٩٣) معلقا، وأبو داود (٢٦٤٢)، والمروزي في "تعظيم قدر الصلاة" (١٠)، والطحاوي في "شرح المعاني" ٣/ ٢١٥، والدارقطني ١/ ٤٣٣، وابن منده في "الإيمان" (١٩١)، والبيهقي ٣/ ٩٢، وفي "السنن الصغير" (٣٤٨) من طريق يحيى بن أيوب، والنسائي (٣٩٦٦)، وفي "الكبرى" (٣٤١٤)، والدارقطني ١/ ٤٣٣، وابن منده في "الإيمان" (١٩٣) من طريق محمد بن عيسى بن القاسم بن سميع، ثلاثتهم (ابن المبارك، ويحيى بن أيوب، ومحمد بن عيسى) عن حميد الطويل، حدثنا أنس بن مالك، قال: قال رسول الله ﷺ:
"أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، فإذا شهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، واستقبلوا قبلتنا، وأكلوا ذبيحتنا، وصلوا صلاتنا، فقد حرمت علينا دماؤهم وأموالهم إلا بحقها، لهم ما للمسلمين، وعليهم ما عليهم".
وقال الترمذي:
"هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه".
الدليل التاسع: في "الصحيحين" و"السنن" و"المسانيد" من حديث عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله ﷺ: "بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة وحج البيت، وصوم رمضان" (^١) رواه الإمام أحمد، وفي بعض ألفاظه: "الإسلام خمس" فذكره. ووجه الاستدلال به من وجوه: أحدها: أنه جعل الإسلام كالقبة المبنية على خمسة أركان، فإذا وقع ركنها الأعظم وقعت قبة الإسلام. الثاني: أنه جعل هذه الاركان في كونها أركانا لقبة الإسلام قرينة الشهادتين، فهما ركن، والصلاة ركن، والزكاة ركن، فما بال قبة الإسلام تبقى بعد سقوط أحد أركانها، دون بقية أركانها. الثالث: أنه جعل هذه الأركان نفس الإسلام، وداخلة في مسمى اسمه، وما كان اسما لمجموع أمور، إذا ذهب بعضها ذهب ذلك المسمى، ولا سيما إذا كان من أركانه لا من اجزائه التي ليست بركن له، كالحائظ للبيت فإنه إذا سقط، سقط البيت بخلاف العود والخشبة واللبنة ونحوها. _________
الدليل العاشر: قول الرسول ﷺ: "من صلى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا فهو المسلم، له ما لنا وعليه ما علينا" (^١). ووجه الدلالة فيه من وجهين: أحدهما: أنه إنما جعله مسلما بهذه الثلاثة، فلا يكون مسلما بدونها. الثاني: أنه إذا صلى إلى الشرق لم يكن مسلما حتى يصلي إلى قبلة المسلمين، فكيف إذا ترك الصلاة بالكلية؟! _________
1 / 14
الدليل الحادي عشر: ما رواه الدارمي بسنده عن [جابر بن] (^١) عبد الله، عن النبي ﷺ قال: "مفتاح الجنة الصلاة" (^٢) وهذا يدل على أن من لم يكن من أهل الصلاة لم تفتح له الجنة، وهي تفتح لكل مسلم فليس تاركها مسلما، ولا تناقض بين هذا وبين الحديث الآخر وهو قوله: "مفتاح الجنة شهادة أن لا إله إلا الله" (^٣). فإن الشهادة أصل المفتاح، والصلاة وبقية الأركان أسنانه التي لا يحصل الفتح إلا بها، إذ دخول الجنة موقوف على المفتاح وأسنانه، وقال البخاري: وقيل لوهب بن منبه أليس مفتاح الجنة لا إله إلا الله؟ قال: بلى، ولكن ليس مفتاح إلا وله أسنان، فإن جئت بمفتاح له أسنان فتح لك وإلا لم يفتح لك.
_________
(^١) ما بين المعكوفين ليس في المطبوع
(^٢) ضعيف - أخرجه الترمذي (٤)، وأحمد ٣/ ٣٤٠، والعقيلي في "الضعفاء" ٢/ ١٣٦، والطبراني في "الأوسط" (٤٣٦٤)، وفي "الصغير" (٥٩٦)، والبيهقي في "الشعب" (٢٤٥٥) من طريق حسين بن محمد المروذي، والمروزي في "تعظيم قدر الصلاة" (١٧٥) من طريق يحيى بن حسان، وابن عدي في "الكامل" ٤/ ٢٤١ من طريق عبد الصمد بن النعمان، ثلاثتُهم عن سليمان بن قرم، عن أبي يحيى القتات، عن مجاهد، عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله ﷺ:
"مفتاح الجنة الصلاة، ومفتاح الصلاة الطهور".
وقال ابن عدي:
"ولا أعلم يرويه، عن أبي يحيى غير سليمان بن قرم".
وقال الطبراني:
"لم يروه عن أبي يحيى القتات واسمه زاذان إلا سليمان بن قرم تفرد به الحسين".
وأخرجه الطيالسي (١٨٩٩)، ومن طريقه أبو الشيخ في "الطبقات" ٢/ ٢٨٠، وعنه أبو نعيم في "أخبار أصبهان" ١/ ١٧٦، والبيهقي في "الشعب" (٢٤٥٦)، والخطيب في "موضح أوهام الجمع والتفريق" ١/ ٣٥٠ - ٣٥١ حدثنا سليمان بن معاذ الضبي، عن أبي يحيى القتات به.
وهذا إسناد ضعيف، أبو يحيى القتات: ليّن الحديث، وسليمان بن قرم هو نفسه سليمان بن معاذ الضبي: وهو سيء الحفظ، قال ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" ٤/ ١٣٦: "سليمان بن قرم الضبي وهو ابن قرم بن معاذ، روى عن سماك، وأبي إسحاق، والأعمش، وواقد مولى زيد بن خليدة، وسنان أبي حبيب، روى عنه الثوري، وأبو الأحوص، ويحيى بن آدم، وأبو الجواب، وسلمة بن الفضل، وأبو داود الطيالسي، ونسبه أبو داود إلى جده كي لا يفطن له، سمعت أبي يقول ذلك".
ثم نقل تضعيفه عن ابن معين وأبي حاتم وأبي زرعة، ونقل الخطيب في "الموضح" ١/ ٣٥٠ هذا الكلام ثم قال: "قوله إن أبا دود نسبه إلى جده لئلا يفطن له بعيد لأن يعقوب بن إسحاق الحضرمي قد حدث عن سليمان بن معاذ، أفترى يعقوب أيضا قصد ألا يفطن له أنه سليمان بن قرم؟! هذا بعيد في نفسي والله أعلم، وموضع الشبهة في أمر هذين الرجلين أنهما في طبقة واحدة، وأنهما ضبيان، على أن سليمان بن معاذ قد نسب في رواية يعقوب ابن إسحاق الحضرمي عنه إلى بني تيم أو تميم فأما نسبه إلى بني ضبة فقد ذكر عن أبي داود في عدة أحاديث".
وقال الحافظ في "تهذيب التهذيب" ٤/ ٢١٤:
"وممن فرّق بينهما ابن حبان تبعا للبخاري، ثم ابن القطان، وذكر عبد الغني بن سعيد في "إيضاح الإشكال" أن من فرق بينهما فقد أخطأ.
وكذا قال الدارقطني، وأبو القاسم الطبراني.
وقال ابن حبان: كان رافضيا غاليا في الرفض، ويقلب الأخبار مع ذلك.
وقال في "الثقات": سليمان بن معاذ يروي عن سماك، وعنه أبو داود.
وجزم ابن عقدة بأنه سليمان بن قرم، وأن أبا داود الطيالسي أخطأ في قوله سليمان بن معاذ".
(^٣) ضعيف - أخرجه أحمد ٥/ ٢٤٢، والبزار (٢٦٦٠)، والطبراني في "الدعاء" (١٤٧٩)، وابن عدي في "الكامل" ٥/ ٦٠، وأبو نعيم في "صفة الجنة" (١٨٩)
من طرق عن إسماعيل بن عياش، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين، عن شهر بن حوشب، عن معاذ بن جبل به.
وهذا إسناد ضعيف، فيه ثلاث علل:
الأولى: الانقطاع، قال البزار: "شهر بن حوشب لم يسمع من معاذ بن جبل".
الثانية: شهر بن حوشب ضعيف.
الثالثة: إسماعيل بن عياش ضعيف في روايته عن أهل الحجاز.
وأخرجه المحاملي في "الأمالي" - رواية الفارسي (٣٦١) حدثنا محمد بن خلف المقرئ، قال: حدثنا حسين بن محمد، قال: حدثنا جرير بن حازم، عن محمد بن إسحاق، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن رجل، عن معاذ: أن النبي ﷺ، قال له حين بعثه إلى اليمن:
"إنك ستأتي أهل الكتاب، ويسألونك عن مفتاح أهل الجنة؟ فقل شهادة أن لا إله إلا الله".
وأخرجه البيهقي في "الأسماء والصفات" ١/ ٢٥٩ من طريق أبي أمية، حدثنا الحسين بن محمد، أخبرنا جرير بن حازم، عن محمد بن أبي بكر، عن رجل، عن معاذ بن جبل ﵁، عن رسول الله ﷺ، أنه قال له حين بعثه إلى اليمن:
"إنك ستأتي أهل الكتاب فيسألونك عن مفاتيح الجنة فقل: شهادة أن لا إله إلا الله".
ليس فيه ابن إسحاق، وإسناده ضعيف، فيه من أبهم، وأبو أمية هو محمد بن إبراهيم بن مسلم: قال الحاكم: صدوق كثير الوهم.
وقد خالفه محمد بن خلف المقرئ فذكر ابن إسحاق في إسناده، وروايته أولى بالصواب.
وأخرجه ابن شاهين في "فضائل الأعمال" (٧)، والديلمي (٨٤٧٥)، وكما في "الغرائب الملتقطة" - مخطوط: عن جعفر بن أحمد بن محمد المروزي، قال: حدثنا السري بن يحيى، أخبرنا شعيب بن إبراهيم التيمي، أخبرنا سيف بن عمر، حدثنا سهل بن يوسف، عن أبيه، عن عبيد بن صخر بن لوذان الأنصاري - وكان فيمن بعثه رسول الله ﷺ مع عمال اليمن - قال:
"فرق رسول الله ﷺ عماله، وبعث معاذ بن جبل معلما إلى اليمن وحضرموت، وقال: يا معاذ إنك تقدم على أهل الكتاب وإنهم سائلوك عن مفاتيح الجنة فأخبرهم أن مفاتيح الجنة لا إله إلا الله وأنها تخرق كل شيء حتى تنتهي إلى الله ﷿، لا يحجب دونه. فمن جاء بها يوم القيامة مخلصا رجحت بكل ذنب".
وإسناده تالف، سيف بن عمر الضبي: قال ابن حبان: "يروي الموضوعات عن الأثبات. قال: وقالوا: إنه كان يضع الحديث".
وشعيب بن إبراهيم الكوفي: قال ابن عدي: "له أحاديث وأخبار، وهو ليس بذلك المعروف، ومقدار ما يروي من الحديث والأخبار ليست بالكثيرة، وفيه بعض النكرة، لأن في أخباره وأحاديثه ما فيه تحامل على السلف".
وقال الذهبي في "الميزان" ٢/ ٢٧٥: "فيه جهالة".
وسهل ين يوسف وأبوه: مجهولان، قال ابن عبد البر: لا يعرف، ولا أبوه.
وأخرجه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" ٥٨/ ٤١٠ من طريق عبد الله بن محمد البغوي، حدثني السري بن يحيى أبو عبيدة التميمي، حدثنا سهل بن يوسف، عن أبيه عن عبيد بن صخر مطولا.
فسقط منه شعيب بن إبراهيم التيمي، وسيف بن عمر!
وجاء من حديث أنس، ومعقل بن يسار المزني:
أما حديث أنس:
فأخرجه أبو نعيم في "صفة الجنة" (١٩٠) حدثنا أبو عبد الله جعفر بن محمد الحزار الكوفي، حدثنا أبي، حدثنا أبو عمرو الأودي، حدثنا أبي، عن طعمة بن عمرو، عن أبان، عن أنس، قال: "قال أعرابي: يا رسول الله، ما مفاتيح الجنة؟ قال: لا إله إلا الله".
إسناده ضعيف جدا، أبان بن أبي عياش: فيروز، ويقال: دينار: متروك.
وشيخ أبي نعيم، وأبوه: لم أجدهما، وفي "حلية الأولياء" ٤/ ٣٧٦ أبو عبد الله جعفر بن محمد بن الحسين الخراز الكوفي.
وأما حديث معقل:
فأخرجه الطبراني ٢٠/ (٤٩٧) من طريق داود بن بكر التستري، حدثنا حبان بن أغلب بن تميم، عن أبيه، عن المعلى بن زياد، عن معاوية بن قرة، عن معقل بن يسار، قال: قال رسول الله ﷺ:
"لكل شيء مفتاح، ومفتاح السماوات قول لا إله إلا الله".
وهذا إسناد ضعيف جدا، أغلب بن تميم: قال المعلمي: في تعليقه على "الفوائد المجموعة" (ص ٣٠٣): "تالف".
