Al-Mansuri fi al-Tibb
المنصوري في الطب
Genre-genre
إن حالة المتوسمين بهذه الصناعة قريبة من حال من ذكرنا من المجبرين في قلة المعرفة بالأصول والقوانين التي يكون بها صواب العلاج. ومن أجل ذلك ينبغي لنا أن نذكر من هذه الأصول ما يحترس به من الخطأ العظيم الواقع في علاجهم فأقول: إن الجرح إذا كان صغيرا يمكن أخذه بالرباط إلى أن يلتقي فمه وينضم قعره ولا يحتاج من العلاج إلى شيء خلا أن يرفد برفادتين ويربط برباط يبتدىء به من رأسين ويحذر العليل الامتلاء والشراب. وإن وقع في ذلك الوقت بين شفتي الجرح شعرة أو دهن فإن ذلك يمنع الالتحام. وكثير من الجهال يعملون بالضد مما وصفنا فيضعون في الجرح زيتا ويأمرون العليل بأكل اللحم والعصائد فيكسبون العليل بذلك ورما في الجراحة وتقيحا يبقى به مدة من الزمن طويلة ، وربما أشرف العضو على التعفن وخاصة في الصيف. وقد تبرأ هذه الجراحات بالرباط كما ذكرنا من يوم إلى ثلاثة أيام من غير أن يحتاج إلى دواء البتة. أما إذا كان الجرح عظيما وغؤورا، فإنه يحتاج عند ذلك إلى أن يعالج بالأدوية المنبتة للحم مما سنذكرها. ولنحرس الجراحة من الورم بأن يوضع فوق الموضع الذي حدث فيه خرقة مغموسة في خل وماء، ويطلى بالأدوية الباردة ويبرد كل ساعة لا سيما إذا كان معه وجع وحمى. أو كان ما يخرج منه من الدم قليلا. فإن في هذه الحالة ينبغي أن يفصد العليل في الجانب المخالف وأن يبرد جملة تدبيره. وإذا كان للجرح غور وليس واسع الفم بل ضيقه فإنه ينبغي أن ينقى في هذه الحال، وأن لا تضع في فمه مرهما ملحما. لأنه إن التحم الفم وبقي الغور غير ملتحم فإنه يجمع صديدا كثيرا، مما يضطر إلى فتحه وربما يفسد العضو كله وتصير فيه قرحة رديئة فاسدة. ولذلك ينبغي أن تضع في فم الجرح قطنة. وإن رأيته يسرع إلى الالتحام تبللها بالسمن والزيت. ومن هنا غلط الجهال حتى صاروا يضعون الزيت في الجراح التي يمكن أن تلتحم كلها. وليكن ما تعالجها به من الأدوية على فتيل أو يزرق فيه. وأما إذا كان للجرح مع غوره فم واسع فانظر إن كان الرباط لا يضم الفم ضما شديدا، فإنه يحتاج إلى الخياطة. وأكثر ما يكون ذلك إذا وقع في عرض البدن. وأما الرباط فلتكن أشد ربطاته ولفاته وقبضه عند غور الجرح وأسلسها عند فمه. وليشكل العضو بشكل يميل فيه فم الجرح إلى الأسفل ليسيل منه الصديد. فإن لم يمكن ذلك فينبغي أن ينتظر في اليوم الثاني وحتى الرابع وإن وجدت الغور يتناقص وليس فيه صديد ولا مدة كثيرة محتبسة فلا تغير علاجه. وإن كان يسيل من الجرح صديد كثير فيما إذا غمزته من أسفل إلى فوق نحو فم الجرح، فالصواب أن تبطه في أسفل موضع عند نهاية غور الجرح ليصير للمدة ممر ومسيل. وليكن تدبير العليل في غذائه على ما ذكرنا في باب الجبر. وليلطف التدبير ويبرد منذ أول ما يحدث الجرح أياما ويفصد إن