Useful Fatwas for the People of the Era, Abridged from the 35 Volumes of Imam Ibn Taymiyyah's Fatwas

الفتاوى النافعة لأهل العصر وهو مختصر فتاوى الإمام ابن تيمية الخمسة والثلاثين مجلداً

Investigator

حسين الجمل

Publisher

دار ابن الجوزي

Publication Year

1411 AH

Publisher Location

المملكة العربية السعودية

الفتاوى النافعة لأهل العصر

وهو مختصر فتاوى الإمام ابن تيمية الخمسة والثلاثين مجلداً

اختصار وتحقيق

حسين الجمل

دار ابن الجوزي

1

الطبعة الأولى للكتاب

١٤١١ هـ - ١٩٩١ م
كافة حقوق الطبع والنشر محفوظة

دار ابن الجوزي

للنشر والتوزيع
المملكة العربية السعودية

الدمام : شارع ابن خلدون ت : ٨٤٢٨١٤٦

ص . ب : ٢٩٨٢ - الرمز البريدي: ٣١٤٦١ - فاكس: ٨٤١٢١
الإحساء : الهفوف - شارع الجامعة
ت: ٥٨٢٤٦٧٢ - ص. ب : ١٧٨٦

2

بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا . من يهده الله فلا مضلَّ له ومن يضلل فلا هادي له .

وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .

﴿ ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتنَّ إلا وأنتم مسلمون ﴾

﴿ ياأيها الناس اتقوا ربّكم الذى خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبثَّ منهما رجالاً كثيراً ونساءً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً ﴾

﴿ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يُصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً ﴾

أما بعد .

فإن أصدق الحديث كتاب الله ، وخير الهَدْىِ هَدْى محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وشرَّ الأمور محدثاتها ، وكلّ محدثة بدعة ، وكلّ بدعة ضلالة ، وكلَّ ضلالة فى النار :

3

بسم الله الرحمن الرحيم

للفتاوى مكانة بارزة في تاريخ الإسلام، إذ هي السبيل إلى تطبيق أحكام الشريعة، وصار لكل عالم من العلماء المحققين مجموعة من الفتاوى تتضمن إجابات على سؤالات في كافة فروع الشريعة، وهي تختلف باختلاف مدارك العلماء وأنظارهم في فهم نصوص الكتاب والسنة فمنهم مستكثر ومقتصد، فوجدت فتاوى في ((الفقه))، وأخرى في ((الحديث وعلومه))، وثالثة في ((الاعتقاد)) وغير ذلك من المعارف الدينية، وكان بقاء تلك الفتاوى وانتشارها معتمداً على سببين رئيسين هما:

١_ مدى تمكن المفتى من معرفة مقاصد الشريعة.

٢_ معرفة المفتى للواقع الذي يعيش فيه.

لذا وجدت فتاوى واستمرت حتى عصرنا هذا، بينما نجد فتاوى أخرى قد اندثرت، وذلك بسبب توافر أو عدم توافر السببين المذكورين

ومن بين تلك الفتاوى التي ذاعت وانتشرت في طباق الأرض، وسار بذكرها الركبان، وكانت ولازالت معيناً لا ينضب للمتعطشين للمعرفة القائمة على صحيح المنقول وصريح المعقول، أقول من هذه الفتاوى الجديرة بالإذاعة ((فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله)) فهو العالم الرباني، مفتى الأمة، الجامع بين العلوم النقلية والعقلية، العارف بمذاهب أهل الملل والنحل، وآراء المتكلمين، ومقالات الفرق، وهو الإمام الذي أراد أن يردَّ الأمة إلى أصليها الخالدين التليدين: الكتاب والسنة، وهو الإمام الذي أراد أن يعيد إلى الأمة الإسلامية ثقتها في قيادة البشرية والإنسانية إلى الحياة والهدى والنور، وهو الإمام الذي أراد أن يزيل عن الأمة آثار التعصب المذهبي الذي

