أتظن دول الأرض تبيع نابغة واحدا بملايين الدنانير؟ فاطلب خوالد الأعمال. وإذا هزئ بك غني متخم فقل له: يا مرحبا بالفقر إذا كان منبتا للعباقرة.
مصرع العدل والمحبة
في إحدى أمسيات الخريف، كان شبح يتمايل بين أشجار غابة صنوبر تشرف على البحر، وكان ينظر إلى البحر بقلق واضطراب، وكان على قسمات وجه ذاك الشبح بقية من جمال كاد يبتلعها الهزال، فالوجه كالزعفران اصفرارا. والجسم رق وضمر حتى كاد أن يطير مع النسيم.
كان ذاك الشبح يمشي الهويناء لا ريث ولا عجل، وحيدا قلقا كأن وراءه من يطارده . يلقي نظرات تائهة على ما حوله، ويرهف أذنيه ليسرق السمع، فلا يقع في أذنيه إلا همهمة نسيم، وصدى أوراق تتناثر.
كان يرتجف كلما تهاوت ورقة، ويرتعد فرقا كلما هبت نسمة قوية.
كان هذا الشاب قلقا جدا، يتمشى ويتوجس خيفة، فكأنه والقدر على موعد.
لا يدري أحد ما يتوقعه هذا الظل البشري من عالم الغيب، ولا أي سر ينتظر أن تتلقاه الأرض من السماء، فأشبه هذا المسكين في اضطرابه وهزاله، ظلا لشجرة معراة من أوراقها، أو خيالا هبط من السماوات العلى.
والتفت صوب البحر، فرفع نظره الحائر على بساط البحر الكرمسوتي، فرأى خليج جونيه الذي تحته يتراقص تحت عين الشمس، وهي تهبط رويدا رويدا تاركة في الأفق لهيبا داكنا كأنه ابتسامة غضب بدرت منها على ما شاهدته وتشاهده من ظلم بني البشر. وحزنت الآكام والقمم لحزن أمها التي توارت في الحجاب، فانتزعت من خزانة الليل أحلك ثوب يلائم حزنها وحدادها.
وهب النسيم بليلا منعشا، ثم جفت طراوته وكأنه ندم على ما فعل، فما عتم أن استحال إلى ريح صرصر تصول وتجول في تلك الغابة، فنثرت أوراقها الواهية فكست الأرض صفرة تنسجم مع وجه الزائر البائس.
وبدا القمر من وراء الجبال التي لا تزال تحمل بقية من عطر فضائل الآباء القديسين، فابتسم ابتسامة عريضة، ولكن سرعان ما بادر إلى التلثم بالغيوم. لعله أدرك، أو أن الشمس نقلت إليه نبأ جديدا عن تجبر الناس واستبدادهم، وما هم عليه من ظلم وبغض، ومحبة ذات وحقد، فغطى وجهه لئلا يراهم.
Halaman tidak diketahui