Al-Bahr Al-Muhit Al-Thajaj fi Sharh Sahih Al-Imam Muslim bin Al-Hajjaj
البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج
Penerbit
دار ابن الجوزي
Nombor Edisi
الأولى
Tahun Penerbitan
(١٤٢٦ - ١٤٣٦ هـ)
Lokasi Penerbit
الرياض
Genre-genre
خمسة أشياء، وكذلك قال في الآية الأخرى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (١٥)﴾ [الحجرات: ١٥]، وكذلك قوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ الآية [النور: ٦٢].
[قيل]: عن هذا جوابان:
[أحدهما]: أن يكون ما ذُكر مستلزمًا لما تُرك، فإنه ذَكَر وَجَلَ قلوبهم إذا ذُكر الله، وزيادة إيمانهم إذا تُليت عليهم آياته، مع التوكّل عليه، وأقام الصلاة على الوجه المأمور به باطنًا وظاهرًا، وكذلك الإنفاق من المال والمنافع، فكان هذا مستلزمًا للباقي، فإن وجَلَ القلبِ عند ذكر الله يقتضي خشيته، والخوف منه، وقد فسّروا "وجلت" بفَرِقَت، وفي قراءة ابن مسعود ﵁: "إذا ذُكر الله فرِقَت قلوبهم"، وهذا صحيح، فإن الوجل في اللغة هو الخوف، يقال؛ حمرة الْخَجَل، وصُفْرة الوجل، ومنه قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (٦٠)﴾ [المؤمنون: ٦٠]، قالت عائشة رضي الله تعالى عنها: يا رسول الله هو الرجل يزني، ويسرق، ويخاف أن يُعاقب؟ قال: "لا يا ابنة الصّدّيق، هو الرجل يصلّي، ويصوم، ويتصدّق، وَيَخاف أن لا يُقبل منه" وقال السّدّيّ في قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ [الحج: ٣٥]: هو الرجل يريد أن يظلم، أو يهمّ بمعصية، فينزع عنه، وهذا كقوله تعالى: ﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (٤٠) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (٤١)﴾ [النازعات: ٤٠ - ٤١]، وقوله: ﴿وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (٤٦)﴾ [الرحمن: ٤٦]، قال مجاهد: وغيره من المفسّرين: هو الرجل يهمّ بالمعصية، فيذكر مقامه بين يدي الله، فيتركها خوفًا من الله.
وإذا كان وجل القلب من ذكره يتضمّن خشيته، ومخافته، فذلك يدعو صاحبه إلى فعل المأمور، وترك المحظور. قال سهل بن عبد الله: ليس بين العبد وبين الله حجاب أغلظ من الدعوى، ولا طريق إليه أقرب من الافتقار، وأصل كلّ خير في الدنيا والآخرة الخوف من الله. ويدلّ على ذلك قوله تعالى: ﴿وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ (١٥٤)﴾ [الأعراف: ١٥٤]، فأخبر أن الهدى والرحمة للذين
1 / 43