إسحاق بن الحسين المنجم
شبه مجهول، لا يعرف عنه سوى اسمه.
لقد قام جماعة من المستشرقين ببعض التحريات حول المؤلف، ومنهم مينورسكي وأرمنياكوف وبروكلمان، دون الوصول إلى نتيجة حاسمة. وخلاصة هذه التحريات، أن المؤلف عاش في القرن الثالث للهجرة، ورأي آخر يقول إنه عاش في حدود ٣٤٠ هـ، ورأي ثالث أنه عاش في فترة لا تتعدى ٤٥٤ هـ، العام الذي أسست فيه مدينة مراكش، التي لم يرد ذكرها لديه. وهناك من قال بأن المؤلف أندلسي، بدليل وجود صدى لهجة الأندلس في كتابه آكام المرجان.
Halaman tidak diketahui
مقدّمة التحقيق
بسم الله الرّحمن الرّحيم منذ عشرينات هذا القرن، لا يزال كتاب (آكام المرجان) موضع بحث نظرا لما يحيط به ومؤلفه من غموض.
فالمؤلف إسحاق بن الحسين المنجم، شبه مجهول، لا يعرف عنه سوى اسمه.
إلّا أننا بالتأكيد نعرف أن المخطوط يماني، كتبه ناسخه «أحسن بن علي بن عبيد الله الأنسي الكوكباني»، مما «خدم به أمير المؤمنين القاسم بن الحسين» أحد أئمة اليمن، والذي تولى السلطة منذ العام ١١٢٨ هـ حتى وفاته في العام ١١٣٩ هـ. وذيّل المخطوط بإتمام نسخه في شهر شعبان ١١٢٩ هـ. وقد قامت السيدة أنجيلا كوداتزي بوصف مخطوطة الأمبروزيانا، وقالت إنه يتألف من ٣٣ ورقة بقياس ١، ٢٠* ٢، ١٥ سم في ١٢ سطرا لكل صفحة. وخالطت المخطوط بعض البقع في الورقتين ٥- ٦ و٣٠- ٣١، وهو
1 / 5
مكتوب بالخط النسخي اليمني، ويشوبه الكثير من الأخطاء، فيما كتب ظهر الورقة الأولى ووجه الورقة الثانية بخط ثلثي جميل «١» .
نشر الكتاب بجهود السيدة كوداتزي، إلّا أنه بقي كثير الأخطاء، سواء من كلمات غير منقوطة، أو من كلمات رسمت خطأ. غير أن الأخطاء الكبرى التي شابت هذا العمل، هي ما سقط من النسخ حتى ليبلغ فقرات أحيانا. أو سقوط التعريف بمدن ومقاطعات بكاملها. وقد حاولت بعملي استدراك ما سقط، وتقديم هذا المصنف بشكل يصحح معظم الأخطاء التي وردت فيه.
لقد قام جماعة من المستشرقين ببعض التحريات حول المؤلف، ومنهم مينورسكي وأرمنياكوف وبروكلمان، دون الوصول إلى نتيجة حاسمة. وخلاصة هذه التحريات، أن المؤلف عاش في القرن الثالث للجهرة، ورأي آخر يقول إنه عاش في حدود ٣٤٠ هـ، ورأي ثالث أنه عاش في فترة لا تتعدى ٤٥٤ هـ، العام الذي أسست فيه مدينة مراكش، التي لم يرد ذكرها لديه. وهناك من قال بأن المؤلف أندلسي، بدليل
1 / 6
وجود صدى لهجة الأندلس في كتابه «٢» . ويزيد الأمر إرباكا إغفاله للمؤلفين أو الرواة الذين أخذ عنهم، باستثناء ورود اسم قتيبة في حديثه عن إصفهان. وإذ توقعت أن يكون هناك خطأ في الاسم، فقد قمت بمراجعة ما كتبه ابن قتيبة في (الأخبار الطوال) عن فتوح المشرق، فلم أجد شيئا.
