Al-Muhaddith Al-Fasil (ed. Abu Zayd)
المحدث الفاصل ت أبو زيد
Penyiasat
محمد محب الدين أبو زيد
Penerbit
دار الذخائر
Nombor Edisi
الأولى
Tahun Penerbitan
٢٠١٦ م
Genre-genre
ترحيب
بقلم فضيلة الشيخ: عادل بن محمد أبي تراب حفظه الله
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ﷺ، وبعد:
فكتاب «المحدث الفاصل» لأبي محمد الحسن بن عبد الرحمن بن خلاد الرامهرمزي (ت: ٣٦٠) من أوائل الكتب التي صُنِّفت في نقل مذاهب علماء الحديث واصطلاحاتهم في هذا العلم، وقد نال شهرة عظيمة، وكثر الاعتماد عليه بين أهل العلم وطلبته في معرفة مذاهب أهل الحديث، وقد نال ثناءهم واستحسانهم حتى قال الحافظ الذهبي ﵀: «ما أحسنه من كتاب! قيل: إن السِّلفي كان لا يكاد يفارق كمه - يعني في بعض عمره».
والكتاب جدير بالاهتمام لما يحويه من القواعد والضوابط والمفاهيم التي اعتمد عليها أئمة الحديث في تدوين السنة النبوية المشرفة وضبطها وروايتها، وذلك بالأسانيد الموثقة إلى قائليها، مما مكَّن لأهل العلم من نقل السنة نقلًا أمينًا موثَّقًا، ساعد على أن تجتاز نصوص السنة هذه الحقبة الزمنية الطويلة دون أن تطالها يد التغيير والتحريف.
فلا غرو أن يكون الكتاب محط نظر العلماء وطلبة العلم ومثار اهتماماتهم على مر العصور، فكثرت العناية به قراءة وضبطًا ودرسًا وتدريسًا، فها هو الحافظ البارع أبو الحسن الدارقطني (ت: ٣٨٥) ﵀ على جلالة قدره يحمل الكتاب عن مؤلفه ويرويه عنه، وكذا رواه الحافظ الكبير الخطيب البغدادي بإسناده إلى المصنف.
1 / 5
وحدث الحافظ زكي الدين المنذري بالكتاب بخمس أجايز متوالية، عن ابن الجوزي، عن أبي منصور بن خيرون، عن الجوهري، عن الدارقطني، عن مصنفه؛ لكونه علا فيه بها درجة عما لو حدث به بالسماع المتصل عن أصحاب السِّلفي، عنه، عن المبارك بن عبد الجبار، عن الفالي، عن النهاوندي، عن مصنفه.
وغير ذلك من مظاهر العناية والاهتمام قد أودعها الأستاذ المحقق في مقدمته لتحقيق الكتاب.
ويضاف إلى ذلك أن الكتاب يُعَد وثيقة هامة للتمييز والفصل بين منهج المحدثين من المتقدمين، وبين ما أحدثه المتأخرون من توسُّعات واختزالات في مصطلحات هذا العلم، فهو صمام أمان للقواعد والضوابط التي طبقها السلف وأقاموا عليها هذا العلم.
والكتاب حُقق من قبل، على أربع نسخ خطية، بتحقيق الأستاذ الدكتور محمد عجاج الخطيب - حفظه الله - وصدرت منه عدة طبعات جميعها بتحقيقه، آخرها - في حدود علمي - هي الطبعة الثالثة، وصدرت سنة ١٤٠٤، أي: منذ ثلاثة وثلاثين عامًا، وبرغم ما بذله فضيلته من جهد في ضبط وتحقيق الكتاب؛ فقد تضمن نص الكتاب العديد من مواطن الخلل أبرزها: السقوطات في صلب النص، بالإضافة إلى التحريفات والتصحيفات الناشئة عن الخطأ في قراءة المخطوط، هذا فضلًا عن القصور الواقع في مواطن عديدة في حاشية الكتاب.
ومن هنا تصدى الباحث المدقِّق فضيلة الشيخ محمد محب الدين أبو زيد لإعادة ضبط وتحقيق الكتاب من جديد، مستفيدًا من النهضة العلمية التي
1 / 6
يشهدها الآن علم التحقيق وفهرسة المخطوطات، فأعاد تقويم النص وضبطه على ست مخطوطات في غاية النفاسة والجودة، مكَّنته من استدراك الكثير من السقوطات في صلب النص، وتقويم مواطن التحريف والتصحيف التي شملت العديد من مواطن نص الكتاب، هذا فضلًا عن الكثير من التعليقات الهامة التي تضمنتها حاشية الكتاب، مما جعل هذه الطبعة جديرة بالترحيب؛ حيث إنها تمثل إضافة جديدة في توثيق وخدمة الكتاب.
