Mimpi Dari Bapa: Kisah Mengenai Bangsa dan Warisan
أحلام من أبي: قصة عرق وإرث
Genre-genre
ومع ذلك فهؤلاء الرجال كانوا يعرفون البلد جيدا، أو أجزاء منها على الأقل، وحتى المخابئ التي دفنت فيها الهياكل العظمية. وعلى الغداء أو أثناء محادثات عابرة كانوا يخبرونها أشياء لم تكن تعرفها من الأخبار الصحفية التي تنشر. شرحوا لها كيف أن سوكارنو قد سبب قلقا شديدا للحكومة الأمريكية التي كانت تنتابها الهواجس بالفعل بسبب زحف الشيوعية عبر الهند الصينية، وخطبه الرنانة وسياسة عدم الانحياز، لقد كان سيئا بالضبط مثل لومومبا أو جمال عبد الناصر، لكنه كان أسوأ بسبب الأهمية الاستراتيجية لإندونيسيا. وانتشرت شائعات تقول إن وكالة الاستخبارات الأمريكية قد لعبت دورا في الانقلاب، مع أن أحدا لم يكن متأكدا من هذا. لكن الأمر الأكيد هو أن القوات العسكرية بعد الانقلاب اجتاحت الريف بحثا عن متعاطفين مع النظام الشيوعي. وكان عدد القتلى عرضة للتقديرات المختلفة؛ فالبعض قدره ببضع مئات من الآلاف أو ربما نصف مليون. وحتى رجال المخابرات المحنكون لم يعرفوا العدد.
وقد علمت أمي من التلميحات والهمسات الجانبية أننا وصلنا إلى جاكرتا بعد أقل من عام من أكثر حملات القمع وحشية وسرعة في العصر الحديث. وامتلأت نفسها خوفا من فكرة أنه يمكن ابتلاع التاريخ بهذا الشكل، بالطريقة نفسها التي يمكن للأرض الثرية والخصبة ابتلاع أنهار الدماء التي كانت تتدفق في الشوارع، والطريقة التي استطاع بها الناس استكمال أعمالهم وفوق رءوسهم صور عملاقة للرئيس الجديد كما لو أن شيئا لم يحدث، كشعب منشغل بتطوير نفسه. وعندما اتسعت دائرة أصدقائها من الإندونيسيين كان بعضهم على استعداد لأن يخبرها بقصص أخرى عن الفساد الذي تفشى في الجهات الحكومية، وعمليات الابتزاز التي تنفذها الشرطة والجيش، والصناعات التي نشأت من أجل عائلة الرئيس وحاشيته. وبعد كل قصة جديدة كانت تذهب إلى لولو وتسأله سرا: «هل هذا صحيح؟»
وهو لم يكن يخبرها شيئا. وكلما ازدادت أسئلتها أصبح هو أكثر تمسكا بصمته الهادئ. وكان يسألها: «لماذا تقلقين نفسك بمثل هذه الأحاديث؟» ويستفسر منها قائلا: «لم لا تشترين ثوبا جديدا للحفل؟» وفي النهاية، اشتكت لأحد أقرباء لولو، وهو طبيب أطفال كان يرعى لولو أثناء الحرب.
وقد قال لها قريبه برفق: «إنك لا تفهمين.» «أفهم ماذا؟» «ظروف عودة لولو. إنه لم يخطط للعودة من هاواي بهذه السرعة كما تعرفين. ففي أثناء التطهير استدعي جميع الطلاب الذين يدرسون بالخارج دون تفسير، وسحبت منهم جوازات السفر. وعندما هبط لولو من الطائرة لم تكن لديه فكرة عما قد يحدث بعد ذلك. إننا حتى لم نره؛ فقد اصطحبه المسئولون بالجيش واستجوبوه، وأخبروه أنه جرى تجنيده وسيذهب لأدغال غينيا الجديدة لمدة سنة. لقد كان من المحظوظين. إذ كان حال الطلاب الذين كانوا يدرسون في دول الكتلة الشرقية أسوأ كثيرا. الكثير منهم لا يزالون في السجن. أو اختفوا.»
وقال لها مرة أخرى: «ينبغي ألا تقسي على لولو.» وتابع: «من الأفضل أن ينسى المرء مثل هذه الأوقات.»
