فإن فساد الرأي أن تترددا
فالتردد هو الذي يخيب أمانينا ويحول دون الفلاح. قال الحجاج في خطبة الولاية: «إني والله، لا أهم إلا أمضيت، ولا أخلق إلا فريت»، فالتراخي والتردد والتأجيل لا تحقق أملا ولا تبلغ مرتبة.
أستعرض حياتي، على تفاهتها، وخلوها من المغامرات، فلا أجدني ندمت على شيء فعلته، بل ندمت دائما على الذي لم أفعله في حينه؛ لأن الفرص إذا ذهبت لا تعود. ومن يضيعها أضاع كنزا لا يقع عليه فيما بعد؛ ولذلك قالوا: الوقت من ذهب.
قيل لقائد عظيم: القائد الفلاني عظيم مثلك، فأجابهم: وهناك فرق بيننا، وهو أنني أسبقه أربع ساعات. يعني أنه يستيقظ في الساعة الخامسة ويبادر إلى عمله، بينما زميله لا يستيقظ قبل التاسعة. فإذا كنت أيها الأخ الكريم، من أصحاب النهوض في الساعة التاسعة، فعدل منهاجك منذ الغد إذا أردت أن تحقق شيئا تذكر به.
لا تندم على ما فات واستعوض عنه بما هو آت، فقد تسترد في عام ما أضعته في أعوام. عد إلى ماضيك، وتذكر كم فاتتك من مواعيد؛ لأنك أضعت بضع دقائق في الحديث مع واحد لا عمل له إلا الثرثرة والتساؤل عما لا يفيده، فأضعت أنت ما يفيدك. كن جسورا ولا تبال بمن يستوقفك إذا كنت على ميعاد.
قال أحد المفكرين: ما من وقت مثل الزمان الحاضر، فمن لا ينجز ما يفكر بتحقيق عمل حين يعن له، فهيهات أن يحققه فيما بعد. فلا تؤجل عملا، واجعل شعارك: الآن. امح كلمة غدا من سفر حياتك، فنقد غدا باطل لا يتعامل به المفلحون. إن التردد يمسي مرضا، والتأجيل هو أول أعراض هذا المرض الاجتماعي العضال، فإذا طلبت من ابنك أن يقوم بعمل، وقال لك بعد ساعة مثلا، فقم إليه واقتلعه من مكانه ثم خذه بساعده، وهكذا افعل به كل مرة إذا أردت أن تحميه من ميكروب هذا المرض القتال.
اقرأ على مسامعه نصيحة ولتر سكوت التي أسداها إلى شاب حصل على مركز جديد وهو يطمح إلى التقدم: خذ حذرك من الانقياد إلى ما يحول دون استعمال وقتك كله، فلا تضيعه بما لا يعنيك ولا يفيدك. اعمل واجبك أولا وبسرعة، ثم خذ حقك من الراحة بعد إتمام العمل.
إن العجلة هي سمة عصرنا. ولكن ليس معنى هذا أن تكون أهوج، فلا تتقن عملك. إن عدم إضاعة الوقت هو العجلة المطلوبة. إن السرعة أم الثقة بالنفس، وهي أنصع برهان على انتظام أعمالنا ومقدرتنا. ومن لا يذهب إلى مركز عمله إلا بعد أن يدور في زوايا بيته دورات عديدة، ويخرج ثم يدخل إلى بيته مرات قبل أن يفارقه بالسلامة، فهذا لا يعرف العجلة، ولن يأتي في غده عملا جليلا.
فلنتعلم السرعة من الطبيعة، فكل ما فيها في حركة دائمة، تسرع خطاها ولا تقف دقيقة لتستريح؛ لأن راحتها في عملها الدائم.
سئل أحد مشاهير الرجال: كيف أتممت كل أعمالك في هذا الوقت القصير؟ فأجاب: إنني أعمل في الحال ما يجب علي أن أعمله، وأنتظر الجديد لأنجزه حالا.
Halaman tidak diketahui