أحكام تمني الموت
تأليف: شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب ﵀
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، اللهم صل على محمد وآله وصحبه وسلم.
عن أنس قال: قال رسول الله ﷺ: "لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به، فإن كان لا بد متمنيا، فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي " ١ ٢.
ولمسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: "لا يتمنين أحدكم الموت، ولا يدع به من قبل أن يأتيه، إنه إذا مات أحدكم، انقطع عمله، وإنه لا يزيد المؤمن عمره إلا خيرا" ٣.
وللبخاري عنه مرفوعا: "لا يتمنين أحدكم الموت، إما محسنا فلعله أن يزداد، وإما مسيئا فلعله أن يستعتب" ٤.
ولأحمد والحاكم عن جابر قال رسول الله ﷺ: "لا تمنوا الموت، فإن هول المطلع شديد، وإن من السعادة أن يطول عمر العبد حتى يرزقه الله الإنابة" ٥.
وقال أنس: "لولا أن رسول الله ﷺ نهانا عن تمني الموت لتمنيناه" أخرجاه.
ولأحمد حديث أبي هريرة: "إلا أن يكون قد وثق بعمله" ٦.
وعن أبي بكرة "أن رجلا قال: يا رسول الله، أي الناس خير؟ قال: من طال عمره، وحسن عمله. قال: فأي الناس شر؟ قال: من طال عمره، وساء عمله" ٧ صححه الترمذي.
_________
١ البخاري: المرضى (٥٦٧١) والدعوات (٦٣٥١)، ومسلم: الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (٢٦٨٠)، والترمذي: الجنائز (٩٧١)، والنسائي: الجنائز (١٨٢٠،١٨٢١)، وابن ماجه: الزهد (٤٢٦٥)، وأحمد (٣/١٠١،٣/١٠٤،٣/١٧١،٣/١٩٥،٣/٢٠٨،٣/٢٤٧،٣/٢٨١) .
٢ أخرجه الجماعة بألفاظ متقاربة.
٣ مسلم: الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (٢٦٨٢)، وأحمد (٢/٣١٦،٢/٣٥٠) .
٤ البخاري: المرضى (٥٦٧٣) .
٥ أحمد (٣/٣٣٢) .
٦ أحمد (٢/٣٥٠) .
٧ الترمذي: الزهد (٢٣٣٠)، وأحمد (٥/٤٠،٥/٤٣،٥/٤٧،٥/٤٨،٥/٤٩،٥/٥٠)، والدارمي: الرقاق (٢٧٤٢) .
1 / 3
ولأحمد عن أبي هريرة قال: "كان رجلان من بلي، وهم حي من قضاعة، أسلما مع رسول الله ﷺ فاستشهد أحدهما، وأخر الآخر سنة، قال طلحة بن عبيد الله: فرأيت الجنة، فرأيت المؤخر منهما أدخل قبل الشهيد، فتعجبت لذلك، فأصبحت، فذكرت ذلك للنبي ﷺ فقال: أليس قد صام بعده رمضان، وصلى ستة آلاف ركعة، أو كذا وكذا ركعة، صلاة السنة".
وله عن طلحة مرفوعا. "ليس أحد أفضل عند الله من مؤمن يعمر في الإسلام، لتسبيحه وتكبيره وتهليله" ١ وفي حديث الرؤيا: "وإذا أردت بقوم فتنة، فاقبضني إليك غير مفتون" ٢.
وأخرج مالك عن عمر أنه قال: "اللهم قد ضعفت قوتي، وكبرت سني، وانتشرت رعيتي، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مقصر. فما جاوز ذلك الشهر حتى قبض".
وأخرج أحمد عن عليم الكندي قال: "كنت مع أبي عبس الغفاري على سطح، فرأى قوما يتحملون ٣ من الطاعون، فقال: يا طاعون خذني إليك. ثلاثا يقولها، فقال له عليم: لم تقول هذا؟ ألم يقل رسول الله ﷺ: لا يتمنى أحدكم الموت، فإنه عند ذلك انقطاع عمله، ولا يرد فيستعتب؟ فقال أبو عبس: أنا سمعت رسول الله ﷺ يقول: بادروا بالموت ستا، إمارة السفهاء، وكثرة الشرط، وبيع الحكم، واستخفافا بالدم، وقطيعة الرحم، ونشوا اتخذوا القرآن مزامير، يقدمون الرجل ليغنيهم بالقرآن، وإن كان أقلهم فقها" ٤.
وللحاكم عن الحسن عن ابن عمر مثله، وأخرج ابن سعد عن أبي هريرة مثله، لكن ذكر
_________
١ أحمد (١/١٦٣) .
٢ أخرجه أحمد والترمذي عن ابن عباس.
٣ أي يرتحلون هربا منه.
٤ أحمد (٣/٤٩٤) .
