فأظهر زكريا أنه لم ير شيئا من ذلك وقال: «ولماذا؟ ما سبب هذا الغضب.»
قال: «إنهم كشفوا مكيدة دبرها لقتل ابن طولون!»
قال زكريا: «مكيدة؟ وأي مكيدة؟»
قال: «بينما كان ابن طولون راكبا لمشاهدة بناء العين وصل جواده إلى مكان يوهم الناظر إليه مرصوف، فأقبل إليه ووقف عليه فإذا هو قصرية جير فغاصت رجل الجواد فيه لرطوبة الجير، فكبا وسقط ابن طولون في الجير. فعلم أن سعيدا تعمد ذلك لقتله. فأمر به فشقوا ثيابه وضربوه خمسمائة سوط، ثم ساقوه معلولا إلى المطبق. ولا ندري ما يكون أمره في الغد.»
فلما سمعت قوله وعرفت شماتته نظرت إليه، وقالت: «إن سعيدا لا يرتكب مثل هذه الخيانة ولا بد في الأمر من خطأ.»
فرفع إسطفانوس كتفيه وقال: «لا أدري أخطأ أم صواب، وإنما أعلم أن ذلك المسكين السيئ الحظ قد ضرب خمسمائة سوط وسيق إلى المطبق. أصبح الأمل في حياته ضعيفا. حقا إن حالته تدمي القلب! وإذا كنت تبكين لحاله فلا ألومك. مسكين!» قال ذلك وهو يهز رأسه ويظهر الأسف.
فرأت دميانة أنه يتعمد الحط من قدر سعيد بوصفه بالبائس المسكين، فتحول حزنها عليه إلى تحمس له، وقالت: «لا أراه في حاجة إلى هذا التأسف؛ فإن براءته لا تلبث أن تظهر فيعود إلى الحظوة عند صاحب مصر. ولم يفعل ابن طولون ما فعله إلا في سورة غضب طارئ.»
قالت ذلك وهي ترتعد ولم تستطع صبرا على الوقوف، فتحولت نحو الباب وتحول زكريا معها. فقال إسطفانوس: «هل أذهب معك إلى الدير؟ ألا ترين أن الأجدر أن تأتي معي إلى منزلي، وهو أقرب من الدير؟»
فلم تجبه وظلت ماشية، ومشى زكريا في أثرها وإسطفانوس يتبعها قائلا: «أظن دميانة تستطيل الطريق إلى بيتنا وإن كان قصيرا. ولكني أرجو أن يقصر في عينيها وذلك خير لها من أن يكون طويلا فتتعب في سلوكه؛ إذ لا بد لها من الذهاب إليه.» قال ذلك وضحك استخفافا بغضبها ونفورها. فأدركت أنه يشير إلى قرب زواجه بها. فظلت ساكتة وهي تمشي وزكريا معها حتى خرجت من قبة الهواء فلقيت أباها عائدا. فلما رآها تبكي علم سبب بكائها فاستوقفها فوقفت وسلمت عليه وهي تتظاهر بالصداع في رأسها وبأنها تحتاج إلى الراحة فقال: «لا بأس عليك. تعالي ننزل في بيت المعلم حنا إنه أقرب من دير المعلقة.»
فقال زكريا : «إنها ترتاح في الدير لاستئناسها بالراهبات.» فوافقهما مرقص فانصرفا ودخل هو لملاقاة إسطفانوس فقص هذا عليه ما دبره ودسه وأن قصرية الجير إنما وضعت هناك بمساعيه حتى قبض على مناظره وزج به في السجن. فهنأه مرقس بالفوز وأخذا يفكران في الإكليل على أمل أن دميانة لا بد لها من الإذعان لرأي أبيها بعد أن يئست من سعيد.
Halaman tidak diketahui