The Sickness and The Cure
الداء والدواء
Penerbit
دار المعرفة
Nombor Edisi
الأولى
Tahun Penerbitan
1418 AH
Lokasi Penerbit
المغرب
Genre-genre
Tasawuf
فَالرِّيَاءُ كُلُّهُ شِرْكٌ، قَالَ تَعَالَى: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾ [سُورَةُ الْكَهْفِ: ١١٠] .
أَيْ: كَمَا أَنَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ، وَلَا إِلَهَ سِوَاهُ، فَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْعِبَادَةُ لَهُ وَحْدَهُ، فَكَمَا تَفَرَّدَ بِالْإِلَهِيَّةِ يَجِبُ أَنْ يُفْرَدَ بِالْعُبُودِيَّةِ، فَالْعَمَلُ الصَّالِحُ هُوَ الْخَالِي مِنَ الرِّيَاءِ الْمُقَيَّدُ بِالسُّنَّةِ.
وَكَانَ مِنْ دُعَاءِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ﵁: اللَّهُمَّ اجْعَلْ عَمَلِي كُلَّهُ صَالِحًا وَاجْعَلْهُ لِوَجْهِكَ خَالِصًا، وَلَا تَجْعَلْ لِأَحَدٍ فِيهِ شَيْئًا.
وَهَذَا الشِّرْكُ فِي الْعِبَادَةِ يُبْطِلُ ثَوَابَ الْعَمَلِ، وَقَدْ يُعَاقَبُ عَلَيْهِ إِذَا كَانَ الْعَمَلُ وَاجِبًا، فَإِنَّهُ يُنْزِلُهُ مَنْزِلَةَ مَنْ لَمْ يَعْمَلْهُ، فَيُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِ الْأَمْرِ، فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ إِنَّمَا أَمَرَ بِعِبَادَتِهِ عِبَادَةً خَالِصَةً، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ﴾ [الْبَيِّنَةِ: ٥] .
فَمَنْ لَمْ يُخْلِصْ لِلَّهِ فِي عِبَادَتِهِ لَمْ يَفْعَلْ مَا أُمِرَ بِهِ، بَلِ الَّذِي أَتَى بِهِ شَيْءٌ غَيْرُ الْمَأْمُورِ بِهِ، فَلَا يَصِحُّ وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ، وَيَقُولُ اللَّهُ: " «أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ، فَمَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ مَعِي فِيهِ غَيْرِي فَهُوَ لِلَّذِي أَشْرَكَ بِهِ، وَأَنَا مِنْهُ بَرِيءٌ» ".
أَقْسَامُ الشِّرْكِ
وَهَذَا الشِّرْكُ يَنْقَسِمُ إِلَى مَغْفُورٍ وَغَيْرِ مَغْفُورٍ، وَأَكْبَرَ وَأَصْغَرَ، وَالنَّوْعُ الْأَوَّلُ يَنْقَسِمُ إِلَى كَبِيرٍ وَأَكْبَرَ، وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْهُ مَغْفُورٌ، فَمِنْهُ الشِّرْكُ بِاللَّهِ فِي الْمَحَبَّةِ وَالتَّعْظِيمِ: أَنْ يُحِبَّ مَخْلُوقًا كَمَا يُحِبُّ اللَّهَ، فَهَذَا مِنَ الشِّرْكِ الَّذِي لَا يَغْفِرُهُ اللَّهُ، وَهُوَ الشِّرْكُ الَّذِي قَالَ سُبْحَانَهُ فِيهِ: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ﴾ [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: ١٦٥] وَقَالَ أَصْحَابُ هَذَا الشِّرْكِ لِآلِهَتِهِمْ وَقَدْ جَمَعَهُمُ الْجَحِيمُ: ﴿تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ - إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [سُورَةُ الشُّعَرَاءِ: ٩٧ - ٩٨] .
وَمَعْلُومٌ أَنَّهُمْ مَا سَوَّوْهُمْ بِهِ سُبْحَانَهُ فِي الْخَلْقِ، وَالرِّزْقِ، وَالْإِمَاتَةِ، وَالْإِحْيَاءِ، وَالْمُلْكِ، وَالْقُدْرَةِ، وَإِنَّمَا سَوَّوْهُمْ بِهِ فِي الْحُبِّ، وَالتَّأَلُّهِ، وَالْخُضُوعِ لَهُمْ وَالتَّذَلُّلِ، وَهَذَا غَايَةُ الْجَهْلِ وَالظُّلْمِ، فَكَيْفَ يُسَوَى التُّرَابُ بِرَبِّ الْأَرْبَابِ، وَكَيْفَ يُسَوَى الْعَبِيدُ بِمَالِكِ الرِّقَابِ، وَكَيْفَ
1 / 132