1 / 4
التهاون بالذنب بدل الدم، وللطبراني عن عمرو بن عبسة: "لا يتمنى أحدكم الموت، إلا أن يثق بعمله، فإن رأيتم في الإسلام ستا فتمنوا الموت، وإن كانت نفسك بيدك فأرسلها"، فذكر كما تقدم.
وأخرج الحاكم في المستدرك عن ابن عمرو مرفوعا: "تحفة المؤمن الموت".
ولأحمد وسعيد عن محمود بن لبيد مرفوعا: "اثنتان يكرههما ابن آدم، يكره الموت والموت خير له من الفتنة، ويكره قلة المال وقلة المال أقل للحساب" ١.
وأخرج أبو نعيم عن عمر بن عبد العزيز قال: "إنما خلقتم للأبد، ولكنكم تنقلون من دار إلى دار".
وأخرج سعيد في سننه عن علي في قوله: ﴿وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا﴾ ٢ قال: "هي الملائكة تنزع أرواح الكفار. ﴿وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا﴾ ٣ هي الملائكة تنشط أرواح الكفار ما بين الأظفار والجلد حتى تخرجها. ﴿وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا﴾ ٤ هي الملائكة تسبح بأرواح المؤمنين بين السماء والأرض. ﴿فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا﴾ ٥ هي الملائكة يسبق بعضها بعضا بأرواح المؤمنين إلى الله".
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: ﴿وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا﴾ ٦ قال: "هي أنفس الكفار تنزع ثم تنشط ثم تغرق في النار".
وأخرج عن الربيع بن أنس في قوله: ﴿وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا﴾ ٧ قال: "هاتان الآيتان للكفار عند نزع النفس، تنشط نشطا عنيفا مثل سفود جعلته في صوف فكان خروجه شديدا، ﴿وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا (فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا﴾ ٨ قال: هاتان للمؤمنين".
_________
١ أحمد (٥/٤٢٧) .
٢ سورة النازعات آية: ١.
٣ سورة النازعات آية: ٢.
٤ سورة النازعات آية: ٣.
٥ سورة النازعات آية: ٤.
٦ سورة النازعات آية: ١.
٧ سورة النازعات آية: ١-٢.
٨ سورة النازعات آية: ٣-٤.
1 / 5
وأخرج عن السندي في قوله: ﴿وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا﴾ ١ قال: "النفس حين تغرق في الصدر".
وأخرج مسلم عن ابن مسعود قال: لما أسري برسول الله ﷺ فانتهى إلى سدرة المنتهى، وإليها ينتهي ما يعرج من الأرواح - وفي حديث الإسراء عن أبي هريرة: "ثم انتهى إلى سدرة، فقيل له: هذه السدرة ينتهي إليها كل أحد خلا من أمتك على سبيلك". أخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم.
ولمسلم عن أبي هريرة قال: "إذا خرج روح المؤمن تلقاها ملكان فصعدا بها، فذكر من طيبها، وتقول أهل السماء: روح طيبة جاءت من قبل الأرض، صلى الله عليك وعلى جسد كنت تعمرينه. فينطلقون به إلى ربه تعالى، ثم يقول: انطلقوا به إلى آخر الأجل. وإن الكافر إذا خرجت روحه، فذكر من نتنها، وذكر لعنا، ويقول أهل السماء: روح خبيثة جاءت من قبل الأرض، فيقال: انطلقوا به إلى آخر الأجل".
ولأحمد وابن حبان والحاكم وغيرهم عنه أن النبي ﷺ قال: "إن المؤمن إذا قبض أتته ملائكة الرحمة بحرير أبيض، فيقولون: اخرجي راضية مرضيا عنك إلى روح الله وريحان ورب غير غضبان، فتخرج كأطيب ريح المسك، حتى إنه ليناوله بعضهم بعضا فيشمونه حتى يأتوا به باب السماء فيقولون: ما أطيب هذه الريح التي جاءت من قبل الأرض! كلما أتوا سماء قالوا ذلك، حتى يأتوا به أرواح المؤمنين، فلهم أفرح به من أحدكم بغائبه إذا قدم عليه، فيسألونه: ما فعل فلان؟ فيقولون: دعوه حتى يستريح، فإنه كان في غم الدنيا، فإذا قيل لهم: ما أتاكم؟ فإنه قد مات، يقولون: ذهب به إلى أمه الهاوية. وأما الكافر فتأتيه ملائكة
_________
١ سورة النازعات آية: ١.
1 / 6
العذاب بمسح، فيقولون: اخرجي ساخطة مسخوطا عليك إلى عذاب الله وسخطه، فتخرج كأنتن ريح جيفة، فينطلقون إلى باب الأرض، فيقولون: ما أنتن هذه الريح!. كلما أتوا على أرض قالوا ذلك، حتى يأتوا به أرواح الكفار".
