Al-Kamal fi Asma' al-Rijal
الكمال في أسماء الرجال
Penyiasat
شادي بن محمد بن سالم آل نعمان
Penerbit
الهيئة العامة للعناية بطباعة ونشر القرآن الكريم والسنة النبوية وعلومها،الكويت - شركة غراس للدعاية والإعلان والنشر والتوزيع
Nombor Edisi
الأولى
Tahun Penerbitan
١٤٣٧ هـ - ٢٠١٦ م
Lokasi Penerbit
الكويت
Genre-genre
دولة الكويت - الهيئة العامة للعناية بطباعة ونشر القرآن الكريم والسنة النبوية وعلومها (هيئة حكومية)
الكَمَالُ في أَسْمَاءِ الرِّجَالِ
وَهُوَ أَوَّلُ مُصَنَّفٍ فِي رِجَالِ الكُتُبِ السِّتَّةِ وَأَصْلُ «تَهْذِيبِ الكَمَالِ» لِلْمِزِّيِّ
تَصْنِيفُ
الحَافِظِ أَبِي مُحَمَّد عَبْد الغَنِيِّ بْنِ عَبْد الوَاحِدِ المَقْدِسِيِّ المُتَوَفِّى سَنَة ٦٠٠ هـ
يُنْشَرْ لِأَوَّلِ مَرَّةٍ عَلَى تِسْعِ نُسَخٍ خَطِّيَّةٍ
دِرَاسَةُ وَتَحْقِيقُ
د. شَادِي بْنِ مُحَمَّد بْن سَالِمٍ آل نُعْمَان
راجَعَهُ
الشَّيخ بَدْر بْن عَبْد اللَّهِ البَدْرِ
المُجَلَّدُ الأَوَّلُ
المقَدِّمَةُ - كِتَابُ الصَّحَابَة
مقدمة الناشر الحمد لله الكبير المتعال، المتصف بصفات الكمال والجلال، فهو وحده المستحق للتعظيم والتبجيل والإجلال، والشكر له على ما أسبغ علينا من نعمٍ جِزال، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ملكه وتدبيره، فلا ظهير له في خلقه أو رزقه أو تقديره، ونشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أرسله رحمة للعالمين، وهدى للناس أجمعين، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فإن الله ﷾ قد بعث نبيه بالهدى ودين الحق، وأنزل معه القرآن ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه، وجعل سنته الأصلَ الثاني، قال تعالى: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾، فهي والقرآن متلازمان، فقيدت مطلقه، وخصصت عمومه، وبينت مجمله. وقيّض الله ﷾ من هذه الأمة علماء أجلاء، بذلوا أعمارهم وأنفقوا أموالهم لحفظ سنة النبي ﷺ وخدمتها ولَمِّ شتاتها، وتدوينها في مصنفات جمعت أقوال رسول الله ﷺ وأفعاله وتقريراته، فجزاهم الله خيرًا على ما قدموه، وأجزل لهم المثوبة على ما بذلوه. وقد قامت طائفةٌ من أهل العلم والفضل، للبحث والتنقيب في رواة السنة
ونقلتها، فصنفوا مصنفات لتراجمهم، وذكروا فيها مشايخهم وتلاميذهم، وما ورد فيهم من جرح أو تعديل، مما يعين في معرفة صحة أسانيد الأحاديث أو ضعفها. فجاءت هذه المصنفات عامّة في جميع الرواة، فلم تكن محددةً برواةِ كتبٍ معينة، حتى جاء الإمام الحافظ عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي (٥٤١ - ٦٠٠ هـ) فألف كتابه "الكمال في أسماء الرجال"، وخصه بمن خرج له أصحاب الكتب الستة، وهم: البخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، فرتبهم على حسب حروف الهجاء، فكان له فضل السبق في كونه أول من صنف في جمع رجال الكتب الستة، فكان عمدةَ مَنْ جاء بعد الحافظ عبد الغني المقدسي ممن صنف في رواة الكتب الستة، ومن أبرزهم الحافظ جمال الدين أبو الحجاج يوسف المزي (٦٥٤ - ٧٤٢ هـ) فقد اعتمد على كتابه هذا فقام بتهذيبه مع زيادة الكثير من مشايخ وتلاميذ الرواة الذين ترجم لهم، مع استدراك بعض الأشياء. ومما يميز كتاب "الكمال" أنه احتوى على نقولاتٍ كثيرة في الجرح والتعديل فات المزي نقلها في تهذيبه، وكذا جملة من الشيوخ والتلاميذ، كما أنه ذكر كثيرًا من أقوال الأئمة بأسانيده إليها. وقد قام الشيخ الدكتور/ شادي بن محمد بن سالم آل نعمان -وفقه الله- بتحقيق الكتاب بمقابلة نسخه الخطية، وضبط نص الكتاب مميزًا ما أُشكل واشتبه من أسماء الرواة وضبط أنسابهم، ووثق النقول المذكورة فيه، كما أشار إلى بعض الأوهام التي وقع فيها المؤلف والتي استدركها الحافظ المزي
