Kesedihan Pemain Biola
أحزان عازف الكمان
Genre-genre
5
تسحبيني من يدي فأتوكأ عليك وألهث مقطوعة النفس لأرفع الحمل الثقيل. تلفين ذراعك اليمنى حول خصري وتلصقين جذعي العجوز بشجرة جسدك العملاق. عجبت والله ألا تصل رأسي إلى صدرك ولا تلمس إلا الطرف الأدنى من ثدييك، مع أني كنت النخلة الطويلة في العائلة كما سماني أبي وأمي، وأحاول أن أشد حيلي وأصلب ظهري. لكن ماذا أفعل وهو السقف المائل الذي ينهار فوق البيت الآيل للسقوط؟ وتصبرين يا بنتي وتمسكين الحيوان الأعجم ليقضي حوائجه ويتخلص من فضلاته ويبلل رأسه وشعره وينظف الجماد الأخرس الذي يجره معه كحجر ضخم وكثيف وكئيب.
تأخذينني إلى الحمام فتمسحين وجهي ورأسي بالماء، وتمشطين الخصلات الهائشة التي تبقت من الضفائر السوداء الطويلة التي كانت تصل إلى ظهري ويحسدني عليها الجميع، ثم تريحينني على السرير المرتب وتحضرين الصينية وعليها كوب الشاي والجبن وطبق اللبن مع الغموس الطري الذي يتحمله طقم الأسنان، وترين يدي تتحركان في كل اتجاه، تتشابكان وتتفرقان وتمران على الرقبة والخدين وتتوهان في غير اتجاه ثم تتشابكان وتتفرقان، وتمدين يدك بالمسبحة السوداء الكبيرة وتذكرين اسم الله وأردد الاسم وراءك وتشل يدي وتخرس أصابعي وتحتار فلا تمتد إليها ولا تمسك بها كما فعلت منذ أن فتحت عينيك يا بنتي وعرفت ووعيت، وأسمع ما تقولين أو تصيحين به وأفهم ما تقصدين، ولكن فمي مسدود كباب مغارة ويدي خرساء مصمتة كيد مشلول، وأنظر في عينيك فأحس فيهما العتاب؛ العتاب الصامت المستكين الذي يتكاثف في سحب سوداء تسقط منها دمعة تعاسة حبيسة وبكاء على النفس طوال ليال وأيام بلا عدد، ويتصورك عقلي الكليل وخيالي العاجز العليل مسلسلة معي في نفس القيد الحديدي، ونحن كالعبيد المغلولين من أقدامهم وأيديهم في الدهاليز المعتمة أو وراء قضبان الزنازين أو في قاع السفن التي كانت تحملهم في التصاوير والأفلام إلى أسواق العبيد وتجار العبيد، أرى كل هذا بعيني الثالثة التي نبتت في أغوار بئري المظلمة وأحاول وأحاول وأعجز عن إخراج لفظة واحدة يمكن أن تواسيك.
رعاك الله يا بنتي ووفقك وبارك فيك. هذا هو قدرك كما أسمعك تقولين لكل من يكلف نفسه ويسأل عنا من الأقارب والأباعد ومن المتعاطفين والمتشفين. نعم أنا قدرك يا حبيبتي، قدرك أنت وحدك دون الجميع المنشغلين بأعمالهم وأرزاقهم عني وعنك وحتى عن أنفسهم مشغولين. أحس بقلبي وأرى بعيني الباطنة أن عينيك تلومان وتعتبان وربما تلعنان أيضا وتصرخان، لكن هل أنا المسئولة يا بنتي؟ هل يقع ذنبك علي وحدي؟ هو قدرك يا حبيبتي وأنا قدرك. هل صنعته أنا وحدي أم شاركت كذلك في نسج خيوطه؟ وماذا نفعل أنا وأنت وكل أولاد آدم وحواء. هل نملك تغيير المسطور على اللوح المحفوظ؟
عندما أحببت الطيب وتمسكت به هل كنت أنا قدرك؟ ألم يشعر بك قلب الأم ويدافع عنك دفاع الأم عن وليدها بلحمها وأظافرها وبكل عضو وخلجة ترتعش فيها لتحميه من الوحش المتربص به؟ ألم يجر الخطاب عليك وتحف أقدامهم وتكل أيديهم من الدق على الباب فتكلمت بلسانك وذدتهم عنك؟ محامون وأطباء وموظفون محترمون من الأهالي وأولاد الأعيان ومن البندر والبراري. رفضتهم جميعا ورفضتهم معك وعيني تدمع وأنا أراك تتقدمين في السن والطيب المسكين لم يجهز نفسه وتفوت الشهور والسنين وأنت تنتظرين. كان يسكن معنا في الحارة وكنت أعرف بقلب الأم أنه يحبك وأنك تحبينه ولا تريدين سواه، وكنت ألاحظ وأفهم وأسكت حين أراك تطلين عليه وتكلمينه بلغة الإشارة وتخفين رسائله عن أعين الجميع وأيديهم الطويلة. قالوا: ابن ناس على قد حالهم. وكنت أقول ابحثوا عن الأصل لا عن العز والجاه والأطيان، يكفي اسمه وخلقه، أليس هو الطيب ابن الطيبين؟ وتقدم إليك بواسطة خالك الذي كان يعرفه ويسهر معه ويحبه مثل كل الشبان في سنه، ووقف أبوك ورأسه وألف سيف ألا يعطيك للموظف الصغير الغلبان.
