وحينما وصلت دميانة إلى الدير سارت إلى غرفتها لتبديل ثيابها. ومكث زكريا ينتظر خروجها ليخفف عنها ويفكر معها في وسيلة للنجاة من الفخ، فما إن خرجت حتى سارت توا إلى الكنيسة للصلاة ملجأ الحزانى وتعزية المنكوبين وإذا لم يكن في الصلاة غير التعزية لكفى بها متسعا لآمال المؤمن في ساعة ضيقه وحزنه. وقد صدق جمال الدين الأفغاني إذ قال: «إن الذين يسلبون العامة إيمانهم إنما يحرمونهم من أكبر أسباب سعادتهم.»
ودخلت دميانة الكنيسة وجثت أما أيقونة العذراء وقلبها يذوب أسى مما حل بها من النوائب، وأخذت تصلي بإيمان وثيق وتتضرع إلى صاحبة الأيقونة أن تأخذ بيدها وتنجيها من الحبائل التي تصبو لها.
وكانت تصلي ودموعها تتساقط من مكائد الدساسين، وطلبت أن يلهم أباها الصواب؛ لعله يرجع عن إكراهها على الزواج بإسطفانوس إلى أن قالت: «اللهم إني ضعيفة وهم أقوياء اللهم ألهمني ما فيه مرضاتك، إني لا أحب إسطفانوس فهل في ذلك معصية؟ إذا كنت تراني على خطأ فأرني خطئي. إن سعيدا رجل صالح فإن كنت مخطئة فأرنيه كما هو وأبعده عن قلبي.» وكانت تقول ذلك بحرارة وهي تشرق بدموعها وليس في الكنيسة أحد يسمعها.
وسكتت هنيهة ثم قالت: «ربي وإلهي إني ما أزال أرى سعيدا هو النصيب الذي أعددته لي فإن كان الأمر كذلك فأنقذه مما وقع فيه اللهم كما أنقذت مختاريك غير قلب ابن طولون حتى ينصفه، أتوسل إليك بدم السيد الفادي الذي تجسد من أجلنا، إني فتاة مسكينة مظلومة مقصوصة الجناحين، خذ بيدي ألهمني ما أعمل وكيف أصرف أمري أنر طريقي إني لا أريد معصيتك ولا أبتغي إلا رضاك.» وسكتت تمسح دموعها .
فشعرت بارتياح عظيم كأن هاتفا قال لها: «لا تخافي يا دميانة إن الله لا يتركك.» فنهضت ومسحت دموعها وتحولت إلى باب الكنيسة، فرأت زكريا واقفا وقد أطرق وبان الحزن في وجهه فلما وقع نظرها عليه ابتسمت وأشرق محياها وقد اطمأن بالها وذهبت أحزانها.
فأدرك زكريا أن ذلك كله من أثر الصلاة، فاقترب منها مبتسما وقال لها: «اتكلي على الله يا سيدتي؛ فإنه نصير المظلومين.»
فمشت وهي تقول: «ليس لي غيره فهو نعم الوكيل. إنه لا يتركني ولا يتخلى عني.»
فماشاها زكريا خطوتين وقال لها: «لي ما أسره إليك على انفراد.»
فمشت إلى غرفتها وأدخلت زكريا وقالت: «قل ما تريد.»
قال: «أريد منك أن تثقي بي وأن تعملي ما أقول.»
Halaman tidak diketahui