Kesedihan Pemain Biola
أحزان عازف الكمان
Genre-genre
هل كلمتك عن الورقة المطوية التي تركتها زهرة وسلمتها لي أختي؟ ها هي ذي، احتفظت بها مع بطاقتي وأوراقي الشخصية طوال ربع قرن أو يزيد. اقرأ بنفسك ما كتبته بخطها الذي يشبه النبش في التراب بأقدام الدجاج أو العصافير، أبلغوها بالزواج من التربي الذي كان يعرفه أبوها ورحب به طلبا للستر لأنه ميسور الرزق وسيكون زيتنا في دقيقنا، واستنجدت زهرة بالعالم السابح مع الأفلاك فلم يعلم بشيء إلا بعد أن دفنت بقايا لحمها المتفحم هناك في المقبرة القديمة وربما بالقرب من شجيرة الصبار، أقول المقبرة القديمة لأنني ذهبت أبحث عنها فقالوا إنها سويت بالأرض ونقلت العظام بأمر المجلس البلدي إلى المقبرة الجديدة وحلت محلها محطة بنزين ومجزر آلي وسوق كبير لبيع المواشي والأغنام، هل تغير شيء يا معلمي العزيز؟ أنت سلمت بأن شيئا لن يتغير فصرت إلى ما صرت إليه، وأنا سلمت بأن شيئا لم يتغير وصممت على الرجوع إلى المهجر واستئناف حياتي مع البحث في السماء، نعم، نعم، لا تخش شيئا علي، تلميذك الولد لا تعلم أن يقول نعم، وسيرجع حتما إلى الجذور ويوصي بدفن عظامه مع عظام أهله في التراب نفسه الذي انغرست فيه الجذور، طبعا طبعا، انصرف أنت الآن مطمئنا وطمئنهم علي.
وأرجوك أن توصيهم بفك قيودي فلا داعي الآن لهذه القيود.
فراشات
الأسئلة حول الجسد المهان
يبدو أنه كان يتابع ببصره طائرا شد الحنين جناحيه لاحتضان زرقة السماء، ربما كان عصفورا صغيرا نزقا، أو حمامة بيضاء طارت من برجها القائم على سطح منزل قريب، أو هدهدا وحيدا وبديع الألوان سبق أن رآه واقفا على حافة الإفريز الأعلى لدار الكتب العتيقة، عندما أقبلت شاحنة سوداء مسرعة كقبضة القدر من الناحية الأخرى ودوت الصدمة التي أخرست عقله وشقت سكاكينها طينة جسده وشجت من الخلف رأسه الذي نزف الدم على سالفيه وقميصه الكتاني الرخيص. انطرح الجسد القصير النحيل على رصيف الشارع بعد أن رفرف لحظة في الهواء كغراب مندفع في هبوطه إلى الأرض، وقبل أن يسقط الجسد في المجرى المخصص لشريطي الترام الذي تصادف زحفه من الشارع الضيق المزدحم نحو الميدان، امتدت يدا فاعل خير قفز على الفور فشده بعزم ما فيه ومدده على الرصيف وهو يبسمل ويحوقل ويسأل الله اللطف بعباده. صاحت فلاحة عجوز كانت تجلس على الرصيف المقابل أمام المشنة التي فرشت عليها حزم الجرجير وحبات الليمون: الحقوا الجدع يا أولاد. يا عيني عليك يا ضناي، وفزعت تجري نحو الجسد المصدوم حتى وقفت أمامه وأخذت تشق طريقها وسط الدائرة التي بدأت تتحلق حوله وهي تصرخ: يا كبد أمك يا بني! ربنا يكون في عونها
أولادك يا نن عيني، ربنا قادر يصبرهم ويصبر أمهم. وقبل أن تكمل عديدها أزاحها الرجل الذي عدله على الرصيف وهو يشخط فيها: وحدي الله يا ست، وحدوا الله يا جماعة واطلبوا الإسعاف. وقبل أن ينحني صاحب بذلة أنيقة عليه ليفحصه ويجس نبضه كان صاحب دكان الفول والطعمية على الناحية الأخرى ومعه جاره المصوراتي يجريان لأداء الواجب. قال صاحب البذلة الأنيقة وهو يعتدل ويواجه الدائرة التي تكاثفت حول المصاب: فات الأوان يا إخواننا، ادعوا له بالرحمة، من يعرفه يخبر أهله. هتف صبي يلبس نظارة: أنا أعرفه، ياما رأيته في قاعة المطالعة بالدار وتكلمت معه. وقاطعه ولد آخر يرتدي قميصا بنيا على بنطلون قصير ويمسك في يده ببعض الكتب والكراسات: كنا نسميه دودة الكتب. الجميع في الدار يعرفونه من سنين. بعضهم يسميه الشاعر والبعض يؤكد أنه مجنون وعلى نياته. ارتفع صوت وقور: بس يا ولد أنت وهو، وسعوا يا أولاد، الإسعاف في السكة، هل مع أحدكم جرنال لوجه الله؟ (هو الآن هادئ منكفئ على جرحه وصمته وتاريخه الخاص كتمثال حجري سقط على الأرض وبدأت تطمره الرمال، الجريدة اليومية تغطي رأسه ووجهه حتى جذعه وساقيه، والحذاء الأسود المستهلك مستكن ومعفر بتراب الرصيف. هل تتسرب الحروف السوداء إلى رأسه الشاحب المصفر وتلتقي بالحروف والكلمات والأسطر التي تدوم فيها كخلية النحل منذ سنين وسنين، أم خمدت وتراخت وانطفأت فيها الحياة وتناثرت الذكور والإناث والشغيلة مع ملكتهم كالأشلاء الممزقة على الساحة الهامدة لجيش مهزوم؟ هل فكر ساعة الصدمة في القبلة التي لم يمنحها لزوجته حين رآها في الصباح عارية على الفراش كالوردة العطشى لقطرة ندية؟ أم في طفله أو طفلته التي خطر له أن يوقظها قبل خروجه ليداعب وجنتيها ويضمها إلى صدره وهو يضحك ويغريها بالضحك؟ أم تراه لم يفكر إلا في الفصول المتبقية من الحكايات القديمة التي يقرؤها أو في القصيدة التي ما برح منذ أيام أو شهور يلم شتات أطرافها ويجمع بذورها المغمضة الجفون من رياح الجهات الأربع محاولا أن ينفخ فيها الحياة لتتنفس وتفتح عيونها وشفتيها؟ ها هو الجسد ملقى هناك، والرأس المثقوب غارق في بركة الدماء الحمراء-السوداء المغبرة بتراب الرصيف وغبار الشارع المزدحم في المدينة المتورمة بالضجيج والتلوث والأوجاع والأحقاد. أشياء كثيرة لم يقلها، مواعيد كثيرة أخلفها، وأسئلة جمة راحت تحوم كالفراشات حول الجسد المطروح المهان ...)
لاحت عربة الإسعاف من بعيد وهي تتخلل الشارع الضيق المكدس بالعربات والناس مثل سلحفاة ضخمة تشق طريقها في الأحراش، ويضيع صليل أجراسها وسط غابة من زعيق الأبواق ولغط الصياح والشتائم والضحكات المختلطة وجحيم الأغاني الجديدة الذي تسيل حممه من الكاسيتات وأجهزة البث المرئي والمسموع المسلطة على الخلق في المحلات والمقاهي والنوافذ الخشبية المفتوحة على وسعها، ولأن عربات الإسعاف قد عودت المصابين في الحوادث على الوصول بعد فوات الأوان، فقد ابتسم بعض الواقفين حول الجسد الملقى على الرصيف عندما تناهت إلى آذانهم أصوات الأجراس المتكسرة كولولة النائحات بعد خراب مالطة، ووقفت العربة أمام الحشد الذي اتسعت دائرته بمرور الوقت وظهرت فيه بذلة عسكري بشريطين كان قد أسرع إلى المكان إما لأداء الواجب لوجه الله، وإما لكتابة محضر بالواقعة يمكن أن يشهد على نشاطه ويقظته ، أو للسببين معا.
فتح باب العربة الأمامي رجل سمين واسع العينين بشكل ملحوظ وتبدو على وجهه الطيبة والأسى برغم التجهم الذي يكسو ملامحه، بينما لاحقته عبارات ساخطة ومتضجرة من السائق النحيل الذي برزت عظام وجهه الشاحب الضيق الجبهة والعينين: اعمل لك همة يا عبد الحق، صاحبك على لحم بطنه من الصبح. قال عبد الحق وهو ينظر إليه متبرما: أنت همك دائما على بطنك. يا أخي اتعظ مرة واحدة في العمر. واختنقت ضحكة السائق في الدوي الذي فجره إغلاق الباب بعنف لم يتوقعه من زميله.
وسع المتزاحمون موضع قدمين للرجل الذي ألقى نظرة خاطفة على الراقد تحت ورق جريدة الصباح واتجه إلى الباب الخلفي للعربة وسحب النقالة منه في هدوء. أسرع لمساعدته رجلان من أهل الخير وهما يقولان: عنك أنت يا ريس، حاسب على البالطو الأبيض.
ولكنه لم يتنح عن النقالة الطويلة الخضراء القماش ولم يحاسب على البالطو ولا على نفسه. قلب عينيه بين الواقفين حتى استقرت على العسكري المكرش الطويل القامة فسأله بسرعة وحسم: أي معلومات تفيد التحقيق يا شاويش؟ - طبعا يا سعادة البيك، صحيح أنا وصلت بعد الرجل ما توكل على الله، ولكن تحفظت على هذه الحقيبة ...
Halaman tidak diketahui