وأخرج هناد وعبد في تفسيره، والطبراني بسند رجاله ثقات، عن عبد الله بن عمرو قال: "إذا قتل العبد في سبيل الله، فأول قطرة تقع على الأرض من دمه يكفِّر الله له ذنوبه كلها، ثم يرسل الله بريطة ١ من الجنة، فتقبض فيها نفسه، وبجسد من الجنة حتى تركب فيه روحه، ثم يعرج مع الملائكة كأنه كان معهم منذ خلقه الله، حتى يؤتى به الرحمن، فيسجد قبل الملائكة، ثم تسجد الملائكة بعده، ثم يغفر له ويطهر، تم يؤمر به إلى الشهداء، فيجدهم في رياض خفر وقباب من حرير، عندهم ثور وحوت يلقنانهم كل يوم بشيء لم يلقناه بالأمس، يظل الحوت في أنهار الجنة، فإذا أمسى وكزه الثور بقرنه، فذكاه، فأكلوا من لحمه، فوجدوا في طعم لحمه كل رائحة من ريح الجنة، ويبيت الثور نافشا ٢ في الجنة، يأكل من ثمر الجنة، فاذا أصبح غدا عليه الحوت فذكاه بذنبه، فأكلوا من لحمه، فوجدوا في طعم لحمه كل ثمرة من الجنة، ينظرون إلى منازلهم، يدعون الله بقيام الساعة.
وإذا توفى الله العبد المؤمن، أرسل إليه ملكين بخرقة من الجنة وريحان من ريحان الجنة، فقالا: أيتها النفس الطيبة. اخرجي إلى روح وريحان
_________
١ في النهاية: الريطة كل ثوب رقيق لين.
٢ النقش: الرعي ليلا.
1 / 7
ورب غير غضبان، اخرجي فنعم ما قدمت، فتخرج كأطيب رائحة مسك وجدها أحدكم بأنفه، وعلى أرجاء السماء ملائكة يقولون: سبحان الله! لقد جاء من الأرض اليوم ريح طيبة، فلا يمر بباب إلا فتح له، ولا ملك إلا صلى عليه وشفع، حتى يؤتى به ربه (فتسجد الملائكة قبله، ثم يقولون: ربنا، هذا عبدك فلان، توفي وأنت أعلم به، فيقول: مروه بالسجود، فتسجد النسمة، ثم يدعى ميكائيل فيقال: اجعل هذه النسمة مع أنفس المؤمنين، حتى أسألك عنها يوم القيامة، فيؤمر بقبره، فيوسع له، طوله سبعون، وعرضه سبعون، وينبذ فيه الريحان، ويبسط له فيه الحرير، وإن كان معه شيء من القرآن نوره، والا جعل له مثل نور الشمس، ثم يفتح له باب إلى الجنة، فينظر إلى مقعده من الجنة، بكرة وعشيا.
وإذا توفى الله العبد الكافر، أرسل إليه ملكين وأرسل إليه بقطعة بجاد ١ أنتن من كل نتن، وأخشن من كل خشن، فقالا: أيتها النفس الخبيثة، اخرجي إلى جهنم وعذاب أليم ورب عليك ساخط، اخرجي، فساء ما قدمت، فتخرج كأنتن جيفة وجدها أحدكم بأنفه قط، وعلى أرجاء السماء ملائكة يقولون: سبحان الله! لقد جاء من الأرض جيفة ونسمة خبيثة، لا يفتح لها باب السماء، فيؤمر بجسده، فيضيق عليه في القبر، ويملأ حيات مثل أعناق البخت تأكل لحمه، فلا تدع من عظامه شيئا، ثم يرسل الله ملائكة صما عميا، معهم فطاطيس ٢ من حديد، لا يبصرونه
_________
١ هو الكساء الغليظ.
٢ قطع ثقيلة منفرشة.
1 / 8
فيرحمونه، ولا يسمعون صوته فيرحمونه، فيضربونه، ويخبطونه، ويفتح له باب من النار، فينظر إلى مقعده من النار، بكرة وعشية، يسأل الله أن يديم ذلك عليه، فلا يصير إلى ما وراءه من النار".
وأخرج البيهقي وغيره عن أبي موسى قال: "تخرج نفس المؤمن وهي أطيب ريحا من المسك" ١ الحديث، وأخرجه أبو داود بنحوه، وفيه: "فيصعد به من الباب الذي كان يصعد عمله منه" وفي آخره في الكافر: "فيردوه إلى أسفل الأرضين الثرى".
وأخرج ابن أبي حاتم وغيره عن ابن عباس في قوله: ﴿وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ﴾ ٢ قال: "قيل من يرقى بروحه، ملائكة الرحمة أو ملائكة العذاب؟ ".