وعدت أستقرىء المصادر الأندلسية، فألفيت ابن خلدون يصرّح بمصادره بأنه «يحاذي» في معلوماته الجغرافية «ما وقع في كتاب نزهة المشتاق في اختراق الآفاق الذي ألفه العلوي الأندلسي المحمودي لملك صقلية من الافرنج وهو رجار [Roger] عندما كان نازلا عليه بصقلية بعد خروج صقلية من إمارة مالقة. وكان تأليفه للكتاب في منتصف المائة السادسة، وجمع له كتبا جمة للمسعودي وابن خرداذبة والحوقلي والقردي وابن إسحاق المنجم وبطليموس وغيرهم» «٣» .
أما الإدريسي، المولود في مدينة سبتة في العام ٤٩٣ هـ فقد صرح في «نزهة المشتاق» بمصادره «بطلب ما في الكتب
1 / 7
المؤلفة في هذا الفن من علم كذلك كله. مثل العجائب للمسعودي، وكتاب أبي نصر سعيد الجيهاني، وكتاب أبي القاسم محمد الحوقلي البغدادي، وكتاب جاناخ بن خاقان الكيماكي وكتاب موسى بن قاسم القردي، وكتاب أحمد بن يعقوب المعروف باليعقوبي وكتاب إسحاق بن الحسين المنجم، وكتاب بطليموس الإقلودي ...» «٤» .
وينتمي كاتبنا إلى مدرسة الجغرافية الرياضية، التي أرسى قواعدها بطليموس. وتتلخص قواعد هذه المدرسة بتقسيم العالم إلى سبعة أقاليم، واعتماد خطوط الطول والعرض لتحديد المدن والقرى. وأوضح إسحاق بن الحسين اعتماده «خط أول الأرض وهو خط المغرب، وخط الاستواء وهو خط وسط الأرض» .
ومع أن «الآكام» تبدو كمعجم جغرافي، إلّا أن المؤلف اتبع نهجا خاصا مزج فيه بين تقديم أهمية المدينة ومدن الإقليم الواحد، متخليا عن مراعاة الأبجدية. فهو يعرض المدن الإسلامية المقدسة أولا، ثم يعود إلى بغداد «لأنها أصل المدائن»، ثم إلى سرّ من رأى، وهي العاصمة الثانية لبني العباس، ثم إلى الكوفة والبصرة وواسط، أوائل الأمصار التي
1 / 8
شادها العرب. ثم ينتقل إلى جنوب شبه الجزيرة العربية فيذكر مدينة صنعاء «حرسها الله تعالى»، ثم عدن وعمان وسبأ ومأرب وحضرموت وسقطرة والبحرين وهجر ثم الطائف واليمامة. ثم يتابع المؤلف توجهه نحو بلاد الشام، ومنها إلى بلدان المشرق الإسلامي، إلى أذربيجان وهمذان ونهاوند، ثم أصبهان والري، حتى يبلغ كرمان وخوارزم وبلخ وبخارى وسمرقند.
وما نلاحظه حول ما كتبه في هذا القسم من جغرافيته:
أ- إعجاب المؤلف بكل من بغداد وصنعاء. وهو في الأولى متأثر بما قرأه أو اقتبسه من مؤلفات الجغرافيين، حيث تبدو ملامح اليعقوبي وابن رستة وابن خرداذبة وابن الفقيه والإصطخري، حتى أن مقاطع بكاملها تتفق مع ما ورد في تلك المصادر. وفي الثانية، يبدو ظاهر الولاء لموطنه، وإذا كان هناك افتراض أولي يقول بأصل المؤلف الأندلسي، فإن هذا لا يمنع تعاطفه مع اليمن، وهو كذلك يقدم معلومات مفصلة عن جنوبي شبه الجزيرة.
ب- في حديث المؤلف عن بلاد الشام، نراه يتحدث عن أنطاكية أثناء حديثه عن حلب. ومع ذلك فهو يعتبرها عاصمة للثغور الإسلامية، وهو ما كانت عليه أنطاكية قبل العام ٣٥٨ هـ/ ٩٥٩ عام سقوطها بأيدي قادة الإمبراطور
1 / 9
نقفور فوكاس البيزنطي. ويتحدث في مكان آخر عن الحروب المتوالية بين العرب والبيزنطيين في (بلاد الشامات) .