4

تمثلت آثاره في وضع أربعة محاريب في المسجد الواحد، والذي تمثل أيضاً في إقامة أربع جماعات للصلاة الواحدة، والذي تمثل في معاملة المرأة التي على مذهب مخالف لمذهب زوجها على أنها تنزل منزلة الكتابية؟! ثم زاد الأمر شدة بهجوم التتار على دار الخلافة الإسلامية من جهة الشرق، وهجوم الصليبيين على الديار الإسلامية من جهة الغرب، وساد الديار الإسلامية ظلام دامس ولم يكن المخرج من هذه الداهية إلا بالرجوع إلى العروة الوثقى، الكتاب والسنة، وتجديداً لهذه الدعوة، دعوة العودة إلى تحكيم صريح الكتاب والسنة، وطرح أقوال الرجال المخالفة لهذين المصدرين الأصليين، قام العالم العامل العارف بالله الإمام أحمد بن تيمية رحمه الله، ينادي في الأمة أن الهُدَى هو فيما جاء به الرسول الذي قال الله تعالى فيه: ﴿وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم﴾، وإيماناً منه بهذا المبدأ قامت فتواه على هذا الأساس الركين، وليس أدلَّ على ذلك من أن كثيراً من المصلحين والقانونيين قد اضطروا إلى الأخذ ببعض ((فتاوى)) شيخ الإسلام ابن تيمية وترك ما سواها، لأنها جاءت مبنية على صريح الكتاب وصحيح السنة، وتارة تأتي موافقة لروح الشريعة ومقاصدها، لذا فينبغي لرجال الدعوة والإرشاد والإصلاح الاجتماعي أن يعتنوا عناية خاصة بفتاوى شيخ الإسلام، ومن بشريات هذه العناية بفتاوى الإمام أن قام الشيخ عبد الرحمن بن قاسم وولده الشيخ محمد، الأستاذ في ((معهد إمام الدعوة)) في الرياض أن قاما بجمع المسائل والرسائل لشيخ الإسلام ابن تيمية المخطوط منها والمطبوع من ((المجاميع)) الموجودة بالمكتبات العامة بالدول العربية والغربية، وتم تجميع ذلك في مجلدات باسم ((مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية)) وتتكون من سبعة وثلاثين مجلداً، يحتل المخطوط منها أكثر من ثلث هذا المجموع، وتم ترتيب تلك المسائل والرسائل على حسب أبواب الكتب المتداولة بين العلماء والطلاب، بداية من كتاب (توحيد الألوهية) ومختتماً بكتاب

5

(الإِقرار)(١)، ومن حرص على اقتناء هذا ((السفر الجليل)) فسيعرف من هو شيخ الإسلام ابن تيمية !!

ثم إننى حينما طالعت أكثر مجلداته عزمت على اختيار بعض المسائل من هذا المجموع الضخم، التى تنفع المسلمين فى عصرهم الحاضر، والتى تشغل فكرهم، ووقع اختيارى هذا على الأسس التالية:

١_ أن تكون المسألة مما يهمُّ المسلمين فى الحاضر.

٢_ سهولة الإِجابة مع الإِيجاز غير المخلّ بالجواب.

٣_ البعد عن مسائل المنطق والسلوك والتصوف.

ثم جاءت الخطوة الثانية فى عملى هذا بعد اختيارى السابق على النحو الآتى:

١_ ترقيم الأسئلة مع ذكر موضع المسألة فى الأصل وهو ((مجموع الفتاوى)) لمن أراد أن يتعرّف على السؤال، فمثلاً سؤال رقم (١٦) أمامه (٣٨٥/١٣ - ٣٨٨) أى أنه بالمجلد الثالث عشر صفحة ٣٨٥ - ٣٨٨. ومجموع هذه المسائل المختارة هى (٣٣٦) فى شتى الفروع.

٢_ تخريج الآيات القرآنية فى أصل الإِجابة.

٣_ تخريج الأحاديث المذكورة فى الجواب بالهامش.

٤_ التعليق فى مواضع يسيرة.

٥_ وضع فهرس عام للمسائل الواردة هنا.

ولعلنى بهذا العمل قد قمتُ بتقريب ((مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية)) إلى عامة المسلمين فيما يحتاجونه من أمر دينهم، فهو يعدّ - بحق - مختصراً للكتاب الكبير والسفر الجليل ألا وهو ((مجموع الفتاوى)).

(١) انظر مقدمة (مجموع فتاوى شيخ الإسلام) الطبعة الثانية.

6

٦ - ثم إنني ألحقت هذا ((المختصر)) بثلاث فتاوى مطولة، والغرض منها هو إتاحة الفرصة للاطلاع على طريقة شيخ الإسلام في استنباط الأحكام من مصادر، من صحيح المنقول وصريح المعقول، وقد اخترت الثلاث الفتاوى من كتاب ((مجموعة الرسائل والمسائل)) لشيخ الإسلام الجزء الرابع، وعلق عليه الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله.

