خلفوهم قدوةً للمقتدين، وأسوةً للمهتدين، والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
جعلنا الله تعالى وإيَّاكم من العاملين بما علمنا، وأعاننا على تفهيم ما فهمنا، ووهب لنا علماً نافعاً يبلّغنا رضاه، وعملاً زاكياً يكون عدَّةً لنا يوم نلقاه، إنه على كل شيء قدير(١).
أمّا بعد:
فلا يخفى على كلِّ دارسٍ للعلوم الشرعيّة ممارس لها أنَّ الفقه منها بمكانٍ عظيم، وقمةٍ سامقةٍ، وَمحلّ مشرفٍ على سائر العلوم، فهو ثمرةُ العلوم الشرعيّة وجناها، وعليه مدارها ورحاها، بل هو واسطة عِقْدها، ورابطة حلّها وعَقْدها؛ إذ به يعرف الحلال والحرام، وله يدين الخاصُّ والعامُّ، وأشرف ما يذكر في بيان منزلته وفضله قولُ نبينا ﷺ: ((من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين))(٢).
وحقيقة الفقه هو الاستنباط، وحصول المَلَكة الفقهية، لا مجرّد حفظ الفروع والمسائل، وترجيح التعليلات والدلائل؛ وإن كان هذا مطلوباً، وممّا يؤهل المتفقّه ويرقى به في درجات الفقاهة، لكنّ الأوَّل هو المقصد والحقيقة، والغاية والنتيجة.
قال إمام الحرمين الجويني - رحمه الله تعالى - :
((أهم المطالب في الفقه التدرّب في مآخذ الظنون في مجال الأحكام،
(١) هذه خطبة الإِمام الشاطبي - رحمه الله تعالى -، في فاتحة كتابه الجليل الموافقات ٣/١ - ٦، ١٣، مع حذفٍ واختصار، وتصرُّفٍ يسيرٍ.
(٢) متفق عليه، انظر: صحيح البخاري مع الفتح ١٩٤/١، وصحيح مسلم مع شرح النووي ٧/ ١٢٧ - ١٢٨.