رحمهما الله، كما ذكر بعض الفوائد الأخرى في التعليق على الكتاب، وقدم للكتاب بمقدمةٍ اعتنى فيها بذكر منهج المؤلف وأسلوبه وطريقته في كتابه ونوعية التراجم التي تضمنها الكتاب وبيان موارده فيه وغير ذلك. هذا ومن منطلق خدمة سنة النبي ﷺ، وإيماننا بأهمية نشر كتب التراث، فإن الهيئة العامة للعناية بطباعة ونشر القرآن الكريم والسنة النبوية وعلومهما بدولة الكويت لتَشْرُف بأن تقدم هذا الكتاب في طبعته الأولى، ليستفيد منه المختصون في علم الحديث وغيرهم. وقد روجع الكتاب من قبل فضيلة الشيخ: بدر بن عبد الله البدر، فكانت هناك بعض الملاحظات في عمله، قد أُعلم بها فقام بتنفيذها مشكورًا. وإنا لنرجو الله العلي القدير أن يجزي خيرًا كل من أسهم في إخراج هذا الكتاب تحقيقًا وضبطًا ومراجعةً، حتى خرج بهذه الصورة، فنسأل الله أن يجزي مؤلفه خيرًا على ما قدم لخدمة سنة النبي ﷺ، كما نسأله أن يعمّ فيه النفع، وأن يجعله خالصًا لوجهه الكريم، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله على نبيه محمد، وعلى آله وصحبه والتابعين. د. فهد صياح الديحاني نائب المدير العام للبحوث والدراسات الهيئة العامة للعناية بطباعة ونشر القرآن الكريم والسنة النبوية وعلومهما
مقدمة الناشر الحمد لله الكبير المتعال، المتصف بصفات الكمال والجلال، فهو وحده المستحق للتعظيم والتبجيل والإجلال، والشكر له على ما أسبغ علينا من نعمٍ جِزال، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ملكه وتدبيره، فلا ظهير له في خلقه أو رزقه أو تقديره، ونشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أرسله رحمة للعالمين، وهدى للناس أجمعين، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فإن الله ﷾ قد بعث نبيه بالهدى ودين الحق، وأنزل معه القرآن ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه، وجعل سنته الأصلَ الثاني، قال تعالى: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾، فهي والقرآن متلازمان، فقيدت مطلقه، وخصصت عمومه، وبينت مجمله. وقيّض الله ﷾ من هذه الأمة علماء أجلاء، بذلوا أعمارهم وأنفقوا أموالهم لحفظ سنة النبي ﷺ وخدمتها ولَمِّ شتاتها، وتدوينها في مصنفات جمعت أقوال رسول الله ﷺ وأفعاله وتقريراته، فجزاهم الله خيرًا على ما قدموه، وأجزل لهم المثوبة على ما بذلوه. وقد قامت طائفةٌ من أهل العلم والفضل، للبحث والتنقيب في رواة السنة
ونقلتها، فصنفوا مصنفات لتراجمهم، وذكروا فيها مشايخهم وتلاميذهم، وما ورد فيهم من جرح أو تعديل، مما يعين في معرفة صحة أسانيد الأحاديث أو ضعفها. فجاءت هذه المصنفات عامّة في جميع الرواة، فلم تكن محددةً برواةِ كتبٍ معينة، حتى جاء الإمام الحافظ عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي (٥٤١ - ٦٠٠ هـ) فألف كتابه "الكمال في أسماء الرجال"، وخصه بمن خرج له أصحاب الكتب الستة، وهم: البخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، فرتبهم على حسب حروف الهجاء، فكان له فضل السبق في كونه أول من صنف في جمع رجال الكتب الستة، فكان عمدةَ مَنْ جاء بعد الحافظ عبد الغني المقدسي ممن صنف في رواة الكتب الستة، ومن أبرزهم الحافظ جمال الدين أبو الحجاج يوسف المزي (٦٥٤ - ٧٤٢ هـ) فقد اعتمد على كتابه هذا فقام بتهذيبه مع زيادة الكثير من مشايخ وتلاميذ الرواة الذين ترجم لهم، مع استدراك بعض الأشياء. ومما يميز كتاب "الكمال" أنه احتوى على نقولاتٍ كثيرة في الجرح والتعديل فات المزي نقلها في تهذيبه، وكذا جملة من الشيوخ والتلاميذ، كما أنه ذكر كثيرًا من أقوال الأئمة بأسانيده إليها. وقد قام الشيخ الدكتور/ شادي بن محمد بن سالم آل نعمان -وفقه الله- بتحقيق الكتاب بمقابلة نسخه الخطية، وضبط نص الكتاب مميزًا ما أُشكل واشتبه من أسماء الرواة وضبط أنسابهم، ووثق النقول المذكورة فيه، كما أشار إلى بعض الأوهام التي وقع فيها المؤلف والتي استدركها الحافظ المزي