الأولى بعنوان: تفصيل الإجمال فيما يجب لله من صفات الكمال (ص ٣٨ - ٨٠)

الثانية بعنوان: العبادات الشرعية، والفرق بينها وبين البدعية (٨١ - ١٠٤)

الثالثة بعنوان: قاعدة أهل السنة والجماعة في رحمة أهل البدع والمعاصي ومشاركتهم في صلاة الجماعة (١٩٧ - ٢٠٦)

وهذه الرسالة من أوضح البراهين على حرص شيخ الإسلام على وحدة الصف الإسلامي، وجمع كلمة المسلمين، والتحذير من الوقوع في ورطة التكفير، والتبديع، وقد قمتُ - ولله الحمد - بتخريج الأحاديث الواردة في الرسالتين الأولى والثانية، وقام الأخ الفاضل أبو المنذر سامي أنور بتخريج الرسالة الثالثة والتعليق عليها.

والله سبحانه وتعالى أسأل أن يجعل عملنا هذا صالحاً، ولوجهه تعالى خالصاً، والله ولي التوفيق.

وكتب/ حسين إسماعيل الجمل

الإسماعيلية / العاشر من محرم الحرام ١٤١٠ هـ

١٩٨٩/٨/١١ م

7

بسم الله الرحمن الرحيم

● تعريف الفتوى في لسان العرب: (فتا)

ويقال: أفتيتُ فلاناً رؤيا رآها، إذا عبّرتُها له، وأفتيتُهُ في مسألته إذا أجبته عنها، وفي الحديث: أن قوماً تفاتوا إليه، معناه تحاكموا إليه وارتفعوا إليه في الفتيا. ويقال: أفتاه في المسألة يُفتيه إذا أجابه، والاسم الفتوى، ولْفتاه في الأمر: أبانه له.

● تعريف الفتوى اصطلاحاً:

هي الإخبار بحكم الله تعالى في واقعة من الوقائع.

● خطر الفتوى وذم من سارع فيها:

قال عبد الرحمن بن أبي ليلى: أدركتُ عشرين ومائة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في المسجد فما كان منهم محدث إلا وَدَّ أن أخاه قد كفاه الحديث، ولا مفتٍ إلا وَدَّ أن أخاه كفاه الفتيا.

وقال ابن عباس: إن من أفتى الناس في كل ما يسألونه عنه لمجنون.

وقال ابن عيينة: أجسر الناس على الفتيا أقلهم علماً.

وقال حذيفة: إنما يفتى الناس أحد ثلاثة: رجل يعلم ناسخ القرآن ومنسوخه، وأمير لا يجد بُداً، وأحمق متكلف.

ولما كان المفتي هو المخبر عن الله تعالى لمعرفته بالدليل، عَظُمَ أمر الفتوى، وقلَّ أهلها، ومن يخاف إنمها وخطرها، ولكن تجاسر عليها الحمقى والجهال، ورضوا فيها بالقيل والقال، وغرهم قلة الإنكار عليهم والملامة. لذا فقد قرر العلماء بأن الفتوى تحرم على الجاهل بصواب الجواب.

8

يقول الإِمام ابن حمدان - رحمه الله - في كتابه «صفة الفتوى» (ص ١٢):

((فمن أقدم على ما ليس له أهلاً من فتيا أو قضاء أو تدريس أثم، فإن أكثر منه وأصر واستمر فسق، ولم يحل قبول قوله ولا فتياه ولا قضائه، هذا حكم دين الإِسلام. والسلام)).

صفة المفتى وشروطه:

  • من صفته أن يكون مسلماً مكلَّفاً لأنه يخبر عن الله تعالى بحكمه فاعتبر إسلامه وتكليفه.

  • وأن يكون عدلاً، والعدل هو من استمر على فعل الواجب والمندوب من الأحكام، مع تركه الحرام والمكروه من المناهي الشرعية، والتزام الصدق واجتناب الكذب، فليس بعدل من قال في دين الله تعالى بغير علم، قال الله تعالى: ﴿وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ﴾ [سورة النحل: الآية ١١٧].

قال السيوطي في الدر المنثور (١٣٤/٤) في تفسير هذه الآية:

«وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي نضرة قال: قرأت هذه الآية في سورة النحل فلم أزل أخاف الفتيا إلى يومي هذا».

وأخرج الطبراني عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: عسى رجل أن يقول: إن الله أمر بكذا ونهى عن كذا فيقول الله عز وجل له: كذبت. ويقول إن الله حرم كذا وأحل كذا فيقول الله عز وجل له: كذبت». اهـ.

