لكنَّه لكلِّ عصرٍ قومُ والدهرُ منه أَمْسُه واليومُ
كما قال شيخنا العلامة محمد بن حماه الله.
ومع ذلك ((فأبو إبراهيم)) في هذا الزمان من الصنف العزيز الذي جمع بين الحفظ والفهم.
وما الكتاب الذي نصدّر له اليوم، وقد جاء مصلِّیاً بعد كتابه البديع: ((العرف))، وفي كليهما قد كان مجلِّياً، إلاَّ دليلٌ ناطقٌ على فقهه وعلمه وتفتُّنه.
فقد كان الكتاب الأول حنبليّ النِّجار، بيد أنه ألقى نظرةً دقيقةً على المذاهب الفقهية الأخرى تأصيلاً وتفصيلاً.
أما هذا الكتاب ((القَوَاعِدُ وَالضَّوَابِطُ الفِقْهِيَّةُ القَرَافِيَّةُ))، فهو وإن كان مالكيّ الأُرومة، قرافيّ الأُبرَّة والأمومة، فقد نشر أجنحته على مختلف المذاهب، فاحتضنتْها جوانحُه، واتسعتْ لها مساربُه ومسارحُه.
فأحيا من قواعد المذهب المالكيّ مواتاً، ونشر منها رفاتاً، بعد أن کادت رسومها تندرس، ورواسمها تحتبس.
فكانت هذه الدراسة درساً نافعاً في منهجه، ناجعاً في فروعه، مستوفياً في فصوله، مقارناً أحياناً كثيرةً في تفاصيله.
ثم أسدى في خاتمته نصائح سديدة، وقدّم مقترحاتٍ جدّ مفيدة، تستنهض الدارسين من ذوي الهمم، وتقول بلسان حالها: ((المنزل أمامك فتقدّم)).
وأقف عند هذا الحدّ من التصدير؛ حتى لا أخدش حسَّ حيائه ورقّة أديم تواضعه، فيتحوَّل هذا التصدير إلى تصدير صيدح ذي الرُّمَّة :