وقد قدَّم - حفظه الله - لطبعته هذه بمقدمة علمية رائقة شرح فيها ووضَّح المبررات العلمية لإعادة تحقيق الكتاب من جديد، ومنهجه في التعامل مع النص الخطي، وهو منهج رصين يتوافق مع ما قرره أهل علم الضبط والتحقيق.
كما بيَّن فضيلته أهمية الكتاب والهدف من تصنيف المصنف له، وغير ذلك من الفوائد الهامة التي ضمنها مقدمة التحقيق والجديرة بالمطالعة.
فالله يجزيه خيرًا عن هذا الجهد في خدمة أحد الأصول الهامة في علم مصطلح الحديث، وأن يجعله في ميزان حسناته، كما أشكره على جعله إياي موضعًا لثقته في مراجعة بعض فقرات من الكتاب فضلًا عن مقدمة التحقيق، فجزاه الله عني خيرًا، والحمد الله رب العالمين.
كتبه
عادل بن محمد أبو تراب
تحريرًا في: ٤ من ربيع أول سنة ١٤٣٧
الموافق: ١٦ من ديسمبر عام ٢٠١٥
1 / 7
إشادة بالكتاب وبهذه الطبعة
لفضيلة الشيخ: طارق بن عوض الله بن محمد حفظه الله
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
فمما لا شك فيه أن أفضل ما أُنفقت فيه الأوقات وبُذل فيه الجهد هو خدمة سنة رسول الله ﷺ، بتمييز ما يصح منها مما لا يصح، وتحرير أصولها وقواعدها، وبيان معانيها، ودفع مشكلها، وتوضيح متشابهها، وتقديمها للأمة غضة طرية، لا تشوبها شائبة ولا تدخلها شبهة.
ولا شك أنه ينبغي ربط الناس بتراث علمائهم الذين حفظ الله بهم الدين، ورفع بهم راية الإسلام؛ فإن العناية بكتب علماء المسلمين وتحقيقها وتصحيحها والتعليق عليها وإخراجها في صورة رائقة وثوب قشيب، ضرورة مُلِحَّة لا تقل أهمية عن الخدمة العلمية للقضايا الكلية والمسائل الجزئية، بل إن ذلك مما يعين المسلمين على الاستفادة من هذا التراث الاستفادة الكاملة، وحسن تفهُّم ما فيه من علم، ثم العمل به على بصيرة.
وهذا الكتاب الذي بين يديك أخي الفاضل كتاب «المحدث الفاصل» للإمام
1 / 9
أبي محمد الرامهرمزي، وهو يُعَد عند أهل العلم أول كتاب صُنف في هذا العلم الشريف علم الحديث والاصطلاح، وقد كانت عناية العلماء بهذا الكتاب عناية فائقة، والاستفادة منه كبيرة، والتعويل عليه عظيمًا، وما زال العلماء ينهلون منه ويستفيدون ويرجعون إليه إلى يومنا هذا، ومع ذلك لم ينل الكتاب حتى يومنا هذا حظه الكامل من التحقيق والتصحيح، والإخراج الجيد، والنسخة الوحيدة المطبوعة منه غير لائقة بالمرة؛ لكونها مليئة بالتصحيفات والتحريفات والأخطاء.
وقد أطلعني أخي الفاضل محمد محب الدين أبو زيد على عمله في تحقيق هذا الكتاب وإخراجه على ست مخطوطات، مع التعليق على المواضع التي تحتاج إلى تعليق، وتخريج الأحاديث والآثار، فوجدته عملًا مفيدًا للباحث في علوم الحديث، قد كان الكتاب في حاجة إليه منذ زمن، ولكن شاء الله ﷿ أن يدَّخر لأخينا محب الدين ذلك الفضل، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، فأسأل الله ﷿ أن يجعله في ميزان حسناته وأن يتقبله منه بفضله. كما أنه قد ذيل هذا الكتاب بفهارس علمية تفيد الباحث في الوقوف على ما تناثر من مادة علمية في هذا الكتاب الجليل، فمنها فهرس للقرآن، وفهرس للأحاديث والآثار، وفهرس للأشعار، وفهرس للمسائل والفوائد.