  • وأن يكون فقيهاً: وهو من له أهلية تمكنه أن يعرف الأحكام الشرعية من الأدلة الشرعية التفصيلية، مستنداً في حكمه بالدليل مع علمه بقواعد وقوانين علم أصول الفقه.

  • وأن يكون مجتهداً: والاجتهاد هو بذل الجهد والطاقة في طلب الحكم الشرعي بدليله فكل فقيه على الحقيقة مجتهد.

9

فمن أفتى وليس على صفة من الصفات المذكورة من غير ضرورة فهو عاصٍ آثم، لأنه لا يعرف الصواب وضده، ولكن من تفقّه وقرأ كتباً في الفقه وهو قاصر عن رتبة المفتين المذكورين المجتهدين، فللعامي أن يسأله إذا لم يجد غيره في بلده، أو قريباً منه، فيذكر مسألته للقاصر المذكور فإن وجدها مسطورة في كتب الفقه أفتاه بما هو مسطور فيصير القاصر حاكياً للفقه، وإن لم يجدها فليس له أن يقيسها على ما عنده مسطوراً في كتب الفقه.

* هل يجوز لمن يملك كتب الحديث أن يفتى؟

اختلفت أقوال أهل العلم فيمن كان عنده الصحيحان أو أحدهما أو كتاب من سنن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كسنن أبي داود والترمذي وغيرهما، فهل له أن يفتى بما يجده فيه؟

اختلفوا على ثلاثة أقوال:

* رأي المانعين:

قالت طائفة: ليس له ذلك لأنه قد يكون منسوخاً، أو له معارض، أو يكون أمر ندب فيفهم منه الإيجاب، أو يكون عاماً له مخصص، أو مطلقاً له مقيد، أو يفهم من دلالته خلاف ما يدل عليه، فلا يجوز له العمل ولا الفتيا بما في كتب الحديث حتى يسأل أهل الفقه والفتيا، وأيضاً قد لا يكون له تمييز بين صحيح الحديث وسقيمه - فيما عدا الصحيحين - فلا يستطيع أن يكون على بصيرة من أمره.

* رأي المجوزين:

وقالت طائفة: بل له أن يعمل بما صحَّ من الحديث ويفتى به، بل ويتعين عليه كما كان الصحابة يفعلون إذا بلغهم الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بادروا إلى العمل به من غير توقف ولا بحث عن معارض.

* والرأي الصواب في ذلك:

قال الإمام ابن القيم في كتابه ((إعلام الموقعين)) (٢٣٥/٤):

10

(( والصواب في هذه المسألة التفصيل فإن كانت دلالة الحديث ظاهرة بيِّنة لكل من سمعه لا يحتمل غير المراد فله أن يعمل به ويفتي به، ولا يطلب له التزكية من قول فقيه أو إمام، بل الحجة قول رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وإن خالفه من خالفه وإن كانت دلالته خفية لا يتبين المراد منها، لم يجز له أن يعمل، ولا يفتي بما يتوهمه مراداً حتى يسأل ويطلب بيان الحديث ووجهه، وإن كانت دلالته ظاهرة كالعام على أفراده، والأمر على الوجوب، والنهي على التحريم، فهل له العمل والفتوى به؟

يخرج على الأصل وهو العمل بالظواهر قبل البحث عن المعارض، وفيه ثلاثة أقوال في مذهب أحمد وغيره: الجواز، والمنع، والفرق بين العام فلا يعمل به قبل البحث عن المخصص، والأمر والنهي فيعمل به قبل البحث عن المعارض، وهذا كله إذا كان ثَمَّ نوع أهلية ولكنه قاصر في معرفة الفروع وقواعد الأصوليين والعربية، وإذا لم تكن ثمة أهلية قط ففرضه ما قال الله تعالى: ﴿فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون﴾ ......)) .اهـ.

حكم العامي إذا لم يجد مفتياً:

سبق أن للعامي أن يسأل من هو قاصر لم يبلغ رتبة المفتين المجتهدين إذا لم يجد غيره في بلده، فإن كان يقدر على السفر إلى مفت لزمه وقيل يحرم السكنى ببلد خلت عن مفت إذا شق عليه السفر إلى مفت يسأله.

فإذا نزلت بالعامي نازلة وهو في مكان لا يجد من يسأله عن حكمها وعجز عن الانتقال من بلده وشق السفر عليه إلى مفتٍ، ففي هذه المسألة طريقان: أحدهما: أن له حكم ما قبل الشرع على الخلاف في الحظر والإباحة والوقف. الثاني: أن له أن يعمل بالأشد أو بالأخف أو يتخير.