رحمهما الله، كما ذكر بعض الفوائد الأخرى في التعليق على الكتاب، وقدم للكتاب بمقدمةٍ اعتنى فيها بذكر منهج المؤلف وأسلوبه وطريقته في كتابه ونوعية التراجم التي تضمنها الكتاب وبيان موارده فيه وغير ذلك. هذا ومن منطلق خدمة سنة النبي ﷺ، وإيماننا بأهمية نشر كتب التراث، فإن الهيئة العامة للعناية بطباعة ونشر القرآن الكريم والسنة النبوية وعلومهما بدولة الكويت لتَشْرُف بأن تقدم هذا الكتاب في طبعته الأولى، ليستفيد منه المختصون في علم الحديث وغيرهم. وقد روجع الكتاب من قبل فضيلة الشيخ: بدر بن عبد الله البدر، فكانت هناك بعض الملاحظات في عمله، قد أُعلم بها فقام بتنفيذها مشكورًا. وإنا لنرجو الله العلي القدير أن يجزي خيرًا كل من أسهم في إخراج هذا الكتاب تحقيقًا وضبطًا ومراجعةً، حتى خرج بهذه الصورة، فنسأل الله أن يجزي مؤلفه خيرًا على ما قدم لخدمة سنة النبي ﷺ، كما نسأله أن يعمّ فيه النفع، وأن يجعله خالصًا لوجهه الكريم، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله على نبيه محمد، وعلى آله وصحبه والتابعين. د. فهد صياح الديحاني نائب المدير العام للبحوث والدراسات الهيئة العامة للعناية بطباعة ونشر القرآن الكريم والسنة النبوية وعلومهما
Halaman tidak diketahui
مقدمة المراجع
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ﷺ وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم إلى يوم الدين.
وبعد:
فقد قال الله ﷿: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ﴾ (النحل: ٤٤)، وقال: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾ (الحشر: ٧).
فكانت السنة النبوية على صاحبها أزكى الصلاة والتسليم هي الأصل الثاني من أصول الأحكام الشرعية، فهي والقرآن متلازمان. فما ورد في القرآن من الآيات مجملًا أو مطلقًا أو عامًّا فإن السنة
1 / 5
النبوية تبينه، فتقيد مطلقه، وتخصص عامه، وتفسر مجمله.
لذا قامت نخبة ممتازة وصفوة مختارة من هذه الأمة المباركة بخدمة السنة النبوية ولم شتاتها، فقطعوا الفيافي والقفار واصلين الليل بالنهار، لالتقاطها من أفواه سامعيها وجمعها من صدور حامليها، ومن ثم تدوينها.
إلى ما نراه من تلك المصنفات الكثيرة التي جمعت أحاديث النبي الكريم ﷺ، كما دونوا الكثير من آثار الصحابة الكرام والتابعين الأجلاء.
فجزاهم الله خير الجزاء على ما قدموه من جمع لهذا التراث، وجعل ذلك في موازين حسناتهم.
ومن ثم انبري طائفة من أهل العلم فصنفوا مصنفات لتراجم رواة الحديث، فيها ذكر مشايخهم والرواة عنهم وما ورد فيهم من جرح أو تعديل وسني ولادتهم ووفياتهم، مما يستفاد منه معرفة صحة أو ضعف أسانيد الأحاديث المروية في تلك المصنفات الحديثية ليتم تطبيق قواعد قبولها أو ردها.
وهذه المصنفات التي جمعت تراجم الرواة لم تكن محددة برواةِ كتبٍ معينةٍ بل كانت عامة.
1 / 6
حتى جاء الحافظ عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي (٥٤١ - ٦٠٠ هـ) وهو صاحب الكتاب المشهور "عمدة الأحكام" وغيره من المصنفات المفيدة، فألف هذا الكتاب "الكمال في أسماء الرجال" وضمنه الرواة الذين روى لهم أصحاب الكتب الستة (البخاري، ومسلم، والنسائي، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه) ورتبهم حسب الحروف الألفبائية فكان أول من صنف في جمع رجال الكتب الستة فكان عمدة من جاءوا بعد الحافظ عبد الغني المقدسي ممن صنف في رواة الكتب الستة، ومن أبرزهم الحافظ جمال الدين أبو الحجاج يوسف المزي (٦٥٤ - ٧٤٢ هـ) الذي اعتمد على كتابه هذا وزاد الكثير من مشايخ وتلاميذ الرواة الذين ترجم لهم كما استدرك عليه بعض الأشياء.
كما كلفتني الهيئة الموقرة، بمراجعة الكتاب وإبداء الرأي فيه، فقمت بقراءته كاملًا، وأبديت بعض الملاحظات والتصويبات على عمل المحقق الفاضل، فاستجاب مشكورًا مأجورًا بتنفيذ تلك الملاحظات، وتصويب ما ند عنه من أخطاء طباعية.
هذا وأشكر الهيئة العامة للعناية بطباعة ونشر القرآن الكريم والسنة النبوية وعلومهما التي أشرفت على طباعة ونشر هذا الكتاب القيم بعد أن كان حبيسًا في خزائن المخطوطات ليستفيد منه المختصون في علم الحديث.