ولا يخفى على مشتغل بالعلم عالم بأصوله ومناهج أئمته أن تحقيق كتب أصول الحديث المتقدمة في غاية الأهمية؛ فإن في ذلك توثيقًا للمادة العلمية وتحقيقًا لأصولها، وهي وإن كانت موزعة في كتب علوم الحديث المتأخرة ككتاب ابن الصلاح وغيره؛ فإن ذلك لا يغني عن مصادرها الأصلية حفظًا لها ومعرفة
1 / 10
بأصحابها، ناهيك عن أن العلماء الذين ذكروا هذه المادة في كتبهم من المتأخرين إنما ذكروها مختصرة، وبالرجوع إلى أصولها يتبين كثير من التفصيل الذي لا تجده في الكتب المختصرة.
وأيضًا فإن معرفة هذه الكتب المتقدمة يفيد في الوقوف على أسانيد المقالات العلمية التي ينقلها أصحاب هذه الكتب عمن قبلهم؛ فإن الرامهرمزي والخطيب البغدادي وكذلك الحاكم النيسابوري إنما يذكرون أقوال من تقدمهم من أهل العلم بالأسانيد إليهم، وهذه ميزة لا توجد في الكتب المختصرة.
وما مثل من يكتفي بالكتب المختصرة عن الكتب المتقدمة إلا كمثل من يهجر كتب الحديث المعروفة كالكتب الستة ونحوها مكتفيا بكتب التخريج والمجاميع التي صنفها العلماء المتأخرون، وهذا يؤدي إلى ضياع هذه الأصول، بل ربما يتطور الزمان فتجد تلك الكتب المتأخرة أصولًا لمن يجيء بعدنا، فيُكتفى بكتب أخرى مختصرة عن الرجوع إليها والاستفادة منها، وهذا أمر خطير وشر مستطير.
وكتاب الرامهرمزي هذا من الكتب العظيمة الجليلة، ويكفي دليلًا على هذا أن إمامًا في مكانة الخطيب البغدادي، وهو عمدة المتأخرين في هذا العلم حتى قال الإمام ابن نقطة: «كل من أنصف عَلم أن المحدثين عيال على الخطيب البغدادي». فهذا الإمام الخطيب البغدادي على مكانته تلك المعروفة وجلالته في هذا العلم قد كان يرجع كثيرًا إلى كتاب «المحدث الفاصل» للرامهرمزي، يقتبس منه ويروي عنه، وفي هذا دليل قوي على عظم مكانة هذا الكتاب وأهميته في هذا العلم الشريف.
1 / 11
ثم وجدنا القاضي عياض في «الإلماع» كثير النقل عنه أيضًا فتارة يوافقه وتارة يخالفه، لكنه لم يستغن عنه في مسألة من المسائل التي تناولها، ثم جاء ابن الصلاح في كتاب «علوم الحديث» له فاقتبس أيضًا من «المحدث الفاصل» واعتبر بأقوال الإمام الرامهرمزي سواء وافقه أو خالفه، ولا أدل من ذلك على عظم وجلالة مكانة هذا الكتاب.
وأخيرًا فأسأل الله ﷿ أن يتقبل من أخينا الفاضل هذا المجهود الطيب الذي بذله في خدمة هذا الكتاب القيم، وأن يجعله في ميزان حسناته، وأن يعينه ويوفقه إلى الاستمرار في هذا الطريق، وفي خدمة تراث علمائنا عليهم رحمة الله، كما أسأله ﷾ أن يوفِّق كل من سار على نفس الدرب إلى ما يحبه ويرضاه.
والحمد لله أولًا وآخرًا ظاهرًا وباطنًا، والصلاة والسلام على عبده المصطفى ورسوله المجتبى، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
وكتب
طارق بن عوض الله بن محمد
الأربعاء ٢٩ من محرم ١٤٣٧ هـ
١١ من نوفمبر ٢٠١٥ م
1 / 12
مقدمة المحقِّق
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين، وبعد:
فهذا كتاب «المحدث الفاصل بين الراوي والواعي» للقاضي الإمام الحافظ أبي محمد الرامهرمزي ﵀، أُقدِّمه لإخواني من أهل العلم وطلبته في هذا الثوب القشيب، قد بذلتُ قصارى جهدي في تصحيحه وتنقيحه وضبطه والتعليق عليه، ما سيشهد به -إن شاء الله تعالى- كلُّ من قرأه أو نظر فيه، ثم أنصف.