وفي الصحيحين: حديث الرجل الذي اختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب ٣. وأخرج سعيد في سننه عن الحسن قال: "إذا احتضر المؤمن حضره خمسمائة ملك، فيقبضون روحه، فيعرجون به إلى السماء، فتلقاهم أرواح المؤمنين الماضية، فيريدون أن يستخبروه، فتقول لهم الملائكة: ارفقوا به، فإنه خرج من كرب عظيم، ثم يستخبرونه، حتى يستخبر الرجل عن أخيه وعن صاحبه، فيقول: هو كما عهدت، حتى يستخبرونه عن إنسان قد مات قبله، فيقول: أوما أتى عليكم؟ فيقولون: أوقد هلك؟ فيقول: إي والله، فيقولون: قد ذهب به إلى أمه الهاوية، فبئست الأم، وبئست المربية".
_________
١ أحمد (٣/٣٨٤) .
٢ سورة القيامة آية: ٢٧.
٣ هو الذي قتل مائة نفس فسأل هل له من توبة؟.
1 / 9
وللحاكم في المستدرك عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف: "أن أباه مرض مرضا، فأغمي عليه، حتى ظنوا أنه قد فاضت نفسه، حتى قاموا من عنده، وجللوه ثوبا، ثم أفاق، فقال: إنه أتاني ملكان فظان غليظان، فقالا: انطلق بنا نحاكمك إلى العزيز الأمين، فذهبا به، فلقيهما ملكان، هما أرق منهما وأرحم، فقالا: أين تذهبان؟ قالا: نحاكمه إلى العزيز الأمين، فقالا: دعاه، فإنه ممن سبقت له السعادة وهو في بطن أمه، وعاش بعد ذلك شهرا، ثم توفي (".
وقال سعيد في سننه: حدثنا سفيان عن عطاء: "أن سلمان أصاب مسكا، فاستودعه امرأته، فلما حضره الموت، قال: أين الذي كنت استودعتك؟ قالت: هو ذا. قال: فأديفيه ١ بالماء ورشيه حول فراشي، فإنه يحضرني خلق من خلق الله لا يأكلون الطعام، ولا يشربون الشراب، ويجدون الريح".
وأخرج ابن أبي الدنيا عن مكحول قال: قال عمر: "احضروا موتاكم، وذكروهم، فإنهم يرون ما لا ترون".
ولسعيد عن الحسن عن عمر: "احضروا موتاكم، ولقنوهم لا إله إلا الله، فإنهم يرون ويقال لهم".
وله عن مكحول عنه: "لقنوا موتاكم لا إله إلا الله، واعقلوا ما تسمعون من المطيعين، فإنه يجلى لهم أمور صادقة".
ولابن أبي شيبة عن يزيد بن شجرة الصحابي قال: "ما من ميت يموت حتى يمثل له جلساؤه عند موته، إن كانوا أهل لهو فأهل لهو، وإن كانوا أهل ذكر فأهل ذكر".
_________
١ أي بليه بالماء واخلطيه.
1 / 10
ولابن أبي الدنيا عن مجاهد نحوه، وذكر البيهقي قول الرجل حين لقن: اشرب واسقني، وقول الآخر: ده يازده.
وأخرج ابن أبي الدنيا عن حنظلة بن الأسود قال: "مات مولاي، فجعل يغطي وجهه مرة، ويكشفه أخرى، فذكرت ذلك لمجاهد، فقال: بلغنا أن نفس المؤمن لا تخرج حتى يعرض عليه عمله، خيره وشره".
وأخرج ابن عساكر عن عبد الرحمن ١: "أن معاذ بن جبل طعن ابنه عام عمواس، فمات، فصبر واحتسب، فلما طعن في كفه قال: حبيب جاء على فاقة، لا أفلح من ندم، قال: فقلت يا معاذ هل ترى شيئا ٢؟ شكر لي ربي حسن عزائي. أتاني روح ابني، فبشرني أن محمدا ﷺ في مائة صف من الملائكة المقربين والشهداء والصالحين، يصلون على روحي، ويسوقوني إلى الجنة. ثم أغمي عليه، فرأيته كأنه يصافح قوما، ويقول: مرحبا مرحبا، أتيتكم، فقضى. فرأيته في المنام بعد ذلك حوله زحام كزحامنا على خيل بلق عليهم ثياب بيض، وهو ينادي: يا سعد بين رامح ومطعون، الحمد لله الذي أورثنا الجنة نتبوأ منها حيث نشاء، فنعم أجر العاملين، ثم انتبهت".
وأخرج الشيخان عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى عليه الله وسلم قال: "من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه. فقالت عائشة ﵂: إنا نكره الموت، قال: ليس
_________
١ بياض بالأصل.
٢ بياض بالأصل.
1 / 11
ذلك، ولكن المؤمن إذا حضره الموت بشر برضوان الله وكرامته، فليس شيء أحب إليه مما أمامه، وأحب لقاء الله وأحب الله لقاءه. وإن الكافر إذا حضر بشر بعذاب الله وعقوبته، فليس شيء أكره إليه مما أمامه، وكره لقاء الله وكره الله لقاءه".
