43

Akhir Dunia

آخر الدنيا

Genre-genre

وحين لم أجد فائدة اندفعت خارجا، ولكنها أمسكتني واستبقتني إلى أن حشت جيبي بفطيرة لفتها في غلاف مجلة، وأصرت علي أن آخذها. ولا أدري لماذا حين أخرجتها في منتصف الطريق وأنا عائد، وحاولت أن أقضم منها قضمة جزعت نفسي، ووجدتني أقذفها بكل قوتي في المصرف، وأتخيل المشهد الحافل الذي سيدور بيني وبين الغريب.

9

وكان لقائي معه حزينا لا أدري لم. كنت أحس من ناحيتي أني فشلت في مهمة كلفني بها، وأن علاقتي البسيطة الواضحة به قد حدث فيها شيء عقد من بساطتها، الغريب الذي ما رأيته إلا كبطل يرى، لا يمكن أن يربطه بأرضنا أو بحياتنا رابط فجأة اكتشفت أنه زوج، وزوج ل «وردة» وأي وردة! اكتشاف جعلني أحس بالخجل ... وكأنه كان من واجبي ألا أعرف، وكأنني ضبطته في موقف شائن أو لحظة ضعف.

أما الغريب؛ فكل ما فعله حين رآني أنه قال: هيه ... ما جاتش؟

ولأول مرة في علاقتي به، أدرك أني لكي أجيبه؛ علي أن أكذب. وكذبت. وحاولت أن أجد لها عذرا وأبرر ولكنه هز رأسه وقال: طيب ... هيه ... حصل خير ... وحد شافك لما رحت؟

ومن توهانه عرفت أنه يريد أن يغير الموضوع ليس إلا. وضايقني أنه لم يثر ولم يغضب وينشب أظافره في عنقي، أو قام من فوره إلى العزبة، وانتزعها من مرقدها ونقلها. حتى حين حاولت أنا أن أعود إلى الموضوع، وأستنكر موقفها استنكارا خفيا لم يظهر عليه الضيق، وراح يسألني عنها وعن صحتها، وماذا كانت تفعله بالضبط حين وصلت. أسئلة كان يبذل الجهد لكي تبدو طبيعية كأسئلة أي زوج غائب عن زوجته البعيدة.

ومع هذا فكل سؤال من أسئلته كان ينبت العرق البارد تحت إبطي؛ مخافة أن يكتشف الكذب في إجاباتي، وكنت لا أبدأ التنفس بحرية وأرتاح إلا حين يهز رأسه وينتقل إلى سؤال آخر.

ولكني لا زلت أذكر رأسه هذا ذا الخمسين عاما حين ارتفع فجأة من فوق صدره، وارتفعت معه عينان أخفي ظلام الليل ضيقهما وتفاصيلهما، وجعلهما تبدوان كما لو كانتا مجرد دائرتين مظلمتين على جانبي أنفه ... لا زلت أذكر ارتفاعة رأسه، والوضع الذي اتخذه وهو يصب علي صمته، وكيف طال الصمت، حتى بدأت أقلق وأحاول يائسا أن أخترق نظارة الظلام الغامقة الموضوعة فوق عينيه لأفتش عما يريده مني، حين قال فجأة: اسمع يا فندي.

ومنعتني الرهبة عن أن أستحثه، أو أفتح فمي، أو حتى أموء في إصغاء. كان القمر يطل علينا من بعيد من فوق أشجار الظلام والكافور المحيطة بغيط الميامنة، وكان مكسورا كأحد «متارد» اللبن التي يضعونها تبركا بعد كسرها فوق قبر سيدي أبو لقان، وشعاعاته الشاحبة محمرة كضوء لمبة الجاز حين توضع في الفانوس ويمنع عنها الهواء، وكان رأس الغريب يواجهني كبيرا بالنسبة لحجمه، ثابتا واجما كأن صاحبه قد مات، ومن خلال فم لا يكاد ينفرج جاءني صوته: إنت بتكدب علي يا فندي؟

ومت ... أقسم أني أحسست وكأني أسقط من حافة الدنيا إلى هاوية الآخرة، السقطة توقف القلب وتشل العقل وتجمد الأطراف، ويدفع رعبها جلودنا لأن تفرز فزعها على هيئة عرق صغير ينبت ... عرق الرعب. وحاولت التشبث بالهواء وقلت: ليه؟

Halaman tidak diketahui