وبرغم ما لقيتُ من مشقة وتعب في عملي في هذا الكتاب، فإنني كنت أجد متعة عظيمة عند قراءتي لنصوصه، وتحريري لألفاظه، وحلي لمشكلاته، وأستطيع أن أقول - بعد أن عشتُ مع هذا الكتاب ما يقارب سنتين قراءة وضبطًا ومراجعة: إن هذا الكتاب ينقل لك صورة كاملة للحياة العلمية والتربوية عند علماء الحديث الأُول -رحمة الله عليهم أجمعين- في صفاتهم وأخلاقهم ومجالسهم ومذاكراتهم ومناظراتهم ورحلاتهم وسماعهم وتحديثهم، وفي ذلك من الفوائد والعبر والعظات ما لا يخفى، أسأل الله تعالى أن يحشرنا معهم يوم القيامة، فهم القوم لا يشقى بهم جليسهم.
وقد قدمت للكتاب بمقدمة تناولت فيها:
١ - ترجمة الإمام الرامهرمزي.
٢ - وصف الكتاب ومنهج مؤلفه فيه.
٣ - أهمية الكتاب ومكانته وعناية العلماء به واستفادتهم منه.
1 / 13
وقد تعرضتُ في هذا المبحث للرد بإيجاز على من زعم أنه يُستغنى بكتب علماء الاصطلاح المتأخرين عن كتاب «المحدث الفاصل» وما شابهه من كتب المتقدمين.
٤ - توثيق اسم الكتاب ونسبته إلى مصنفه.
٥ - المبررات العلمية لإعادة تحقيق الكتاب والموقف من الطبعة السابقة.
٦ - وصف النسخ الخطية المعتمدة.
٧ - المنهج المتبع في ضبط وتوثيق نص الكتاب.
٨ - نماذج من النسخ الخطية.
ولا أنسى أن أشكر فضيلة الشيخ عادل بن محمد أبا تراب الذي راجع جزءًا من أول هذا الكتاب، وقرأ مقدمة التحقيق، وكانت له ملاحظات قيمة أفدت منها؛ ثم توَّج ذلك بكتابة ترحيب لطيف بهذه الطبعة؛ فجزاه الله خيرًا، وبارك فيه وفي أهله أجمعين.
كما أشكر فضيلة الشيخ طارق بن عوض الله على إتحافي بكتابة تقريظ قيِّم لهذا الكتاب، واستضافته إيَّاي في بيته؛ فجزاه الله خيرًا، وبارك فيه وفي أهله أجمعين.
وأشكر أيضًا إخوانًا كرامًا أعانوني على إنجاز هذا الكتاب، وأخص منهم:
الأستاذ أحمد حمزة الذي ساعدني في مقابلة مخطوطات الكتاب، فجزاه الله خيرًا وبارك فيه وفي أهله أجمعين.
والأستاذ اللغوي علاء أبو شنب الذي قرأ الكتاب كله قراءة تصحيح، وساعدني في حل بعض الإشكالات اللغوية، جزاه الله خيرًا وبارك فيه وفي أهله أجمعين.
1 / 14
والأستاذ اللغوي عبد الرحمن باغوش الذي ساعدني في فهرسة هذا الكتاب، وكان له أثناء ذلك ملاحظات وتصحيحات لاسيما في الأشعار، فجزاه الله خيرًا.
والأستاذ محمد حسن عبد السلام الذي قام بتنسيق هذا الكتاب وإعداده للطبع، فجزاه الله خيرًا.
وأشكر الإخوة الفضلاء والمشايخ الأجلاء: الشيخ عماد صابر المرسي صاحب مكتبة التوعية الإسلامية، والمحقق الفاضل أبا عاصم الشوامي، والأخ الحبيب عبد الرحمن رزق، والأستاذ الفاضل خالد زكي مدير مكتبة الذخائر، الذين سعوا في نشر هذا الكتاب، شكر الله سعيهم وغفر لهم.
