يؤثر بي جدا منظر الغروب ولا سيما بعد ما مال النهار. وها أنا أرسمه لك من خلف تاركا لغيري وصفه من قدام، فإذا احتضرت الشمس خلت جبل جاج جمرا مكسورة حدته، حتى إذا فارقت الشمس المريضة رمد رويدا رويدا، وازرق من خلفه الأفق الأغبر، ثم تشتد الزرقة وتسود إذا طالت غيبة القمر. فلو شهد فولتير غروبنا العجيب لنساه ذاك الشروق الذي انخلع عقله حين شاهده.
ولجبل جاج منظر نهاري أريد أن تعرفه. إن اتزرت سماؤنا حلقت الشمس فوق الغيم وضربته فيلوح كسبيكة فضة خارجة من تحت يد الصائغ، فالشمس عندنا تفضض لا تذهب.
وإذا استقبلت عند الدغيشة ملعب أدونيس ومرتع الزهرة - جبل الفتوح - تراءت لك سنديانة أغبة الوحيدة، الواقفة في الرقيع بين عاليه وعين الكفاع، كأنها شبح أحد الأجداد الذين عمروا هذا الجبل، وإذا أشملت نظرك رأيت البحر كشقة كرمسوت تلبق بعشاق البرفير والأرجوان.
كثيرا ما يصعد الدخان عند أقدام السيد المتكئ فنحسب الناس يبخرون ضيفهم الدائم، ويستنير الأفق قبل وصول راعي النجوم فتخال نارا توقد خلف جبل (القرين) وتوشك أن تحرق شعور بنيات الجبل، ثم تتسع قنطرة النور وتبدو صلعة ملك الليل كرقيب يتسرق من وراء جدار، حتى إذا قارب قرصه الثلثين خلته قاووق جدي الخوري لو كان طوبه البابا وصوره داود القرن.
وإذا علا القمر ذراعا تأخذ الظلال في الهرب من وجهه واحدا خلف واحد، كعذارى لبنان القرويات من وجوه الزائرين. ظلال تمثل للشاعر دنيا لا يحلم بها إلا من كان كشاعر بنت الرقمتين يرى بعينيها وترى بعينه، وإذا علا القمر قامتين اشتد البهق وتوارت الأشباح في الكهوف، واختفت في الأودية هاربة من وجه الفاتح، وتجلت كنيسة بجه تحت برقع النور كأنها قلعة فقرا.
أما وادينا الرهيب فيظل متمردا ولو استوى الملك على العرش، فهو خارجي كابن الزبير لا يبايع ولو صلبوه. ضيقت جباله علينا، ولكنها أرتنا الشمس على ضربة حجر منا، فظننا يوم كنا نحلم أن ملكوت الله لنا وحدنا، إننا ندركها بيدنا إذا استوينا على قمة (الشباع).
وإذا ترطب الهواء الغربي ظهر جبل معاد قرب الفجر الكاذب ككاهن مربوع عريض الكفل يلبس درعا من القطن المندوف مشرشر الأطراف.
هذا مشهد أراه كلما اكتمل القمر. أما المشهد الذي أراه في العام مرة فهو ليلة عيد الصليب.
أقف ليلة العيد قرب الغروب فيطير عقلي من رنين الأجراس المتجاوبة حولي في أودية ومغاور وهوى وآبار عين كفاع. وأسمع ما لو سمعه بولس حين رجع غانما من السماء، لما قال: لم تسمع به أذن ولم تره عين. فهذا يتحقق عندنا ليلة 14 أيلول.
التفت صوب الشرق فرأيت نور الشمس يزنر الجبل، كأنه يشد حقويه كبطرس، وإن لم يذهب به حيث يشاء كما أنذره معلمه، وصعدت نظري إلى قرنة حفرون الناتئة كعرف الديك، فخلت يسوع والشيطان واقفين عليها يتعاتبان. يذكره إبليس بفرصة ضيعها، ويعرض عليه الدنيا مرة أخرى، فعجبت واعجب معي أنت لشيطان يعرضها على ربه! وإن قلت لكاهن هذا يدور بك حول (الطبيعة الإنسانية) حتى تدوخ، وإذا قلت شيئا آخر قال لك (بحسبما هو إله) وهكذا تكون دائما بين نارين مع (المحامين) عن الله، وهم كالهر لا يقع إلا واقفا، فارمه كيف شئت .
Halaman tidak diketahui