ج- إلى جانب ذلك، يقدم إسحاق بن الحسين معلومات جديدة لم يسبق أن عرضها غيره من قبل. فهو المصدر العربي الأول الذي ذكر نهر إيلي أثناء حديثه عن مدينة جرجان، ويكاد يكون الوحيد الذي أشار إلى أن خوارزم عرفت بالجرجانية. إلى هذا، يقدم مؤلفنا معلومات عن خراج بلدان المشرق، وأصول سكانها، وبعض صناعاتها التي اشتهرت بها، وذلك بإيجاز تام، وهو هنا قريب من الجغرافية الاقتصادية.
في القسم الثاني من جغرافيته، ينتقل مؤلفنا إلى الحديث عن أقاليم إفريقيا. فيبدأ بالإسكندرية ودمياط وتنيس ومصر (القاهرة) ثم ينتقل إلى مدين ويعود إلى عين شمس والسويس (القلزم) . ثم ينتقل إلى الشمال الإفريقي، فيبدأ بطرابلس ثم إلى سرت وأجدابية، ثم يعود إلى خليج العقبة (أيلة)، وينتقل مجددا إلى إفريقية فيذكر القيروان ثم إلى تاهرت، وقبل أن يختم هذا القسم، يقف المؤلف معتذرا بأنه سوف يذكر المواضع على الجملة والعموم، طلبا للإيجاز والاختصار. بعدها يتابع إلى بلاد البربر فيذكر تنس، ثم ينتقل
1 / 10
إلى قسطيلية، وفاس وقرطبة ومليلة وتلمسان وناكور وسبته وطنجة واغمات وسجلماسة «آخر بلاد البربر» .
بعدها ينتقل المؤلف إلى بلاد السودان، وهو يقصد الزنج. فيذكر بعضا من الأراضي في الحبشة ومالي والنوبة.
وقبل أن ننتقل مع المؤلف إلى أوروبا، نتوقف لنسجل الملاحظات التالية:
أ- أن المدن أو الأماكن التي ذكرها المؤلف تتصف بأنها مدن عريقة في التاريخ، أو أن بعضها محطة تاريخية (الإسكندرية، مصر، مدين، قرطجنة، القيروان، تنيس) .
ب- إن معظم الأماكن تتصف بأنها مواني بحرية ومراكز لنشاط التجارة البحرية، أو أنها محطات تجارية برية، وهو هنا يلامس الجغرافية التاريخية للعالم الإسلامي. وإذا كنا نلمس ورود هذا الأمر دون تصريح من المؤلف، فإن أبا عبيد البكري الأندلسي، كان واضحا في هذا الشأن.
ففي أحاديثه عن إفريقية الشمالية كان دائما يشير إلى المرافئ وما يقابلها من مرافئ على شواطىء الأندلس الشرقية وهو كان أيضا يصرّ على إبراز العلاقة الوطيدة بين مرافئ كل من الشاطئين.
1 / 11
ج- لم يتعرض المؤلف إلى ذكر القاهرة التي أسسها جوهر في العام ٣٥٩ هـ والتي انتقل إليها المعز الفاطمي في العام ٣٦٢ هـ، وهو حادث مهم دون شك، سواء على الصعيد السياسي، من وصول النفوذ الفاطمي إلى مصر وتهديده بلاد الشام، أو على الصعيد الفكري الذي قضى بإنشاء الجامع الأزهر، مركزا لتخريج الدعاة الفاطميين ونشر عقيدتهم.
ثم ينتقل المؤلف إلى الحديث عن الأندلس. وهنا نراه واسع المعرفة ودقيق الملاحظة. فهو يتحدث عن وحداتها الإدارية الساحلية، ثم ينتقل إلى الداخل، ويضع منطقة الثغو بما يقابلها من أسبانيا المسيحية. مشفوعة بعرض يضم معلومات تاريخية حول فتح الأندلس. ولكنه يستوقفنا بما قدمه من معلومات عن أوضاع معاصرة له.