وأخيرًا، فها هو -أخي الكريم- الكتاب بين يديك، تحريت فيه الدقة والإتقان قدر الإمكان، فإن وجدت فيه خطأ أو خللًا فاعلم أنه لم يكن مني عن تقصير أو إهمال، والله يغفر لي ما كان فيه من ذلك، وأسأله سبحانه أن لا يجعل عملي في هذا الكتاب حسرة عليَّ يوم القيامة، وأن لا يُخزيني يوم يبعثون، يوم لا ينفع مال ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.
وكتب
محمد محب الدين أبو زيد
الجمعة ٢٩ من صفر ١٤٣٧ هـ
١١ من ديسمبر ٢٠١٥ م
1 / 15
ترجمة الإمام الرامهرمزي (^١)
• اسمه ونسبه وموطنه:
هو القاضي الحافظ أبو محمد الحسن بن عبد الرحمن بن خلاد الدورقي الفارسي الرامهرمزي.
والرَّامَهُرْمُزي: بفتح الراء والميم بينهما الألف وضم الهاء وسكون الراء الأخرى وضم الميم وفي آخرها الزاي، هذه النسبة إلى رامهرمز، وهي إحدى كور الأهواز من بلاد خوزستان.
• مولده:
لم أجد من ذكر تاريخ ولادته، ولكن ذكر الرامهرمزي (^٢) أنه سمع من سهل بن موسى النجيرمي ومحمد بن الحسن بن بندار وهما من أهل رامهرمز سنة (٢٨٩ هـ)، ورجح الدكتور عجاج الخطيب في مقدمته (ص: ١١) أنه وُلد في حدود سنة (٢٦٥ هـ)، والله أعلم.
_________
(^١) ينظر ترجمته في: «يتيمة الدهر» لأبي منصور الثعالبي (٣/ ٤٩٠)، و«الفهرست» لابن إسحاق النديم (ص: ١٧٢)، و«الأنساب» للسمعاني (٦/ ٤٧)، و«معجم الأدباء» لياقوت (٢/ ٩٢٣)، و«تكملة الإكمال» لابن نقطة (٢/ ٦١٣)، و«نزهة الناظر» للرشيد العطار (ص: ٥٢)، و«سير أعلام النبلاء» (١٦/ ٧٣)، و«تاريخ الإسلام» (٨/ ١٦٤)، و«تذكرة الحفاظ» (٣/ ٨١)، و«العبر في خبر من غبر» (٢/ ١١٠)، و«إثارة الفوائد» للعلائي (١/ ١٦٨)، و«شذرات الذهب» (٤/ ٣٢١).
(^٢) «المحدث الفاصل» (رقم: ٥٤٦).
1 / 17
• نشأته وطلبه للعلم:
نشأ الرامهرمزي في بيت علم وفضل، فقد كان والده قاضيًا عالمًا محدثًا، من شيوخ الطبراني، وقد سمع الرامهرمزي من والده أحاديث كثيرة، أورد في هذا الكتاب عددًا منها، كما كانت لوالده كتب كثيرة استفاد منها، حيث نراه يقول: قرأت في بعض كتب والدي عن القاسم بن نصر المخرِّمي ... (^١).
وقد سمع الحديث من مشايخ بلده، ثم رحل قبل سنة (٢٩٠ هـ) (^٢) وكتب عن جماعة من أهل شيراز، ورحل إلى الحجاز والعراق وبلاد فارس وغيرها من النواحي.
وقد أورد الرامهرمزي في هذا الكتاب عددًا من الحكايات تصف لنا حياته العلمية ومجالسه الزاخرة بالسؤالات والمذاكرات والمناقشات العلمية بينه وبين أساتذته وأقرانه فمن ذلك:
قال الرامهرمزي: قال لي أبو عبد الله بن البري يومًا: أبو عبد الله، عن أبي عروة، عن أبي الخطاب، عن أبي حمزة، من هم؟ قلت: لا أدري. قال: الثوري، عن معمر، عن قتادة، وأبو حمزة لو قال قائل: كان أنس بن مالك. فهذا سألني عنه أبو عبد الله بن البري مفيدًا على وجه الاختبار (^٣).
_________
(^١) «المحدث الفاصل» (بعد رقم: ٢٦٤).
(^٢) كذا ذكر السمعاني في «الأنساب» (٦/ ٤٧)، وذكر الذهبي في «تاريخ الإسلام» (٨/ ١٦٤) أن أول سماعه بفارس سنة تسعين ومائتين، وأول رحلته سنة بضع وتسعين. والله أعلم.
