قال: «نعم أذكر وقد كتبت إليه أوصيه بالفتاة خيرا.»
قال: «أظن كتابك ساءه، ولا يبعد أن يكون حمله على الوشاية.»
فقال البطريرك: «ربما ساقه ذلك إلى النكاية بي، ولكنني أعرف سببا آخر كان له تأثير أعظم، ومنه يتبين لك أننا - نحن معشر المسيحيين - نحمل حكامنا المسلمين على ظلمنا، وما ذلك إلا من فساد نياتنا وكثرة خطايانا.»
فتطاول زكريا لسماع ما سيقوله البطريرك.
فقال هذا: «السبب الآخر الذي أعرفه أني دعيت مع رهط من الأساقفة لتكريس كنيسة جديدة في جهة دنشور من أبرشية سخا. فتأخر أسقف هذه الأبرشية عن الحضور. فبدأت بالصلاة قبل حضوره فلما جاء غضب وهجم علي وأنا أقدم القربان المقدس وخطفه من يدي وألقاه على الأرض وخرج فقعدت مجمعا حكم بفصله فأضمر لي السوء ودس لي عند ابن طولون زاعما أن عندي أموالا كثيرة. فبعث ابن طولون إلي بهذا الكتاب. إن الله لا ينصر الظالمين والسيد المسيح لا يتخلى عن رعيته.»
ووقف البطريرك فجأة، فوقف زكريا وتحفز للخروج، فوضع البطريرك يده على كتفه وقال: «تعال معي.» ومشى به نحو الحاجز الذي كان البطريرك وراءه، فأدخله الهيكل، ولم يقع بصر زكريا على ما هناك حتى أجفل وتراجع والتفت إلى البطريرك مأخوذا وعيناه شاخصتان من الرعب، فقال له البطريرك: «لا تخف يا بني، إن هذه الجثث التي تراها أمامك هي جثث آبائنا الأبرار، أسلافنا البطاركة الذين تقدموني في الإشراف على هذه الأديار، وقد حفظت محنطة هنا. ولما اشتد بي القلق في الليل الغابر بكرت في هذا الصباح، ففتحت هذه التوابيت وجعلت أتفرس في وجوههم؛ لأقترب بتصوراتي من العالم الثاني وأعملت الفكرة عسى أن يفتح علي برأي ينقذني وينقذ أولادي الأقباط من هذه الورطة، وشعرت وأنا منفرد بهذه الرمم كأني في مجلس شورى مجرد عن العالم، وكم تمنيت لو نطقت الجثث ولكني استرشدت بأرواحها.»
وكان زكريا واقفا مأخوذا يرتجف من رهبة ما رأى؛ فإنه يعلم أنهم يحفظون جثث البطاركة هناك على هذه الصورة، وتفرس، فرآها لا تزال محفوظة كما تحفظ محنطات الفراعنة، ثم رأى البطريرك قد تنازل قلنسوته، وكان قد وضعها على المذبح، فلبسها وأشرق وجهه وذهب انقباضه. فلما رآه زكريا منبسط الأسارير سري عنه.
أما البطريرك فتحول للخروج من المعبد، وقال: «لقد آن لك أن تقص علينا خبرك يا زكريا.»
فاستبشر وقال: «هل أقول الآن؟»
قال: «قل، ولكنني لم أسألك عن هذا الثوب الذي تلبسه، ومتى دخلت الرهبنة؟» قال ذلك ومشى فتبعه زكريا متأخرا متأدبا وقال: «لم أترهب يا سيدي ، ولكنني تنكرت بهذا اللباس أثناء الطريق، وقد أخذ اللصوص كل ثيابي فلم أستطع تبديله.»
Halaman tidak diketahui