Kesedihan Pemain Biola
أحزان عازف الكمان
Genre-genre
يستمر الطبيب الذي يبدو أنه نظر في عيني المحمرتين: سنكرر الدواء ونضيف بعض الفيتامينات، الشفاء من الله والمعجزات بأمره لا بأمر الأطباء، المهم أن تعملي كل جهدك لكيلا تبكي الآن.
وهي تضحك بصوت مجلجل: وهل مثلها يعرف الضحك أو البكاء؟ قلت لسعادتك إنها تأكل كالحصان، والمياه البيضاء ...
وهو يغلق حقيبته وأسمع صرير قلمه على الورق: نحمد الله على كل حال، المياه البيضاء لا تمنع الدموع، حاولي بكل جهدك.
قالت تبرئ ذمتها أمام الله: ربنا وحده هو العالم يا دكتور، أنا محبوسة معها في نفس الزنزانة، قدري وحكم الله.
قال لها بنفس الصوت الهادئ العميق: تفضلي، إن شاء الله كل خير، سلمي لي على الدكتور حمادة، يا ساتر، أترككم في رعاية الله.
سمعت الباب يقفل وراءه بشدة. لا بد أنها هي الريح، ولملمت ثيابي وغطيت نفسي وكومت جسدي وتركته يدخل مع وعيي التائه في الظلام الذي أحاط بي من البداية وشعرت أنه اشتد سوادا بعد أن أغلقت النافذة والستارة والباب. أجل يا بنتي وحبيبتي وحارسة نومي ويقظتي وموتي البطيء الذي تلكأ أطول مما تريدين ويريدون. هل قلت إنني تائهة؟ تعرفون أنني أسمع وأفهم ما يدور حولي، وأحيانا كما قلت تخرج من باب الشفتين كلمة أو كلمتان، لكن ماذا أفعل يا بنتي والأفكار تدوم في رأسي كالعصافير أو الغربان السوداء ولا تستقر في عش الألفاظ؟ وماذا أفعل والإحساسات والمشاعر والأحلام تمور وتفور في داخلي كأمواج البحر التي تعلو وتهبط ثم تذوب وتتلاشى وهي تلهث في لهفة إلى شاطئ الكلمة فتبتلعها رمال الصمت المطبق علي؟ وتسقط الدموع من عيني المظلمتين على جلدي المظلم المتغضن داخل خيمتي المظلمة التي نصبت فوقي وحولي وعلي ولا أدري متى سترفع أو كيف، وأنت بعيد يا ولدي بعيد، أراك هناك بعيني المظلمة البيضاء وأنادي: تعال
2
تراني مكومة على السرير وأجلس القرفصاء فتقترب مني وتجلس على حافته. لا بد أنها أبصرت الدموع التي تسح من عيني المحمرتين التائهتين وراء السحابة البيضاء المظلمة فتمد يدها وتربت على ظهري وتقدم لي المسبحة السوداء ذات الشراشيب الحمراء. أحاول أن أمسكها بأصابعي وأنا أسأل نفسي لماذا تقدمها لي؟ تهت ونسيت يا بنتي، حتى إذا لم أكن نسيت فقد أصبحت عاجزة، عاجزة عن نطق لفظة واحدة. تقرب وجهها الأبيض الصارم الملامح من وجهي وتمسح دمعة سقطت على خدي وتتصعب على نفسها وعلي. لا تحزني يا بنتي ولا تتهمي نفسك، أنا قدرك يا حبيبتي وهل نهرب من قدرنا؟ أنا التي جعلتك حارسة زنزانتي وحكمت عليك بأن تدخليها معي، والعالم يذهب ويأتي والباب مغلق علينا وحدنا. وتسح الدموع فتنهض واقفة وترف نسمة من ناحيتها فأشعر بجسدها العملاق ورأسها العالية تطل من أعلى، ثم تمضي إلى المطبخ وأسمع صليل المواعين ولهاث الغاز ورنين الملعقة في الأكواب وأعرف أنها ستصنع الشاي وتجلس في الشرفة وتتسلى بضجيج الأولاد والجيران والعربات، وأسأل نفسي من أين تأتي الدموع ومن أي بئر خفي تصعد إلي وتنحدر من الفتحتين اللتين انطفأ فيهما النور. أظل أعصر دماغي وألتقط الطيور السوداء المرفرفة حتى تعاودني الرؤيا ويخيل إلي أنني تذكرت. نعم هي الرؤيا التي تزورني منذ ليال. تزورني ولا تنقطع ليلة واحدة. أخي المرحوم وأختي المرحومة يظهران لي ويمران أمامي مسرعين. يا حسرتي عليك يا عالية وأنت تحاولين أن توقفيهما، تحاولين أن تنادي عليهما، تحاولين وتحاولين وتفتحين فمك العجوز على اتساعه فلا يخرج اسماهما منه. يا حسرتي عليك، نسيتهما يا ترى أم تذكرتهما في المنام وتهشمت الحروف وابتعدت عن بعضها ولم تتلاحم