وقال آدم بن أبي إياس: حدثنا حماد بن أبي ١ سلمة عن عطاء بن السائب عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: "تلا رسول الله ﷺ هذه الآيات: ﴿فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ﴾ ٢ الآيات، ثم قال: إذا كان عند الموت قيل له هذا، فإن كان من أصحاب اليمين، أحب لقاء الله" إلخ، كما تقدم، وأخرجه أحمد بمعناه، وفيه: عن عبد الرحمن حدثني فلان بن فلان أنه سمع رسول الله ﷺ.
وأخرج ابن جرير وغيره عن ابن جريج قال: قال النبي ﷺ لعائشة: "إذا عاين المؤمن الملائكة، قالوا: نرجعك إلى الدنيا؟ فيقول: إلى دار الهموم والأحزان، قدما إلى الله. وأما الكافر فيقولون: نرجعك؟ فيقول: رب ارجعون، لعلي أعمل صالحا فيما تركت".
وللترمذي وابن جرير عن ابن عباس: "من كان له مال يبلغه حج بيت ربه، أو تجب عليه فيه زكاة فلم يفعل، سأل الرجعة عند الموت. فقال رجل: يا ابن عباس اتق الله، فإنما يسأل الرجعة الكفار، فقال: سأتلو عليكم بذلك قرآنا: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ﴾ ٣ الآية.
_________
١ كذا بالأصل، ولعله ابن سلمة.
٢ سورة الواقعة آية: ٨٣.
٣ سورة المنافقون آية: ٩.
1 / 12
ولابن أبي حاتم عن عبادة في قوله ﴿فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ﴾ ١ قال: "الروح الرحمة، والريحان يتلقى به عند الموت".
وله عن "ابن عباس في قوله ﴿فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ﴾ ٢ قال: "لا يخرج الكافر من دار الدنيا حتى يشرب كأسا من حميم".
ولابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن البراء بن عازب في قوله: ﴿تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ﴾ ٣ قال: "يوم يلقون ملك الموت، ليس من مؤمن تقبض روحه إلا سلم عليه".
ولابن أبي الدنيا وغيره عن ابن مسعود قال: "إذا جاء ملك الموت ليقبض روح المؤمن قال: ربك يقرئك السلام".
ولابن المبارك والبيهقي عن محمد بن كعب: إذا استنقعت نفس العبد المؤمن، جاءه ملك الموت، فقال: السلام عليك يا ولي الله، الله يقرأ عليك السلام. ثم نزع بهذه الآية: ﴿الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ﴾ ٤.
ولابن جرير وغيره عن الضحاك في قوله: ﴿لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ﴾ ٥ قال: يعلم أين هو قبل الموت.
_________
١ سورة الواقعة آية: ٨٩.
٢ سورة الواقعة آية: ٩٣.
٣ سورة الأحزاب آية: ٤٤.
٤ سورة النحل آية: ٣٢.
٥ سورة يونس آية: ٦٤.
1 / 13
ولابن أبي الدنيا عن جابر مرفوعا: أما قوله ﴿فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ فهي الرؤيا الحسنة ترى للمؤمن فيبشر بها في دنياه، وأما قوله ﴿وَفِي الْآخِرَةِ﴾ فبشارة المؤمن عند الموت، يبشر عند الموت أن الله قد غفر لك ولمن حملك إلى قبرك".
وأخرج البيهقي عن مجاهد في قوله ﴿تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ﴾ ١ الآية: ذلك عند الموت.
ولابن أبي حاتم عنه في الآيه: ﴿أَلَّا تَخَافُوا﴾ مما تقدمون عليه من الموت وأمر الآخرة ﴿وَلا تَحْزَنُوا﴾ على ما خلفتم من أمر دنياكم من ولد وأهل أو دين، فإنه سيخلفكم في ذلك كله.
وله عن زيد بن أسلم في الآية: يبشر بها عند موته وفي قبره ويوم يبعث، فإنه لفي الجنة وما ذهبت فرحة البشارة من قلبه.
وقال سفيان: يبشر بثلاث بشارات، عند الموت، وإذا خرج من القبر، وإذا فزع.
ولمسلم عن أبي هريرة مرفوعا: "ألم تروا الإنسان إذا مات شخص بصره; قالوا: بلى. قال: فذلك حين يتبع بصره نفسه" ٢.
ولابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: ﴿ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ﴾ ٣ قال: "القريب ما بينه وبين أن ينظر إلى ملك الموت".
_________
١ سورة فصلت آية: ٣٠.
٢ مسلم: الجنائز (٩٢١) .
٣ سورة النساء آية: ١٧.
1 / 14
أخرج أحمد وغيره عن أبي سعيد أن النبي ﷺ قال: "إن الميت يعرف من يغسله ويحمله ومن يكفنه ومن يدليه في حفرته" ١. وأخرج أبو نعيم وغيره عن عمرو بن دينار قال: "ما من ميت يموت إلا روحه في يد ملك الموت ينظر إلى جسده، كيف يغسل، وكيف يكفن، وكيف يمشى به، ويقال له وهو على سريره: اسمع ثناء الناس عليك".