1 / 7
راجيًا من الله العلي القدير أن يستفاد منه كما أراده مؤلفه ﵀ وأن يثيب مؤلفه ومحققه على ما قدماه لخدمة سنة النبي ﷺ.
ونسأل الله العلي القدير أن يوفقنا لما يحبه ويرضاه، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله على نبيه محمد وعلى آله وصحبه ومن تبع هداهم إلى يوم الدين.
كتبه بدر بن عبد الله البدر
1 / 8
مقدمة المحقق
يَسُرُّني في هذا المقام أن أتقدَّم بالشُّكرِ إلى أخي الكريم (أبي بسطام محمد بن مصطفى)، الذي يُتابعني دائمًا بمخطوطات قيِّمة، وقد تكرَّم بتزويدي بصورة من نسخة المكتبة الظاهرية للكتاب، وصورة من نسخة دار الكتب المصرية، فجزاه الله خيرًا.
وإلى أخي الكريم (أبي إسحاق طارق مصطفى)، الذي زوَّدني بالمخطوطات التركية للكتاب، فجزاه الله خيرًا على تعاونه الدائم معي؛ خاصة فيما يخصُّ المخطوطات التركية.
وإلى أخي الكريم (محمود النحال)؛ الذي زوَّدني بالنسخة اليمنية، ونسخة المتحف البريطاني، فجزاه الله خير الجزاء، وأعانه ووفقه في مشاريعه العلمية النافعة.
والحق أن هذا التعاون العلمي بيننا -نحن طلاب العلم-، يعكس صورة حسنة من التجرُّد لخدمة السنَّة، والبعد عن المصالح الفردية، فالحمد لله أن سَخَّر لخدمة التراث أمثال هؤلاء.
كما أتقدم بالشكر للإخوة الأفاضل الذين ساعدوني في مرحلة مقابلة نَصِّ "الكمال" على المادة التي اقتبسها منه المزي في "تهذيبه"، فقد رأيت أن أقوم بهذه المرحلة مرتين لأهميتها، مرةً بنفسي، ومرة بمساعدة بعض الإخوة، ليخرج العمل بمزيد من الإتقان، وهؤلاء الإخوة هم:
أخي الكريم/ فهد بن علي اللحجي، وهو من إخواننا النُّبهاء
1 / 9
الأذكياء، الذين يعينونني في كثير من الأعمال، نفع الله به.
وأخي الكريم الخلوق/ حسين الوعوعي، وهو من إخواننا القائمين على الدعوة وتحفيظ كتاب الله، نفع الله به.
والأخت الكريمة / زينب صالح الحداء، وقد كان عملها متقنًا جيدًا جدًّا، ولو فرَّغَتْ نفسها لخدمة التراث لنفع الله بها.
كما أتقدم بالشُّكر إلى الإخوة الأفاضل/ حفظ الله الزيلعي، وحسن الزيلعي، وطارق الزيلعي، وعبد الحليم النهاري، الذين ساعدوني في مرحلة المقابلة على النسخ الخطية، وقد بذلوا جهدًا مشكورًا.
كما أتقدم بالشكر إلى أخي الكريم/ فؤاد عقيل الزيلعي، الذي قام على صفِّ الكتاب بإتقانه المعهود.
كما أشكر كل من تكرَّم بمراسلتي على البريد الإلكتروني، أو على الهاتف، تشجيعًا وتحفيزًا منه لإنجاز مشروعنا، وقد توالت بفضل الله كلمات الثناء على أعمالنا العلمية من جهات مختصة، ومن مشايخ أفاضل، وتلقَّاها أهل العلم وطلبته بالقبول، على قلة عُدَّتنا، فأسأل الله أن نكون عند حسن ظنهم جميعًا، وأن يعيننا على إنجاز المشروع.
والحمد لله أولًا وآخرًا وظاهرًا وباطنًا.
كتبه د. شادي بن محمد بن سالم آل نعمان
1 / 10
مقدمة الدراسة
1 / 11
المبحث الأول ترجمة المصنِّف الحافظ عبد الغني المقدسي
لقد كان الحافظ عبد الغني المقدسي من أفراد العلماء العاملين على مَرِّ التاريخ الإسلامي، وقد حفلت حياته العلمية بالأحداث المثيرة، وبالعِبَر، وبالدروس المستفادة؛ ممَّا دفع الحافظ ضياء الدين المقدسي إلى إفراد سيرته في جزئين، كما اعتنى علماء التاريخ والرجال بذكره وترجمته والإطناب في ذلك، وقد ترجمه الحافظ ابن رجب الحنبلي بترجمة حافلة جدًّا في "ذيل طبقات الحنابلة"، وكذا الحافظ الذهبي في "سير أعلام النبلاء"، معتمدين في ذلك على كتاب "الضياء"، ويُنصح طلاب العلم والباحثون بكثرة مطالعة ترجمته وسيرته، ونشرها والاستفادة منها، وهذا ملخص لترجمته:
اسمه ونسبه ولقبه وكنيته:
هو: الإمام حافظ الوقت تقي الدين عبد الغني بن عبد الواحد بن علي بن سرور بن رافع بن حسن بن جعفر، الجماعيلي، المقدسي، أبو محمد.