في لفظ يضغط ويضغط ليخرج من اللهاة إلى الحنجرة إلى اللسان لينطلق مسموعا من الفم كما ينطلق الغريق من لجج الماء الطامي في البحر. أختي بوجهها المدور الصبوح وشعرها القصير تدير رأسها نحوي وألمح العتاب المحفور على قسمات وجهها الأبيض كالبنور والمحيط كالسوار الأسود بفمها الواسع الدقيق. معها الحق فكم قصرت في حقها ولم أتردد عليها كثيرا أثناء مرضها، وتمر مسرعة وطيفها النوراني يجرجر وراءه ذيل ردائها الأبيض الممرغ في الطين، وكأنما تشير بالتفاتة من وجهها الحزين إلى أن هذا الطين هو تقصيري الفظيع في حقها. أجري خلفها وفمي ينفتح وينغلق على الفراغ فتنظر بحزن أوجع وأشد وهي تقول: حتى اسمي أيضا نسيته؟ ولا تكاد تختفي حتى تلد الرؤيا وجها آخر شامخ الرأس أسمر البشرة من لفح الشمس متجهم الوجه واسع العينين. هذا هو وجه شقيقي الذي مات في المستشفى بعد أن فتحوا بطنه وكشفوا علته. هذه هي السبابة تشير إلي في حزم وتقول بحروف مؤكدة وواضحة: وصيتك الأولاد يا عالية، وصيتك الأولاد. آه يا شقيقي يا حبة عيني، يا من كانت دخلتك علي تسند ظهري أمام زوجي وأولادي وتشبعني وترويني وترد ماء الورد والحياة إلى وجهي المتعب المصفر، وأجري وراءك وأجري وفمي ينفتح ولا يندفع الاسم إلى باب الفم ولا يتركني أيضا لأتنفس إلا كما تتحشرج الأنفاس في صدور المحتضرين، وتعبر الرؤيا ويغيب الطيب والعيون الواسعة لا تزال تنظر إلي بحزن وحزم، والسبابة لا تزال تشير نحوي منبهة ومحذرة.
وتتوقف الرؤيا ولا يتوقف سيل الدموع. أرفع رأسي وأسند ظهري إلى الحائط ويلهمني الله فأتشهد على نفسي وأردد اسم الجلالة، بعد قليل أتوه ويسرق الظلام روحي فتغرق في الظلام، وما هي إلا لحظات حتى أراها أمامي وأجدني أنادي عليهما ويسمعان ويتكلمان. أصرخ حين أرى وجهه الأبيض المستدير والنور الإلهي يشع منه والبركة تلف جبينه العريض بعمامة خضراء تلمع كالزمرد وتضيء البئر الذي وقف فيه وصدره المشعر ورأسه المدورة تطفو بارزة منه، وأهتف: أبي، أبي، هل أنت المرحوم أم أنت سيدنا الخضر؟ تزداد الزمردة لمعانا وتتمايل أشعتها الخضراء على سطح الماء الذي تنثر منه يداه على صدره ووجهه وشعره وهو يضحك ويقول: أنا أبوك يا عالية وأستحم في نبع الخضر. ألم أنصحك وإخوتك دائما بالطهر والعفاف والاستقامة؟ تعالي يا صغيرة وتطهري معي، ويقول الصوت الهاتف من بئري الراكد: لم أعد صغيرة يا أبي، أنا الآن عجوز في قبوي المظلم، وتسألني يا أبي: عجوز في قبو مظلم؟ ما زلت عبيطة يا عالية، الجميع هنا شباب يا بنتي، الجميع غلمان وبنات يستحمون في نبع الخلود. ويقول الصوت الخارج من بئري المظلم: والجميع هنا في الظلام يا أبي. في الظلام والضوضاء والغبار والقبور الحجرية، وترد علي مشيرا بيدك إلى البعيد البعيد: وهذه أمك آتية من هناك، ستلحق بي لأنثر عليها ماء الخلود.
وأنظر بعين القلب فأراها وأتحقق منها. هي أمي بلحمها ودمها، بوجهها المستطيل النحيف، بأنفها البارز المنحني كالقوس الكبير، بعينيها الضيقتين المكحولتين من أثر الرمد المستديم. هي نفسها التي أغمضت عينيها بيدي وتشهدت وقرأت عليها الفاتحة ليلة ماتت وصاح الديك قبل أن تلفظ نفسها الأخير وأوصتني عليه وعلى شقيقي الغائب في البلد البعيد. أنادي عليها فتلوح بذراعها وتقول: تعالي يا عالية، الماء كثير والخير كثير والبئر يتسع للجميع. أحاول أن أكلمها فتتطاير الكلمات وتتصادم كالطيور السوداء العمياء ويصيح الديك، وأفتح عيني وأحس بأنفاس الحارسة العملاقة تقف على رأسي: الديوك صاحت من زمان وأنت في سابع نومة، قومي افطري
Halaman tidak diketahui