والصواب في هذه المسألة - كما ارتآه ابن القيم في المرجع المذكور - أنه يجب عليه أن يتقي الله ما استطاع، ويتحرى الحق بقدر طاقته، لأن الحق سبحانه قد نصَّب على الحق أمارات كثيرة، ولم يسوِّ سبحانه بين ما يحبه وبين

11

ما يسخطه من كل وجه بحيث لا يتميز هذا من هذا ولابد أن تكون الفطر السليمة مائلة للحق مؤثرة له.

فإن قدر أن العامي لم يستطع أن يميز بين هذا وذاك، وعدمت في حقه جميع الأمارات، فهنا يسقط عنه التكليف ويصير كمن لم تبلغه الدعوة وإن كان مكلّفاً بالنسبة إلى غيره، فأحكام التكليف تتفاوت بحسب التمكن والقدرة والله أعلم.

● حكم من لم يتوافر فيه شروط الإفتاء، هل يُفتى في المسألة الواحدة التي عَلِمَ دليلها من الكتاب والسنة؟

نعم للقاصر عن شروط الإفتاء، أن يُفتى في مسألة معينة إذا علم دليلها من الكتاب والسنة بشرط أن يكون الدليل واضح الدلالة ولا يحتمل غير المراد.

● هل يجوز للحي تقليد الميت والعمل بفتواه؟

يجوز العمل بفتوى الميت وعليه جميع المقلدين في أقطار الأرض لأن الأقوال لا تموت بموت قائلها، كما لا تموت الأخبار بموت رُواتها وناقليها. ولهذا لو شهد الشاهدان ثم ماتا بعد الأداء وقبل الحكم بشهادتهما لم تبطل شهادتهما.

● أدب المستفتي مع المفتي؟

ينبغي للمستفتي التأدب مع المفتي، وأن يجلّه في خطابه وفي سؤاله، فلا يرفع صوته عليه، ولا يوميء بيده في وجهه، ولا يقل إذا أجابه المفتي: وهكذا قلتُ أنا؟!

ولا يقل له: أفتاني فلان أو أفتاني غيرك بكذا وكذا.

ذكره الإمام ابن حمدان - رحمه الله - في ((صفة الفتوى)) (ص ٨٣).

12

العمل عند اختلاف المفتين:

إذا اختلف المفتون في المسألة الواحدة التي ليس فيها نص من الشارع الحكيم، فعلى المستفتي أن يتبع طرق الترجيح الآتية:

  • أن يأخذ بالأشد من أقوالهم.

  • أو بأخفها.

  • أو يتخير.

  • أو يأخذ بقول الأعلم أو الأورع.

  • أو يجب عليه أن يتحرى ويبحث عن الراجح بحسب طاقته وهذا الأخير هو الأرجح والله أعلم.

سقوط الفتوى إذا كانت تخالف نصاً من الكتاب والسنة:

يحرم على المفتي أن يفتي بضد لفظ النص وإن وافق مذهبه، فقد كان السلف يشتد نكيرهم على من عارض حديث رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم برأي أو قياس أو قول أحد من الأئمة كائناً من كان، بل كانوا عاملين بقوله تعالى: ﴿وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم﴾ [سورة الأحزاب: الآية ٣٦].

ومن الخطأ الجسيم اعتقاد أن الإجماع منعقد على مخالفة حديث من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهذا سوء ظن بجماعة المسلمين؛ إذ ينسبهم إلى مخالفة سنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، والله المستعان.

***

13

[الاعتقاد]

(١) سُئل رحمه الله (٣٦٩/١):

في قول القائل: أسألك بحق السائلين عليك وما في معناه؟

الجواب:

أما قول القائل أسألك بحق السائلين عليك: فإنه قد روي في حديث عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم رواه ابن ماجة(١)، لكن لا يقوم بإسناده حجة، وإن صح هذا عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان معناه:

أن حق السائلين على الله أن يجيبهم، وحق العابدين له أن يثيبهم، وهو كتب ذلك على نفسه. كما قال: ﴿ وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان ﴾ [ البقرة : ١٨٦ ]

فهذا سؤال الله بما أوجبه على نفسه كقول القائلين: ﴿ ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ﴾ [ آل عمران : ١٩٤ ]

وكدعاء الثلاثة الذين أووا إلى الغار لما سألوه بأعمالهم الصالحة التي وعدهم أن يثيبهم عليها.