مولده:
وُلِد بجماعيل -من أرض نابلس من الأرض المقدسة- سنة إحدى وأربعين وخمس مئة.
1 / 13
طلبه للعلم ورحلاته وشيوخه:
قَدِم الحافظ المقدسي دمشق صغيرًا بعد الخمسين، فسمع بها من أبي المكارم بن هلال، وأبي المعالي بن صابر، وأبي عبد الله بن حمزة بن أبي جميل القرشي، وغيرهم.
ثم رحل إلى بغداد سنة إحدى وستين، هو والشيخ الموفَّق، فأقامَا ببغداد أربع سنين. وكان الموفق ميله إلى الفقه، والحافظ عبد الغني ميله إلى الحديث؛ فنزلا على الشيخ عبد القادر، وكان يراعيهما، ويُحسن إليهما، وقرأا عليه شيئًا من الحديث والفقه.
وحُكيَ أنهما أقاما عنده نحوًا من أربعين يومًا، ثم مات، وأنهما كانا يقرآن عليه كل يوم درسين من الفقه، فيقرأ هو من "الخرقي" من حفظه، والحافظ من كتاب "الهداية".
وبعد ذلك اشتغلا بالفقه والخلاف على ابن المَنِّيِّ، وصارا يتكلمان في المسألة ويناظران.
وسمعا من أبي الفتح بن البَطِّي، وأحمد بن المقري الكَرْخي، وأبي بكر بن النَّقُّور، وهبة الله الدَّقَّاق، وأبي زرعة، وغيرهم. ثم عادا إلى دمشق.
ثم رحل الحافظ المقدسي سنة ست وستين إلى مصر والإسكندرية، وأقام هناك مدة، ثم عاد، ثم رجع إلى الإسكندرية سنة سبعين، وسمع بها من الحافظ السِّلَفي وأكثر عنه، حتى قيل: لعله كتب عنه ألف جزء. وسمع من غيره أيضًا.
1 / 14
وسمع بمصر من أبي محمد بن برِّي النحوي وجماعة، ثم عاد إلى دمشق.
ثم سافر بعد السبعين إلى أصبهان، وكان قد خرج إليها، وليس معه إلا قليل فلوس، فسهَّل الله له مَن حَمله وأنفق عليه، حتى دخل أصبهان وأقام بها مدة، وسمع بها الكثير، وحصل الكتب الجيدة، ثم رجع.
وسمع بهَمَذَان من عبد الرزاق بن إسماعيل القرماني، والحافظ أبي العلاء، وغيرهما.
وبأصبهان من الحافظين: أبي موسى المديني، وأبي سعد الصائغ، وطبقتيهما.
وسمع بالموصل من خطيبها أبي الفضل الطوسي.
وكَتَبَ بخطِّه المُتقن ما لا يوصف كثرة، وعاد إلى دمشق، ولم يزل ينسخ ويصنف، ويحدث، ويفيد المسلمين، ويعبد الله تعالى، حتى توفاه الله على ذلك.
حفاظه على وقته:
قال الحافظ الضياء المقدسي: وسمعت الإمام الزاهد إبراهيم بن محمود بن جوهر البعلي يقول: سمعت العماد -يعني: أخا الحافظ عبد الغني- يقول: ما رأيت أحدًا أشد محافظة على وقته من الحافظ عبد الغني.
قال الضياء: كان شيخنا الحافظ ﵀، لا يكاد يضيع شيئًا من زمانه بلا فائدة؛ فإنه كان يصلي الفجر، ويلقن الناس القرآن، وربما أقرأ شيئًا
1 / 15
من الحديث؛ فقد حفظنا منه أحاديث جمة تلقينًا، ثم يقوم يتوضأ، فيصلي ثلاث مئة ركعة بالفاتحة والمعوذتين إلى قبل وقت الظهر، ثم ينام نومة يسيرة إلى وقت الظهر، ويشتغل إما للتسميع بالحديث، أو بالنسخ إلى المغرب، فإن كان صائمًا أفطر بعد المغرب، وإن كان مفطرًا صلي من المغرب إلى عشاء الآخرة، فإذا صلَّى العشاء الآخرة نام إلى نصف الليل أو بعده، ثم قام كأن إنسانًا يوقظه، فيتوضأ ويصلِّي لحظة كذلك، ثم توضأ وصلَّى كذلك، ثم توضأ وصلَّى إلى قرب الفجر، وربما توضأ في الليل سبع مرات أو ثمانية، أو أكثر، فقيل له في ذلك! فقال: ما تطيب لي الصلاة إلا ما دامت أعضائي رطبة. ثم ينام نومة يسيرة إلى الفجر، وهذا دأبه، وكان لا يكاد يصلِّي صلاتين مفروضتين بوضوء واحد.
