108

Al-Manar: An Introduction to Qur'anic Sciences and Principles of Exegesis

المنار في علوم القرآن مع مدخل في أصول التفسير ومصادره

Penerbit

موسسة الرسالة

Nombor Edisi

الأولى

Tahun Penerbitan

١٤٢١ هـ - ٢٠٠٠ م

Lokasi Penerbit

بيروت

Genre-genre

ومع كل الأسف فقد وجدنا ممن شايعهم قد ذهب إلى مثل أقوالهم. ولعلّ في تعريف الزركشي ما يجلي هذه الحقيقة وما يبعده هذه الشبهة، إذ قال عن القراءات واختلافها: إنها اختلاف ألفاظ الوحي ... فهذا التعريف يلقي الضوء على أن مبنى القراءات الوحي النازل من السماء، وقد تبعه علماء القراءات- قديما وحديثا- في تجلية هذه الحقيقة، فجاءوا بتعريفات واضحة وناصعة، فعرّفوا القراءات (بأنها النطق بألفاظ القرآن كما نطقها النبي ﷺ. ومثل هذا التعريف (تلاوة ألفاظ القرآن الكريم كما تلاها المصطفى ﷺ أو كما علمها أو سمعها منه أصحابه وأقرّهم عليها) (١)، وكلها تعريفات قريبة مما ذكره الزركشي، فاختلاف ألفاظ الوحي هي مثل النطق بألفاظ القرآن كما نطقها النبي ﷺ ومثل تلاوة القرآن كما تلاها النبي ﷺ وصدق الله العظيم: وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى [النجم: ٣]. نشأة القراءات: هذا العنوان الذي يستعمله كثير من المؤلفين عن حسن قصد، ويؤكده المستشرقون لغرض في نفوسهم، فيه نظر: ذلك أن القراءات المتواترة قرآن لا شك فيه، فقوله: مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ وملك يوم الدّين بالألف وبدونها، واهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ واهدنا السراط المستقيم، بسينها وصادها، وكل قراءة قرآنية متواترة، كل ذلك قرآن وهو قديم، فلا يقال لقراءة منه: نشأت، لأن ذلك يشعر بالحداثة لبعضها في وقت من الأوقات. لذا أرى أنّ في استعمال المؤلفين المخلصين هذا العنوان تجاوزا- إن صحّ التعبير- وأرى أنّ في استعمال المستشرقين له مقصدا خبيثا، ونحن قد رأينا فيما أومأنا إليه سابقا من تعريف للقراءات بأنها اختلاف ألفاظ الوحي، مما يشير إلى أن القراءة قرآن لا تنفك قرآنيتها عنه ما دامت قد تواترت، فلا يقال لها: ناشئة إلّا إذا قيل للقرآن: ناشئا، وليس الأمر كذلك فقد نزل الوحي بالقراءة فيما ورد في بعض ألفاظه

(١) انظر القراءات القرآنية تاريخ وتعريف، د. عبد الهادي الفضلي، دار القلم، بيروت، ط ٢، ١٩٨٠، ص ٥٦.

1 / 118