وأخرج ابن أبي الدنيا معناه عن جماعة من التابعين بلفظ: بيد ملك. بلا إضافة.
وللشيخين عن أنس: "أن النبي ﷺ وقف على قتلى بدر فقال: يا فلان بن فلان، يا فلان بن فلان، هل وجدتم ما وعد ربكم حقا؟ فإني وجدت ما وعدني ربي حقا. فقال عمر: يا رسول الله، كيف تكلم أجسادا لا أرواح فيها؟ فقال: ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، غير أنهم لا يستطيعون أن يردوا علي شيئا ".
ولهما عن أبي سعيد مرفوعا: "إذا وضعت الجنازة واحتملها الرجال على أعناقهم، فإن كانت صالحة قالت: قدموني، وإن كانت غير صالحة قالت: يا ويلاه. فيسمع صوتها كل شيء إلا الإنسان، ولو يسمعه الإنسان لصعق" ٢.
أخرج سعيد في سننه عن ابن عقلة قال: "إن الملائكة لتمثل أمام الجنازة ويقولون،: ما قدم فلان؟ ويقول الناس: ما ترك فلان"؟
وللترمذي وابن أبي حاتم وغيرهما عن أنس مرفوعا: "ما من إنسان إلا له بابان في السماء، باب يصعد منه عمله، وباب ينزل منه رزقه، فإذا مات العبد المؤمن، بكيا عليه" ٣.
_________
١ أحمد (٣/٣) .
٢ البخاري: الجنائز (١٣١٤)، والنسائي: الجنائز (١٩٠٩)، وأحمد (٣/٤١،٣/٥٨) .
٣ الترمذي: تفسير القرآن (٣٢٥٥) .
1 / 15
ولابن جرير عن ابن عباس "أنه سئل عن قوله: ﴿فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ﴾ ١ هل تبكي السماء والأرض على أحد؟ قال: نعم، إنه ليس أحد من الخلائق إلا له باب في السماء منه ينزل رزقه وفيه يصعد عمله، فإذا مات المؤمن، فأغلق بابه من السماء الذي كان يصعد فيه عمله وينزل منه رزقه، فقد بكى عليه. وإذا فقده مصلاه من الأرض التي كان يصلي فيها، ويذكر الله فيها، بكت عليه، وإن قوم فرعون لم يكن لهم في الأرض آثار صالحة، ولم يكن يصعد لهم إلى الله منهم خير، فلم تبك عليهم السماء والأرض".
ولابن أبي حاتم وغيره عن علي: "إن المؤمن إذا مات بكى عليه مصلاه من الأرض، ومصعد عمله في السماء، ثم تلا: ﴿فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ﴾ ٢".
ولابن جرير عن عطاء: بكاء السماء حمرة أطرافها، ولابن أبي الدنيا عن الحسن مثله، وله مثله عن سفيان بلفظ: كان يقال.
وأخرج عن الحسن: "إن الله إذا توفى المؤمن ببلاد الغربة لم يعذبه ورحمه لغربته، وأمر الملائكة فبكته لغيبة بواكيه عنه".
وله ولابن جرير عن شريح بن عبيد الحضرمي مرفوعا: "ما مات مؤمن في غربة غابت عنه فيها بواكيه، إلا بكت عليه السماء والأرض، ثم قرأ: ﴿فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ﴾ ٣ ثم قال: إنهما لا يبكيان على كافر".
_________
١ سورة الدخان آية: ٢٩.
٢ سورة الدخان آية: ٢٩.
٣ سورة الدخان آية: ٢٩.
1 / 16
أخرج الحاكم وغيره عن أبي سعيد: "أن النبي ﷺ مر في المدينة، فرأى جماعة يحفرون قبرا، فسأل عنه، فقيل: حبشي قد مات، فقال النبي ﷺ: لا إله إلا الله، سيق من أرضه وسمائه إلى التربة التي خلق منها! ".
وأخرج الطبراني معناه عن أبي الدرداء وابن عمر. وأخرج أبو نعيم وغيره عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: "ادفنوا موتاكم وسط قوم صالحين، فإن الميت يتأذى بجار السوء، كما يتأذى الحي بجار السوء".
وروي معناه من حديث علي وابن عباس وغيرهما.
وأخرج ابن سعد عن معاوية بن صالح قال: "لما حضر عمر بن عبد العزيز الموت أوصاهم فقال: احفروا لي ولا تعمقوا، فإن خير الأرض أعلاها، وشرها أسفلها". وأخرج ابن عساكر عنه أنه قال لحفار لأخيه: احفر له على قدر طولك، أو إلى المنكب، ولا تبعد له في الأرض.