ثناء العلماء عليه:
- قال الحافظ أبو موسى المديني: قلَّ من قَدِم علينا من الأصحاب يفهم هذا الشأن كفهم الشيخ الإمام ضياء الدين أبي محمد عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي، زاده الله توفيقًا. . . وقَل من يفهم في زماننا لما فهم، زاده الله علمًا وتوفيقًا.
- وقال ابن النجار البغدادي: حدَّث بالكثير، وصنف تصانيف حسنة في الحديث، وكان غزير الحفظ، من أهل الإتقان والتجويد، قيمًا بجميع فنون الحديث، عارفًا بقوانينه، وأصوله، وعلله، وصحيحه، وسقيمه، وناسخه، ومنسوخه، وغريبه، وشكله، وفقهه، ومعانيه،
1 / 16
وضبط أسماء رواته، ومعرفة أحوالهم.
- وقال أبو الثناء محمود بن همام: سمعت أبا عبد الله محمد بن أميرك الجويني المحدث، يقول: ما سمعت السِّلَفي يقول لأحد: الحافظ، إلا لعبد الغني المقدسي.
عبادته وورعه وما عُرف عنه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
كان الحافظ عبد الغني كثير العبادة، وَرِعًا، متمسكًا بالسنة على قانون السلف.
وذُكر أنه كان دائم الصيام، كثير الإيثار، وكان يصلي كل يوم وليلة ثلاث مئة ركعة، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر.
وأنه كان ﵀ يقرأ الحديث يوم الجمعة بعد الصلاة بجامع دمشق، وليلة الخميس بالجامع أيضًا، ويجتمع خلق كثير، وكان يقرأ ويبكي، ويبكي الناس بكاءً كثيرًا، حتى إن من حضر مجلسه مرة لا يكاد يتركه؛ لكثرة ما يطيب قلبه، وينشرح صدره فيه، وكان يدعو بعد فراغه دعاءً كثيرًا.
وذُكر أنه كان يستعمل السواك كثيرًا، حتى كأن أسنانه البَرَد.
وقال أبو الثناء محمود بن سلامة الحراني التاجر بأصبهان: كان الحافظ عبد الغني نازلًا عندي بأصبهان، وما كان ينام من الليل إلا القليل، بل يصلِّي ويقرأ ويبكي، حتى ربما منعنا النوم إلى السحر.
قال: وكان الحافظ لا يرى منكرًا إلا غيره بيده أو لسانه، وكان لا تأخذه في الله لومة لائم، ولقد رأيته مرة يهريق خمرًا، فجبذ صاحبه
1 / 17
السيف، فلم يخف من ذلك، وأخذه من يده، وكان ﵀ قويًّا في بدنه، وفي أمر الله، وكثيرًا ما كان بدمشق ينكر المنكر، ويكسر الطنابير والشبابات.
حُب الناس له:
قال الحافظ الضياء: وما أعرف أحدًا من أهل السنة رأى الحافظ [عبد الغني] إلا أحبه حبًّا شديدًا، ومدحه مدحًا كثيرًا.
وذكر أنه كان بأصبهان، فاصطف الناس في السوق ينظرون إليه. وقالوا: لو أقام الحافظ بأصبهان مدة وأراد أن يملكها، لملكها. يعني من حبهم له، ورغبتهم فيه.
وقال الضياء: ولما وصل إلى مصر كان إذا خرج يوم الجمعة إلى الجامع، لا نقدر نمشي معه من كثرة الخلق الذين يجتمعون حوله.
صفاته الخَلْقية:
كان الحافظ عبد الغني ﵀ ليس بالأبيض الأمهق، بل يميل إلى السمرة، حسن الشعر، كثّ اللحية، واسع الجبين، عظيم الخلق، تام القامة، كأن النور يخرج من وجهه، فكان قد ضعف بصره من كثرة البكاء، والنَّسْخ، والمطالعة.
صفاته الخُلُقية:
وكان سخيًّا جوادًا كريمًا لا يدَّخر دينارًا ولا درهمًا، ومهما حصل له أخرجه، وقد ذكروا عنه أنه كان يخرج في بعض الليالي بقفاف الدقيق إلى بيوت المحتاجين، فيدق عليهم، فإذا علم أنهم يفتحون الباب ترك
1 / 18
ما معه ومضى؛ لئلَّا يعرفه أحد.
وقد كان يُفتح له بشيء من الثياب والبرد فيعطي الناس، وربما كان عليه ثوب مرقع.
وقد أوفي غير مرة سرًّا ما يكون على بعض أصحابه من الدَّيْن ولا يُعْلِمهم بالوفاء.
قال الشيخ الموفق عنه: كان جوادًا، يُؤْثر بما تصل إليه يده سرًّا وعلانية.
مصنفاته:
أطنب الحافظ ابن رجب الحنبلي في "ذيل طبقات الحنابلة"، والحافظ الذهبي في "السير" في ذكر مصنفات الحافظ عبد الغني، ومن أهم ذلك:
- كتاب "عمدة الأحكام" مما اتفق عليه البخاري ومسلم، وهو كتاب كتب الله له القبول في كل العصور، وسارت به الركبان.