وابنه حَبان بن أغلب السعدي: قال الذهبي في "الميزان" ١/ ٤٤٨: " شيخ لأبي حاتم، وهاه أبو حفص الفلاس.
وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث".
وداود بن بكر التستري: لم أجد له ترجمة، وعند البزار (١٠٠٨٠) حديث داود بن بكر التستري قال: حدثنا حبان بن أغلب، حدثنا أبي، عن هشام، عن محمد، عن أبي هريرة ﵁، عن النبي ﷺ، قال:
"من قال لا إله إلا الله دخل الجنة".
الدليل الثاني عشر: ما رواه محجن بن الأدرع الأسلمي: "أنه كان في مجلس مع النبي ﷺ، فأُذّن بالصلاة فقام النبي ﷺ ثم رجع، ومحجن في مجلسه، فقال له: ما منعك أن تصلي ألست برجل مسلم؟ قال: بلى ولكني صليت في أهلي، فقال له: إذا جئت فصل مع الناس وإن كنت قد صليت" (^١) رواه الإمام أحمد، والنسائي. فجعل الفارق بين المسلم والكافر الصلاة، وأنت تجد تحت ألفاظ الحديث أنك لو كنت مسلما لصليت، وهذا كما تقول: مالك لا تتكلم ألست بناطق؟ وما لك لا تتحرك ألست بحي؟ ولو كان الإسلام يثبت مع عدم الصلاة لما قال لمن رآه لا يصلي ألست برجل مسلم؟ _________
(^١) حديث حسن - أخرجه النسائي (٨٥٧)، وفي "الكبرى" (٩٣٢)، وأحمد ٤/ ٣٤، والشافعي ١/ ١٠٢، وفي "السنن المأثورة" (٦)، والبخاري في "التاريخ الكبير" ٨/ ٤،
وابن وهب في "الموطأ" (٤٤٠)، وفي "الجامع" (٤٤٤)، ومن طريقه الدارقطني ٢/ ٢٨٣، وابن حبان (٢٤٠٥)، والطحاوي في "شرح المعاني" ١/ ٣٦٣، والطبراني ٢٠/ (٦٩٧)، والحاكم ١/ ٢٤٤، وأبو نعيم في "معرفة الصحابة" (٦٢٠٣)، والبيهقي ٢/ ٣٠٠، وفي "المعرفة" (٤٣٠٧)، والبغوي في "شرح السنة" (٨٥٦)، وابن الأثير في "أسد الغابة" ٤/ ٢٩٤ - ٢٩٥، والمزي في "تهذيب الكمال" ٢٧/ ٢٧٠ عن مالك (وهو في "الموطأ" ١/ ١٣٢)، وأحمد ٤/ ٣٤، والطبراني (٦٩٩) عن عبد الرزاق (وهو في "المصنف"
(٣٩٣٣» عن معمر، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (٩٥٨)، وابن قانع في "معجم الصحابة" ٢/ ٦٨، والدارقطني ٢/ ٢٨٣، والحاكم ١/ ٢٤٤ من طريق عبد العزيز بن محمد، والطحاوي في "شرح المعاني" ١/ ٣٦٢، وابن قانع في "معجم الصحابة" ٣/ ٦٨
من طريق ابن جريج، وابن شاهين في "ناسخ الحديث" (ص ٢٤٣) من طريق مسلم بن خالد الزنجي، خمستهم عن زيد بن أسلم، عن بسر بن محجن، عن أبيه به.
ووقع الشك في رواية الطحاوي (وحده) في "شرح المعاني" ١/ ٣٦٣ من طريق مالك (عن بسر بن محجن، عن أبيه، أو عن عمه).
وأخرجه أحمد ٤/ ٣٤ حدثنا عبد الرحمن، وأحمد ٤/ ٣٤، والبخاري في "التاريخ الكبير" ٨/ ٤، والطحاوي في "شرح المعاني" ١/ ٣٦٣، والطبراني ٢٠/ (٦٩٦) عن أبي نعيم الفضل ابن دكين، والطحاوي في "شرح المعاني" ١/ ٣٦٣ من طريق الفريابي، وابن شاهين في "ناسخ الحديث" (ص ٢٤٤) من طريق أبي داود الحفري، أربعتهم عن سفيان الثوري، عن زيد بن أسلم، عن بسر بن محجن الديلي، عن أبيه.
وأخرجه أحمد ٤/ ٣٣٨، ومن طريقه أبو نعيم في "معرفة الصحابة" (١٢٣٢) حدثنا وكيع، حدثنا سفيان، عن زيد بن أسلم، - قال سفيان، مرة: عن بسر، أو بشر بن محجن، ثم كان يقول بعد عن ابن محجن الديلي، عن أبيه به.
وأخرجه ابن شاهين في "ناسخ الحديث" (ص ٢٤٤) من طريق وكيع، قال: حدثنا سفيان، عن زيد بن أسلم، عن بسر بن محجن، عن أبيه به.
وزاد أحمد "واجعلها نافلة".
وقال الإمام أحمد:
"ولم يقل أبو نعيم، ولا عبد الرحمن: واجعلها نافلة".
وقال الطبراني:
"كذا رواه سفيان، عن زيد بن أسلم، عن بشر بن محجن، ووهم فيه إنما هو بسر بن محجن، هكذا رواه مالك، وأصحاب زيد بن أسلم".
وقال البخاري:
"قال أبو نعيم وهم سفيان وإنما هو بسر".
وقال البيهقي:
"قال البخاري: حدثنا أبو نعيم قال: قال سفيان: قال بشر: قال أبو نعيم: بلغني أنه رجع عنه".
وأخرجه عبد الرزاق (٣٩٣٢) عن ابن جريج، عن داود بن قيس، عن زيد بن أسلم، عن ابن محجن الدئلي، عن أبيه، قال: "صليت الظهر والعصر في بيتي، ثم جئت … الحديث".
وعند الطبراني ٢٠/ (٦٩٨) عن عبد الرزاق، عن ابن جريج، وداود بن قيس، عن زيد بن أسلم به.
وأخرجه ابن قانع في "معجم الصحابة" ٣/ ٦٨ من طريق يحيى بن عبد الله، حدثنا داود بن قيس، عن زيد بن أسلم، عن بشر بن محجن، عن أبيه.
وأخرجه الطحاوي في "شرح المعاني" ١/ ٣٦٣، والطبراني (٧٠٠) من طريق سليمان بن بلال، عن زيد بن أسلم به.
وقال الحاكم:
"هذا حديث صحيح، ومالك بن أنس الحكم في حديث المدنيين، وقد احتج به في الموطأ".
فتعقبه الذهبي بقوله "محجن تفرد عنه ابنه".
وقال ابن القطان في "بيان الوهم والإيهام" ٥/ ٢٢:
"بسر لا يعرف بغير رواية زيد بن أسلم عنه، ولا تعرف حاله".
قلت: وتفرّد ابن حبان ٤/ ٧٩ بتوثيقه، ومن هذا يعرف ما في قول الحافظ أنه صدوق!
تنبيه: سقط من مطبوع "معرفة الصحابة" صحابيّ الحديث!
وأخرجه ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (٩٦٨) حدثنا محمد بن منصور بن إسحاق، حدثنا الليث بن سعد، عن عمران بن أبي أنس، عن أبي قتادة، عن ابن الدئلي ﵁، قال:
"جئت إلى رسول الله ﷺ وهو يصلي فلم أصل معه، فلما فرغ قال: ما منعك أن تصلي معنا؟ قلت: قد صليت في بيتي، قال: وإن صليت في بيتك فصل معنا".
أبو قتادة تحريف، وصوابه قتادة كما يأتي، ولم أجد محمد بن منصور بن إسحاق، ولا يوجد لابن أبي عاصم شيخ بهذا الاسم سوى محمد بن منصور الطوسي فأخشى أن يكون في السند سقط فيكون ابن اسحاق هو السيلحيني فقد أخرجه ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (٢٨١٣) حدثنا الحسن بن البزار، حدثنا يحيى بن إسحاق، حدثنا الليث بن سعد، عن عمران بن أبي أنس، عن قتادة، عن ابن أبي الديل، ﵁ قال: فذكره.
وهذا إسناد منقطع، قال الإمام أحمد: "ما أعلم قتادة سمع من أحد من أصحاب النبي ﷺ إلا من أنس بن مالك".
وأخرجه ابن قانع في "معجم الصحابة" ١/ ٨٦ من طريق ابن حميد، حدثنا سلمة، عن محمد ابن إسحاق، عن عمران بن أبي أنس، عن حنظلة بن علي، عن بشر بن محجن،
قال: "صليت الظهر في منزلي ثم خرجت بإبل لأصدرها فمررت برسول الله ﷺ وهو يصلي بالناس الظهر في مسجده، فلم أصل وذكرت ذلك له، فقال: ما منعك أن تصلي معنا؟ قلت: كنت قد صليت في منزلي قال: وإن".
وهذا إسناد ضعيف، ابن حميد: قال الذهبي: وثقه جماعة والأولى تركه.
وسلمة إن كان هو ابن الفضل الأبرش فإنه ضعيف.
وهذا الحديث إنما يرويه بسر بن محجن عن أبيه كما تقدّم.
ويشهد له حديث يزيد بن الأسود الخزاعي:
أخرجه أبو داود (٦١٤) - مختصرا، والنسائي (١٣٣٤)، وفي "الكبرى" (١٢٥٨) - مختصرا، وأحمد ٤/ ١٦١، وعبد الرزاق (٣٩٣٤)، وابن خزيمة (١٦٣٨)، وأبو بكر النجاد في "حديثه" - مخطوط، والدارقطني ٢/ ٢٨١ و٢٨٢، والحاكم ١/ ٢٤٤ - ٢٤٥، والبيهقي ٢/ ٢٣٠ و٣٠١، وفي "السنن الصغير" (٥٥١) عن سفيان الثوري، وأحمد ٤/ ١٦١، وعبد الرزاق (٣٩٣٤)، وابن سعد في "الطبقات الكبرى" ٥/ ٥١٧، وابن خزيمة (١٦٣٨)، وأبو بكر النجاد في "حديثه" - مخطوط، والطبراني ٢٢/ (٦٠٨) و(٦٠٩)، والدارقطني ٢/ ٢٨٠ عن هشام بن حسان، وأبو داود (٥٧٥) و(٥٧٦)، وأحمد ٤/ ١٦١، والطيالسي (١٣٤٣)، والدارمي (١٣٦٧)، وابن خزيمة (١٦٣٨)، والطحاوي في "شرح المعاني" ١/ ٣٦٣، وأبو بكر النجاد في "حديثه" - مخطوط، وابن قانع في "معجم الصحابة" ٣/ ٢٢١ و٢٢٢، ٥/ ٢٧٧٥، وابن حبان (١٥٦٤)، والطبراني ٢٢/ (٦١٠) و(٦١١) و(٦١٨)، وفي "الأوسط" (٨٦٥٠)، والغطريفي في "حديثه" (٨٧)، والدارقطني ٢/ ٢٨٠، والبيهقي ٢/ ٣٠٠، وفي "دلائل النبوة" ١/ ٢٥٨ عن شعبة، وأحمد ٤/ ١٦١، وابن خزيمة (١٦٣٨)، وأبو بكر النجاد في "حديثه" - مخطوط، والطبراني ٢٢/ (٦١٥)، والدارقطني ٢/ ٢٨٠ من طريق شريك، والترمذي (٢١٩)، والنسائي (٨٥٨)، وفي "الكبرى" (٩٣٣)، وأحمد ٤/ ١٦٠ - ١٦١، ولوين في "حديثه" (١٠٢)، وابن أبي شيبة ٢/ ٢٧٤ - ٢٧٥ و١٤/ ١٨٦، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (١٤٦٢)، وابن خزيمة (١٢٧٩) و(١٦٣٨) و(١٧١٣)، وابن حبان (١٥٦٥) و(٢٣٩٥)، والطبراني ٢٢/ (٦١٤)، والدارقطني ٢/ ٢٨٠، والبيهقي ٢/ ٣٠١، وفي "المعرفة" (٤٣١١) عن هشيم، والطبراني ٢٢/ (٦١٦) و(٦١٩)، وفي "الأوسط" (٤٣٩٨)، وفي "الصغير" (٦٠٣)، وفي "مسند الشاميين" (٢٤٨٣)، والدارقطني ٢/ ٢٨٢ من طريق غيلان بن جامع، وأبو بكر النجاد في "حديثه"، والطبراني ٢٢/ (٦١٢) من طريق حماد بن سلمة، وابن المنذر في "الأوسط" (١١١٦)، والطبراني ٢٢/ (٦١٤)، والدارقطني ٢/ ٢٨٢ من طريق مبارك بن فضالة، وأبو بكر النجاد في "حديثه" - مخطوط: من طريق سعيد بن زيد، تسعتهم عن يعلى بن عطاء،
عن جابر بن يزيد بن الأسود، عن أبيه، قال:
"شهدت مع النبي ﷺ حجته، فصليت معه صلاة الفجر في مسجد الخيف، قال: فلما قضى صلاته وانحرف، فإذا هو برجلين في أخريات القوم، لم يصليا معه، قال: علي بهما. فأتي بهما ترعد فرائصهما قال: ما منعكما أن تصليا معنا؟ قالا: يا رسول الله، كنا قد صلينا في رحالنا قال: فلا تفعلا إذا صليتما في رحالكما، ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم فإنهما لكما نافلة".
