وفي تلك الهنيهة الحافلة بالتأملات العقلية دخل صاحبهما يحمل سل التبن فقطعا الحديث لئلا يتسرب إليه شيء من أسرارهما الاجتماعية. ولما امتلأ المعلف تبنا قاما، وهما يقولان معا: وهل يعطى حمار وثور غير مثل هذا العشاء؟
فقال الثور: نحن ولت أيامنا، وانقضى زمان عزنا. رحم الله نصيف اليازجي القائل:
متى ترى الكلب في أيام دولته
فاجعل لرجليك أطواقا من الزرد
هذا زمان الكلاب والقطط يا أخي. ليس الكلاب التي تطارد الوحوش الضارية، ولا القطط التي تصطاد الفيران والجرذان، بل تلك التي تجلس في الأحضان، وتتبادل وأصحابها القبلات وتدلل وتأكل خير الطعام من ألباننا ولحومنا، ومن السمك والسردين واللحوم المعلبة، أما نحن الذين نخدم خدمة نصوحا، ونستخرج الخيرات من قلب الأرض فنرضى بالأكل من حيث كان ... ليس من يبالي بنا، فلولا كتفي وظهرك من أين كانت تأكل الناس؟! أما كانوا يحلون محلنا ليقوموا بأعمالنا وأشغالنا الشاقة؟
فقاطعه الحمار قائلا: ولماذا لم تقل كتفي أيضا، أما كنا اليوم نفلح الأرض معا؟ - بلى يا صاحبي، فلولانا ما أعطت الأرض غلة. تأمل، نزرع ما نزرع تحت المطر، محتملين البرد ولا نذوق حبة من الحبوب التي نسقيها عرق جلودنا. وإذا نبت الزرع وحاولنا رعيه أو أن نقضم قضمة منه، علا الصياح من كل فج عميق، وانقضوا علينا بعصيهم، كأن لا حق لنا بشيء من إنتاجنا. الحق مع الذي قال: ابن آدم كافر أسود رأس.
فقال الحمار: وط صوتك لئلا يسمع صاحبنا. قرب حتى أوشوشك. أما سمعت بعد بالآلات التي تفلح وتزرع وتقلب الأرض ظهرا لبطن! قصرت حياتنا على وجه الأرض. سوف يستغنى عنا.
فقال الثور: كيف! ومن أين يأتون باللحوم والألبان إذا انقرضنا، أيأكل بعضهم لحم بعض؟
فضحك الحمار وقال: ما أقل عقلك يا بهيم، صحيح أنك فدان! نسيت أن عندهم الغنم والمعزى وحيوانات أخرى.
فتضاحك الثور وقال: كل عشرين رأس غنم لا تحلب قدر بقرة واحدة. ولكن أنت ما يحل بك يا مسكين! فجلدك لا يسكف ولحمك لا يؤكل.
Halaman tidak diketahui