- كتاب "المصباح في عيون الأحاديث الصحاح" ثمانية وأربعين جزءًا، يشتمل على الأحاديث الصحيحة.
- كتاب "نهاية المراد من كلام خير العباد" لم يبيضه كله، في السُّنَن، نحو مئتي جزء.
- كتاب "الآثار المرضية في فضائل خير البرية" أربعة أجزاء.
- جزء كتاب "الاقتصاد في الاعتقاد" جزء كبير.
- كتاب "تبيين الإصابة لأوهام حصلت في معرفة الصحابة" الذي
1 / 19
ألفه أبو نعيم الأصبهاني في جزء كبير.
- وكتاب "الكمال في أسماء الرجال"، وهو الذي بين يديك.
مِحَنُهُ:
ابتُلي الحافظ عبد الغني المقدسي ابتلاءً شديدًا في حياته، كما هو الشأن في سير الكثير من ورثة الأنبياء من علماء الإسلام، فمن ذلك:
محنة دمشق:
كان الحافظ عبد الغني بدمشق يُحدِّث، وينتفع به الناس، إلى أن تكلم في الصفات والقرآن بشيء أنكره عليه أهل التأويل، وشنعوا به عليه، وعقد له مجلس بدار السلطان، حضره القضاة والفقهاء، فأصر على قوله، وأباحوا إراقة دمه، فشفع فيه جماعة إلى السلطان من الأمراء والأكراد، وتوسطوا في أمره على أن يخرج من دمشق إلى ديار مصر، فأُخرج إلى مصر، وأقام بها خاملًا إلى حين وفاته.
محنة أخرى في دمشق:
كان الحافظ يقرأ الحديث بدمشق، ويجتمع الخلق عليه، ويبكي الناس، وينتفعون بمجالسه كثيرًا، فوقع الحسد عند المخالفين بدمشق، وشرعوا يعملون وقتًا يجتمعون في الجامع، ويقرأ عليهم الحديث، ويجمعون الناس من غير اختيارهم، فهذا ينام، وهذا قلبه غير حاضر، فلم تشتف قلوبهم بذلك، فشرعوا في المكيدة بأن أمروا الإمام الناصح أبا الفرج عبد الرحمن بن نجم بن الحنبلي الواعظ بأن يجلس يعظ في الجامع تحت قُبة النسر بعد الجمعة، وقت جلوس الحافظ.
1 / 20
فاختلف الحافظ المقدسي مع الناصح، ثم اتفقا على أن يجلس الناصح بعد صلاة الجمعة، ثم يجلس الحافظ بعد العصر، فلما كان بعض الأيام، والناصح قد فرغ من مجلسه، وكان قد ذكر الإِمام أحمد ﵀ في مجلسه، فدسوا إليه رجلًا ناقص العقل من بيت ابن عساكر، فقال للناصح كلامًا معناه: إنك تقول الكذب على المنبر. فضرب ذلك الرجل وهرب، فأتبع، فخبئ في الكلاسة، ومشوا إلى الوالي، وقالوا له: هؤلاء الحنابلة ما قصدهم إلا الفتنة. . .إلى آخر محنته.
محنته في مصر:
لما وصل الحافظ إلى مصر، تُلقِّي بالبِشْر والإِكرام، وأقام بها يُسمِع الحديث بمواضع منها، وبالقاهرة، وقد كان بمصر كثير من المخالفين، لكن كانت رائحة السلطان تمنعهم من أذي الحافظ لو أرادوه، ثم جاء الملك العادل وأخذ مصر، وأكثر المخالفون عنده على الحافظ، وبعضهم بذل في قتل الحافظ خمسة آلاف دينار.
قال الحافظ عبد الغني عن الملك العادل ملك مصر: اجتمعت به، وما رأيت منه إلا الجميل، فأقبل عليّ وأكرمني، وقام لي والتزمني، ودعوت له. ثم قلت: عندنا قصور، فهو الذي يوجب التقصير. فقال: ما عندك لا تقصير ولا قصور. وذكر أمر السنة، فقال: ما عندك شيء يعاب في أمر الدين ولا الدنيا، ولا بد للناس من حاسدين.
قال: ثم سافر العادل إلى دمشق، وبقي الحافظ بمصر، والمخالفون لا يتركون الكلام فيه، فلما أكثروا عزم الملك الكامل على إخراجه من
1 / 21
مصر، واعتقل في دارٍ سبع ليال، فقال: ما وجدت راحة بمصر مثل تلك الليالي.
محنة أخرى في مصر:
خرج الحافظ عبد الغني إلى بعلبك، ثم سافر إلى مصر، فنزل عند الطحانين، وصار يقرأ الحديث، فأفتى فقهاء مصر بإباحة دمه، وكتب أهل مصر إلى الصفي بن شكر وزير العادل: أنه قد أفسد عقائد الناس، ويذكر التجسيم على رءوس الأشهاد، فكتب إليه والي مصر ينفيه إلى المغرب، فمات قبل وصول الكتاب.
