من الدَّرْءِ، بمعنى الدفعِ، والقاعدةُ المقررةُ في علمِ العربيةِ: أن (تفاعلَ) و(تفعَّلَ) - مثلًا - إذا أريد فيهما الإدغامُ اسْتُجْلِبَتْ همزةُ الوصلِ لِيُمْكِنَ النطقُ بالساكنِ؛ إذ العربُ لا تبتدئُ بساكنٍ. أصلُه: (تدارأتم) فأريدَ إدغامُ تاءِ التفَاعُلِ في الدالِ التي هي فاءُ الكلمةِ فَسُكِّنَ لأَجْلِ الإدغامِ، فاستُجْلِبتْ همزةُ الوصلِ توصُّلًا للنطقِ بالساكنِ (^١). وهذا كثيرٌ في القرآنِ في (تفاعل) و(تفعَّل) نحو ﴿مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ﴾ [التوبة: آية ٣٨] أصلُه: تَثَاقَلْتُمْ ﴿قَالُوا اطَّيَّرْنَا﴾ [النمل: آية ٤٧] أصلُه: تَطَيَّرْنَا ﴿وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا﴾ [يونس: آية ٢٤] أصلُه: تَزَيَّنَتْ، إلى غيرِ ذلك من الآياتِ. ونظيرُ هذا الإدغامِ في (تَفَاعَل) ونحوها من كلامِ العربِ قولُ الشاعرِ (^٢):
تُولِي الضَّجِيعَ إِذَا مَا الْتَذَّهَا (^٣) خَصِرَا عَذْبَ الْمَذَاقِ إِذَا مَا اتَّابَعَ الْقُبَلُ
يَعْنِي: إذا ما تَتَابَعَ القُبَلُ.
ومعنى ﴿فَادَّارَأْتُمْ﴾: تدارأتم من الدرءِ، والدرءُ معناه: الدفعُ. والمعنى: تَدَافَعْتُمْ قَتْلَ القتيلِ. أي: كُلٌّ منكم يدفعُ قتلَه عن نفسِه إلى صاحبِه، بأن يقولَ هؤلاء: قَتَلَهُ غَيْرُنَا، أنتم قَتَلْتُمُوهُ، وهؤلاء يقولون: بل أنتم الذين قَتَلْتُمُوهُ، ونحن لم نَقْتُلْهُ. واختلافُ العلماءِ فيه (^٤) - بمعنى قولِ بعضِهم: ﴿فَادَّارَأْتُمْ﴾ أي: تَنَازَعْتُمْ. وقولُ بعضِهم: ﴿فَادَّارَأْتُمْ﴾ اختلفتم - كُلُّهُ عائدٌ إلى مَا ذَكَرْنَا.