وفي لفظ "صلينا مع النبي ﷺ الفجر بمنى فجاء رجلان حتى وقفا على رواحلهما، فأمر بهما النبي ﷺ فجيء بهما ترعد فرائصهما، فقال لهما: ما منعكما أن تصليا مع الناس؟ ألستما مسلمين؟ قالا: بلى يا رسول الله، إنا كنا صلينا في رحالنا، فقال لهما: إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما الإمام فصليا معه فإنهما لكما نافلة".
وزاد بعضهم "فقال أحدهما: يا رسول الله استغفر لي، فقال: غفر الله لك".
وفي رواية أبي عاصم، عن سفيان "وليجعل التي صلى في بيته نافلة".
قال الدارقطني:
"خالفه أصحاب الثوري، ومعه أصحاب يعلى بن عطاء منهم، شعبة، وهشام بن حسان، وشريك، وغيلان بن جامع، وأبو خالد الدالاني، ومبارك بن فضالة، وأبو عوانة، وهشيم، وغيرهم، رووه عن يعلى بن عطاء، مثل قول وكيع، وابن مهدي. ورواه حجاج بن أرطأة، عن يعلى بن عطاء، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو، عن النبي ﷺ نحوه، وقال: فتكون لكما نافلة والتي في رحالكما فريضة".
وأخرجه أحمد ٤/ ١٦١، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (١٤٦٣)، وابن قانع في "معجم الصحابة" ٣/ ٢٢٢ - مختصرا، والطبراني ٢٢/ (٦١٣)، والدارقطني ٢/ ٢٨٢ من طريق أبي عوانة الوضاح بن عبد الله، عن يعلى به مطولا.
وأخرجه الدارقطني ٢/ ٢٨٢ من طريق بقية: حدثني إبراهيم بن ذي حماية، حدثني عبد الملك ابن عمير، عن جابر بن يزيد، عن أبيه، عن النبي ﷺ نحو حديث شعبة.
وقال الترمذي:
"حديث حسن صحيح".
قال الحافظ في "تلخيص الحبير" ٢/ ٦٢:
"قال الشافعي في القديم: إسناده مجهول. قال البيهقي: لأن يزيد بن الأسود ليس له راو غير ابنه، ولا لابنه جابر راو غير يعلى.
قلت: يعلى من رجال مسلم، وجابر وثقه النسائي وغيره، وقد وجدنا لجابر بن يزيد راويا غير يعلى، أخرجه ابن منده في "المعرفة" من طريق بقية، عن إبراهيم بن ذي حماية،
عن عبد الملك بن عمير، عن جابر".
فصل قال محمد تقي الدين: إن بعض علماء أهل السنة تأوّلوا ما جاء في الأحاديث من كفر تارك الصلاة بأنه من باب كفر دون كفر، كقول النبي ﷺ، "من أتى امرأة في دبرها فقد كفر"، فهذا الكفر لا يخرجه من الملة عند أهل السنة، لكن ماذا يصنع هؤلاء بقول النبي ﷺ "فقد برئت منه ذمة الله" (^١)، وبقوله ﵊ "فقد خرج من الملة" (^٢)، وسيأتي إجماع الصحابة. _________
(^١) حسن - وقد تقدم، انظر الحاشية (٢٣).
(^٢) ضعيف - تقدّم الكلام عليه انظر الحاشية رقم (٢٢).
الدليل الثاني عشر: ما رواه محجن بن الأدرع الأسلمي: "أنه كان في مجلس مع النبي ﷺ، فأُذّن بالصلاة فقام النبي ﷺ ثم رجع، ومحجن في مجلسه، فقال له: ما منعك أن تصلي ألست برجل مسلم؟ قال: بلى ولكني صليت في أهلي، فقال له: إذا جئت فصل مع الناس وإن كنت قد صليت" (^١) رواه الإمام أحمد، والنسائي. فجعل الفارق بين المسلم والكافر الصلاة، وأنت تجد تحت ألفاظ الحديث أنك لو كنت مسلما لصليت، وهذا كما تقول: مالك لا تتكلم ألست بناطق؟ وما لك لا تتحرك ألست بحي؟ ولو كان الإسلام يثبت مع عدم الصلاة لما قال لمن رآه لا يصلي ألست برجل مسلم؟ _________
فصل قال محمد تقي الدين: إن بعض علماء أهل السنة تأوّلوا ما جاء في الأحاديث من كفر تارك الصلاة بأنه من باب كفر دون كفر، كقول النبي ﷺ، "من أتى امرأة في دبرها فقد كفر"، فهذا الكفر لا يخرجه من الملة عند أهل السنة، لكن ماذا يصنع هؤلاء بقول النبي ﷺ "فقد برئت منه ذمة الله" (^١)، وبقوله ﵊ "فقد خرج من الملة" (^٢)، وسيأتي إجماع الصحابة. _________
1 / 15
الفصل الثالث
فيما جاء عن الصحابة ﵃ في حكم تارك الصلاة
قال ابن القيم في "كتاب الصلاة":
وأما إجماع الصحابة، فقال ابن زنجويه بسنده المتصل عن ابن عباس: "أنه جاء عمر بن الخطاب حين طعن في المسجد، قال: فاحتملته أنا ورهط كانوا معي في المسجد حتى أدخلناه بيته، قال: فأمر عبد الرحمن بن عوف أن يصلي بالناس، قال: فلما دخلنا على عمر بيته غشي عليه من الموت فلم يزل في غشيته حتى أسفر، ثم أفاق، فقال: هل صلى الناس؟ قال: فقلنا نعم، فقال: لا إسلام لمن ترك الصلاة. وفي سياق آخر: لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة، ثم دعا بوضوء فتوضأ وصلى … وذكر القصة (^١).
فقال هذا بمحضر من الصحابة ولم ينكروه عليه، وقد تقدم مثل ذلك عن معاذ بن جبل، وعبد الرحمن بن عوف، وأبي هريرة، ولا يعلم عن صحابي خلافهم.
وقال الحافظ عبد الحق الاشبيلي ﵀ في كتابه في "الصلاة": ذهب جملة من الصحابة ﵃ ومن بعدهم إلى تكفير تارك الصلاة متعمدا لتركها حتى يخرج جميع وقتها، منهم عمر بن الخطاب، ومعاذ بن جبل، وعبد الله بن مسعود، وابن عباس، وجابر، وأبو الدرداء، وكذلك روي عن علي بن أبي طالب هؤلاء من الصحابة. ومن غيرهم: أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وعبد الله بن المبارك، وإبراهيم النخعي، والحكم بن عيينة، وأيوب السختياني، وأبو داود الطيالسي، وأبو بكر بن أبي شيبة،
وأبو خيثمة زهير بن حرب.
_________
(^١) صحيح - أخرجه المحاملي في "أماليه" (١٠) - رواية الفارسي، ومن طريقه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" ٤٤/ ٤٢٣ من طريق يحيى بن أيوب الغافقي، وابن شبة في "تاريخ المدينة" ٣/ ٩٠٢ من طريق عبد الله بن وهب، كلاهما عن يونس، عن ابن شهاب، قال: حدثني عبيد الله بن عبد الله: أن عبد الله بن عباس، أخبره:
"أنه جاء عمر بن الخطاب حين طعن في غلس السحر، قال: فاحتملته أنا ورهط كانوا معي في المسجد حتى أدخلناه بيته، قال: وأمر عبد الرحمن بن عوف أن يصلي بالناس، قال: فلما أدخلنا عمر بيته غشي عليه من النزف، فلم يزل في غشيته حتى أسفر، ثم أفاق، فقال: هل صلى الناس؟ قلنا: نعم، قال: لا إسلام لمن ترك الصلاة.
قال: ثم دعا بوضوء فتوضأ وصلى، وقال عمر ﵁ حين أخبر أن أبا لؤلؤة هو الذي طعنه، قال: الحمد لله الذي قتلني من لا يحاجني عند الله بصلاة صلاها - وكان مجوسيا -".
يونس بن يزيد الأيلي: ثقة إلا أن في روايته عن الزهري وهما قليلا، وتابعه معمر:
أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (٥٨١) و(٥٠١٠)، ومن طريقه المروزي في "تعظيم قدر الصلاة" (٩٢٤)، واللالكائي في "شرح أصول الاعتقاد" (١٥٢٩) عن معمر، عن الزهري بإسناده، بلفظ "أما إنه لا حظ في الإسلام لأحد ترك الصلاة".
وأخرجه أحمد في "الزهد" (٦٥٦)، واللالكائي في "شرح أصول الاعتقاد" (١٥٢٨) من طريق عبد الرحمن بن أبي الزناد، حدثنا عن أبيه، عن عروة، وسليمان بن يسار، عن المسور ابن مخرمة:
"أنه دخل هو وابن عباس على عمر بن الخطاب فقالا: الصلاة يا أمير المؤمنين بعدما أسفر، فقال: نعم، ولا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة فصلى والجرح يثغب دما".
وأخرجه ابن أبي شيبة ١١/ ٢٥، وفي "الإيمان" (١٠٣) عن ابن نمير، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن المسور بن مخرمة، وابن عباس به.
وأخرجه مالك في "الموطأ" ١/ ٣٩، ومن طريقه البيهقي ١/ ٣٥٧، وفي "المعرفة" (٢٢٨٧)، والبغوي في "شرح السنة" (٣٣٠) عن هشام بن عروة، عن أبيه:
"أن المسور بن مخرمة أخبره، أنه دخل على عمر بن الخطاب من الليلة التي طعن فيها، فأيقظ عمر لصلاة الصبح، فقال: عمر: نعم، ولا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة، فصلى عمر، وجرحه يثعب دما".
وأخرجه عبد الرزاق (٥٧٩)، ومن طريقه الخلال في "السنة" (١٣٧١) عن الثوري، وابن أبي شيبة ١٤/ ٥٨٢ حدثنا أبو أسامة، والمروزي (٩٢٥)، والدارقطني ٢/ ٣٩٥ من طريق عبدة ابن سليمان، والمروزي (٩٢٧) من طريق ابن إسحاق، والخلال (١٣٨١) من طريق وكيع، والدارقطني ٢/ ٢٦٦ من طريق أبي معاوية، ستتهم عن هشام بن عروة، عن أبيه قال: حدثني سليمان بن يسار: أن المسور نحوه.
وأخرجه المروزي في "تعظيم قدر الصلاة" (٩٢٣)، وابن الأعرابي في "المعجم" (١٩٤١)، والآجري في "الشريعة" (٢٧١)، والدارقطني ١/ ٤١٧ من طريق يونس، عن ابن شهاب،
أن سليمان بن يسار نحوه.
وأخرجه ابن سعد في "الطبقات الكبرى" ٣/ ٣٥١ من طريق ابن شهاب: أخبرنا سليمان بن يسار، عن حديث المسور بن مخرمة، عن عمر ليلة طعن: " دخل هو وابن عباس … فذكره.
وأخرجه عبد الرزاق (٥٨٠) عن ابن جريج قال: سمعت ابن أبي مليكة، دخل ابن عباس، والمسور بن مخرمة … مرسلا.
وأخرجه العدني في "الإيمان" (٣٢)، وابن سعد في "الطبقات الكبرى" ٣/ ٣٥٠، والمرزوي (٩٢٦)، والخلال (١٣٨٨)، وابن الأعرابي في "المعجم" (١٩٤٢)، وابن بطة في "الإبانة الكبرى" (٨٧٢) و(٨٧٣)، والدارقطني ١/ ٤١٧ من طريق أيوب السختياني، عن ابن أبي مليكة، عن المسور بن مخرمة ﵁ قال: فذكره.
وأخرجه المروزي (٩٢٨)، وابن الأعرابي في "المعجم" (٤٠٧)، والآجري في "الشريعة" (٢٧٢)، والطبراني في "الأوسط" (٨١٨١)، وأبو نعيم في "المعرفة" (١٩١) من طريق وهب ابن جرير، قال: حدثنا قرة بن خالد، عن عبد الملك بن عمير، عن جابر بن سمرة، عن المسور بن مخرمة به.
وهذا إسناد صحيح.
وأخرجه ابن سعد ٣/ ٣٥٠، والمروزي (٩٢٩) من طريق عبد الله بن جعفر بن عبد الرحمن ابن المسور بن مخرمة الزهري، عن عمته أم بكر بنت المسور بن مخرمة، عن المسور بن مخرمة، قال: "دخلت مع عبد الله بن عباس … فذكره.
(فصل) ثم ذكر ابن القيم كلاما طويلا في الذنوب التي لا تخرج من الملة، وإن سميت كفرا أو فسقا أو نفاقا، وانتهى إلى النتيجة التالية في (ص ٥٢٣) من مجموعة الحديث النجدية (^١) والأدلة التي ذكرناها وغيرها تدل على أنه لا يقبل من العبد شيء من أعماله إلا بفعل الصلاة، فهي مفتاح ديوانه ورأس مال ربحه، ومحال بقاء الربح بلا رأس مال، فإذا خسرها خسر أعماله كلها، وإن أتى بها صورة، وقد أشار إلى هذا في قوله: "فإن ضيعها فهو لما سواها أضيع" (^٢). وفي قوله: "أول ما ينظر من أعماله الصلاة، فإن _________
(^١) وفي مطبوع دار عالم الفوائد (ص ١٠٤).
