بنت الحرام كانت تغطس عندنا في الدجاج والسمك واللحم، أما في بيتها فتطعم الناس بقانون. لا تنتظري الكرم من ناس يفتحون بابهم ربع فتحة. وابنك التنبل أي إكرام قدمه لوالده؟ لا أحوج الله والدا إلى ولده. لو أنفقت على نبش النبع نصف ما صرفت عليه كنت اغتنيت. لو كنا غرسنا أرضنا زيتونا ولوزا وتفاحا لكان عندنا الآن محصول يغنينا ويغنيه عن التلوث بالمرضى. ولكن أين المرضى؟ قعدنا عندهم جمعتين ما نظرنا وجه مريض، ولا استدعاء أحد. ابنك طبيب مراته، أما كان أحسن له ولنا لو بقي في الضيعة.
ثم وقف وأخذ ذراع امرأته وهزها هزة تعتعتها وقال: يفرجها ربك يا أم شاكر. كنت آكل اللقمة من قلب السبع ولا أزال بقوة الله.
فتنهدت وقالت بعين مكسورة وقلب منسحق: ولكن البيت مرهون.
فضرب أبو شاكر صدره وصاح: ولكن أنا مفكوك، تسلم أميركا.
فشهقت وكادت تسقط، فتلقاها بيده وقال: أنا وأنت يا مجنونة!
فصاحت وهي تشهق: لا أنا ولا أنت. نموت هنا، ولا نضيع في الغربة كما ضاع أخوك في بر البرازيل. •••
وبلغ الشيخ والشيخة الضيعة فامتلأ البيت بالمسلمين. وبعد أيام عاد الدائنون إلى إلحاحهم فقال لهم أبو شاكر بإباء: أبو شاكر لا يوطي نفسه للنسوان. لا قامرت ولا صاحبت، ولا سكرت. ركبني الدين لسببين: نبش النبع وتعليم ابني. لا النبع طلع ولا الصبي نفع، خذوا الخشبة التي فوق رأسي وأريحوني ...
فهزت كلمته أحدهم فقال: نمهلك سنة سنتين، وبدون فائض يا شيخ، ولا نخرب بيتا للسيف والضيف.
فتنفش أبو شاكر، ومد يديه إلى شاربيه، فعادت عقارب الساعة إلى العشرة وعشرة بعد ما كانت تشير إلى الثامنة والثلث، وجاءت القهوة فشربوها وانصرفوا.
وظلت الأيام والشهور تمر بلا جدوى، وأخيرا قضي الأمر وطرحت عقارات الشيخ فبات صريع الهم في الليل وأسير الذل في النهار، يؤلمه أن يسمع من كانوا يخدمون ضيوفه يقولون: بيت الشيخ مطروح بالمزاد، ماذا ينفع العلم الذي يخرب البيوت.
Halaman tidak diketahui