وجه الدلالة من هذا الحديث هو أن المسلم مؤاخذ بكل ما يتكلم به، لأن - ما - من صيغ العموم فتشمل كل كلام فكلام العقلاء يجب أن تترتب عليه جميع آثاره الشرعية وكذلك فإن المؤاخذة الواردة في الحديث عامة تشمل جميع تصرفات المكلف القولية الممنوعة.
فقول القائل: أوصيت لزيد بكلب من كلابي. وكان له كلاب صيد وزرع وكلاب هراش. تصح الوصية بكلاب الصيد التي يجوز اقتناؤها ويصان كلامه عن الإلغاء. والذي اقتضى ذلك هي المؤاخذة بما تكلم، وكذلك إذا قال على ألف ثم قال من ثمن خمر أو خنزير لزمته الألف ويحمل تفسيره من ثمن خمر على الرجوع عن الإقرار، وحقوق العباد لا يصح الرجوع فيها - وأعمل كلامه - وكان ذلك مؤاخذة بما تكلم به إذاً فالمؤاخذة عامة فهي تشمل كل قول يصدر من المكلف، وإنما كان ذلك لاعتبار عقله ودينه، لأن العقل والدين يمنعان المرء من أن يتكلم بما لا فائدة فيه.
أما إذا زال عقله فيعتبر كلامه لاغياً لاختلال شرط من أعظم شروط التكليف.
ثالثاً دليلها من العقل:
ودليلها من المعقول هو أن يقال: إن الله سبحانه وتعالى خلق اللغات لتكون أداةً للتعبير عند العقلاء وجعل لكل معنى من المعاني لفظاً يدل عليه حتى قيل: إن الألفاظ قوالبُ للمعاني، وعلى هذا يجب حمل الألفاظ الصادرة عن المكلف على معانيها التي تقتضيها، ولا يجوز بحال اعتبارها لغواً أو عبثاً، لأن هذا غير مقصود عند العقلاء.
ويمكن أن يستدل على أصل هذه القاعدة ببرهان منطقي وقياس عقلي من مقدمات نقلية تؤدي إلى معنى القاعدة.
وذلك بأن نصوغ مقدمة من الدليل الأول وهو قوله سبحانه وتعالى ﴿الذين هم عن اللغو معرضون﴾ فنقول كلام المسلم بعيد عن اللغو الذي لا فائدة فيه، ثم نصوغ مقدمة ثانية من الدليل الثاني، وهو أننا لمؤاخذون بما نتكلم به، وتكون هذه المقدمة تعليلية للمقدمة الأولى، فيكون المعنى كالتالي:
كلام المسلم بعيد عن اللغو الذي لا فائدة فيه، لأنه مؤاخذ بجميع ما يتكلم به، ثم نأتي بنتيجة عقلية فنقول إذا كان المكلف لا يقصد بكلامه اللغو الذي لا فائدة فيه خوفاً من المؤاخذة فينتج أن كلام المكلف محمول على الصحة والسداد دائماً. وبهذا يتحقق معنى القاعدة والله أعلم.