(^٣) «المحدث الفاصل» (قبل رقم ١٦٠).
1 / 18
وقال أيضًا بعد أن ذكر حكاية عن سعيد بن أبي مريم في الأسماء المشكلة: حدثتُ بعض أصحابنا بهذه الحكاية فقال: هلم نتذاكر الأسماء المشكلة، فجلسنا نعدها، وكثرت، فاجتمعنا على أن أشكلها ما تقاربت عصور أهله، واتفقت صورها، واختلفت حروفها وذلك مثل ... (^١).
وقال: وكنا عند عبد الله بن أحمد بن موسى عبدان يومًا وهو يحدثنا، وأبو العباس بن سريج حاضر، فقال عبدان: من دعي فلم يَجب فقد عصى الله ورسوله. ففتح الياء من قوله «يَجب»، فقال له ابن سريج: إن رأيت أن تقول: «يُجب» يعني بضم الياء، فأبى عبدان أن يقول، وعجب من صواب ابن سريج، كما عجب ابن سريج من خطئه (^٢).
وقال أيضًا: وحضرت القاسم المطرز، فحدثنا عن أبي همام أو غيره، عن الوليد، عن سفيان حديثًا، فقال له أبو طالب بن نصر: من سفيان هذا؟ فقال له المطرز: هذا الثوري. فقال له أبو طالب: بل هو ابن عيينة. قال: من أين قلت؟ قال: لأن الوليد روى عن الثوري أحاديث معدودة محفوظة، وهو مليء بابن عيينة، وسفيان الثوري أكبر وأقدم، وابن عيينة أسند (^٣).
وروى الرامهرمزي أثرًا في منع السماع، ثم قال: سألتُ أبا عبد الله الزبيري عن هذا، فقال: لا يجيء في هذا الباب حكم أحسن من هذا ... (^٤).
_________
(^١) «المحدث الفاصل» (بعد رقم ١٦٤).
(^٢) «المحدث الفاصل» (بعد رقم ٦٣٥).
(^٣) «المحدث الفاصل» (بعد رقم ١٦٧).
(^٤) «المحدث الفاصل» (رقم ٧٩٤).
1 / 19
• شيوخه:
للرامهرمزي شيوخ كثيرون، حتى قال الرشيد العطار في «نزهة الناظر» (ص: ٥٢): «في شيوخه كثرةٌ». وفيما يلي قائمة بأسماء بعض شيوخه:
١ - والده عبد الرحمن بن خلاد الرامهرمزي.
٢ - محمد بن عبد الله الحضرمي مُطيَّن.
٣ - محمد بن عثمان بن أبي شيبة.
٤ - زكريا بن يحيى الساجي.
٥ - موسى بن هارون الحمَّال.
٦ - أبو خليفة الفضل بن الحُبَاب الجمحي.
٧ - جعفر بن محمد الفريابي.
٨ - عبدان بن أحمد الأهوازي.
٩ - أبو القاسم البغوي.
١٠ - أبو حصين الوادعي قاضي الكوفة.
١١ - عبد الله بن أحمد بن معدان الغَزَّاء.
١٢ - يوسف بن يعقوب القاضي.
١٣ - أبو شعيب الحراني.
1 / 20
١٤ - أحمد بن هارون البرديجي.
١٥ - عبد الله بن الصقر السكري.
١٦ - المفضل بن محمد الجندي.
١٧ - عبيد بن غنام النخعي.
١٨ - الحسن بن المثنى العنبري.
• تلاميذه:
روى عنه تلاميذ كثيرون، منهم:
١ - أبو الحسين محمد بن أحمد بن جميع الصيداوي الغساني في «معجمه» (^١).
٢ - أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه.
٣ - أبو علي المحسن بن علي التنوخي (^٢).
٤ - الحسن بن الليث الشيرازي الحافظ.
٥ - القاضي أبو عبد الله أحمد بن إسحاق بن خربان النهاوندي.
٦ - أبو أحمد عبد الرحمن بن أحمد بن محمد الرشيقي.
٧ - أبو القاسم عبد الله بن أحمد بن علي بن طالب البغدادي.
_________
(^١) ينظر: «معجم الشيوخ» لابن جميع الصيداوي (ص: ٢٤٩).