واجتهد الطيب وتحدى قدره وانتسب كما أفهمتني للجامعة وتعلم الحقوق. قلت لهم ولنفسي: سيتخرج وهو محام قد الدنيا فما هو عيبه يا مسلمين؟ وبعد أن أخذ الشهادة الكبيرة حاربت كالصقر وقاتلت كالذئبة ووقف خالك معنا حتى وافقوا عليه، وعشتما بعيدا في البندر حيث يعمل ويتعب ويسهر مع الكتب الكبيرة ليحصل على الدبلوم بعد الدبلوم. ماذا تريد يا طيب ولماذا لا تشتغل مثل المحامين؟ العمر يفوت يا بني وأنت تضيعه في الكتب والسياسة والخطب والكلام. ويضحك ويضحك ويقول أنا يا حاجة محامي الفقراء والمظلومين، أنا محامي من لا محامي له وأومن بالزعيم؛ أعمل في الحزب وأسعى للعدل وأتعب لمستقبل الملايين. لكن صحتك لا تساعدك يا ولدي والروماتيزم في الرجلين والمفاصل لا يعينك على الجري مع السياسة والسياسيين. الشعب هو قضيتي
الكبيرة على مكتبك وفي الصالة وغرفة النوم وفي كل مكان إلا المطبخ والحمام لن تمد أيديها لك. وتضحك حتى تكركر وتقول سموني الطيب يا حماتي لكي أعطي ولا آخذ، وأنا أعطي الحب لبنتك وأعطيه للشعب والمستقبل ولا أطلب شيئا من أحد ولا أنتظر شيئا من أي إنسان.
وتمضي الأيام والشهور يا بنتي ومحامي الفقراء والمظلومين موظف بائس صغير، وتسوء علته ويضيع مرتبه في الكتب والسهر مع الزملاء وفي الحقن والأقراص والمراهم والبلابيع، وتمر الأيام والشهور والسنين وليس معك بنت ولا ولد يسليك ويملأ عينيك ووقتك وقلبك المشغول الحزين، وينهزم العسكر وتنكسر البلد ويموت الزعيم فتسود الدنيا في عين الطيب وتزيد العلة ويرقد في البيت يكلم نفسه ويلعن حظه ويكره الدنيا ويكره نفسه، وتلاحظين ذبوله يوما بعد يوم وانطفاء الحياة في عينيه فتحاولين أن تواسيه وتشجعيه، وتمدين يدك إليه بالمرآة لعله يفطن لحاله وينتبه لما جرى له فينتشها منك ويرميها على الأرض بعزم ما فيه ثم ينزل من فراشه ويسحق الشظايا بقدميه الحافيتين وتغرق الأرض والسجادة في الدماء. كانت أياما قاسية عليك وعلي وعلى الطيب المسكين، وترفق بك القدر عندما ترفق به وسكت قلبه يوما بعد أن وصل الروماتيزم إليه وظل يزحف عليه بالبرد والوجع والصقيع حتى تجمد فجأة كتمثال متصلب من الثلج أو الملح الأبيض، وأخذتك بعد المأتم إلى بيتك وبيتنا القديم لتكوني تحت عيني وأكون دمعتك وسندك وعكازك. حظك ولا بد من الرضا بالحظ والمقسوم. لا زوج ولا ولد ولا بنت ولا رغبة عندك ولا أمل في غد يأتي بجديد، وبدأت الرجل تسعى واليد تدق على الباب وأنت ترفضين وتصرين وأحيانا تظهرين بنفسك وتسبين وتلعنين، وتبقين وحيدة مع الطيب وصوره التي تطل عليك من الجدران كأنها تذكرك بالعهد الأمين. صورته وهو قوي متفجر بالشباب، وصورته وهو معك على شاطئ البحر، وصورته وهو مريض وشاحب ونحيل. خياله وهو طموح يخطب أمام الألوف، وشبحه وهو مهزوم ومكسور ويائس بائس يستند إلى عكاز. هذا هو قدرك يا حبيبتي وأنت مؤمنة وتعرفين أن ربك هو مقسم الأقدار، وتنظرين إلي ولا أرى عينيك ولا ملامح وجهك، لكن قلبي يحس ويرى ما تراه عيوني التي غشيتها المياه البيضاء. قلبي يحس ويرى ويسمع ما تقولينه لنفسك في كل لحظة أو تقولينه للأهل والأغراب وربما تحسبين أنني لا أسمع ولا أفهم: هي قدري وهو حكم الله. نعم يا حبيبتي وابنتي وراعيتي وحارسة همي وشيخوختي، وأين يهرب الإنسان من قدره إلا إلى قبره؟
تقولين الباب يدق وهذه هي دقة خالك؟ تعال يا عبد الهادي يا بن أمي وأبي فربما يأتي معك الفرج، تعال يا أخي وهات معك ابني وحبيبي ليأخذ بيدي، افتحي الباب يا حبيبتي ليدخل ومعه الوعد أو الوعيد.
6
Halaman tidak diketahui