كان ممتلئا. ويسهل إن كان بعيد العهد بذلك ليؤمن حدوث الورم ثم يغلظ قليلا قليلا ما امتدت به الأيام حتى يزداد نبات اللحم. أما الخراجات فينبغي إذا ما نضجت واحتيج فيها إلى البط أن يقع البط في أسفل موضع منها إن أمكن ذلك وفي أرقه وأشده نتوءا. وليكن البط ذاهبا في طول البدن لا في عرضه في جميع المواضع المستوية التي لا انثناء لها. وأما في المواضع التي تنثني فليذهب به مع الأسرة والانثناء الحادث في تلك المواضع. وليبادر بالبط إن كان الخراج في موضع معرق أو بالقرب من المفصل. وإن هذه إن أبطئ فيها البط، ربما تعرى العظم وانكشف وأفسد ربط المفاصل. وأما المواضع اللحمية فالأجود أن تترك حتى يستحكم نضجها فإنها إذا بطت قبل ذلك طالت مدة سيلان الصديد منها وكانت كثيرة الوضر والوسخ. وربما تصلبت شفاهها وغورها بعد وضر صديدي. وإذا كان الخراج عظيما فينبغي أن لا يخرج ما فيه دفعة واحدة فإنه يغشى على العليل، بل يخرج قليلا قليلا لا سيما إن كان ضعيفا. ويعسر برؤ القرحة إما لقلة الدم في البدن وإما لرداءته، وإما لأن في داخلها وعلى شفتها لحم صلب لا ينبت منه لحم أو لحم رديء، وإما لأن فيها عظم، وإما لأنها كثيرة الوضر، وإما لأن الدواء الذي تعالج به غير موافق لها، وإما لأن القرحة نفسها عفنة رديئة، وإما لأن مزاج العليل مائل إلى بعض الأطراف، وإما لأن فوقها دوالي. فإذا ما كانت القرحة وما حواليها قليلة الحمرة سليمة من الورم يابسة ضامرة والبدن منهوك قليل الدم، فإن الآفة في عسر برؤها قلة الدم فلتكمد بالماء الحار في كل يوم مرات حتى يحمر ويغلظ تدبير العليل ويعالج بالمرهم الأسود ويدلك حواليها. وإذا كان البدن رديء اللون والسحنة، فإن الآفة هي رداءة الدم، فليعالج بالفصد والإسهال ثم يقبل على القرحة. وإذا كان على شفة القرحة لحم صلب، فليحك حتى يدمى. وإن كان غليظا فليقطع ثم يعالج، وإذا كان ذلك في غور القرحة، فإن الغور كله وفم الجرح أيضا يكون يابسا قحلا، وحينئذ ينبغي أن يدخل فيه شيء ويحك حتى يدمى ثم يعالج ويبط غوره كله ثم يحك ويعالج. فإن لم يمكن أن يبط غوره كله، لأنه يذهب في العمق على استواء فليدخل فيه الدواء الحاد ثم يعالج بالسمن حتى يأكل اللحم الرديء ثم يعالج بسائر العلاج. وإن كانت القرحة تدمل وتعاود التقيح ويسيل منها صديد رقيق وأزمنت وطالت، فإن في قعرها عظم فاسد، فليدخل فيها الميل ويجس به وحينئذ يبط حتى ينتهي إلى العظم، ويحك العظم أو ينشر أو يقطع على نحو ما يرى من كثرة فساده ثم يعالج بالذرور المنبت للحم. وإن لم يمكن بطه فليعالج بالدواء الحاد وبالسمن حتى ينكشف العظم ثم يعالج بما ذكرنا. وإذا كانت القرحة عفنة ولحمها رهل رديء فليجعل عليها الدواء الحاد حتى يجف ذلك اللحم، ثم بالسمن حتى يفنى ذلك كله ثم يسقط أو يكوى حتى يحترق ذلك اللحم الردىء