محنته بأصبهان:
قال الإِمام أبو محمد عبد الله بن أبي الحسن الجبائي: كان أبو نعيم الحافظ قد أخذ على الحافظ أبي عبد الله بن مَنْدَه أشياء في كتاب "معرفة الصحابة"، وكان الحافظ أبو موسى المديني يشتهي أن يأخذ على أبي نعيم -يعني: في كتاب "معرفة الصحابة"- فما كان يحسن، فلما جاء الحافظ عبد الغني إلى أصبهان أشار إليه بذلك، قال: تأخذ على أبي نعيم في كتابه "معرفة الصحابة" نحوًا من مائتين وتسعين موضعًا، قال: فلما سمع بذلك الصدر عبد اللطيف بن الخُجندي طلب الحافظ عبد الغني وأراد إهلاكه، فاختفى الحافظ.
وذلك أن بيت الخجندي أشاعرة، كانوا يتعصبون لأبي نعيم، وكانوا رؤساء البلد.
1 / 22
محنته بسبب كتاب العقيلي:
قال الضياء: وسمعت الحافظ يقول: كنا بالموصل نسمع "الجرح والتعديل" للعُقيلي، فأخذني أهل الموصل وحبسوني، وأرادوا قتلي؛ من أجل ذكر أبي حنيفة فيه، فجاءني رجل طويل ومعه سيف، فقلت: لعل هذا يقتلني وأستريح. قال: فلم يصنع شيئًا، ثم إنهم أطلقوني.
قال: وكان يسمع هو والإمام ابن البرني الواعظ، فأخذ ابن البرني الكراس التي فيها ذكر أبي حنيفة، فاشتالها، فأرسلوا، وفتشوا الكتاب فلم يجدوا شيئًا؛ فهذا سبب خلاصه. والله أعلم.
وفاته ووصيته:
قال أبو موسي ابن الحافظ عبد الغني: مرض والدي ﵀ في ربيع الأول سنة ست مئة مرضًا شديدًا منعه من الكلام والقيام، واشتد به مدة ستة عشر يومًا، وكنت كثيرًا ما أسأله: ما تشتهي؟ فيقول: أشتهي الجنة، أشتهي رحمة الله تعالى. لا يزيد على ذلك.
فلما كان يوم الاثنين جئت إليه، وكان عادتي أبعث من يأتي كل يوم بكرة بماء حار من الحمام يغسل أطرافه، فلما جئنا بالماء على العادة مدَّ يده، فعرفت أنه يريد الوضوء، فوضأته وقت صلاة الفجر، ثم قال: يا عبد الله، قم فصل بنا وخفف. فقمت فصليت بالجماعة، وصلَّى معنا جالسًا، فلما انصرف الناس جئت، فجلست عند رأسه وقد استقبل القبلة، فقال لي: اقرأ عند رأسي سورة يس. فقرأتها، فجعل يدعو الله وأنا أُؤَمِّن، فقلت: هاهنا دواء قد عملناه، تشربه؟ فقال: يا بنيّ، ما بقي
1 / 23
إلا الموت. فقلت: ما تشتهي شيئًا؟ قال: أشتهي النظر إلى وجه الله تعالى. فقلت: ما أنت عني راضٍ؟ قال: بلى والله، أنا عنك راضٍ وعن إخوتك، وقد أجزت لك ولإخوتك ولابن أختك إبراهيم.
وقال: أوصاني أبي عند موته: لا تضيعوا هذا العلم الذي تعبنا عليه -يعني: الحديث-. فقلت: ما توصي بشيء؟ قال: ما لي على أحد شيء، ولا لأحد علي شيء. قلت: توصيني بوصية. قال: يا بني، أوصيك بتقوى الله، والمحافظة على طاعته. فجاء جماعة يعودونه، فسلموا عليه، فرد عليهم، وجعلوا يتحدثون، ففتح عينيه وقال: ما هذا الحديث؟ اذكروا الله تعالى، قولوا: لا إله إلا الله. فقالوها، ثم قاموا، فجعل يذكر الله، ويحرك شفتيه بذكره، ويشير بعينيه، فدخل رجل فسلم عليه، وقال له: ما تعرفني يا سيدي؟ فقال: بلي. فقمت لأُناوله كتابًا من جانب المسجد، فرجعت وقد خرجت روحه، وذلك يوم الاثنين الثالث والعشرين من شهر ربيع الأول من سنة ست مئة.
وبقي ليلة الثلاثاء في المسجد، واجتمع الغد خلق كثير من الأئمة والأمراء، ما لا يحصيهم إلا الله ﷿، ودُفن يوم الثلاثاء بالقرافة.
مما قيل في رثائه:
رثي الإمامَ عبد الغني غيرُ واحد، منهم الإِمام أبو عبد الله محمد بن سعد المقدسي الأديب بقصيدة طويلة، أولها:
هذا الذي كنت يوم البين أحتسب ... فليقض دمعي عنك بعض ما يجب
يا سائرين إلى مصر بربِّكم ... رفقًا علَّي، فإن الأجر مكتسب
1 / 24