وروى ابن النجار: "أن عبد الصمد بن علي أمرهم بتعجيل بعض أهله قبل المساء، وقال: حدثني أبي عن جدي عن النبي ﷺ قال: إن ملائكة النهار أرأف من ملائكة الليل".
وفي أمالي ابن بطة عن ابن عباس مرفوعا: "لله ملك موكل بالمقابر، فإذا دفن الميت وسوي عليه وتحولوا لينصرفوا، قبض قبضة من تراب القبر، فرمى بها في أقفيتهم، وقال: انصرفوا إلى دنياكم وانسوا موتاكم".
1 / 17
وقال ابن وهب: حدثني حيي بن عبد الله عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن ابن عمرو قال: "توفي رجل بالمدينة ممن ولد بالمدينة، فصلى عليه رسول الله ﷺ وقال: ليته مات في غير مولده. فقال رجل: ولم يا رسول الله؟ قال: إن الرجل إذا مات قيس له من مولده إلى منقطع أثره في الجنة" ١.
وأخرج ابن أبي شيبة عن قتادة: أن "أنسا دفن ابنا له، فقال: اللهم جاف الأرض عن جنبيه، وافتح أبواب السماء لروحه، وأبدله دارا خيرا من داره".
وأخرج سعيد بن منصور عن أنس: "أنه كان إذا وضع الميت في قبره قال: اللهم جاف الأرض عن جنبيه، وصعد روحه، وتقبله، وتلقه منك بروح".
وأخرج ابن ماجه والبيهقي في سننه عن ابن المسيب قال: "حضرت ابن عمر في جنازة، فلما وضعها في اللحد، قال: اللهم أجرها من الشيطان ومن عذاب القبر. فلما سوي الكثيب عليها، قام جانب القبر، ثم قال: اللهم جاف الأرض عن جنبيها، وصعد روحها، ولقها منك رضوانا، ثم قال: سمعته من رسول الله ﷺ" ٢.
وأخرج سعيد بن منصور عن ابن مسعود قال: "كان رسول الله ﷺ يقف على القبر بعد ما يسوى عليه، فيقول: اللهم نزل بك صاحبنا، وخلف الدنيا خلف ظهره، اللهم ثبت عند المسألة منطقه، ولا تبتله في قبره بما لا طاقة له به".
_________
١ النسائي: الجنائز (١٨٣٢)، وابن ماجه: ما جاء في الجنائز (١٦١٤)، وأحمد (٢/١٧٧) .
٢ ابن ماجه: ما جاء في الجنائز (١٥٥٣) .
1 / 18
وأخرج الطبراني في الكبير وابن منده عن أبي أمامة عن رسول الله ﷺ قال: "إذا مات أحد من إخوانكم، فسويتم التراب عليه، فليقم أحدكم على رأس قبره، ثم يقول: يا فلان ابن فلانة، فإنه يسمعه ولا يجيب، ثم ليقل: يا فلان ابن فلانة، فإنه يستوي قاعدا، ثم يقول: يا فلان ابن فلانة، فإنه يقول: أرشدنا رحمك الله. ولكن لا تشعرون، فليقل: اذكر ما خرجت عليه من الدنيا: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وأنك رضيت بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد نبيا، وبالقرآن إماما.
فإن منكرا ونكيرا يأخذ كل واحد منهما بيد صاحبه، ويقول: انطلق بنا، ما نقعد عند من لقن حجته، فيكون الله حجيجه دونهما قال رجل: يا رسول الله، فإن لم يعرف أمه؟ قال: ينسبه إلى حواء، يا فلان ابن حواء"
وأخرج أحمد والحكيم الترمذي في نوادر الأصول، والبيهقي في كتاب عذاب القبر عن حذيفة قال: "كنا مع النبي ﷺ في جنازة، فلما انتهيا إلى القبر، قعد على شفتيه، فجعل يردد بصره فيه، ثم قال: يضغط فيه المؤمن ضغطة تزور منها حمائله".
وأخرج أحمد والبيهقي عن عائشة عن النبي ﷺ قال: "إن للقبر ضغطة لو كان أحد منها ناجيا نجي منها سعد بن معاذ" ١.
وأخرج أحمد والطبراني والبيهقي عن جابر بن عبد الله قال: "لما دفن سعد بن معاذ سبح النبي ﷺ وسبح الناس معه طويلا، ثم كبر وكبر الناس، تم قالوا: يا رسول الله، لم سبحت؟ قال: لقد تضايق على هذا الرجل الصالح قبره، حتى فرج الله عنه".
_________
١ أحمد (٦/٩٨) .
1 / 19
وأخرج سعيد بن منصور والحكيم الترمذي والطبراني والبيهقي عن ابن عباس: "أن النبي ﷺ يوم دفن سعد بن معاذ وهو قاعد على قبره قال: لو نجا من ضمة القبر أحد لنجا سعد بن معاذ، ولقد ضمه ضمة، ثم أرخي عنه".