(^٢) صحيح - أخرجه مالك في "الموطأ" ١/ ٦، وعنه عبد الرزاق في "المصنف" (٢٠٣٨)، والطحاوي في "شرح المعاني" ١/ ١٩٣، والبيهقي ١/ ٤٤٥ عن مالك، عن نافع: "أن عمر بن الخطاب كتب إلى عماله: إن أهم أموركم عندي الصلاة، من حفظها وحافظ عليها حفظ دينه، ومن ضيعها فهو لسواها أضيع … ".
وإسناده منقطع، لأن نافعا لم يلق عمر لكن أخرجه عبد الرزاق (٢٠٣٩) عن معمر، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر مثله.
وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.
(فصل) ثم ذكر ابن القيم كلاما طويلا في الذنوب التي لا تخرج من الملة، وإن سميت كفرا أو فسقا أو نفاقا، وانتهى إلى النتيجة التالية في (ص ٥٢٣) من مجموعة الحديث النجدية (^١) والأدلة التي ذكرناها وغيرها تدل على أنه لا يقبل من العبد شيء من أعماله إلا بفعل الصلاة، فهي مفتاح ديوانه ورأس مال ربحه، ومحال بقاء الربح بلا رأس مال، فإذا خسرها خسر أعماله كلها، وإن أتى بها صورة، وقد أشار إلى هذا في قوله: "فإن ضيعها فهو لما سواها أضيع" (^٢). وفي قوله: "أول ما ينظر من أعماله الصلاة، فإن _________
1 / 16
جازت له نظر في سائر أعماله، وإن لم تجز له لم ينظر في شيء من أعماله بعد" (^١) ومن العجب أن يقع الشك في كفر من أصر على تركها، ودعي إلى فعلها على رؤوس الملأ وهو يرى بارقة السيف على رأسه ويشد للقتل وعصبت عيناه وقيل له: تصلي وإلا قتلناك، فيقول اقتلوني ولا أصلي أبدا! ومن لا يكفر تارك الصلاة، يقول هذا مؤمن مسلم يغسل يصلى عليه ويدفن في مقابر المسلمين، وبعضهم يقول إنه مؤمن كامل الإيمان، إيمانه كإيمانه جبريل وميكائيل، فلا يستحي من هذا قوله من إنكاره تكفير من شهد بكفره الكتاب والسنة واتفاق الصحابة والله الموفق.
* * *
_________
(^١) ضعيف - أخرجه المروزي في "تعظيم قدر الصلاة" (١٩٤) حدثنا أحمد بن منصور، حدثنا ابن أبي مريم، أخبرنا يحيى بن أيوب، قال: حدثني ابن عجلان، عن عون بن عبد الملك، قال: يقال: "إن العبد إذا دخل قبره سئل عن صلاته، أول شيء يسأل عنه، فإن جازت له نظر فيما سوى ذلك من عمله، وإن لم تجز له لم ينظر في شيء من عمله بعد".
وهذا إسناد منقطع، ومثله ما أخرجه الإمام مالك في "الموطأ" ١/ ١٧٣ عن يحيى بن سعيد، أنه قال: بلغني "أن أول ما ينظر فيه من عمل العبد الصلاة، فإن قبلت منه، نظر فيما بقي من عمله، وإن لم تقبل منه، لم ينظر في شيء من عمله".
والحديث صحيح بلفظ "إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته، فإن صلحت فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر، فإن انتقص من فريضته شيء، قال الرب ﷿: انظروا هل لعبدي من تطوع فيكمل بها ما انتقص من الفريضة، ثم يكون سائر عمله على ذلك".
أخرجه أبو داود (٨٦٤) و(٨٦٥)، والترمذي (٤١٣) وحسنه، والنسائي (٤٦٥) و(٤٦٦)، وفي "الكبرى" (٣٢١) و(٣٢٢)، وابن ماجه (١٤٢٥)، وأحمد ٢/ ٢٩٠ و٤٢٥، وابن أبي شيبة ١٤/ ١٢٣ و١٤٦، والحاكم ١/ ٢٦٢ وصححه من حديث
أبي هريرة.
وله شاهد من حديث أبي الدرداء عند أبي داود (٨٦٦)، وابن ماجه (١٤٢٦)، وأحمد ٤/ ١٠٣، وابن أبي شيبة ١١/ ٤١ و١٤/ ١٠٨، والحاكم ١/ ٢٦٢، ورجل من أصحاب النبي ﷺ عند الإمام أحمد ٤/ ٦٥ و١٠٣ و٥/ ٣٧٧، وابن أبي شيبة ١٤/ ١٣٣.
فصل في سياق أقوال العلماء من التابعين ومن بعدهم في كفر تارك الصلاة ومن حكى الإجماع على ذلك وقال محمد بن نصر بسنده عن أيوب، قال: "ترك الصلاة كفر لا يختلف فيه" (^١). وحكى محمد (^٢) بن نصر عن ابن المبارك قال: "من أخر صلاة حتى يفوت وقتها متعمدا من غير عذر فقد كفر" (^٣). وقال علي بن الحسن بن شقيق: سمعت عبد الله بن المبارك، يقول: "من قال إني لا أصلي المكتوبة اليوم فهو أكفر من حمار" (^٤). وقال يحيى بن معين: قيل لعبد الله بن المبارك: إن هؤلاء يقولون: من لم يصم ولم يصل بعد أن يقر به فهو مؤمن مستكمل الإيمان؟ فقال عبد الله: "لا نقول نحن ما يقول هؤلاء من ترك الصلاة متعمدا من غير علة حتى أدخل وقتا في وقت فهو كافر" (^٥). وقال ابن أبي شيبة: قال النبي ﷺ: "من ترك الصلاة فقد كفر. فيقال له ارجع عن الكفر فإن فعل وإلا قتل بعد أن يؤجله الوالي ثلاثة أيام" (^٦). وقال أحمد بن يسار: سمعت صدقة بن الفضل وسئل عن تارك الصلاة؟ فقال: كافر (^٧). (فصل) من نام عن صلاة أو نسيها حتى خرج وقتها فليصلها ولا إثم عليه روى البخاري ومسلم، واللفظ له عن أنس، عن النبي ﷺ، قال: "من نسي صلاة، أو نام عنها، فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها" (^٨) وروى مسلم عنه أيضا، قال: قال رسول الله ﷺ: "إذا رقد أحدكم عن الصلاة، أو غفل عنها، فليصلها إذا ذكرها، فإن الله _________
(^١) أخرجه المروزي في "تعظيم قدر الصلاة" (٩٧٨) حدثنا محمد بن يحيى، قال: حدثنا أبو النعمان، قال: حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب، قال: فذكره.
وهذا إسناد صحيح، أبو النعمان هو محمد بن الفضل السدوسي المعروف بـ عارم.
(^٢) جاء في المطبوع (وحكى محمد بن المبارك، قال: من أخر الصلاة) وهو خطأ بيّن، إنما هو محمد بن نصر المروزي، نقله عن المبارك.
(^٣) أخرجه المروزي في "تعظيم قدر الصلاة" (٩٧٩) حدثنا محمد بن عبدة، قال: سمعت يعمر بن بشر أبا عمرو، قال: سمعت عبد الله بن المبارك ﵁ قال: فذكره.
ورجاله ثقات.
(^٤) أخرجه المروزي في "تعظيم قدر الصلاة" (٩٨٠) حدثنا أحمد بن سيار، قال: سمعت علي بن الحسن بن شقيق، يقول: سمعت عبد الله، يقول: فذكره.
وإسناده صحيح.
(^٥) أخرجه المروزي في "تعظيم قدر الصلاة" (٩٨١) حدثنا أحمد، قال: حدثنا أحمد بن حكيم، قال: أخبرنا يحيى بن معين به.
وقال محقق "الصلاة للمروزي" تصحّف (يحيى بن معين) إلى (يحيى بن موسى)، وقام بتصحيحه من كتاب "الصلاة" لابن القيم!!، وليته لم يفعل وأثبت ما وجد في أصل الكتاب، فهو الصواب، قال الحافظ مغلطاي في "تهذيب الكمال" ١٢/ ٣٧١:
"يحيى بن موسى: ذكره البستي في "تاريخ المراوزة"، وزعم أنه يروي عن عبد الله بن المبارك قال: وكان من العباد، يكنى أبا محمد، روى عنه أحمد بن حكيم، ونضر بن صاحب، وعمير ابن أفلح".
وأحمد بن حكيم: لم أجده، وليس هو الذي يروي عن ابن عيينة، فهذا أعلى طبقة منه.
(^٦) ذكره عنه المروزي في "تعظيم قدر الصلاة" (٩٨٨).
(^٧) أخرجه المروزي في "تعظيم قدر الصلاة" (٩٨٩).
(^٨) متفق عليه من حديث أنس، وقد استوفيت طرقه، وشواهده في كتابي "أحاديث الأحكام رواية ودراية" برقم (٨٦).
فصل في سياق أقوال العلماء من التابعين ومن بعدهم في كفر تارك الصلاة ومن حكى الإجماع على ذلك وقال محمد بن نصر بسنده عن أيوب، قال: "ترك الصلاة كفر لا يختلف فيه" (^١). وحكى محمد (^٢) بن نصر عن ابن المبارك قال: "من أخر صلاة حتى يفوت وقتها متعمدا من غير عذر فقد كفر" (^٣). وقال علي بن الحسن بن شقيق: سمعت عبد الله بن المبارك، يقول: "من قال إني لا أصلي المكتوبة اليوم فهو أكفر من حمار" (^٤). وقال يحيى بن معين: قيل لعبد الله بن المبارك: إن هؤلاء يقولون: من لم يصم ولم يصل بعد أن يقر به فهو مؤمن مستكمل الإيمان؟ فقال عبد الله: "لا نقول نحن ما يقول هؤلاء من ترك الصلاة متعمدا من غير علة حتى أدخل وقتا في وقت فهو كافر" (^٥). وقال ابن أبي شيبة: قال النبي ﷺ: "من ترك الصلاة فقد كفر. فيقال له ارجع عن الكفر فإن فعل وإلا قتل بعد أن يؤجله الوالي ثلاثة أيام" (^٦). وقال أحمد بن يسار: سمعت صدقة بن الفضل وسئل عن تارك الصلاة؟ فقال: كافر (^٧). (فصل) من نام عن صلاة أو نسيها حتى خرج وقتها فليصلها ولا إثم عليه روى البخاري ومسلم، واللفظ له عن أنس، عن النبي ﷺ، قال: "من نسي صلاة، أو نام عنها، فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها" (^٨) وروى مسلم عنه أيضا، قال: قال رسول الله ﷺ: "إذا رقد أحدكم عن الصلاة، أو غفل عنها، فليصلها إذا ذكرها، فإن الله _________
1 / 17
يقول: ﴿أقم الصلاة لذكري﴾ [طه: ١٤] ".
وفي "صحيح مسلم" عن أبي هريرة: "أن رسول الله ﷺ حين قفل من غزوة خيبر، سار ليله حتى إذا أدركه الكرى عرس، وقال لبلال: اكلأ لنا الليل. فصلى بلال ما قدر له، ونام رسول الله ﷺ وأصحابه، فلما تقارب الفجر استند بلال إلى راحلته مواجه الفجر، فغلبت بلالا عيناه وهو مستند إلى راحلته، فلم يستيقظ رسول الله ﷺ، ولا بلال، ولا أحد من أصحابه حتى ضربتهم الشمس، فكان رسول الله ﷺ أولهم استيقاظا، ففزع رسول الله ﷺ، فقال: أي بلال؟ فقال بلال: أخذ بنفسي الذي أخذ - بأبي أنت وأمي يا رسول الله - بنفسك، قال: اقتادوا. فاقتادوا رواحلهم شيئا، ثم توضأ رسول الله ﷺ، وأمر بلالا فأقام الصلاة، فصلى بهم الصبح، فلما قضى الصلاة قال: من نسي الصلاة فليصلها إذا ذكرها. فإن الله قال: ﴿أقم الصلاة لذكري﴾ [طه: ١٤] " (^١).
_________
(^١) أخرجه مسلم (٦٨٠)، وغيره، وقد استوفيت تخريجه في كتابي "أحاديث الأحكام رواية ودراية" عند شواهد الحديث رقم (٨٦).
(فصل) من ترك صلاة عمدا حتى خرج وقتها هل ينفعه قضاؤها؟ الجواب تجده في وصية أبي بكر لعمر ﵄، قال ابن القيم: فصل في قول أبي بكر الصديق الذي لا يعلم أن أحدا من الصحابة أنكره عليه، قال عبد الله بن المبارك: أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد، عن زيد: أن أبا بكر قال لعمر بن الخطاب: إني موصيك بوصية إن حفظتها، إن لله حقا بالنهار لا يقبله بالليل وحقا بالليل لا يقبله بالنهار، وإنها لا تقبل نافلة حتى تؤدى الفريضة … " (^١). فهذا أبو بكر قال: إن الله لا يقبل عمل النهار بالليل، ولا عمل الليل بالنهار، ومن يخالفنا بهذه المسألة يقولون بخلاف هذا صريحا، وأنه يقبل صلاة العشاء الآخرة وقت الهاجرة، ويقبل صلاة العصر نصف النهار. قالوا: فهذا قول أبي بكر، وعمر، وابنه عبد الله، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن مسعود، والقاسم بن محمد بن أبي بكر، وبديل (^٢) العقيلي، ومحمد بن سيرين، ومطرف بن عبد الله، وعمر بن عبد العزيز ﵃، وغيرهم. قال شعبة: عن يعلى بن عطاء، عن عبد الله _________
(^١) ضعيف - أخرجه ابن المبارك في "الزهد" (٩١٤)، وابن أبي شيبة ١٣/ ٢٥٩ - ٢٦١ و١٤/ ٥٧٢ - ٥٧٥، وهناد في "الزهد" (٤٩٦)، وأبو داود في "الزهد" (٢٨)، والخلال في "السنة" (٣٣٧)، والآجري في "الشريعة" (١٢٠٢) عن إسماعيل بن أبي خالد، عن زبيد:
أن أبا بكر قال لعمر بن الخطاب: "إني موصيك بوصية … فذكره مطولا.