(٢) وسئل الإمام العالم الرباني، أبو العباس أحمد بن تيمية رحمه الله تعالى (٣٧٤/١ - ٣٧٦):

عن النهوض والقيام الذي يعتاده الناس، من الإكرام عند قدوم شخص

(١) ضعيف. رواه ابن ماجة (٧٧٨)، وقال البوصيري في ((الزوائد)):

((وهذا إسناد مسلسل بالضعفاء)). والإمام أحمد (٢١/٣).

وانظر ((السلسلة الضعيفة)) (٢٤) للشيخ المحدث الألباني.

14

معين معتبر، هل يجوز أم لا؟

وإذا كان يغلب على ظن المتقاعد عن ذلك أن القادم يخجل أو يتأذى باطناً، وربما أدى ذلك إلى بغض وعداوة ومقت، وأيضاً المصادفات في المحافل وغيرها، وتحريك الرقاب إلى جهة الأرض والانخفاض، هل يجوز ذلك أم يحرم؟

فإن فعل ذلك الرجل عادة وطبعاً ليس فيه له قصد، هل يحرم عليه أم يجوز ذلك في حق الأشراف والعلماء، وفيمن يرى مطمئناً بذلك دائماً، هل يأثم على ذلك أم لا؟ وإذا قال: سجدتُ لله، هل يصح ذلك أم لا؟

فأجاب:

الحمد لله رب العالمين. لم تكن عادة السلف على عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وخلفائه الراشدين أن يعتادوا القيام كلما يرونه عليه السلام، كما يفعله كثير من الناس، بل قد قال أنس بن مالك: لم يكن شخص أحب إليهم من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وكانوا إذا رأوه لم يقوموا له، لما يعلمون من كراهته لذلك.

ولكن ربما قاموا للقادم من مغيبه تلقياً له، كما روي عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قام لعكرمة.

وقال للأنصار لما قدم سعد بن معاذ: ((قوموا إلى سيدكم))(١) وكان قد قدم ليحكم في بني قريظة لأنهم نزلوا على حكمه.

(١) صحيح: رواه الإمام أحمد (١٤١/٦ - ١٤٢) وابن سعد في ((الطبقات)) (٣/٨ - ٤) وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (١٣٨/٦): ((رواه أحمد وفيه محمد بن عمرو بن علقمة وهو حسن الحديث، وبقية رجاله ثقات)).

وله شاهد عن أبي سعيد: رواه البخاري (١٤٣/٥) وأحمد (٢٢/٣).

وأبو داود (٥٢١٥).

15

والذي ينبغي للناس أن يعتادوا اتباع السلف على ما كانوا عليه على عهد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فإنهم خير القرون، وخير الكلام كلام الله، وخير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فلا يعدل أحد عن هدى خير الورى، وهدى خير القرون إلى ما هو دونه.

وينبغي للمطاع أن لا يقر ذلك مع أصحابه بحيث إذا رأوه لم يقوموا له في اللقاء المعتاد(١)، وأما القيام لمن يقدم من سفر ونحو ذلك تلقياً له فحسن.

وإذا كان من عادة الناس إكرام الجائي بالقيام ولو ترك لاعتقد أن ذلك لترك حقه، أو قصد خفضه، ولم يعلم العادة الموافقة للسنة، فالأصلح أن يقام له، لأن ذلك أصلح لذات البين، وإزالة التباغض والشحناء، وأما من عرف عادة القوم الموافقة للسنة فليس في ترك ذلك إيذاء له، وليس هذا القيام المذكور في قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((من سره أن يتمثل له الرجال قياماً فليتبوأ مقعده من النار))(٢) فإن ذلك أن يقوموا له وهو قاعد، ليس هو أن يقوموا لمجيئه إذا جاء ولهذا فرقوا بين أن يقال قمت إليه وقمت له، والقائم للقادم ساواه في القيام بخلاف القائم للقاعد

وقد ثبت في صحيح مسلم: أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما صلى بهم قاعداً في مرضه صلوا قياماً أمرهم بالقعود. وقال: ((لا تعظموني

(١) في ((مجموع الفتاوى)) (٣٧٥/١) ((بحيث إذا رأوه لم يقوموا له إلا في اللقاء المعتاد)) وزيادة أداة الاستثناء يعكس مراد المصنف رحمه الله. والله أعلم.

(٢) صحيح: رواه أبو داود (٥٢٢٩) والترمذي (٢٧٥٥) وقال: ((حديث حسن)).

