فخطابه- تعالى- للأئمة بلا واسطة، وخطابه للرعية بواسطة الإمام، فالكلّ يلحقه الوعيد المذكور بمخالفة ما أمر به.
قال القرطبي في تفسيره: (التثاقل عن الجهاد مع إظهار الكراهية حرام).
قال: الإمام إذا عيّن قومًا وندبهم إلى الجهاد لم يكن لهم أنْ يتثاقلوا عند التعيين، ويصير بتعيينه فرضًا على كل من عيّنه) ١ اهـ.
وقال تعالى: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّةلُكَةِ﴾ ٢.
قيل: (التهلكة هي: الكفّ عن الغزو والجهاد، والإنفاق فيه، لأن [٢٧/أ] الكفّ يقوّي العدوّ، ويتسلّط عليكم، فيفسد عليكم دينكم ودنيام) ٣.
والوعيد شامل للإمام ابتداء، وللرعية انتهاء- كما مرّ-.
وقال- تعالى: ﴿فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ ... إلى قوله: قُلْ نَارُ جَةنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ﴾ ٤.
قال ابن النحاس ٥: هذه الآية: (وإنْ كانت في أقوام بأعيانهم، ففيها التهديد لمن فعل كفعلهم، وتخلّف كتخلّفهم، وناهيك بذلك وعيدًا فضيعًا).
١ - أنظر القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن": ٨/ ١٤٢، وزاد عليه: (فاما من غير كراهة فمن عينه النبي ﷺ حرم عليه التثاقل وان أمن منهما فالفرض فرض كفاية، ذكره القشيري).
٢ - سورة البقرة / آية ١٩٥، وتمامها: ﴿وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّةلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّة يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾.
٣ - قاله الزمخشري في "الكشاف": ١/ ٢٣٧، والبيضاوي في "تفسيره": ٤٤.
٤ - سورة التوبة / آية ٨١، وتمامها: ﴿وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَةنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ﴾.
٥ - هو: أبو جعفر أحمد بن محمد المرادي، المصري: المفسر، الأديب، كان من نظراء "نفطويه" و"ابن الأنباري". من كتبه: "تفسير القرآن" و"إعراب القرآن" و"تفسير أبيات سيبويه". مات بمصر (سنة ٣٣٨هـ). (ابن كثير- البداية والنهاية: ١١/ ٢٢٢، السيوطى- بغية الوعاة:١/ ٣٦٢، الداودي- طبقات المفسرين:١/ ٦٧ - ٧٠).