فأثناء الحديث عن بلنسية قال إسحاق بن الحسين:
«وهي على قرب البحر، وقاعدتها اليوم: المرّية، وهي على البحر الشامي» . ثم يذكر مدينة (ابراره؟؟) ويقول: «وقاعدتها اليوم دانية» . والقسم الثاني من هذا الحديث يناقض القسم الأول فيه، فالمنحدر على الشاطئ الشرقي من الشمال إلى الجنوب يمر بدانية قبل أن يمرّ بالمريّة. وعلى أي حال، فلنتوقف عند المرّية لأنها ثابتة تاريخيا. فمن المعروف أن
1 / 12
مدينة بجانه كانت قاعدة إقليم بلنسية. وبجانة مدينة أنشأها جماعة من التجار وأهل البحر الأندلسيين الذين كانوا يعملون بين شواطىء الأندلس والمغرب فرأوا أن نشاطهم بحاجة إلى الدعم والحماية، وكونوا اتحادا من التجار ذكر منهم أبو عبيد:
الكركبي وأبا عائشة والصقر وصهيب، وبنوا مدينة صغيرة إلى جانب تنس على شاطىء الجزائر وسموها «تنس الحديثة» «٥» في العام ٢٦٢ هـ/ ٨٧٥. وبعد بضع سنوات نزلت جماعة من التجار في مرفأ وهران وجعلته ميناء بحريا هاما في العام ٢٩٠/٩٠٢، ونقلت هذه الجماعة نشاطها إلى الشاطئ المغربي، فأنشأت عدة موانئ، مثل بجاية، وبونة (عنابة) ومرسى الدجاج «٦» . وعندما رغب التجار في نقل تجارتهم إلى وطنهم الأصلي في الأندلس، اختاروا الخليج الذي تقع عليه بلدة بجانة «٧»، ثم عرف باسم المريّة.
لقد كانت هذه الناحية اقطاعا بيد جماعة من العرب اليمانية، تركته لهم إمارة قرطبة، على أن يقوموا بحماية السواحل من غزاة البحر، حتى عرفت باسم «أرش اليمن» .
ثم حصل التجار على الحق بإنشاء مدينة مسوّرة. وبلغ ازدهار بجانة أوجه في عهد الناصر (توفي ٣٥٥ هـ/ ٩٦١) . حيث
1 / 13
أعجب بالمرية، فنقل إليها قاعدة الكورة في العام ٣٤٤/٩٥٥ وأنشأ فيها عمائر ومنشآت كبيرة، حتى غدت من كبريات موانئ الأندلس.
وفي حديث المؤلف عن مدن الثغر الأعلى المقابلة للبلاد المسيحية الأسبانية، فإنا لا نراه يلمح التغير السياسي الذي يمكن أن يكون طرأ عليها. فهو يعتبرها من بلاد المسلمين التي عليها مواجهة البلاد المسيحية. ويمكننا أن نقرر أن ذلك كان في أيام الحكم القوي، أي في عهد الناصر وخليفته الحكم الثاني. لقد امتد النفوذ الإسلامي إلى المناطق الجبلية التي كان المسيحيون قد تراجعوا إليها إبان الفتح، وهو ما يذكره المؤلف في ختام حديثه عند جزيرة الأندلس. ويعتبر عصر عبد الرحمن الناصر وابنه الحكم الثاني العصر الذهبي للأندلس، حيث خضع مسيحيو إسبانيا، وأقاموا علاقات طيبة مع المسلمين، حتى باتت قرطبة مقصد الأسبان المسيحيين يطلبون تحكيمها في خلافاتهم. وبدا أن حركة إعادة الغزو المسيحي قد كبح جماحها إلى غير رجعة.
وتستوقفنا ملاحظة أخرى، وهي أن المؤلف لم يتحدث عن الزهراء بل هو لم يذكرها، والمعروف أن بناءها ابتدأ في العام ٣٥٠ هـ وانتهى في العام ٣٦٥ هـ، مما يحمل على الظن بأن المؤلف وضع مصنفه قبل إنشائها.