وأحمد (٩١/٤) والبخاري في ((الأدب المفرد)) (٤٤١/٢) وانظر ((السلسلة الصحيحة)) للمحدث الألباني (٣٥٦).

16

كما يعظم الأعاجم بعضها بعضاً ))(١).

وقد نهاهم عن القيام في الصلاة وهو قاعد لئلا يتشبّه بالأعاجم الذين يقومون لعظمائهم وهم قعود.

وجماع ذلك كله الذي يصلح اتباع عادات السلف وأخلاقهم، والاجتهاد عليه بحسب الإمكان، فمن لم يعتقد ذلك، ولم يعرف أنه العادة، وكان في ترك معاملته بما اعتاد من الناس من الاحترام مفسدة راجحة فإنه يدفع أعظم الفسادين بالتزام أدناهما كما يجب فعل أعظم الصلاحين بتفويت أدناهما)).

(٣) سُئل شيخ الإسلام رحمه الله (٢٤٥/٤ - ٢٤٩):

عن قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((كل مولود يولد على الفطرة)) ما معناه؟ أراد فطرة الخلق أم فطرة الإسلام؟

وفي قوله: ((الشقي من شقي في بطن أمه)) الحديث هل ذلك خاص أو عام. وفي البهائم والوحوش هل يحييها الله يوم القيامة أم لا؟

فأجاب:

الحمد لله. أما قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه))(٢): فالصواب أنها

(١) رواه مسلم (٤١٣) عن جابر مرفوعاً بلفظ: ((إن كدتم آنفاً لتفعلون فعل فارس والروم يقومون على ملوكهم وهم قعود فلا تفعلوا ائتموا بأئمتكم إن صلى قائماً فصلوا قياماً وإن صلى قاعداً فصلوا قعوداً)).

(٢) صحيح: رواه الإمام أحمد (٤٣٥/٣) عن الأسود بن سريع بنحوه و (٢٤/٤) وقال الهيثمي في ((المجمع)) (٣١٦/٥): ((رواه أحمد والطبراني في الكبير والأوسط ... وبعض أسانيد أحمد رجاله رجال الصحيح.))

وفي الباب عن جابر وسمرة بن جندب وابن عباس - انظر ((مجمع الزوائد)) (٢١٨/٧) وعن أبي هريرة متفق عليه وأحمد وسيأتي بعده.

ورواه أيضاً الحاكم (١٢٣/٢) وصححه على شرط الشيخين ووافقه الذهبي.

وانظر ((السلسلة الصحيحة)) للمحدث الألباني (٤٠٢).

17

فطرة الله التى فطر الناس عليها، وهي فطرة الإسلام، وهي الفطرة التي فطرهم عليها يوم قال: ﴿ألست بربكم قالوا بلى﴾ [الأعراف: ١٧٢] وهي السلامة من الاعتقادات الباطلة، والقبول للعقائد الصحيحة.

فإن حقيقة ((الإسلام)) أن يستسلم لله لا لغيره، وهو معنى لا إله إلا الله، وقد ضرب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم مثل ذلك فقال: ((كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء؟))(١) بيّن أن سلامة القلب من النقص كسلامة البدن، وأن العيب حادث طارئ.

وفي صحيح مسلم عن عياض بن حمار قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيما يروي عن الله: ((إني خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين وحرمت عليهم ما أحللتُ لهم وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطاناً))(٢).

ولهذا ذهب الإمام أحمد رضي الله عنه في المشهور عنه إلى: أن الطفل متى مات أحد أبويه الكافرين حكم بإسلامه لزوال الموجب للتغيير عن أصل الفطرة.

وقد روي عنه، وعن ابن المبارك، وعنهما(٣): أنهم قالوا: ((يولد على ما فطر عليه من شقاوة وسعادة)) وهذا القول لا ينافي الأول فإن الطفل يولد سليماً وقد علم الله أنه سيكفر، فلابد أن يصير إلى ما سبق له في أم الكتاب، كما تولد البهيمة جمعاء وقد علم الله أنها ستجدع.

وهذا معنى ما جاء في صحيح مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الغلام الذي قتله الخضر:

(١) رواه البخاري (١٥٣/٨) ومسلم (٢٦٥٨) عن أبي هريرة وأحمد (٧١٨١).

(٢) رواه مسلم (٢٨٦٥) عن عياض بن حمار - بحاء مهملة وآخره راء.