ويفضي إلى اللحم الصحيح. ثم يعالج بالسمن حتى تسقط الخشكريشة ثم يعالج. وإذا كان فوقها دوالي فليفصد العليل ويسهل بمطبوخ الأفتيمون مرات عديدة ويعدل غذاؤه ثم تعالج القرحة. وإذا كان الدواء غير موافق لها فإنه إما أن يسخنها فضل إسخان، وآية ذلك أن يزيدها حمرة وحمى وورم وليستعمل حينئذ المرهم البارد الذي سنذكره، وإما أن يبردها فضل تبريد، وتكون القرحة عند ذلك خضراء سوداء صلبة باردة ولتعالج حينئذ بالمرهم الأسود. وإما أن يقصر عما يجب من تجفيفها وآية ذلك أن تكون رطبة رهلة كثيرة الصديد. ولتستعمل المرهم القوي اليابس مثل المرهم المدمل المتخذ بالجلنار والعفص. وإما أن يقصر عما يجب من جلائها وتنقيتها وآية ذلك أن تكون وضرة قد لصق بها لحم رديء رهل فلتعالج حينئذ بالقوية المنقية كالمرهم الأخضر. وإما لأنه يلذعها ويفني لحمها وآية ذلك الوجع والحمرة والورم والحمى والحرارة الزائدة. وإن القرحة تكون كل يوم أوسع فحينئذ ينتقل إلى مرهم ألين. وإما لأن مزاج المعالج مائل إلى بعض الأطراف وحينئذ يعالج بما يوافقه. فإن الأبدان اليابسة جدا تحتاج إلى أن يزاد في المراهم التي تعالج بها لإنبات اللحم أدوية تجفف بقوة. والأبدان الرطبة تحتاج أن تكون مراهمها لينة رطبة. وأما لحم الجراحات الواقعة في البطن مما تخرقه فيحتاج إلى معالج ماهر رفيق، غير أننا سنذكر جوامع علاجه وما يخشى الخطأ منه. فإذا خرجت الأمعاء والثرب من الجراحة وانتفخت ولم تدخل فلتكمد بشراب مسخن حتى يذهب انتفاخها ثم تدخل. وإن كان الموضع والزمان باردين، فليدخل العليل الحمام ويعلق بيديه ورجليه حتى يتحدب ظهره ويتقصع بطنه فيكون دخول الأمعاء أسهل. أما الثرب فإن لحق سريعا قبل أن يخضر ويسود فليرد في البطن، وإن لم يلحق حتى يخضر، فليقطع كل ما اخضر منه بعد أن يشد كل عرق عظيم منه بخيط دقيق ثم يرد ويخاط البطن. وإن لم تستجب الأمعاء إلى الدخول بالتكميد فليوسع الشق وتدخل ثم يخاط البطن ثم يذر عليه الذرور الملحم وينوم العليل على قفاه تنويما ينجذب فيه ظهره، ويلطف تدبيره ولا يطعم ما ينفخ. وإذا وقعت الجراح بالقرب من العصب أو فيه ثم كانت ضيقة فلا يلحمها حتى تمضي أيام وتأمن الورم بل تضع عليها الأدوية المفتحة وتغرق العضو كله بدهن زيت فاتر. وإذا مضى يومان أو ثلاثة وسكن الوجع وأمنت الورم فعندها تعالجه بما يلحم. وإن بدا للعليل عن جراحه في بعض العصب تشنج، فبادر واقطع تلك الوترة التي تراها قد تمددت بالعرض واغرق خرز العليل بالدهن مرخا ودلكا. وليكن دهن المرخ فاتر. وإذا كانت القرحة تسرع إلى التآكل فبادر إلى قطع لحمها وكيه واستئصاله قبل أن يكثر توسعه ثم عالجه بعلاج سائر القروح. هذه هي النكت والمعاني التي تدخل من أضاعها الضرر العظيم على المعالج. وإذا انحفظت وتمسك بها عظم الانتفاع منها.
Halaman 311