وهذا معضل، زبيد بن الحارث اليامي من الذين عاصروا صغار التابعين.
وأخرجه سعيد بن منصور في "التفسير من سننه" (٩٤٢) من طريق سعيد بن المرزبان، وأبو نعيم في "الحلية" ١/ ٣٦، وفي "فضائل الخلفاء الأربعة" (٢٠٤)، وفي "معرفة الصحابة"
(١١٤) من طريق فطر بن خليفة، كلاهما عن عبد الرحمن بن عبد الله بن سابط، قال: "لما بلغ الناس، أن أبا بكر … فذكره.
وهذا مرسل إسناده صحيح.
وأخرجه ابن زبر الربعي في "وصايا العلماء عند حضور الموت" (ص ٣٤ - ٣٦) حدثنا مصعب بن إسماعيل، حدثنا علي بن عبد العزيز، حدثنا حجاج بن منهال، حدثنا همام بن يحيى، عن قتادة: "أن أبا بكر الصديق … فذكره.
وهذا على إنقطاعه لم أجد ترجمة لمصعب بن إسماعيل أبي الحسن وراق علي بن عبد العزيز.
وأخرجه ابن زبر الربعي في "وصايا العلماء عند حضور الموت" (ص ٣٢ - ٣٤) حدثنا أبو بكر أحمد بن محمد اليازوري بالرملة، قال: حدثنا حميد بن عياش السافري، حدثنا مؤمل بن إسماعيل، حدثنا عبيد الله بن أبي حميد، عن أبي المليح:
"أن أبا بكر الصديق ﵁ لما حضرته الوفاة … فذكره.
وهذا إسناد ضعيف جدا، عبيد الله بن أبى حميد: متروك.
وأخرجه الطبري في "التفسير" ٢٢/ ١١٦ حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن ليث، عن مجاهد، قال: دعا أبو بكر عمر ﵄ … فذكره.
وهذا مرسل ضعيف، ليث هو ابن أبي سليم: ضعيف. وشيخ الطبري محمد بن حميد بن حيان الرازي: قال الذهبي: الحافظ، وثقه جماعة والأولى تركه.
(^٢) في المطبوع (هذيل)، وهو تصحيف، وانظر "المحلى" ٢/ ٢٣٨ لابن حزم.
(فصل) من ترك صلاة عمدا حتى خرج وقتها هل ينفعه قضاؤها؟ الجواب تجده في وصية أبي بكر لعمر ﵄، قال ابن القيم: فصل في قول أبي بكر الصديق الذي لا يعلم أن أحدا من الصحابة أنكره عليه، قال عبد الله بن المبارك: أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد، عن زيد: أن أبا بكر قال لعمر بن الخطاب: إني موصيك بوصية إن حفظتها، إن لله حقا بالنهار لا يقبله بالليل وحقا بالليل لا يقبله بالنهار، وإنها لا تقبل نافلة حتى تؤدى الفريضة … " (^١). فهذا أبو بكر قال: إن الله لا يقبل عمل النهار بالليل، ولا عمل الليل بالنهار، ومن يخالفنا بهذه المسألة يقولون بخلاف هذا صريحا، وأنه يقبل صلاة العشاء الآخرة وقت الهاجرة، ويقبل صلاة العصر نصف النهار. قالوا: فهذا قول أبي بكر، وعمر، وابنه عبد الله، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن مسعود، والقاسم بن محمد بن أبي بكر، وبديل (^٢) العقيلي، ومحمد بن سيرين، ومطرف بن عبد الله، وعمر بن عبد العزيز ﵃، وغيرهم. قال شعبة: عن يعلى بن عطاء، عن عبد الله _________
1 / 18
بن خراش (كذا) قال:
"رأى ابن عمر رجلا يقرأ في صحيفة قال له يا هذا القارئ إنه لا صلاة لمن لم يصل الصلاة لوقتها، فصلِّ ثم إقرأ ما بدا لك" (^١).
وكان عبد الله بن مسعود، يقول: "إن للصلاة وقتا كوقت الحج، فصلوا الصلاة لميقاتها" (^٢).
فهذا عبد الله قد صرّح بأن وقت الصلاة كوقت الحج، فإذا كان الحج لا يفعل في غير وقته، فما بال الصلاة تجزئ في غير وقتها؟!
تقدم ذكر أدلة تكفير تارك الصلاة من القرآن، ومن حديث النبي ﷺ، وأقوال الصحابة، والتابعين، وغيرهم، ولم أجد حجة صريحة في عدم تكفير تارك الصلاة إلا حديثًا واحدا لا بد أن أذكره هنا وهو ما رواه الإمام أحمد ابن حنبل في "مسنده" عن عبادة بن الصامت، قال: سمعت رسول الله ﷺ، يقول: "خمس صلوات كتبهن الله على العباد من أتى بهن كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة، ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له" (^٣).
_________
(^١) أخرجه ابن حزم في "المحلى" ٢/ ٢٣٨ - ٢٣٩ معلقا، بقوله: روينا من طريق شعبة، عن يعلى بن عطاء، عن عبد الله بن حراش، قال: رأى ابن عمر رجلا … فذكره.
عبد الله بن حراش: قال الشيخ أحمد شاكر: "كذا في الاصلين ولم أعرف من هو ولا صحة اسمه، ولم أجد له ترجمة، فليس يوجد في كتب الرجال إلا عبد الله بن خراش - بكسر الخاء المعجمة - وليس من هذه الطبقة بل هو متأخر من طبقة شعبة، مات بين سنة ١٦٠ و١٧٠ وهو كذاب منكر الحديث، وليس من المعقول أبدا أن يكون هو".
(^٢) ضعيف - أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (٢٠٣٤) و(٣٧٤٧)، وفي "التفسير" (٦٣٣)، ومن طريقه الطبراني ٩/ (٩٣٧٥) عن معمر، عن قتادة، أن ابن مسعود، قال: فذكره.
وهذا إسناد منقطع، قال الإمام أحمد: ما أعلم قتادة سمع من أحد من أصحاب النبي ﷺ إلا من أنس بن مالك.
وأخرجه ابن المنذر في "الأوسط" (١٠٨٠) حدثنا سهل بن عمار، قال: حدثنا اليسع بن سعدان، قال: حدثنا عصام، عن شعبة، عن قتادة، عن ابن مسعود، في قول الله ﴿إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا﴾ [النساء: ١٠٣] الآية. قال: إن للصلاة وقتا كوقت الحج فصلوا الصلاة لوقتها".
وإسناده تالف، سهل بن عمار: متهم.
وعلّقه ابن حزم في "المحلى" ٢/ ٢٤٠ من طريق عبد الأعلى، حدثنا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، قال: ذُكر لنا أن عبد الله بن مسعود … فذكره.
(^٣) ضعيف بهذا اللفظ - أخرجه أحمد ٥/ ٣١٥ - ٣١٦، والدارمي (١٥٧٧)، والمروزي في "تعظيم قدر الصلاة" (١٠٢٩) عن يزيد بن هارون، عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن محمد بن يحيى بن حبان، أن ابن محيريز القرشي ثم الجمحي أخبره، وكان: بالشام وكان قد أدرك معاوية، فأخبره أن المخدجي رجلا من بني كنانة، أخبره:
" أن رجلا من الأنصار كان بالشام يكنى أبا محمد أخبره أن الوتر واجب، فذكر المخدجي، أنه راح إلى عبادة بن الصامت، فذكر له: أن أبا محمد يقول: الوتر واجب. فقال: عبادة بن الصامت كذب أبو محمد سمعت رسول الله ﷺ يقول: خمس صلوات كتبهن الله على العباد من أتى بهن لم يضيع منهن شيئا استخفافا بحقهن كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة، ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له".
وأخرجه ابن أبي شيبة ٢/ ٢٩٦ و١٤/ ٢٣٥، والشاشي في "مسنده" (١٢٨١) حدثنا عيسى بن أحمد العسقلاني، والبيهقي في "السنن الصغير" (٢٦٢) من طريق الحسن بن مكرم، ثلاثتهم (ابن أبي شيبة، وعيسى بن أحمد العسقلاني، والحسن بن مكرم) عن يزيد بن هارون به، لكن بلفظ "ومن انتقص من حقهن شيئا، جاء وليس له عند الله عهد، إن شاء عذبه، وإن شاء أدخله الجنة".
وهذا اللفظ يبيّن معنى قوله (ومن لم يأت بهن) أي: انتقص من حقهن شيئا، وليس تركهن بالكلية، وسيأتي مزيد إيضاح لهذا الحديث خلال تخريجه.
وأخرجه أبو داود (١٤٢٠)، والنسائي (٤٦١)، وفي "الكبرى" (٣١٨)، والمروزي في "تعظيم قدر الصلاة" (١٠٣٠)، والشاشي (١٢٨٤) و(١٢٨٦)، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (٣١٦٧)، والطبراني في "مسند الشاميين" (٢١٨١)، وابن المظفر في "غرائب مالك" (٤)، والبيهقي ٢/ ٨ و٤٦٧ و١٠/ ٢١٧، وفي "المعرفة" (٢٣٠٩)، والبغوي في "شرح السنة" (٩٧٧)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" ٧/ ٩٢، والضياء في "الأحاديث المختارة" (٤٤٧) و(٤٤٨) و(٤٤٩) عن مالك (وهو في "الموطأ" ١/ ١٢٣)، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (٣١٦٨)، والبيهقي ٢/ ٤٦٧، وفي "الشعب" (٢٥٦٤)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" ٧/ ٩٢ من طريق الليث، كلاهما يحيى بن سعيد الأنصاري بلفظ يزيد بن هارون الأول.
وفي لفظ عن مالك والليث "ومن جاء وقد استخف بحقهن لم يكن له عند الله ﷿ عهد إن شاء الله غفر له وإن شاء عذبه".
وأخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (٤٥٧٥) عن معمر، أو ابن عيينة، عن يحيى بن سعيد به.
هكذا جاء على الشك في "مصنف عبد الرزاق" الطبعة التي حققها الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي، وجاء في طبعة دار التأصيل (٤٦٢٣) "عن معمر، وابن عيينة"، وهو الصواب فقد أخرجه الطبراني في "مسند الشاميين" (٢١٨١) من طريق عبد الرزاق به، بعطف ابن عيينة على معمر.
وأخرجه الحميدي (٣٩٢)، والطبراني في "مسند الشاميين" (٢١٨٢)، وأبو الشيخ في "طبقات المحدثين" ٤/ ١١٥ عن ابن عيينة، عن يحيى بن سعيد الأنصاري، ومحمد بن عجلان، عن محمد بن يحيى بن حبان به.
وأخرجه الطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (٣١٧٢) من طريق ابن عجلان (وحده) ليس فيه المخدجي.
ولفظه عن أبي الشيخ "خمس صلوات كتبهن الله على عباده، فمن أتى بهن لم ينتقص منهن شيئا كان حقا على الله أن يدخله الجنة، ومن لم يأت بهن استخفافا بحقهن لم يكن له عند الله عهدا، إن شاء عذبه وإن شاء غفر له".
وأخرجه البيهقي ١/ ٣٦١ من طريق حماد بن زيد، عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن يحيى ابن حبان به، بلفظ "خمس صلوات كتبهن الله ﷿ على عباده فمن وافى بهن ولم يضيعهن كان له عند الله عهد أن يغفر له وأن يدخله الجنة، ومن لم يواف بهن استخفافا بحقهن فليس له عند الله عهد إن شاء عذبه وإن شاء غفر له".
وأخرجه ابن حبان (١٧٣٢) من طريق هشيم، أخبرنا يحيى بن سعيد، أخبرنا محمد بن يحيى بن حبان به، لكن لم يصرّح باسم المخدجي، ولفظه "خمس صلوات افترضهن الله على عباده فمن جاء بهن وقد أكملهن ولم ينتقصهن استخفافا بحقهن كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة، ومن جاء بهن وقد انتقصهن استخفافا بحقهن لم يكن له عند الله عهد إن شاء عذبه وإن شاء رحمه".
وأخرجه أحمد ٥/ ٣١٩ عن يحيى بن سعيد القطان، عن يحيى بن سعيد الأنصاري بإسناده، وفيه "ومن ضيعهن استخفافا جاء ولا عهد له إن شاء عذبه، وإن شاء أدخله الجنة".