(^٢) ينظر: «الفرج بعد الشدة» للتنوخي (١/ ١٢٤، ١٨٠) (٤/ ٣٣٠، ٣٣٩) وغيرها من المواضع.
1 / 21
• مكانته العلمية والمناصب التي تقلدها وثناء العلماء عليه:
وَلِيَ الرامهرمزي القضاء ببلاد خوزستان، وكان من أقران القاضي التنوخي، وذكر المحسن بن علي التنوخي أنه كان خليفة لأبيه على القضاء (^١).
وللرامهرمزي مكانة رفيعة عند أهل العلم، فقد أثنوا عليه، وشهدوا له بالتقدم في علوم الحديث والأدب والشعر وغيرها، فمن ذلك:
قال ابن إسحاق النديم: «قاضٍ حسن التأليف، مليح التصنيف، يسلك طريقة الجاحظ، قال لي ابن سوار الكاتب: إنه شاعر. وقد كان سمع الحديث ورواه».
وقال السمعاني: «كان فاضلًا مكثرًا من الحديث، ولي القضاء ببلاد الخوز».
وقال الرشيد العطار: «كان أحد العلماء المرضيين، وأعيان المحدثين، وأكابرهم المصنفين».
وقال الذهبي: «الرامهرمزي الإمام الحافظ البارع، محدث العجم».
وقال أيضًا: «وكان من أئمة هذا الشأن، ومن تأمَّل كتابه في علم الحديث لاح له ذلك».
وقال أيضًا: «وكان أحد الأثبات، أخباريًّا شاعرًا».
_________
(^١) ينظر: «الفرج بعد الشدة» للتنوخي (١/ ١٢٤، ١٨٠) (٤/ ٣٣٠، ٣٣٩) وغيرها من المواضع.
1 / 22
وقال أيضًا: «حافظ متقن، واسع الرحلة».
وقال أيضًا: «كتب وجمع وصنف، وساد أصحاب الحديث، وكتابه المذكور ينبئ بإمامته».
وقد مدح الرامهرمزيُّ عضد الدولة أبا شجاع بمدائح، وبينه وبين الوزير المهلَّبي وأبي الفضل ابن العميد مكاتبات ومجاوبات.
وبعد ذلك صار الرامهرمزي إلى أبي الفضل ابن العميد، فلما فتشه شدا منه علمًا غزيرًا، وقبس أدبًا كثيرًا، وقال الرامهرمزي: إن أعجب الأستاذ معرفتي صَحِبتُه وتعلقتُ به وأقمتُ عنده وبين يديه.
وكتب الرامهرمزي إلى منزله برامهرمز: بسم الله الرحمن الرحيم، قد وردتُ من الأستاذ الرئيس على ضياء باهر، وربيع زاهر، ومجلس قد استغرق جميعَ المحاسن، وحفَّ بالأشراف والأكارم، وجلساء أقرانٍ أعدادِ عامٍ، كأنهم نجوم السماء، من طالبيٍّ رخو المعاطف، صُلب المكاسر، جامعٍ إلى شرف الحسب دينًا وظُرفًا، وإلى كَرم المحتد حرمة وفضلًا، وكاتب حصيف، وشاعر مفلق، وسمير أنيق، وفقيه جَدِلٍ، وشجاع بطل:
كرام المساعي لا يَخاف جليسهم ... إذا نطق العوراء غَرْبَ لسان
إذا حُدِّثوا لم تخشَ سوءَ استماعهم ... وإن حَدَّثوا أدَّوْا بحُسن بيان
ووضعنا الزيارة حيث لا يُزري بنا كرمُ المزور، ولا يعاب الزور، يجدُّ الأستاذ عندي كل يوم مكرمة وميرة، تطويان مسافة الرجاء، وتتجاوزان غايات الشكر
1 / 23
والثناء، والبشر والدعاء، فزاد الله في تبصيره حقوق زوّاره، وتيسيري لشكر مبارِّه (^١).
وقال القاضي الرامهرمزي: كتب إليَّ بعض وزراء الملوك يسألني إجازة كتاب ألفته لابن له، فكتبت الكتاب له ووقعت عليه:
يا أبا القاسم الكريم المحيا ... زانك الله بالتقى والرشاد
وتولاك بالكفاية والعزْ ... زِ وطول البقاء والإسعاد
إلى آخر الأبيات التي ذكرها (^٢).
