Fiqh Theories
النظريات الفقهية
Penerbit
دار القلم والدار الشامية
Edisi
الأولى
Tahun Penerbitan
1414 AH
Lokasi Penerbit
بيروت
Genre-genre
لأن التكليف خطاب، وخطاب من لا عقل له ولا فهم محال))(١).
وبما أن العقل خفي لا يدرك بالحس، وأنه يتفاوت من شخص إلى آخر، وأنه يتطور وينمو ويتدرج من العدم إلى الكمال في الشخص الواحد، لذا ربط الشارع التكليف وأهلية الأداء بأمر ظاهر منضبط يُدرك بالحس، ويدل على تحقيق المستوى العقلي المطلوب للقدرة على فهم الخطاب، وهو البلوغ، إقامة للسبب الظاهر مقام حكمه؛ لأن الأحكام الشرعية تعتمد على الأمور الظاهرة، ولا تناط بالأمور الخفية أو المحتملة أو المتغيرة، ولذلك ربطت أهلية الأداء بالبلوغ أو السن أو العلامات الجسمية التي تشير إلى اكتمال النمو وتوفر العقل، لأن البلوغ مظنة العقل وكمال الإِدراك(٢).
يقول ابن عبد الشكور: ((العقل شرط التكليف، وذلك متفاوت في الشدة والضعف، ولا يناط التكليف بكل قدر من العقول، بل رحمة الله اقتضت أن يناط بقدر معتد به فأنيط بالبلوغ عاقلاً، لأنه مظنة كمال العقل، فالتكليف دائر عليه وجوداً وعدماً، لا على كمال العقل ونقصانه، كالسفر أنيط به الحكم لكونه مظنة المشقة، والمشقة أمر غير مضبوط، فالحكم دائر عليه وجوداً وعدماً، وجدت المشقة أم لا))(٣).
فمناط أهلية الأداء هي العقل، ولكن العقل يبدأ بالنمو والظهور شيئاً فشيئاً، وتتوفر في الشخص بعض صفات العقل في مرحلة سابقة عن البلوغ، وهي مرحلة التمييز التي يميز فيها الصغير - تقريباً - بين النافع والضار، والحسن والقبيح، والمنفعة والمضرة، ولذلك أجاز الجمهور للصغير المميز أن يمارس بعض التصرفات لتوفر أهلية الأداء بشكل ناقص عنده، أما الصغير غير المميز فلا
(١) الإِحكام في أصول الأحكام له ١٣٨/١.
(٢) الإِحكام في أصول الأحكام، ابن حزم ٦٨٧/٥، أصول الفقه الإسلامي، للمؤلف ص ٤١٣، مرآة الأصول ص ٣١٩ طبعة ١٢٩٦، الإحكام، الآمدي ١٣٩/١، تيسير التحرير ٢٤٨/٢، تسهيل الوصول ص ٢٩٧، فواتح الرحموت ١٥٤/١، التوضيح على التنقيح ١٥٠/٣، علم أصول الفقه، خلاف ص ١٥٤.
(٣) فواتح الرحموت ١٥٤/١.
135