تكون ﴿ثم﴾ في هذه الآية لترتيب الأخبار لا لترتيب الأمر في نفسه. وإذا كان هذا لم يعطيا أن السماء خلقت بعد الأرض، وإذا لم تقتص ذلك أمكن أن تحمل الآية الأخرى على ظاهرها فيصح القول الآخر. والأمر يحتمل ولا قاطع فيه من الشرع. وقد جاءت بذلك أخبار آحاد. وإذا لم يكن ففي الترتيب خبر متواتر والآيات محتملة فلا قاطع في المسألة. ويحتمل أن تكون الأرض والسماء قد خلقهما الله تعالى خلقًا واحدًا دون تقدم ثم دحيت الأرض بعد السماء، ودحيت قبل السماء. ويترتب ما في الآيتين على هذا ويخرج خروجًا حسنًا والله تعالى أعلم، وهو قدير على ما يشاء إذ كل ذلك جائز في العقل.
(٢٩) - وفي هذه الآية قوله تعالى: ﴿ثم استوى إلى السماء﴾ [البقرة: ٢٩]
والاستواء يوهم تكييفًا وتشبيهًا. فمن الناس من استمر على هذا التشبيه واعتقده تشبثًا بالظاهر وهم الكرامية وجماعة من أهل الحديث وغيرهم. ومنهم وهم الجمهور من نفي التشبيه والتكييف. واختلفوا في هذه الآية وما جانسها فمنهم من رأى تأويلها وصرفها إلى معنى لا يوهم تشبيهًا. ومنهم من لم ير لتأويلها وجهًا وقال: تمر كما جاءت من غير اعتقاد تشبيه ولاتكييف. والذين ذهبوا إلى تأويلها اختلفوا في التأويل اختلافًا بحسب ما يحتمله اللفظ في كلام العرب وإطلاقهم فقيل: معنى استوى في هذه الآية استولى، وأنشدوا:
قد استولى بشر على العراق ... . . . . . . . . . . . . . . .
1 / 49