(٣) كذا في ((الأصل)) ولعله: ((وغيرهما)).

18

«طبع يوم طبع كافراً، ولو ترك لأرهق أبويه طغياناً وكفراً» يعني طبعه الله في أم الكتاب، أي كتبه وأثبته كافراً، أي أنه إن عاش كفر بالفعل.

ولهذا لما سئل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عمن يموت من أطفال المشركين وهو صغير قال: «الله أعلم بما كانوا عاملين»(١). أي الله يعلم من يؤمن منهم ومن يكفر لو بلغوا. ثم إنه قد جاء في حديث إسناده مقارب عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: «إذا كان يوم القيامة فإن الله يمتحنهم ويبعث إليهم رسولاً في عرصة القيامة، فمن أجابه أدخله الجنة ومن عصاه أدخله النار»(٢) فهنالك يظهر فيهم ما علمه الله سبحانه، ويجزيهم على ما ظهر من العلم، وهو إيمانهم وكفرهم لا على مجرد العلم.

وهذا أجود ما قيل في أطفال المشركين، وعليه تتنزل جميع الأحاديث.

(١) رواه البخاري (١٥٣/٨) ومسلم (٢٦٦٠) عن ابن عباس وزاد مسلم «إذ خلقهم».
وعن أبي هريرة، رواه أيضاً الشيخان.

(٢) صحيح: رواه الإمام أحمد (٢٤/٤) عن أبي هريرة ولم يسق لفظه وأحاله على معنى حديث الأسود بن سريع (٢٤/٤) ولفظه مرفوعاً: «أربعة يوم القيامة: رجل أصم لا يسمع شيئاً، ورجل أحمق، ورجل هرم، ورجل مات في فترة، فأما الأصم فيقول: رب لقد جاء الإسلام وما أسمع شيئاً، وأما الأحمق فيقول: رب لقد جاء الإسلام والصبيان يحذفونني بالبعر، وأما الهرم فيقول: رب لقد جاء الإسلام وما أعقل شيئاً، وأما الذي مات في الفترة فيقول: رب ما أتاني لك رسول، فيأخذ مواثيقهم ليطيعنه فيرسل إليهم أن ادخلوا النار، قال: فوالذي نفس محمد بيده لو دخلوها لكانت عليهم برداً وسلاماً».
زاد في حديث أبي هريرة: «فمن دخلها كانت عليه برداً وسلاماً ومن لم يدخلها يسحب إليها...» وقال الهيثمي في «المجمع» (٢١٦/٧): «ورجاله رجال (الصحيح)» ورواه ابن حبان (١٨٢٧) عن الأسود بن سريع.
وانظر «صحيح الجامع الصغير» للمحدث الألباني.

19

ومثل الفطرة مع الحق: مثل ضوء العين مع الشمس، وكل ذي عين لو ترك بغير حجاب لرأى الشمس، والاعتقادات الباطلة العارضة من تهود وتنصر وتمجس، مثل حجاب يحول بين البصر ورؤية الشمس، وكذلك أيضاً كل ذي حس سليم يحب الحلو، إلا أن يعرض في الطبيعة فساد يحرفه حتى يجعل الحلو في فمه مراً.

ولا يلزم من كونهم مولودين على الفطرة أن يكونوا حين الولادة معتقدين للإسلام بالفعل، فإن الله أخرجنا من بطون أمهاتنا لا نعلم شيئاً، ولكن سلامة القلب وقبوله وإرادته للحق الذي هو الإسلام، بحيث لو ترك من غير مغير لما كان إلا مسلماً.

وهذه القوة العلمية العملية التي تقتضي بذاتها الإسلام ما لم يمنعها مانع: هي فطرة الله التي فطر الناس عليها.

وأما الحديث المذكور: فقد صح عن ابن مسعود أنه كان يقول: الشقي من شقي في بطن أمه، والسعيد من وعظ بغيره وفي الصحيحين عن عبد الله بن مسعود قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم - وهو الصادق المصدوق - إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث إليه الملك فيؤمر بأربع كلمات، فيقال: اكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أو سعيد، ثم ينفخ فيه الروح(١).

وهذا عام في كل نفس منفوسة، قد علم الله سبحانه - بعلمه الذي هو صفة له - الشقي من عباده والسعيد، وكتب سبحانه ذلك في اللوح المحفوظ ويأمر الملك أن يكتب حال كل مولود، ما بين خلق جسده ونفخ

(١) رواه البخاري (١٥٢/٨) ومسلم (٢٦٤٣).

20