وقال أبو منصور الثعالبي مثنيًا على الرامهرمزي ومنوِّهًا بمكانته في الأدب: القاضي الرامهرمزي من أنياب الكلام وفرسان الأدب، وأعيان الفضل وأفراد الدهر، وجملة القضاة الموسومين بمداخلة الوزراء والرؤساء، وكان مختصًّا بابن العميد، تجمعهما كلمة الأدب ولُحمة العلم، وتجري بينهما مكاتبات بالنثر والنظم، وهكذا كانت حاله مع المهلَّبي الوزير، وهو الكاتب إليه لما استوزر:
الآن حين تعاطى القوسَ باريها ... وأبصر السمتَ في الظلماء ساريها
الآن عاد إلى الدنيا مُهلَّبها ... سيفُ الوزارة بل مصباح داجيها
تضحي الوزارةُ تُزهى في مواكبها ... زهو الرياض إذا جاءت غواديها
_________
(^١) ينظر: «معجم الأدباء» (٢/ ٩٢٣ وما بعدها) ففيها مكاتبات أخرى للرامهرمزي لم أنقلها خشية الإطالة.
(^٢) «المحدث الفاصل» (بعد رقم ٥١٢).
1 / 24
تاهت علينا بميمونٍ نقيبتُه ... قلَّتْ لمقداره الدنيا وما فيها
معز دولتها هنئتَها فلقد ... أيدتها بوثيقٍ من رواسيها
فأجابه المهلَّبي بهذه الأبيات:
مواهب الله عندي ما يدانيها ... سعيٌ ومجهودُ وُسْعِي لا يوازيها
واللهَ أسأل توفيقًا لطاعته ... حتى يوافق فعلي أمرَه فيها
وقد أتتنيَ أبيات مهذَّبة ... ظريفة جزلةٌ رقَّتْ حواشيها
ضَمَّنْتَها حُسنَ إبداعٍ وتهنئةً ... أنت المهنَّى بباديها وتاليها
فثِقْ بنيل المنى في كل منزلة ... أصبحتَ تعمرها مني وتبنيها
فأنت أول موثوق بنيته ... وأقرب الناس من حال ترجِّيها
ومن مُلح ابن خلاد الرامهرمزي قوله في نفسه:
قل لابن خلَّاد إذا جئتَه ... مستندًا في المسجد الجامعْ
هذا زمان ليس يحظى به ... حدثنا الأعمش عن نافعْ
وقوله وقد طولب بالخَراج:
يا أيها المكثر فينا الزَّمْجره ... ناموسُه دفتره والمحبرهْ
قد أبطل الديوان كُتْبَ السحره ... والجامِعَيْن وكتاب الجمهرهْ
هيهات لن يعبر تلك القنطره ... نحو الكسائيِّ وشعر عنترهْ
ودغفل وابن لسان الحمَّره ... ليس سوى المنقوشة المدوَّرهْ
1 / 25
وقوله:
غناء قليل مالك ومحمد ... إذا اختلفت سُمر القنا في المعارك
تجمَّل بمال واغْدُ غير مُذمَّم ... بمِشراط حجَّام ومنوال حائكِ (^١)
• زهده وصلاحه:
كان الرامهرمزي ملازمًا لمنزله قليل البروز لحاجته، وقيل له في ذلك، فروى عن أبي الدرداء: نعم صومعة الرجل بيته، يكفُّ فيه سمعه وبصره.
وروى عن ابن سيرين أنه قال: العزلة عبادة.
وقال: خلاؤك أقنى لحيائك. وقال: عزُّ الرجل في استغنائه عن الناس، والوحدة خير من جليس السوء، وأنشد لابن قيس الرقيات:
اهرب بنفسك واستأنس بوحدتها ... تلقَ السعود إذا ما كنت منفردا
ليتَ السباعَ لنا كانت معاشرة ... وأننا لا نرى ممن نرى أحدا
إنَّ السباع لتهدا في مرابضها ... والناس ليس بهادٍ شرُّهم أبدا (^٢)
• مصنفاته:
أورد له ابن إسحاق النديم عددًا من الكتب، وهي:
١ - ربيع المتيم في أخبار العشاق.
_________
(^١) «يتيمة الدهر» (٣/ ٤٩٠ وما بعدها) بتصرف يسير، وأورد الثعالبي أشعارًا أخرى له.
(^٢) «معجم الأدباء» (٢/ ٩٢٦).
1 / 26