50

Hukum Quran

أحكام القرآن

Editor

محمد صادق القمحاوي - عضو لجنة مراجعة المصاحف بالأزهر الشريف

Penerbit

دار إحياء التراث العربي

Lokasi Penerbit

بيروت

Genre-genre

Tafsiran
قال الله تعالى [سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ] يَعْنِي مَوَّهُوا عَلَيْهِمْ حَتَّى ظَنُّوا أَنَّ حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ تَسْعَى وَقَالَ [يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى] فَأَخْبَرَ أَنَّ مَا ظَنُّوهُ سَعْيًا مِنْهَا لَمْ يَكُنْ سَعْيًا وَإِنَّمَا كَانَ تَخْيِيلًا وَقَدْ قِيلَ إنَّهَا كَانَتْ عِصِيًّا مُجَوَّفَةً قَدْ مُلِئَتْ زِئْبَقًا وَكَذَلِكَ الْحِبَالُ كَانَتْ مَعْمُولَةً مِنْ أُدُمٍ مَحْشُوَّةً زِئْبَقًا وَقَدْ حَفَرُوا قَبْلَ ذَلِكَ تَحْتَ الْمَوَاضِعِ أسرابا وجعلوا آزاجا وملؤها نَارًا فَلَمَّا طُرِحَتْ عَلَيْهِ وَحَمِيَ الزِّئْبَقُ حَرَّكَهَا لِأَنَّ مِنْ شَأْنِ الزِّئْبَقِ إذَا أَصَابَتْهُ النَّارُ أَنْ يَطِيرَ فَأَخْبَرَ اللَّهُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ مموها على غير حقيقة وَالْعَرَبُ تَقُولُ لَضَرْبٌ مِنْ الْحُلِيِّ مَسْحُورٌ أَيْ مُمَوَّهٌ عَلَى مَنْ رَآهُ مَسْحُورٌ بِهِ عَيْنُهُ فَمَا كَانَ مِنْ الْبَيَانِ عَلَى حَقٍّ وَيُوَضِّحُهُ فَهُوَ مِنْ السِّحْرِ الْحَلَالِ وَمَا كَانَ مِنْهُ مَقْصُودًا بِهِ إلَى تَمْوِيهٍ وَخَدِيعَةٍ وَتَصْوِيرِ بَاطِلٍ فِي صُورَةِ الْحَقِّ فَهُوَ مِنْ السِّحْرِ الْمَذْمُومِ فَإِنْ قِيلَ إذَا كَانَ مَوْضُوعُ السِّحْرِ التَّمْوِيهَ وَالْإِخْفَاءَ فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُسَمَّى مَا يُوَضِّحُ الْحَقَّ وَيُنْبِئُ عَنْهُ سِحْرًا وَهُوَ إنَّمَا أَظْهَرَ بِذَلِكَ مَا خَفِيَ وَلَمْ يَقْصِدْ بِهِ إلَى إخْفَاءِ مَا ظَهَرَ وَإِظْهَارُهُ غَيْرُ حَقِيقَةٍ قِيلَ لَهُ سُمِّيَ ذَلِكَ سِحْرًا مِنْ حَيْثُ كَانَ الْأَغْلَبُ فِي ظَنِّ السَّامِعِ أَنَّهُ لَوْ وَرَدَ عَلَيْهِ الْمَعْنَى بِلَفْظٍ مُسْتَنْكَرٍ غَيْرِ مُبَيَّنٍ لَمَا صَادَفَ مِنْهُ قَبُولًا وَلَا أَصْغَى إلَيْهِ وَمَتَى سَمِعَ الْمَعْنَى بِعِبَارَةٍ مَقْبُولَةٍ عَذْبَةٍ لَا فَسَادَ فِيهَا وَلَا اسْتِنْكَارَ وَقَدْ تَأَتَّى لَهَا بِلَفْظِهِ وَحُسْنِ بَيَانِهِ بِمَا لَا يَتَأَتَّى لَهُ الْغَبِيُّ الَّذِي لَا بَيَانَ لَهُ أَصْغَى إلَيْهِ وَسَمِعَهُ وَقَبِلَهُ فَسَمَّى اسْتِمَالَتَهُ لِلْقُلُوبِ بِهَذَا الضَّرْبِ مِنْ الْبَيَانِ سِحْرًا كَمَا يَسْتَمِيلُ السَّاحِرُ قُلُوبَ الْحَاضِرِينَ إلَى مَا مَوَّهَ بِهِ وَلَبَّسَهُ فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ سُمِّيَ الْبَيَانُ سِحْرًا لَا مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي ظَنَنْت وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إنَّمَا سَمَّى الْبَيَانَ سِحْرًا لِأَنَّ الْمُقْتَدِرَ عَلَى الْبَيَانِ رُبَّمَا قبح ببيانه بَعْضَ مَا هُوَ حَسَنٌ وَحَسُنَ عِنْدَهُ بَعْضُ مَا هُوَ قَبِيحٌ فَسَمَّاهُ لِذَلِكَ سِحْرًا كَمَا سَمَّى مَا مَوَّهَ بِهِ صَاحِبُهُ وَأَظْهَرَ عَلَى غَيْر حَقِيقَةٍ سِحْرًا قَالَ أَبُو بَكْرٍ ﵀ وَاسْمِ السِّحْرِ إنَّمَا أُطْلِقْ عَلَى الْبَيَانِ مَجَازًا لَا حَقِيقَةً وَالْحَقِيقَةُ مَا وَصَفْنَا وَلِذَلِكَ صَارَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ كُلَّ أَمْرٍ مُمَوَّهٍ قَدْ قُصِدَ بِهِ الْخَدِيعَةُ وَالتَّلْبِيسُ وَإِظْهَارُ مَا لَا حَقِيقَةَ لَهُ وَلَا ثَبَاتَ وَإِذْ قَدْ بَيَّنَّا أَصْلَ السِّحْرِ فِي اللُّغَةِ وَحُكْمَهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَالتَّقْيِيدِ فَلْنَقُلْ فِي مَعْنَاهُ فِي التَّعَارُفِ وَالضُّرُوبِ الَّذِي يَشْتَمِلُ عَلَيْهَا هَذَا الِاسْمُ وَمَا يَقْصِدُ بِهِ كُلُّ فَرِيقٍ مِنْ مُنْتَحِلِيهِ وَالْغَرَضِ الَّذِي يَجْرِي إلَيْهِ مُدَّعُوهُ فَنَقُولُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ إنَّ ذَلِكَ يَنْقَسِمُ إلَى أَنْحَاءَ مُخْتَلِفَةٍ فَمِنْهَا سِحْرُ أَهْلِ بَابِلِ الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ [يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ هارُوتَ وَمارُوتَ]
وَكَانُوا قَوْمًا صَابِئِينَ يَعْبُدُونَ الْكَوَاكِبَ

1 / 52