أما الشعوب الثقيلة السمع فظلت تغط في سبات الخمول العميق.
واليوم، وقد أزالت أقلام الكتاب الصماخ من الآذان، فقد سمع كل شعب ووعى، وعلم أن بالعلم والمدرسة نجاح كل أمة، ومن بين جدرانها تظهر أشعة التقدم.
لا نضيع الوقت في تعداد منافع المدرسة، فهي أحدوثة البشر تحت جناح الليل، وفي نور النهار، وكل زمان ومكان، ولكننا نسأل الناس: هاتوا لنا عظيما لم تخلقه المدرسة، وهل في الدنيا عظيم بدون علم؟ الجواب: المدرسة أم العظام والعظائم؛ ولهذا انصرفت إليها أفكار كل شعب، فتهافت أغنياء الشعوب على تشييدها. أما نحن فما زلنا مقصرين في هذه الحلبة، وقد سبقتنا الشعوب أشواطا.
أتتعزى الإنسانية عن عذاب أطفالها بالدارات القائمة على الروابي والقصور الشاهقة؟
ألا تتألم عندما ترى صغارها يتيهون وراء قطعان المعزى وأسراب البقر في الأودية، حفاة عراة يرثي لبؤسهم أشد القلوب تصخرا؟
وفي المدن، حيث الشوارع العريضة التي تقوم على جانبيها دور اللهو الشاهقة، نرى بؤس الناشئة ، وعلى ظهورها الأحمال الثقيلة، تارة بالسلال وحينا بالحبال، ومن لم يستطع منهم حمل السل تنسل يده إلى البيوت والجيوب.
ألا يعلم أصحاب الثروات التي لا تحصى أن غفلة هؤلاء الصبية الصغار ستنقضي، ويمزق شبابهم الستار الحاجب مستقبلهم فيثورون على عبدة الأموال الذين يقولون: الملك لله، وليس لمخلوقات الله من مالهم نصيب؟
في منعطف الطرق وشوارع المدن وأسواقها، حيث يتسابق الناس كادحين ليستولوا على القرش، يرى المتأمل أفواجا من هؤلاء الصغار يجدفون ويلعنون ويأتون كل محرم بلا خجل، إذ لم يروا يدا تضمهم إلى صدر فيه حنان وانعطاف، ومدرسة تغذيهم بالتهذيب والعلم الصحيح.
إن هؤلاء الصغار هم مستقبل البلاد، فإذا شئتم أن يكون لكم مستقبل يرجى فهذبوهم.
أطلقوا، أيها الأغنياء، من شرفات قصوركم المعلقة بين السماء والأرض، وانظروا إلى أبناء إخوانكم هؤلاء الصغار، فإذا شبوا بين براثن الشقاء تعلموا الشراسة والقسوة، وعكروا في المستقبل كأس صفائكم. سيفسدون الهيئة الاجتماعية ويكونون حملا ثقيلا على منكب المجتمع إذ يزرعون الفساد فتحصدون أنتم الأكدار، وما هم زارعوه ولكن جهلهم هو الزارع.
Halaman tidak diketahui