248

Akhlaq Cinda Ghazali

الأخلاق عند الغزالي

Genre-genre

ويظهر أنه كان لهذا الرأي أنصار فيما سلف، فقد جاء في فصول البدائع ص424 ج2 ما نصه: «وما نقل عن بعض السلف من تصويب كل مجتهد في المسائل الكلامية كخلق القرآن، ونفي الرؤية، وخلق الأفعال، فمعناه نفي الإثم والمعذورية، لا حقية القول والمأجورية.» وجاء في إرشاد الفحول ص241 ما نصه: «مسألة الرؤية، وخلق القرآن، وخروج الموحدين من النار، وما يشابه ذلك: الحق فيها واحد، فمن أصابه فقد أصاب، ومن أخطأه فقد يكفر. ومن القائلين بذلك الشافعي فمن أصحابه من حمله على ظاهره. ومنهم من حمله على كفران النعم».

وحكم ابن الحاجب في المختصر عن العنبري أن كل مجتهد مصيب. قال ابن دقيق العيد: «ما نقل عن العنبري والجاحظ، إن أرادا أن كل واحد من المجتهدين مصيب لما في نفس الأمر، فباطل، وإن أرادا أن من بذل الوسع ولم يقصر في الأصوليات يكون معذورا غير معاقب، فهذا أقرب. لأنه قد يعتقد فيه أنه لو عوقب وكلف بعد استفراغه غاية الجهد لزم تكليفه بما لا يطاق.» انظر الشوكاني ص242.

ترجيح بلا مرجح

يرى الغزالي في كتاب «فيصل التفرقة» أن الرحمة تشمل كثيرا من الأمم السالفة، وإن كان أكثرهم يعرضون على النار، إما عرضة خفيفة، في لحظة أو في ساعة، وإما في مدة، حتى يطلق عليها اسم بعث النار. ويرى أن أكثر نصارى الروم والترك لعهده تشملهم الرحمة ، لأن منهم من لم يبلغه اسم محمد، ومنهم من بلغه اسمه مقرونا بأكاذيب تصرف المرء عن النظر. ويرى في كتاب «الصحبة» أنه لا ثواب ولا عقاب إلا على الأفعال الاختيارية.

ونسأله: لماذا وجوب أن تشمل الرحمة كثيرا من الأمم السالفة؟ أليس ذلك لأنهم معذورون؟ ولماذا حكمت بنجاة الترك ونصارى الروم ممن لم تبلغهم الدعوة، أو بلغتهم محرفة مشوهة؟ أليس ذلك لأنهم معذورون؟ ولماذا قضيت بأنه لا ثواب ولا عقاب إلا على ما يفعل المر باختياره؟ أليس ذلك لأن عقاب المرء على ما اضطر إليه، أو أكره عليه، ظلم وعدوان؟

وإذا كان ذلك كذلك، كما يعبر الكتاب الأقدمون، فلماذا تحكم بكفر من لم يعلم وجوب النظر، أو علم بوجوب النظر، ولكنه بعد البحث لم يقتنع. ولماذا تحكم بنفي الإثم عمن يجتهد ويخطئ في المسائل الفقهية، وتحكم بالإثم والكفر على من يجتهد ويخطئ في المسائل الكلامية؟ ألا يسع العذر جميع المفكرين على السواء؟ فإن لم يسعهم أفلا يكون هذا الفرق ترجيحا بلا مرجح، وهو في رأيكم غير معقول؟

ظلم الأبرياء

وما عجبت لشيء كما عجبت من حكم الجاحظ بمعاملة المعذورين كما يعامل الكفار. فإنه إذا صح لديه أن مخالف ملة الإسلام من اليهود والنصارى والدهرية، إن نظر فعجز عن درك الحق فهو معذور غير آثم، وإن لم ينظر من حيث لم يعرف وجوب النظر فهو أيضا معذور، وإنما الآثم المعذب هو المعاند فقط، أقول إذا صح عنده ذلك فكيف يحكم بأن يعامل هؤلاء معاملة الكفار، وهم عند الله ناجون؟ أفنكون نحن أغير من الله على دينه الذي لم يكلف فيه نفسا إلا وسعها؟

ولقد أعلم أن الجاحظ لو كان حيا وسمع هذا السؤال، لأجاب بأن في هذا التشديد تقليلا للخوارج على الدين. وهذا جواب معقول، ولكن يلاحظ أنه تأييد لما قلناه آنفا من أن علماء المسلمين نظروا إلى هذه المسائل من وجهة قضائية، لا من وجهة أخلاقية. وكان عليهم أن يتنبهوا إلى الفرق بين القضاء والأخلاق، فمن الواضح أن القتل الخطأ معاقب عليه من الوجهة القضائية، مع أن الذي يقتل خطأ بريء أمام نفسه، وأمام ربه، وأمام الواقع.

وأحب أن أنبه القارئ إلى أني في هذا الحكم لا أتكلم من وجهة شرعية، فقد يدعي المدعون أن الشرع لا يعرف ذلك. وإنما أتكلم من وجهة فلسفية، وأفترض أن الشرع إن لم يتنبه لهذا الحكم فقد كان يجب أن ينتبه له، وأن يضع له الحدود، فإن المعذور بريء، ومن الظلم أن يقتل الأبرياء. (6) الغزالي وسبينوزا

Halaman tidak diketahui