كانت أسوان آخر حدود مصر من الجنوب، وتبدأ بعدها بلاد النوبة، وكانت مدينة آهلة، فيها تجارة واسعة؛ لما يتبادله فيها التجار على اختلاف مللهم من البضاعة بين مصر والسودان، وكثيرا ما كان النوبيون يسطون عليها ليضموها إلى بلادهم، فيحاربهم المسلمون ويردونهم عنها، وفيها مغارس النخيل الخصبة، وعندها يبتدئ الشلال الأول في النيل ، وهو جنادل تعترض مجرى الماء فيسمع لها دوي وخرير ويتعذر فيه السير على السفن، فيجرونها أو يحملونها حملا حتى تتجاوز تلك المضايق، وعند أسوان كثير من آثار الفراعنة أهمها هيكل أنس الوجود.
وفي عهد روايتنا هذه كان هناك تجاه أسوان في البر الغربي دير يقيم به بعض الرهبان، لا تزال آثاره باقية إلى اليوم، ناهيك بالجبل المجاور لأسوان من جهة الصحراء، وفيه المناجم الصوانية، يقطعون منها الأحجار، وتراها إلى الآن باقية، وفيها الأحجار المقطوعة والحفر المنقورة.
وكان ملك النوبة يومئذ يسمى فيرقي، أو «قيرقي»، وكان طامعا في امتلاك مصر، وإخراجها من يد المسلمين وإعادتها إلى ملك الروم، فكانت الرسل والرسائل تروح وتجيء سرا بين الروم والنوبة بوساطة أسقف مقيم بأسوان، وأحب ملك النوبة في ذلك العام أن يأتي بنفسه ليتصل بالأسقف، فتنكر ونزل بلدة «مسلحة» على حدود النوبة وراء أسوان، ولا يعرفه بها غير نفر من خاصته، وبلغ الأمر سمعان من جماعة كانوا مع قافلة الملك عند خروجها من دنقلة، وتركوها قاصدين مناجم الزمرد.
وبعد يومين من إذن أبي حرملة لدميانة بالرحيل أعدت الركائب لها ولسمعان واستصحبا خادما وجملا يحمل المئونة، والمسافة إلى أسوان قصيرة، فأشرفوا عليها في الأصيل، فقال سمعان: «إننا على مقربة من أسوان، وهذا جبلها المشهور يقطعون منه الأحجار لنحت التماثيل فينبغي أن نتجاوز أسوان إلى الجنوب.»
قالت: «ولماذا لا ننزلها؟ فقد بلغني أن فيها ديرا ذا كرامة أحب أن أزوره.»
قال: «إن الدير على البر الآخر لا نصل إليه إلا بعد اجتياز النيل، ولا بد من ذهابنا إليه، أما الآن فعلينا أن نقابل الملك.»
قالت: «وأي ملك؟»
قال: «ملكنا ... ملك النوبة.»
قالت: «ألا يقيم بأسوان؟»
قال: «كلا، إنه لا ينزل أسوان؛ فهي ليست في مملكته، ولكنه ينزل في بلدة مسلحة وراء الشلال، وفيها حامية من رجاله.»
Halaman tidak diketahui