والتضييع هنا مختص بحقوق الصلاة وليس الترك، فتدبر، وهذا كله على فرض ثبوت هذا الإسناد، وسأبيّن إن شاء الله تعالى ضعفه بعد استيفاء الاختلاف في لفظه، وأنت ترى أن يحيى بن سعيد الأنصاري لم يرو هذا الحديث على وتيرة واحدة، فجاء مرة بلفظ "ومن لم يأت بهن"، ومرة "ومن انتقص من حقهن"، ومرة "ومن جاء بهن وقد انتقصهن"، وقد تابعه على هذا اللفظ الأخير: عبد ربه بن سعيد الأنصاري، ومحمد بن إسحاق، وعقيل بن خالد، وعمرو بن يحيى المازني، ومحمد بن عمرو بن علقمة، وسعد بن سعيد بن قيس الأنصاري، وفي بعضها التصريح بأنه قد أتى بهن لكن انتقص من حقوقهن كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
وأخرجه ابن أبي عاصم في "السنة" (٩٦٧)، والمروزي (١٠٣٣)، وابن حبان في "الثقات" ٥/ ٥٧٠ - ٥٧١ مختصرا، والطبراني في "مسند الشاميين" (٢١٨٦)، وابن المقرئ في "المعجم" (١٢٥٤) من طريق نافع بن عبد الرحمن بن أبى نعيم، عن محمد بن يحيى بن حبان به.
وعند الطبراني "ومن أتى بهن وقد انتقص منهن شيئا استخفافا بحقهن كان أمره إلى الله، إن شاء عذبه، وإن شاء عفا عنه".
وأخرجه ابن ماجه (١٤٠١)، والمروزي (١٠٥٢)، وأبو القاسم البغوي في "الجعديات" (١٥٧٠) و(١٥٧١)، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (٣١٦٩)، وابن حبان
(٢٤١٧)، والضياء في "المختارة" (٤٥٠) من طريق شعبة، عن عبد ربه بن سعيد، قال: سمعت محمد بن يحيى بن حبان بإسناده، وفيه "ومن جاء بهن قد انتقص منهن شيئا، استخفافا بحقهن، لم يكن له عند الله عهد، إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له".
وفي لفظ "ومن لقيه وقد انتقص منهن شيئا استخفافا بهن فلا عهد له عند الله ﷿ إن شاء عذبه، وإن شاء رحمه".
عبد ربه بن سعيد بن قيس: ثقة، وقال الذهبي: حجة.
وأخرجه أحمد ٥/ ٣٢٢، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (٣١٧٠) من طريق ابن إسحاق، حدثنا محمد بن يحيى بن حبان به، وفيه
"ومن لقيه وقد انتقص منهن شيئا استخفافا بحقهن لقيه، ولا عهد له إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له".
ابن إسحاق: صدوق، وقد صرّح بالتحديث فانتفت شبهة تدليسه فحديثه حسن.
وأخرجه المروزي في "تعظيم قدر الصلاة" (١٠٣١)، والشاشي (١٢٨٣) من طريق عمرو بن يحيى المازني، قال: حدثني محمد بن يحيى بن حبان به، بلفظ "وإن ضيعهن فليس له عند الله عهد إن شاء عذبه، وإن شاء رحمه" وليس في إسناده المخدجي!
وعمرو بن يحيى المازني: ثقة.
وأخرجه الطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (٣١٧١)، والطبراني في "مسند الشاميين" (٢١٨٧) من طريق عقيل بن خالد قال: حدثني محمد بن يحيى بن حبان به، ليس فيه المخدجي، وفيه "ومن أضاع منهن شيئا لقيه ولا عهد له عنده، إن شاء عذبه، وإن شاء أدخله الجنة".
وأخرجه الطبراني في "مسند الشاميين" (٢١٨٤) من طريق سعد بن سعيد بن قيس، عن محمد بن يحيى بن حبان به، وفيه "ومن أتى بهن وقد انتقص منهن شيئا استخفافا
بحقهن كان أمره إلى الله إن شاء عذبه، وإن شاء عفى عنه".
وسعد بن سعيد: صدوق سيء الحفظ كما في "التقريب"، وقد تابعه على هذا اللفظ الثقات فثبت لنا ضبطه لهذا الحديث.
وأخرجه المروزي (١٠٣٢)، والطبراني في "مسند الشاميين" (٢١٨٥) من طريق محمد بن إبراهيم، عن محمد بن يحيى بن حبان به، وفي الشاميين "ومن أتى بهن وقد انتقص منهن شيئا استخفافا بحقهن كان أمره إلى الله ﷿ إن شاء عذبه، وإن شاء عفى عنه".
ولفظ المروزي "ومن لم يأت بهن لم يكن له عند الله عهد إن شاء عذبه وإن شاء تركه".
محمد بن إبراهيم: لم أعرفه، وليس هو محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي فهذا أعلى طبقة منه، والله أعلم.
وأخرجه المروزي (١٠٥١)، والشاشي (١٢٨٢) و(١٢٨٧)، وابن حبان (١٧٣١) من طريق محمد بن عمرو، قال: حدثني محمد بن يحيى بن حبان به، وفيه "ومن جاء بهن وقد انتقص من حقهن شيئا جاء وليس له عند الله عهد إن شاء عذبه وإن شاء رحمه".
ولفظ الشاشي "ومن لم يأت بهن جاء وليس له عند الله عهد، إن شاء غفر له وإن شاء عذبه".
ومحمد بن عمرو بن علقمة: مختلف فيه، والراجح أن حديثه حسن، وفي خبره، وخبر عبد ربه ابن سعيد، وابن إسحاق، وعقيل بن خالد، وعمرو بن يحيى، وسعد بن سعيد بن قيس أنه قد أتى بهن لكنه انتقص من حقوقهن، وليس الترك بالكلية، وهو موافق ليحيى بن سعيد الأنصاري في بعض ألفاظه، فوجب الحكم بالشذوذ على لفظ "ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له" لاسيما أن هذا الحديث له طريق أخرى يرويه الصنابحي، عن عبادة بن الصامت بلفظ "خمس صلوات افترضهن الله على عباده من أحسن وضوءهن وصلاهن لوقتهن، فأتم ركوعهن وسجودهن وخشوعهن كان له عند الله عهد أن يغفر له، ومن لم يفعل فليس له عند الله عهد إن شاء غفر له، وإن شاء عذبه" وإسناده ظاهره الصحة لكنه معلول سيأتي بيانه في موضعه.
ومعنى (ومن لم يفعل) أي: لم يأت بهن على الوجه المطلوب من إحسان الوضوء، وتحري الوقت، وإتمام الركوع والسجود والخشوع، يعني عنده تقصير في هذا الجانب فكان تحت المشيئة، وأما الحديث الذي وقع الاختلاف في لفظه فمداره على أبي رفيع المخدجي الكناني وهو مجهول الحال: لم يرو عنه غير عبد الله بن محيريز، ووثقه ابن حبان ٥/ ٥٧٠ على قاعدته في توثيق المجاهيل، وله طريق أخرى عن عبد الله بن محيريز: أخرجه الطبراني في "مسند الشاميين" (٣٥) من طريق يحيى بن أبي الخصيب، حدثنا عبد الله ابن هانئ بن عبد الرحمن بن أبي عبلة، عن عمه إبراهيم بن أبي عبلة قال: حدثني عبد الله ابن محيريز، عن المخدجي، قال:
"تنازعت أنا ورجل، من الأنصار في الوتر، فقال أبو محمد: هو فريضة كفريضة الصلاة فقلت: لا بل سنة لا ينبغي تركها، فركبت إلى عبادة بن الصامت وهو بطبرية، فحدثته ما قلت وما قال أبو محمد، فقال عبادة بن الصامت: كذب أبو محمد أشهد على رسول الله ﷺ لقال لي من فيه إلى أذني لا أقول لك حدثني فلان وفلان: يا عبادة، خمس صلوات فرضهن الله على خلقه، فمن لقيه لم ينتقص منهن شيئا استخفافا بحقهن لقي الله وله عنده عهد أن يدخله به الجنة، ومن لقيه قد انتقص منهن شيئا استخفافا بحقهن لقي الله فلا عهد له عنده إن شاء أن يعذبه عذبه وإن شاء أن يغفر له غفر له".
وإسناده تالف، عبد الله بن هانئ بن أبي عبلة: اتهم بالكذب لكن رواه الطبراني في "الشاميين" أيضا (٢١٨٨) وفيه هانئ بن عبد الرحمن بن أبي عبلة بدلا عن عبد الله بن هانئ بن عبد الرحمن، وهانئ: ذكره ابن حبان في "الثقات" ٧/ ٥٨٣ - ٥٨٤، وقال:
"ربما أغرب".
والحديث له طرق أخرى عن عبادة:
١ - أخرجه أبو داود (٤٢٥)، والمروزي في "تعظيم قدر الصلاة" (١٠٣٤)، وأبو بكر الشافعي في "الغيلانيات" (٨٥٤)، والبيهقي ٢/ ٢١٥ و٣/ ٣٦٦، والبغوي في "شرح السنة" (٩٧٨) من طريق يزيد بن هارون، وأحمد ٥/ ٣١٧، ومن طريقه الضياء في "المختارة" (٣٨٥) حدثنا حسين بن محمد، والطبراني في "الأوسط" (٤٦٥٨) و(٩٣١٥)، وعنه أبو نعيم في "الحلية" ٥/ ١٣٠، والبيهقي ٢/ ٢١٥، والضياء في "المختارة" (٣٨٦) من طريق آدم بن أبي إياس، ثلاثتهم عن أبي غسان محمد بن مطرف، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن عبد الله الصنابحي، قال:
"زعم أبو محمد أن الوتر واجب، فقال: عبادة بن الصامت كذب أبو محمد أشهد لسمعت رسول الله ﷺ يقول: خمس صلوات افترضهن الله على عباده من أحسن وضوءهن وصلاهن لوقتهن، فأتم ركوعهن وسجودهن وخشوعهن كان له عند الله عهد أن يغفر له، ومن لم يفعل فليس له عند الله عهد إن شاء غفر له، وإن شاء عذبه".
وفي رواية آدم بن أبي إياس (أبو عبد الله الصنابحي)، وقال الضياء: "والمشهور أبو عبد الله واسمه عبد الرحمن".
وقال الطبراني:
"لم يرو هذا الحديث عن زيد بن أسلم إلا أبو غسان، وهشام بن سعد".
وقال في موضع آخر "تفرد به آدم!! ".
وهذا وهم منه رحمه الله تعالى، فلم يتفرّد به آدم فقد تابعه يزيد بن هارون، وحسين بن محمد، وللطبراني وهم آخر فيه، فإن قوله (لم يرو هذا الحديث عن زيد بن أسلم إلا أبو غسان، وهشام بن سعد) يوهم أنه بنفس الإسناد، وليس كذلك فقد أخرجه ابن أبي حاتم في "العلل" (٢٣٩) حدثنا أبي، قال: حدثنا أبو صالح، عن الليث، عن هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن محمد بن يحيى بن حبان، عن ابن محيريز، عن عبادة به.
وصحح أبو حاتم هذا الوجه، وحكم بالنكارة على رواية محمد بن مطرف، وقال:
"لم يضبط هذا الحديث".
فالحديث حديث المخدجي وهو مجهول الحال كما تقدّم بيانه، لكن الطريق إلى هشام بن سعد فيها أبو صالح كاتب الليث وهو صدوق كثير الغلط، ثبت في كتابه، وكانت فيه غفلة كما في "التقريب" لكن أبا حاتم عنده معرفة بحديثه المنكر، فقد قال كما في "الجرح والتعديل" ٥/ ٨٧:
"الأحاديث التي أخرجها أبو صالح في آخر عمره التي أنكروا عليه، نرى أن هذه مما افتعل خالد بن نجيح، وكان أبو صالح يصحبه، وكان سليم الناحية، وكان خالد بن نجيح يفتعل الحديث ويضعه في كتب الناس، ولم يكن وزن أبي صالح وزن الكذب، كان رجلا صالحا".
وأبو صالح قد أعاد الحديث إلى مساره الصحيح، فالحكم له، والله أعلم.
وقال أبو نعيم: "غريب من حديث الصنابحي، عن عبادة، ومشهوره رواية ابن محيريز، عن المخدجي، عن عبادة".
٢ - أخرجه الطيالسي (٥٧٤)، والبزار (٢٧٢٤)، والمروزي (١٠٥٤)، وأبو نعيم في "الحلية" ٥/ ١٢٦ عن زمعة، عن الزهري، عن أبي إدريس الخولاني، قال:
"جلست إلى أصحاب النبي ﷺ فيهم عبادة بن الصامت، فذكروا الوتر، فقال بعضهم: هو سنة، وقال بعضهم: هو واجب، فقال عبادة: لا أدري ما تقول غير أني أشهد لسمعت رسول الله ﷺ يقول: أتاني جبريل من عند الله تعالى وقال: إن ربك أرسلني إليك إني أفرضت على أمتك خمس صلوات فمن أداهن بحقوقهن وطهورهن، وما افترضت عليه فيهن، فإن له عهدا أن أدخله الجنة، ومن انتقص من حقوقهن شيئا فلا عهد له علي، إن شئت عذبته،
وإن شئت غفرت له".
وقال أبو نعيم: "غريب من حديث الزهري، لم يروه عنه بهذا اللفظ إلا زمعة، وإنما يعرف من حديث ابن محيريز، عن المخدجي، عن عبادة".