غادرت أمي منزل قريبه وهي تشعر بدوار. وفي الخارج كانت الشمس في كبد السماء والهواء مليء بالغبار، لكن بدلا من أن تستقل سيارة أجرة إلى المنزل بدأت تسير دون أن تعرف إلى أين تتجه. ووجدت نفسها في حي للأثرياء حيث يقطن الدبلوماسيون وقادة الجيش في منازل واسعة لها بوابات عالية من الحديد المطروق. ورأت سيدة حافية القدمين ترتدي شالا ممزقا تعبر بوابة مفتوحة وتسير على الطريق الذي يقود إلى داخل المنزل حيث كان مجموعة من الرجال يغسلون أسطولا من السيارات من طراز مرسيدس-بنز، ولاند روفر. صاح فيها أحد الرجال وأمرها أن تغادر، لكن المرأة وقفت في مكانها، ومدت أمامها يدا ضامرة تستجدي بها والظلال تخفي وجهها. وفي النهاية وضع رجل آخر يده في جيبه ورمى إليها بضع عملات. ركضت المرأة خلف العملات بسرعة مذهلة وهي ترفع عينيها من حين لآخر تتفحص الطريق في شك، وهي تجمع النقود وتضعها في جيب صدرها. «القوة». علقت الكلمة في ذهن أمي مثل اللعنة. في أمريكا تظل مسألة القوة هذه بصفة عامة مختفية عن الأنظار حتى يبحث المرء بنفسه أسفل السطح؛ أي حتى يزور أحد الأماكن المغلقة المخصصة لقبائل الهنود الحمر أو يتحدث إلى شخص أسود بعد أن يكسب ثقته. لكن القوة هنا واضحة لا تعرف تمييزا، عارية، دائما حية في ذاكرتك. لقد أخذت القوة لولو وأعادته مرة أخرى في الوقت الذي ظن فيه أنه هرب منها، مما جعله يشعر بأهميتها، وجعلته يدرك أن حياته ليست ملكه. هكذا سارت الأمور؛ فالمرء لا يستطيع أن يغير شيئا، كل ما يمكنه فعله هو أن يعيش وفقا للقواعد، وهي قواعد بسيطة إذا تعلمها. وهكذا عقد لولو معاهدة سلام مع القوة، وتعلم حكمة النسيان. بالضبط كما فعل زوج أخته الذي جمع الملايين من عمله كمسئول رفيع المستوى في شركة نفط قومية، وبالضبط كما حاول شقيق آخر له أن يفعل إلا أنه أخطأ في حساباته وآل به الحال الآن إلى سرقة قطع من الفضة كلما جاء في زيارة، وبيعها بعد ذلك مقابل السجائر.
وتذكرت ما أخبرها به لولو ذات مرة عندما مست أسئلتها المتواصلة موضوعا حساسا. إذ قال: «الإحساس بالذنب رفاهية لا يقدر عليها سوى الأجانب، مثل قول ما يبدر إلى ذهنك.» إنها لم تكن تعرف ما يبدو عليه الأمر عندما يخسر المرء كل شيء، عندما يستيقظ ويجد أحشاءه تتقطع من الجوع. لم تعرف كم من الممكن أن يكون الطريق إلى الأمن مزدحما وغادرا. فمن دون التركيز المطلق، من السهل أن ينزلق المرء ويعود إلى الوراء.
إنه محق بالطبع. إنها أجنبية، بيضاء من الطبقة المتوسطة جذورها تحميها، سواء أكانت تريد الحماية أم لا. فبإمكانها دائما أن تغادر إذا ما ساءت الأمور . وهذه الإمكانية كانت تنفي أي شيء من الممكن أن تقوله للولو، وهذا هو الحاجز الذي لا يمكن اختراقه بينهما. وفي تلك اللحظة نظرت من النافذة ووجدت أنني ولولو قد انتقلنا من مكاننا والحشائش أصبحت مسطحة في المكان الذي كنا نجلس فيه. هذا المشهد جعلها ترتجف، فنهضت على قدميها وقد ملأها رعب مفاجئ.
إن القوة تأخذ ابنها. •••
وعندما أعود وأفكر في تلك الفترة أجد أنني لست واثقا بأن لولو كان يفهم جيدا ما كانت أمي تمر به في تلك السنوات، ولماذا كانت الأشياء التي كان يبذل قصارى جهده ليوفرها لها تزيد المسافة بينهما. إنه لم يكن رجلا يطرح على نفسه مثل هذه الأسئلة، بل كان يحافظ على تركيزه، وعلى مدار الفترة التي عشناها في إندونيسيا استمر نجمه في الصعود. وبمساعدة زوج شقيقته حصل على عمل جديد في مكتب العلاقات الحكومية بشركة نفط أمريكية. وانتقلنا إلى منزل في حي أفضل، وحلت السيارة محل الدراجة البخارية، وحل التليفزيون ومذياع لبث الصوت بكفاءة عالية محل التماسيح والقرد تاتا، وأصبح بإمكان لولو أن يحجز لنا عشاء في نادي الشركة. وفي بعض الأحيان كنت أسمعه وأمي يتجادلان في غرفة نومهما عن رفضها حضور حفلات العشاء التي تقيمها الشركة حيث يربت رجال الأعمال الأمريكيون من تكساس ولويزيانا على ظهر لولو ويتفاخرون بالرشا التي دفعوها للحصول على حقوق التنقيب عن النفط في الحقول البحرية الجديدة، في حين تشتكي زوجاتهم لأمي من طبيعة المساعدة الإندونيسية. وكان يسألها كيف سيكون شكله إذا ذهب وحده، ويذكرها بأنهم شعبها، وهنا يعلو صوت أمي ليصبح صراخا تقريبا.
Halaman tidak diketahui