1 / 14
وبعد أن ينتهي المؤلف من شبه جزيرة الأندلس، ينتقل إلى ذكر البلاد المسيحية، بدليل أنه ترك الحديث عن آسيا الصغرى فيما سبق وجعله ضمن هذا القسم الأخير المخصص لأوروبا، ثم يلحق به بلاد الخزر والشاش والأتراك غير المسلمين.
ويبدأ ابن الحسين المنجم حديثه عن إيطاليا وفرنسا وبلاد الصقالبة (السلاف) ويعكس هنا القلق الذي ساد أوروبا مع غزوات النورمانديين والهونغاريين. ومعلوماته هنا وثيقة الصلة بمعلومات الجغرافيين المشرقيين، ويبدو ذلك واضحا في الاقتباس عن القسطنطينية، وهو أمر يدعو للخيبة. فبعد أن غاب عن حديثه اثر الفاطميين على التطورات السياسية في شمال إفريقية، نراه من جديد يهمل العلاقات الأندلسية البيزنطية التي نشطت في القرن الرابع للهجرة، اللهمّ إلّا ملامسة شبه خفية لطرف الموضوع. أثناء الحديث عن البيزنطيين فيقول: «ومملكتهم عظيمة، وهم أهل بأس ونجدة، وهم يحاربون الصقالبة والإفرنج، ويحاربهم المسلمون أيضا في بلاد الشامات» . أما في الحديث عن بلاد الخزر والبلغار فإنه يقدم معلومات جديدة إلى حدّ ما، حيث نراه أقرب إلى ما ذكره ابن فضلان في سفارته ٣٠٩ هـ.
والآن، وفي ضوء ما قدمناه من غياب بعض المدن الرئيسية عن هذا المعجم، من مراكش (٤٥٤ هـ) والقاهرة
1 / 15
(٣٥٩ هـ) والزهراء (٣٥٠- ٣٦٥ هـ)، نستطيع أن نقرر أن المؤلف وضع مصنفه قبل ٣٥٠ هـ، وبعد ٣٤٤ هـ، أي قبل بناء الزهراء وبعد اعتماد الناصر المريّة قاعدة للكورة.
أما المخطوط، فمن الثابت أنه يماني ولقد سبق أن أشرنا إلى العلاقة بين اليمانية والأندلس، حيث نزل اليمانيون على شواطىء الأندلس الشرقية، وقد أتيح لهم أن يكونوا في آن واحد مقاتلين وزراعا وتجارا. وما يشوب المخطوط من بعض التشويش في المعلومات، فلا تقع مسئوليته على المؤلف. أما المعلومات المنسقة التي تتناول المشرق الإسلامي، فمردها إلى اعتماد المؤلف على الاقتباس من المؤلفات الجغرافية السابقة، فيما كانت معلوماته عن إفريقيا وشبه جزيرة الأندلس أكثر غزارة وتفصيلا، بالرغم من ميل المؤلف الواضح إلى الاختصار في مجمل عمله. ولذا، فنحن نميل إلى القول بأن إسحاق بن الحسين المنجم أندلسي الأصل،. أي أنه عاش في شبه الجزيرة الأندلسية أو في المستعمرات التجارية الأندلسية على الشواطىء الإفريقية، وفي احتمال أخير، قد يكون أحد اليمنيين الذين عاشوا في الأندلس ثم عادوا إلى اليمن، هذا مع وجود احتمال بأن يكون أحد اليمانيين قد قام بنقل هذا المخطوط إلى اليمن.
أخيرا، وفي ختام هذه العجالة، أشير إلى أني لم أشأ تفصيل العلاقة بين إسحاق بن الحسين ومن سبقه، أو بمن
1 / 16
لحقه، وقد أشرت في الهوامش إلى الأماكن التي يلتقي فيها معهم أو يقتبس منهم، أما من اقتبس منه فقد أشرنا في مطلع هذا البحث إلى الإدريسي وابن خلدون، أما العلاقة بين مؤلفنا وأبي عبيد البكري، فموضعها في غير هذا المكان، وغير هذه المناسبة.