وأخرج النسائي والبيهقي عن عبد الله بن عمر عن رسول الله ﷺ قال: "هذا الذي تحرك له العرش، وفتحت له أبواب السماء، وشهده سبعون ألفا من الملائكة، لقد ضم ضمة، ثم فرج عنه" ١ يعني: سعد بن معاذ. قال الحسن: تحرك له العرش فرحا به.
وأخرج الحكيم الترمذي والحاكم والبيهقي عن ابن عمر قال: "دخل رسول الله ﷺ قبر سعد بن معاذ، فاحتبس، فلما خرج قيل: يا رسول الله، ما حبسك؟ قال: ضم سعد في القبر ضمة، فدعوت الله أن يكشف عنه".
وأخرج الحكيم الترمذي والبيهقي من طريق ابن إسحاق، حدثني أمية بن عبد الله أنه سأل بعض أهل سعد: ما بلغكم من قول رسول الله ﷺ في هذا؟ فقالوا: "ذكر لنا أن رسول الله ﷺ سئل عن ذلك، فقال: كان يقصر في بعض الطهور من البول".
وأخرج الطبراني عن أنس قال: "توفيت زينب بنت رسول الله ﷺ فخرجنا معه، فرأيناه مهتما شديد الحزن، فقعد على القبر هنيهة، وجعل ينظر إلى السماء، ثم ينزل فيه، فرأيته يزداد حزنا، ثم خرج، فرأيته سري عنه، فتبسم، فسألناه، فقال: كنت أذكر
_________
١ النسائي: الجنائز (٢٠٥٥) .
1 / 20
ضيق القبر وغمه وضعف زينب، فكان ذلك يشق علي، فدعوت الله أن يخفف عنها ففعل، ولكن ضغطها ضغطة سمعها من بين الخافقين إلا الجن والإنس".
وأخرج أيضا بسند صحيح عن أبي أيوب: "أن صبيا دفن، فقال رسول الله ﷺ: لو أفلت أحد من ضمه القبر لأفلت هذا الصبي".
وأخرج في الأوسط عن أنس: "أن النبي ﷺ صلى على صبي أو صبية، فقال: لو أن أحدا نجا من ضمة القبر لنجا هذا الصبي".
وأخرج سعيد بن منصور عن زاذان أبي عمرو قال: "لما دفن رسول الله ﷺ ابنته رقية جلس عند القبر، فتربد وجهه، ثم سري عنه، فسأله أصحابه، فقال: ذكرت ابنتي وضعفها وعذاب القبر، فدعوت الله، ففرج عنها، وأيم الله لقد ضمت ضمة سمعها من بين الخافقين".
وأخرج هناد بن السري في الزهد عن ابن أبي مليكة قال: "ما أجير من ضغطة القبر أحد، ولا سعد بن معاذ الذي منديل من مناديله خير من الدنيا وما فيها".
وأخرج أيضا عن الحسن: أن النبي ﷺ قال - حين دفن سعد بن معاذ -: "إنه ضم في القبر ضمة حتى صار مثل الشعرة - فدعوت الله أن يرفع عنه ذلك - بأنه كان لا يستبرئ من البول".
وأخرج ابن سعد أخبرنا شبابة بن سوار، أخبرني أبو معشر عن سعيد المقبري قال: "لما دفن رسول الله ﷺ سعدا، قال: لو
1 / 21
نجا أحد من ضغطة القبر لنجا سعد، لقد ضم ضمة اختلفت منها أضلاعه من أثر البول".
وقال عبد الرزاق في المصنف عن ابن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: "أشد حديث سمعناه عن النبي ﷺ قوله في سعد بن معاذ، وقوله في أمر القبر".
وأخرج ابن أبي الدنيا وغيره: "أن نافعا مولى ابن عمر - لما حضرته الوفاة - جعل يبكي، فقيل له: ما يبكيك؟ قال: ذكرت سعدا وضغطة القبر".
وللبيهقي وغيره عن ابن المسيب: أن عائشة قالت: "يا رسول الله، إنك منذ يوم حدثتني بصوت منكر ونكير وضغطة القبر، ليس ينفعني شيء، قال: يا عائشة، إن أصوات منكر ونكير في أسماع المؤمنين كالإثمد في العين، وإن ضغطة القبر على المؤمن كالأم الشفيقة، يشكو إليها ابنها الصداع ١ ولكن- يا عائشة - ويل للمشركين في الله، كيف يضغطون في قبورهم".
وللدارمي في مسنده عن خالد بن معدان أنه قال: "بلغني أن " الم تنزيل " تجادل عن صاحبها في القبر، تقول: اللهم إن كنت من كتابك فشفعني فيه، وإن لم أكن من كتابك فامحني عنه، وإنها تكون كالطير، تجعل جناحيها عليه، فتشفع له، وتمنعه من عذاب القبر، وفي "تبارك" مثله. فكان خالد لا يبيت حتى يقرأ بهما".
_________
١ بياض بالأصل.
1 / 22