أقبل على النّسوة. فصحن يا أعرابيّ: عندك لبن؟ قال: نعم ومال إليهنّ، وجلس يتأمّل التّميميّة وينظر أحيانًا إلى الأرض كأنّه يطلب شيئًا. وهنّ يشربن من اللبن، فقالت له امرأةٌ منهنّ: أيّ شيءٍ تطلب يا أعرابيّ أضاع منك في الأرض؟ قال: نعم قلبي: فلمّا سمعت التّميميّة كلامه نظرت إليه، وكان أزرق، فعرفته، وقالت: ابن عمر، وربّ الكعبة. ووثبت فسترها نساؤها، وقلن له انصرف عنّا، لا حاجة لنا إلى لبنك. فمضى منصرفًا.
قال العتبيّ: سمعت أعرابيّةً تقول: مسكين العاشق، كلّ شيءٍ عدوّه: هبوب الرّيح تقلقه، ولمعان البرق يؤرقه، ورسوم الدّيار تحرقه، والعذل يؤلمه، والتّذكير يسقمه. إذا دنا الليل منه هرب النّوم عنه، ولقد تداويت بالقرب والبعد فما أنجح فيه دواء. ولقد أحسن الذي يقول:
بكلٍّ تداوينا فلم يشف ما بنا ... على أنّ قلب الدّار خيرٌ من البعد
وقال أعرابيٌّ: إنّ لي عينًا دموعًا، وقلبًا مروّعًا، فماذا يصنع كلّ واحدٍ منهما بصاحبه مع أنّ داؤهما دواؤهما، وسقمهما شفاؤهما.
وذكر أعرابيٌّ وجده بامرأةٍ فقال: ما ازدادت منّي بعدًا إلاّ ازددت بها قربًا.
وذكر أعرابيٌّ امرأةً كان يواصلها في شبابه، فقال: ما كانت أيّامي معها إلاّ كأباهيم القطا قصرا، ثمّ طالت بعدها شوقًا إليها،
1 / 71