وزمعة بن صالح: ضعيف.
٣ - أخرجه البزار (٢٦٩٠) و(٢٧٢٣) حدثنا خالد بن يوسف بن خالد، قال: حدثني أبي، قال: أخبرنا موسى بن عقبة، عن إسحاق بن يحيى بن أخي عبادة بن الصامت، عن عبادة بن الصامت ﵁ قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول:
من صلى المكتوبة فأداها، وصلاها لوقتها لقي الله تعالى وله عهد ألا يعذبه، ومن لم يقم المكتوبة ولم يصلها لوقتها لقي الله، ولا عهد له إن شاء عذبه، وإن شاء رحمه".
وهذا إسناد تالف، يوسف بن خالد هو السمتي: هالك كما قال الذهبي، وابنه ضعيف.
٤ - أخرجه المروزي (١٠٥٣) حدثنا محمد بن يحيى، والشاشي في "مسنده" (١١٧٧) حدثنا عباس الدوري، والشاشي (١٢٨٥) حدثنا علي بن عبد العزيز، ثلاثتهم عن أبي نعيم، قال: حدثنا النعمان - نسبه أبو نعيم في غير هذا الحديث، فقال: ابن داود بن محمد بن عبادة بن الصامت - عن عبادة بن الوليد، عن أبيه الوليد بن عبادة: "أنه امترى رجلان من الأنصار فقال أحدهما: الوتر بعد العشاء بمنزلة الفريضة، وقال الآخر: هو سنة فلقينا عبادة فذكرنا له الذي امترينا فيه فقال: أشهد لسمعت رسول الله ﷺ يقول: افترض الله خمس صلوات على خلقه من أداهن كما افترض عليه لم ينتقص من حقهن شيئا استخفافا به لقي الله وله عنده عهد يدخله به الجنة، ومن انتقص من حقهن شيئا استخفافا لقي الله ولا عهد له إن شاء عذبه وإن شاء غفر له، ولكنها سنة لا ينبغي تركها".
النعمان بن داود: مجهول الحال، لم يرو عنه غير أبي نعيم، وترجمه البخاري في "التاريخ الكبير" ٨/ ٨٠، وابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" ٨/ ٤٤٧، ولم يذكرا فيه جرحا ولا تعديلا.
٥ - أخرجه الشاشي في "مسنده" (١٢٦٥) حدثنا أبو بكر الصغاني، حدثنا يحيى بن أبي بكير، حدثني يعقوب القاري، عن عمرو، عن المطلب، عن عبادة بن الصامت،
أن رسول الله ﷺ قال:
"خمس صلوات كتبهن الله ﷿ على العباد، فمن أتى بهن قد حفظ حقهن فإن له عند الله عهدا أن يدخله الجنة، ومن أتى بهن قد أضاع شيئا من حقهن استخفافا فإنه لم يكن له عند الله تعالى عهد، إن شاء عذبه، وإن شاء رحمه".
وهذا إسناد رجاله ثقات لكنه منقطع، المطلب بن عبد الله بن حنطب: نفى البخاري وأبو حاتم سماعه من أي أحد من أصحاب النبي ﷺ.
وله شواهد من حديث أبي هريرة، وكعب بن عجرة، وأبي قتادة، وعائشة، وأبي ذر:
أما حديث أبي هريرة:
فأخرجه المروزي في "قيام الليل" (ص ٢٧١) من طريق خالد بن مخلد القطواني، حدثني سليمان بن بلال، حدثني سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله ﷺ:
"كتب الله على العباد خمس صلوات، فمن أتى بهن وقد أدى حقهن، كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة، ومن أتى بهن وقد ضيع حقهن استخفافا لم يكن له عهد، إن شاء عذبه، وإن شاء رحمه".
وهذا إسناد حسن، خالد بن مخلد: صدوق.
وأخرجه أبو نعيم في "أخبار أصبهان" ١/ ١٧٩ من طريق إسماعيل بن يزيد القطان، حدثنا إبراهيم بن رستم، حدثنا حماد بن سلمة، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة،
عن أبي هريرة، أن النبي ﷺ قال:
"من أدى خمس صلوات وأتمهن غفر له".
إسناده فيه لين، إسماعيل بن يزيد القطان: قال أبو نعيم: حسن الحديث، اختلط عليه بعض حديثه فِي آخر أيّامه.
وإبراهيم بن رستم: وثقه ابن معين، وقال أبو حاتم: ليس بذاك محله الصدق، وآفته الرأي.
وقال ابن عدي: ليس بمعروف الحديث عن الثقات.
وقال الدارقطني: ليس بقوي.
وذكره ابن حبان في "الثقات" ٨/ ٧٠، وقال:
" يخطئ".
وأخرجه البيهقي ١/ ٤٣٣ من طريق محمد بن يزيد، والخطيب في "تاريخ بغداد" ٦/ ٧٠ - ٧١ من طريق يوسف بن موسى، كلاهما عن إبراهيم بن رستم، عن حماد بن سلمة بإسناده، بلفظ "من أذن خمس صلوات وأمهم إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه".
وأما حديث كعب بن عجرة:
فأخرجه أحمد ٤/ ٢٤٤، والطبراني ١٩/ (٣١١)، وفي "الأوسط" (٤٧٦٤)، والسهمي في "تاريخ جرجان" (ص ٢٩٦) من طريق عيسى بن المسيب البجلي، والطبراني ١٩/ (٣١٣) من طريق مسكين بن صالح، والطبراني ١٩/ (٣١٢)، وأبو نعيم في "الحلية" ٨/ ٢٤٧ من طريق السري بن إسماعيل، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (٣١٧٤) من طريق أبي حصين الأسدي، عن الشعبي، عن كعب بن عجرة، قال:
"خرج علينا رسول الله ﷺ المسجد ونحن سبعة رهط، أربعة من العرب وثلاثة من الموالي، فجلس فقال: أتدرون ما قال ربكم؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: من صلى الصلاة لوقتها ولم يذرها استخفافا بها لقيني يوم القيامة وله عندي عهد أدخله به الجنة، ومن لم يصلها لوقتها وتركها استخفافا بها لقيني يوم القيامة وليس له عندي عهد إن شئت عذبته وإن شئت غفرت له". وإسناده منقطع، جاء في "تاريخ ابن معين" - رواية الدوري (٢٥٦١): "قيل ليحيى سمع الشعبي من كعب بن عجرة؟ قال: سمع من عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة".
وقد جاء تصريح الشعبي بالسماع في رواية الطبراني ١٩/ (٣١١)، وفي "الأوسط" (٤٧٦٤) لكن الطريق إليه فيها عيسى بن المسيب البجلي وهو ضعيف.
وأخرجه البخاري في "التاريخ الكبير" ١/ ٣٨٧، وابن أبي شيبة في "المسند" (٥١٢)، وعبد ابن حميد (٣٧١) - المنتخب، والدارمي (١٢٢٦)، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (٣١٧٣)، والطبراني ١٩/ (٣١٤) عن أبي نعيم الفضل بن دكين، عن عبد الرحمن بن النعمان الأنصاري، عن إسحاق بن سعد بن كعب بن عجرة، عن أبيه، عن كعب بنحوه.
وفي "المعجم الكبير" ١٩/ (٣١٤) (سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة).
وقال البخاري:
"فالله أعلم به - يعني بإسحاق - أنه محفوظ أم لا، لأن إسحاق ليس يعرف إلا بهذا، لا أدري حفظه أم لا، قال أبو عبد الله إهاب أنه أراد سعد بن إسحاق".
قال الذهبي في "الميزان" ١/ ١٩١ - ١٩٢:
"إسحاق بن سعد لا يدرى من هو، أو لا وجود له، بل أرى أنه انقلب اسمه على عبد الرحمن بن النعمان، ولهذا لم يذكره عامة من جمع في الضعفاء، والله أعلم".
ونقل الحافظ في "اللسان" ١/ ٣٦٣ عن أبي زرعة قوله: كذا قال أبو نعيم، ونراه أراد سعد ابن إسحاق، فغلط.
فإذا ثبت أنه سعد بن إسحاق بن كعب فهو ثقة، لكن أباه إسحاق بن كعب: مجهول الحال.
وأما حديث أبي قتادة:
فأخرجه أبو داود (٤٣٠) حدثنا حيوة بن شريح الحضرمي، وابن ماجه (١٤٠٣)، وأبو نعيم في "أخبار أصبهان" ١/ ٢٧٣ عن يحيى بن عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار الحمصي، والطبراني في "الأوسط" (٦٨٠٧) من طريق سليمان بن عبد الرحمن، ثلاثتهم عن بقية، عن ضبارة بن عبد الله بن أبي سليك الألهاني، أخبرني ابن نافع، عن ابن شهاب الزهري، قال: قال سعيد بن المسيب: إن أبا قتادة بن ربعي أخبره، قال: قال رسول الله ﷺ:
"قال الله تعالى: إني فرضت على أمتك خمس صلوات، وعهدت عندي عهدا أنه من جاء يحافظ عليهن لوقتهن أدخلته الجنة، ومن لم يحافظ عليهن فلا عهد له عندي".
وإسناده ضعيف، ضبارة بن عبد الله بن أبي سليك: مجهول.
وبقية: مدلس.
وأما حديث عائشة:
فأخرجه الطبراني في "الأوسط" (٤٠١٢) حدثنا علي بن سعيد قال: حدثنا عبد الله بن أبي رومان الإسكندراني قال: حدثنا عيسى بن واقد، حدثنا محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن رسول الله ﷺ (من لم يوتر فلا صلاة له). فبلغ ذلك عائشة، فقالت: من سمع هذا من أبي القاسم ﷺ؟ والله ما بعد العهد، وما نسيت، إنما قال أبو القاسم ﷺ: من جاء بصلوات الخمس يوم القيامة، قد حافظ على وضوئها، ومواقيتها وركوعها، وسجودها،
لم ينقص منها شيئا، جاء وله عند الله عهد أن لا يعذبه، ومن جاء وقد انتقص منهن شيئا، فليس له عند الله عهد، إن شاء رحمه وإن شاء عذبه".
وقال الطبراني:
"لم يرو هذا الحديث، عن محمد إلا عيسى، تفرد بهما: عبد الله".
وإسناده ضعيف جدا، عبد الله بن أبي رومان: قال الذهبي في "الميزان" ٢/ ٤٢٢:
"ضعفه غير واحد، روى خبرا كذبا".
وقال الحافظ في "اللسان" ٤/ ٤٧٩:
"وهاه الدارقطني".
وعيسى بن واقد: قال الهيثمي في "المجمع" ١/ ٢٩٣:
"لم أجد من ذكره".
وأما حديث أبي ذر:
فأخرجه أبو يعلى كما في "المطالب العالية" (٢١٦)، وإتحاف الخيرة" (٧٦٧) حدثنا سفيان ابن وكيع، حدثنا أبي، عن إبراهيم بن إسماعيل الأنصاري، حدثنا صالح بن كيسان، عن ابن أبي مروان الأسلمي، عن أبيه، عن جده، قال: "جئنا أبا ذر ﵁، ونحن ستة نفر، سادسنا رجل من جهينة، ونحن من أسلم، فوجدناه مرتحلا يخرج من المدينة، فقال: مرحبا بكم، ما جاء بكم؟ قالوا: جئنا نسلم عليك، ونقتبس منك. قال ﵁: نعم، سمعت أبا القاسم ﷺ يقول: الصلوات الخمس من لقي الله تعالى بهن لم ينقص منهن شيئا غفر الله له ذنوبه وإن كانت ملء الأرض. فقلنا: فكيف لما مضى في الجاهلية؟ قال: تمحوه
التقى - مرتين- فقال له الجهني: أسمعت هذا من رسول الله ﷺ؟ قال: سبحان الله!! أيحل للرجل أن يكذب على رسول الله ﷺ؟! ".
وقال البوصيري:
"هذا إسناد ضعيف لضعف سفيان بن وكيع".
قلت: وإبراهيم بن إسماعيل بن مجمع الأنصاري: ضعيف أيضا.
خلاصة هذا المبحث أن الحديث صحيح بلفظ "خمس صلوات كتبهن الله على العباد، من جاء بهن لم يضيع من حقهن شيئا، جاء وله عند الله عهد أن يدخله الله الجنة، ومن انتقص من حقهن شيئا، جاء وليس له عند الله عهد، إن شاء عذبه، وإن شاء أدخله الجنة".