والله ولي التوفيق
بيروت فهمي سعد
كانون الثاني/ يناير ١٩٨٨
1 / 17
كتاب آكام المرجان في ذكر المدائن المشهورة في كل مكان تأليف الشيخ اسحاق بن الحسين المنجم اسكنه الله رياض الجنان بحق محمد وآله وصلى الله على النبي وآله
1 / 23
ذكر مدينة مكة المشرّفة
بسم الله الرّحمن الرّحيم قال اسحاق بن الحسين رحمه الله تعالى:
إنما ذكرنا مكة قبل البلاد، لأنها بيت الله الحرام، وأول بيت وضع في الأرض.
وبعدها عن خط أول الأرض، تسع وستون درجة.
والدرجة ستة وثلاثون ميلا وثلثا ميل، وكذا في كل درجة نذكرها في غيرها من المدائن. وكذلك «١» إذا ذكرنا البعد من خط المغرب، فإنما نريد أول الأرض، وكذلك البعد عن خط الاستواء، إنما نريد البعد عن خط وسط الأرض، على الحقيقة، على جهة المعمور من الأرض، لأن المعمور من الأرض، قليل جدا.
وعلى ما ذكر من جهة أبعاد المدائن عن خط المغرب وخط الاستواء، يعرف بعضها من بعض، وما بينهما من
1 / 25
المسافات، من جهة الحساب، ومعرفة ذلك علم عظيم.
فبعد مكة عن خط المغرب سبع وستون درجة، وذلك من الأميال، أربعة آلاف وأربعمائة واثنان وعشرون ميلا.
[وبعدها ثلاث وعشرون درجة وقيل: إحدى وعشرون] «٢» عن خط الاستواء في جهة الشمال. واكثر المدائن مما سنذكرها بعد ذلك، إنما هي [في] الجهة الشمالية، لأن المعمور من الأرض، إنما هو الربع الشمالي الذي يلي القطب الشمالي وبنات نعش.
ومكة في بطن واد «٣» بين جبال وأودية.
ومن جبالها العظام: أبو قبيس، والمحصّب، وثبير.
وهي كانت دار آدم ﵇. ولم يزل بها [الحجر الأسود] «٤» حتى نزل الطوفان.
ثم أمر الله تعالى إبراهيم الخليل ببنائها.
وقد زاد في بنيان بيت الكعبة [ابو جعفر] المنصور «٥»
1 / 26
[وكان ابتداء عمله في المحرّم سنة سبع وثلاثين ومائة، والفراغ منه في ذي الحجة سنة أربعين. ثم وسعه ابنه المهدي في سنة] «٦» أربع وستين ومائة.
وطول المسجد اربعمائة ذراع، وعرضه ثلاثمائة «٧» .
وله ثلاثة وعشرون بابا.
ومن الصفا إلى المروة، أربعمائة وأربعون ذراعا، وارتفاع البيت، ثمانية وعشرون ذراعا «٨» .
وهي القبلة لجميع البلدان. فقبلة أهل الكوفة، وبغداد وما
1 / 27
كان معها، على خط واحد، الركن الشاميّ الذي بين الباب والحجر.
وقبلة أهل البصرة وما حاذاها من المدائن، باب الكعبة.
وقبلة أهل اليمن، الركن اليماني.
وقبلة أهل الهند والسند، الحجر الأسود.
وقبلة أهل الشام، باب الكعبة.
وأهل الحجاز كذلك، إلّا أنه أحرف قليلا.
وأهل اليمن، يتوجهون بوجوههم على أهل أرمينية.
1 / 28
مدينة النبيّ، ﵌
وهي مهاجر «١» رسول الله ﵌، ومكان مستقره. وفيها قبره ﷺ، وقبور أصحابه.
وسمّاها طيبة، لأن من نحوها تجد رائحة الطيب من جهتها على أميال كثيرة.
وبعدها عن خط المغرب مائة وستون درجة، وذلك من الأميال [سبعة آلاف وخمسمائة وستة وخمسون] «٢» وبعدها عن خط الاستواء، خمس وعشرون درجة، وذلك من الاميال، ألف وستمائة وخمسون ميلا.
والمدينة في مستوى الأرض، شريفة تربتها جليلة.
ولها جبلان: أحدهما أحد، والجبل الآخر رضوى.
1 / 29