Kesedihan Pemain Biola
أحزان عازف الكمان
Genre-genre
سكت جورج ليلتقط أنفاسه فعاجله الرجل النحيل اللاهث الصدر وهو يسعل سعالا شديدا: وهل يمكن للموسيقى أن تغير شيئا مما نحن فيه؟
قاطعه جورج وكأنه وجد نفسه مضطرا للدفاع عن كرامة الفن: الفن يغير الواقع دائما، لقد غيره على الدوام ولكن ببطء شديد.
رجع الرجل النحيل يقاطعه: هل يستطيع الفن أن يطعم جائعا أو يكسو عريانا أو يضع طوبة فوق طوبة أو يوقف مستبدا أو لصا كبيرا أو صغيرا عند حده؟ اسألني أنا عن كم الفساد وخراب الذمم المنتشر في كل مكان، أنا أعمل في وزارة المالية وأراجع بنفسي مدى السلب والنهب للمال العام.
حلقت سحابة جديدة من السكون والوجوم فوق الجميع، واخترقها الرجل النحيل الذي توجه بالسؤال المباشر إلى جورج: لا تؤاخذني يا بني، هل تتصور أن في إمكانك وفي ظروف الفساد والكساد العام أن تفتح بيتا من الموسيقى؟ لا تؤاخذني بسبب صراحتي، ولكني في موقع المسئولية ولا بد من هذا السؤال.
تلعثم جورج قليلا وتنحنح عدة مرات قبل أن يرد بصوت واضح وواثق على السؤال الذي فاحت منه روائح الشك وربما الإهانة: أجل، أستطيع بإذن الله، ولكي أدخل في الموضوع وأكون صريحا مثل سيادتك أخبركم أنني أدرس الآن آلة الكمان في معهد الموسيقى ولن تتأخر إجراءات تعييني في أقرب وقت، كما أنني أصبحت عضوا عاملا في فرقة الموسيقى العربية ودخلي بحمد الله غير قليل.
نظر إليه الخال نظرة طويلة قبل أن يحول الحديث وجهة أخرى ومع شخص آخر، وبدأت الأحاديث الجانبية تطغى على الجلسة بجانب الأحاديث الشخصية والعائلية التي جعلت جورج يطرق برأسه من جديد ويدخل شرنقته أو قوقعته التي كان قد غادرها قبل قليل، ولما وجد أن الجميع، بما فيهم المتعاطفون مع الفن وأهل الفن، قد انصرفوا عنه تماما وكأنه غير موجود، نهض في أدب وهو يقول وعلى شفتيه بسمة حزينة وفي عينيه ما يشبه العتب على الخال الذي وقف أيضا مع الآخرين: تشرفت بمعرفتكم وإن شاء الله أسمع منكم كل خير. رد الخال وهو يمد يده بالسلام: ونحن تشرفنا بك والله يقدم ما فيه الخير.
أحنى جورج رأسه للجميع، وسلم على كل من مد يده إليه بالسلام، واتجه إلى الباب الذي دخل منه ووجد عنده الأم الطيبة التي استقبلته قبل بداية اللقاء بالأهل والأقارب الذين لم يكد يتعرف عليهم، وعندما هبط على سلم العمارة سأل نفسه وكأنه يغرز بيده خنجرا حادا في صدره: ترى لماذا لم تفكر في الحضور ولو لحظة واحدة للسلام علي؟ أهي التقاليد الصارمة أم الخجل أم الرفض المبدئي للزائر وللموضوع؟
عجز عن كل تفسير أو تبرير، وعندما قابله البواب الصعيدي العجوز بعد ذلك بأسبوع أو أكثر وقال له: الست هانم التي زرت الجماعة من أجلها تمت خطبتها يوم الخميس. سأل جورج في هدوء: تقول خطبت؟ قال البواب: نعم نعم يا بيه، لضابط كبير على كتفه نسر ونجوم. قال جورج بنفس الهدوء: مبروك يا حاج، قل لهم ألف مبروك، وربنا يتمم بخير.
وانصرف مسرعا كأنه هارب من عاصفة أو إعصار يتقدم نحوه ومعه الغبار والظلام والسواد. كان أعجز من أن يجد الكلمة التي تصف ما حدث، أحس بما لا يستطيع أن يصفه أو يدرك كنهه، ووجد نفسه يفتح باب لؤلؤته الصغيرة الخانقة ويسرع إلى صندوق الكمان فيخرجه من مرقده ويضعه على صدره ويواصل العزف كالمحموم أو المجنون طوال ذلك اليوم والأيام والليالي التالية . •••
تنحى عن المدخل قليلا لكي يتقدمه بشارة الذي يعرف أهل البيت وتربطه بهم صلة قرابة، وتذكر وهو يصعد الدرجات الخشبية اللامعة ويقلب بصره في الجدران والأنوار وأبواب الشقق الأخرى أنه سبق أن صعد هذا السلم نفسه قبل ما يزيد على الثلاثين عاما، وأنه قد أصبح أكثر بهاء ونظافة ولمعانا مما كان عليه، وهو لا ينسى أنه هبط على هذه الدرجات نفسها وكل خلجة فيه تنتفض بالألم والحسرة والإحساس بالاندحار والخذلان والمهانة، وأشد ما آلمه في ذلك اليوم والأيام التالية أنه قدم نفسه - ببراءة الفنان وسذاجته - بلا تمهيد ولا مقدمات لأناس لم يفهموه ولا كان من الممكن أن يفهموه أو يقدروه أو يتعاطفوا معه.
Halaman tidak diketahui