قال محمد تقي الدين: وهذا الحديث لا حجة فيه من وجوه: الوجه الأول: أنه خالف ما هو أصح منه، وهي الأحاديث التي رواها مسلم في "صحيحه"، وفيها التصريح بكفر تارك الصلاة، وقد ثبت عند جميع العلماء أن الأحاديث على درجات: الدرجة الأولى: ما اتفق عليه البخاري ومسلم. الدرجة الثانية: ما انفرد به البخاري. الدرجة الثالثة: ما انفرد به مسلم. الدرجة الرابعة: ما كان على شرطهما. الدرجة الخامسة: ما كان على شرط مسلم (^١) الدرجة السادسة: ما صحّ سنده وإن لم يكن على شرط أحد منهما. الدرجة السابعة: ما كان إسناده حسنا. الدرجة الثامنة: ما كان إسناده ضعيفا وليس فيه متروك ولا وضاع. الدرجة التاسعة: ما كان في سنده متروك. الدرجة العاشرة: ما كان في إسناده كذاب. وأحاديث الدرجة العاشرة لا تحل روايتها إلا لبيان ما فيها من الكذب، وأحاديث الدرجة التاسعة ما يحتج بشيء منها إلا إذا تعددت طرق الحديث الواحد فإنه يرتقي إلى درجة الحسن ويحتج به إن لم يكن له معارض من درجة أعلى منه (^٢) وهذا الذي احتج به بعض _________
(^١) كذا في المطبوع، فلعله وقع شيء من كلام الشيخ رحمه الله تعالى، فالذي ينبغي أن يكون في القسم الخامس هو ما كان على شرط البخاري، والقسم السادس ما كان على شرط مسلم، فقد اصطلح المحدثون أن أعلى أقسام الصحيح ما اتفق عليه البخاري ومسلم، ثم ما انفرد به البخاري، ثم ما انفرد به مسلم، ثم ما كان على شرطهما وإن لم يخرجاه، ثم ما كان على شرط البخاري، ثم ما كان على شرط مسلم، ثم ما صححه غيرهما من الأئمة.
(^٢) هذا التقرير فيه نظر، فالمتروك يبقى متروكا ولا يخرج من دائرة الضعف، فلا ينفعه تعدد طرقه، وأكبر شاهد على ذلك أن أئمة الحديث كانوا إذا تركوا الرجل طرحوا حديثه، فالحديث الذي اشتد ضعفه مطروح لا يعتبر به، فإن المحدثين عندهم تفريق بين الطريق الذي خفّ ضعفه فيقوى الحديث بمثله أو بتعدد طرقه، وبين ما اشتد ضعفه، فالصواب أن هذا إنما يصلح في القسم الثامن، وهو ما كان في إسناده ضعيف وليس فيه متروك ولا وضاع.
قال ابن الصلاح في "المقدمة" (ص ٣٤): "ليس كل ضعف في الحديث يزول بمجيئه من وجوه، بل ذلك يتفاوت:
فمنه ضعف يزيله ذلك بأن يكون ضعفه ناشئا من ضعف حفظ راويه، مع كونه من أهل الصدق والديانة، فإذا رأينا ما رواه قد جاء من وجه آخر عرفنا أنه مما قد حفظه، ولم يختل فيه ضبطه له، وكذلك إذا كان ضعفه من حيث الإرسال زال بنحو ذلك، كما في المرسل الذي يرسله إمام حافظ، إذ فيه ضعف قليل، يزول بروايته من وجه آخر.
ومن ذلك ضعف لا يزول بنحو ذلك، لقوة الضعف وتقاعد هذا الجابر عن جبره ومقاومته وذلك كالضعف الذي ينشأ من كون الراوي متهما بالكذب، أو كون الحديث شاذا".
قال الحافظ في "الأسئلة الفائقة بالأجوبة اللائقة" (ص ٦٦): "فقوله (لا يكون راويه متهما بالكذب) يشمل رواية المستور، والمدلس والمغفل والمعنعن، والمنقطع بين ثقتين حافظين، كالمرسل، فكل هذا إذا ورد اقتضى التوقف في الاجتماع به للجهل بحال المذكور فيه، أو الساقط، فإن ورد مثله، أو معناه من طريق أخرى، أو أكثر فإنها ترجح أحد الاحتمالين، لأن المستور مثلًا حيث يروي يحتمل أن يكون ضبط المروي، ويحتمل أن لا يكون ضبطه، فإذا ورد مثل ما رواه، أو معناه من وجه آخر غلب على الظن أنه ضبط، وكلما كثر المتابع قوي الظن كما في أفراد التواتر، فإن أولها من رواية الأفراد، ثم لا تزال تكثر إلى أن يقطع بصدق المروي، ولا يستطيع سامعه أن يدفع ذلك عن نفسه".
قلت: ولا يخفى على المشتغلين بهذا الفن أن الحديث الحسن لذاته في واقعه يتأرجح في أن يُحشر في قسم الحديث الضعيف، أو الصحيح إذ هو رواية مَنْ خفّ ضبطه، فلهذا جعله الحفّاظ قسمًا مستقلًا، فراوي الحديث الحسن لذاته رتبته صدوق، وأما الضعيف ففيه تفاوت فأعلى رتبة في إمكان ترشّحه للاحتجاج هو الصدوق الذي يهم، فإذا جاء من وجه آخر كان الحديث حسنا لغيره، فإذا جاء له طريق ثالث صار صحيحا بمجموع طرقه، قال الذهبي في "الموقظة" (ص ٢٨): "لا تطمع بأن للحسن قاعدة تندرج كل الأحاديث الحسان فيها، فأنا على إياس من ذلك! فكم من حديث تردد فيه الحفاظ: هل هو حسن؟ أو ضعيف؟ أو صحيح؟ بل الحافظ الواحد يتغير اجتهاده في الحديث الواحد: فيوما يصفه بالصحة، ويوما يصفه بالحسن، ولربما استضعفه! وهذا حق، فإن الحديث الحسن يستضعفه الحافظ عن أن يرقيه إلى رتبة الصحيح، فبهذا الاعتبار فيه ضعف ما، إذ الحسن لا ينفك عن ضعف ما، ولو انفك عن ذلك، لصح باتفاق".
وقد فرّق الترمذي بين الحديث الحسن لذاته، والحسن لغيره، فإنه يقول في الحديث الحسن لذاته "حديث حسن غريب"، أي: لا يروى إلا من وجه واحد، وأما إذا كان الحديث حسنًا لغيره فلا يذكر الغرابة بل يطلقه بلا قيد، وهذا معناه أنه تقوى بمجموع طرقه، كما نصّ على ذلك في "العلل الصغير" بقوله: "كل حديث يروى لا يكون في إسناده من يتهم بالكذب ولا يكون الحديث شاذا ويروى من غير وجه نحو ذاك فهو عندنا حديث حسن".
قال السيوطي في "التنقيح لمسألة التصحيح" (ص ٢٤): "فإني استقرئت ما صححه هؤلاء - يعني المعاصرين لابن الصلاح ومَن بعده - فوجدته من قسم الصحيح لغيره لا لذاته، وقد أعطى أئمة المحدثين المتقدمون قاعدة: (وهو أنه إذا وجد للحسن طريق آخر يشبهه حكم بصحته ويكون صحيحا لغيره لا لذاته)، فعمل هؤلاء المصححون بهذه القاعدة، فصححوا الأحاديث التي صححوها لتعدد طرقها عملا بالقاعدة المذكورة فهم في ذلك تابعون للأئمة فيما أصَّلوه وعاملون بما أوصوا به … ".
قال محمد تقي الدين: وهذا الحديث لا حجة فيه من وجوه: الوجه الأول: أنه خالف ما هو أصح منه، وهي الأحاديث التي رواها مسلم في "صحيحه"، وفيها التصريح بكفر تارك الصلاة، وقد ثبت عند جميع العلماء أن الأحاديث على درجات: الدرجة الأولى: ما اتفق عليه البخاري ومسلم. الدرجة الثانية: ما انفرد به البخاري. الدرجة الثالثة: ما انفرد به مسلم. الدرجة الرابعة: ما كان على شرطهما. الدرجة الخامسة: ما كان على شرط مسلم (^١) الدرجة السادسة: ما صحّ سنده وإن لم يكن على شرط أحد منهما. الدرجة السابعة: ما كان إسناده حسنا. الدرجة الثامنة: ما كان إسناده ضعيفا وليس فيه متروك ولا وضاع. الدرجة التاسعة: ما كان في سنده متروك. الدرجة العاشرة: ما كان في إسناده كذاب. وأحاديث الدرجة العاشرة لا تحل روايتها إلا لبيان ما فيها من الكذب، وأحاديث الدرجة التاسعة ما يحتج بشيء منها إلا إذا تعددت طرق الحديث الواحد فإنه يرتقي إلى درجة الحسن ويحتج به إن لم يكن له معارض من درجة أعلى منه (^٢) وهذا الذي احتج به بعض _________
1 / 19
العلماء على عدم كفر تارك الصلاة، غاية الأمر أن يكون من أحاديث الدرجة السابعة، وأحاديث التكفير من الدرجة الثالثة، فلا تصح المعارضة لبعد ما بين الدرجتين.
الوجه الثاني: أن أحاديث التكفير مع كونها أصح وأعلى، فهي أكثر لأن عددها اثني عشر حديثا.
الوجه الثالث: إجماع الصحابة على كفر تارك الصلاة كما تقدم، وهم أعلم بالكتاب والسنة ممن جاء بعدهم.
الوجه الرابع: أن الأحاديث التي فيها "برئت منه ذمة الله" (^١) و"خرج من الملة" (^٢) و"هو في جهنم مع فرعون وهامان وقارون وأبيّ بن خلف" (^٣)، وهي أكثر وأصح، صريحة في كفره بخلاف هذا الحديث، فإنه ليس فيه أكثر من رد المشيئة إلى الله تعالى (^٤)، قد علمنا من تلك الأدلة أن الله لا يشاء أن يغفر له.
الوجه الخامس: أقوال الصحابة ومن بعدهم في عدم صحة قضاء المتروكة عمدا بدون عذر.
الوجه السادس: أن الإمام أحمد بن حنبل الذي روى هذا الحديث من القائلين بكفر تارك الصلاة، وذلك دليل على أنه رجّح أدلة التكفير، أما بقية الأدلة التي احتج بها بعض العلماء على عدم كفر تارك الصلاة فهي عامة، والخاص مقدم على العام عند بعض علماء الأصول.
الوجه السابع: أن الله فرض صلاة الخوف في حال القتال بالكتاب والسنة والإجماع، فأمر رسول الله ﷺ إذا جاء وقت الصلاة أن يجعل الجيشين طائفتين: طائفة تقابل العدو في القتال، وطائفة تصلي معه ركعة، ويبقى هو ﵊ قائما حتى يصلوا لأنفسهم ركعة أخرى، ويسلموا ويتوجهوا لقتال العدو، ويجئ الذين لم يصلوا - أعني الذين كانوا مواجهين للعدو - فيصلوا مع النبي ﷺ الركعة الثانية، ويبقى هو ﵊ جالسا يذكر الله حتى يتمّوا لأنفسهم ركعة، ثم يسلم ويسلمون، ويلتحقون بإخوانهم لمواجهة العدو، هذا إذا كان في الإمكان أن يقسمهم الإمام إلى طائفتين، فإن لم يمكن ذلك لكثرة عدد العدو، وقلة عدد المسلمين وجب عليهم أن يصلوا على كل حال واقفين وماشين وراكبين، وهم يقاتلون مستقبلين القبلة أو مستدبرين، ودليل الحالة الأولى من كتاب الله، قوله
_________
(^١) حديث حسن - تقدّم الكلام عليه انظر الحاشية رقم (٢٣) و(٢٤).
(^٢) إسناده ضعيف - وقد تقدّم الكلام عليه انظر الحاشية رقم (٢٢).
(^٣) إسناده حسن - وقد تقدّم الكلام عليه انظر الحاشية رقم (٢١).
(^٤) انظر ما تمّ تحريره في الحاشية (٤٨).
1 / 20
تعالى في سورة النساء رقم ١٠٢ ﴿وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا﴾ [النساء: ١٠٢].
قال محمد تقي الدين: إن كان المقاتلون يصلون صلاة السفر، وأمكن أن يقسمهم الإمام قسمين فالأمر واضح إلا في صلاة المغرب، فتصلي الطائفة الأولى مع الإمام ركعتين، ويبقى الإمام جالسا ويصلون لأنفسهم ركعة، ويتوجهون لقتال العدو، فيأت الذين لم يصلوا فيصلون مع الإمام الركعة الثالثة، ويصلون لأنفسهم يتشهدون بعد الثانية ويسلم الإمام ويسلمون معه، ويعودون إلى المعركة، وإن كانت الصلاة رباعية صلى كل فريق مع الإمام على الوجه المتقدم.
وأما دليل الصلاة في أثناء القتال فقوله تعالى في سورة البقرة رقم ٢٣٨ و٢٣٩ ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ (٢٣٨) فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: ٢٣٨، ٢٣٩]، قال ابن كثير في تفسير هذه الآية:
"وقد ذهب الإمام أحمد فيما نص عليه إلى أن صلاة الخوف تفعل في بعض الأحيان ركعة واحدة إذا تلاحم الجيشان، وعلى ذلك ينزل الحديث الذي رواه مسلم والأربعة إلا الترمذي بسند متصل عن ابن عباس، قال: فرض الله الصلاة على لسان نبيكم ﷺ في الحضر أربعا، وفي السفر ركعتين، وفي الخوف ركعة. وبه قال جماعة من الأئمة".
قال محمد تقي الدين: وهذا يدلنا بوضوح الشمس في رابعة النهار على أن من أخّر الصلاة عن وقتها فلا صلاة له، ولو صلى ألف ركعة لم تقبل منه، فيعتبر تاركا للصلاة، وقد تقدم أن ذلك خروج من الملة ولو كان هنالك عذر يبيح تأخير الصلاة عن وقتها ما شرعت صلاة الخوف بنوعيها، فمن ظن أن الله تعالى لا يقبل من المجاهدين أن يؤخروا الصلاة وهم في حالة
1 / 21