وكان بين الناس شيخ جليل يتعكز على عصاه، في قلبه إيمان كثير، ووجهه طافح بالطاعة المارونية، فغاظه ما سمع، فقال لمارينا: اسكتي يا بنت، لا تسبي الرؤساء.
فأقبلت عليه مارينا وانطرحت أمامه على الأرض صارخة: حقي يا عمي، حقي، حقي ضاع يا عمي جناديوس.
فتغرغرت عينا ذلك الشيخ، وبعد أخذ ورد، أقنعوها فركبت الحمار دامعة، فالتفت الشيخ بالحاضرين وقال: ما هذه الأيام التي وصلنا إليها؟!
وتوقع الجمهور أن يقول جناديوس أكثر من هذا فلم يزد، وسار في طريق بيته.
فما تقدمت مارينا بضع خطوات حتى قاقت الدجاجة، فصاحت: هش ... ولوت عنقها صوب بيتها توصي أولادها بالانتباه للدجاجات والبسة والخروف، ثم أدارت وجهها صوب الشمال توصي ابنتها رشيدة لتنام مع أخوتها، إذا لم ترجع مارينا من سفرتها في تلك الليلة، وسارت تبكي.
وبعد خطوات أخرى أوقفت الحمار ولم تلتفت؛ لأنه صعب المراس ثم صاحت: يا رنسية، بيعوا الدخان إذا جاء الحواط، ولا تخلوه ينقيه.
وما بلغت الوطا حتى صاحت: أوخ، نسيت الأوراق بالبيت، حنا بحياتك ارجع عني أو انتظرني، فعاد حنا يتذمر من رفقة النسوان، وجلب الصكوك وكل أوراق المرحوم جرجس، ولحق بمارينا في منتصف الوطا.
وكانت مارينا قد انضمت إلى بعض مكارين ذاهبين إلى جبيل بندر تلك الناحية، فأخذت تقص عليهم أخباره وتحدثهم عن مصائبها وبلاياها، مفتخرة على أيوب، وهي لا تدري من تلوم، وأخيرا أطلقت قنبلتها فأصابت شظاياها الجميع - من مارون إلى خليفته الجالس على كرسي أنطاكية.
وفيما هي مشغولة بالحديث أرخت من رسن الحمار، فسك بها فصاح المكارون بصوت واحد: مارشليطا، مارشليطا!
فما هوت مارينا إلى الأرض، واستوى الحمار وتابع سيره، ومضت مارينا في حديثها كأن لم يحدث شيء مما كان، والتفتت بالمكارين فإذا هم يضحكون وأيديهم على أفواههم، فكظمت غيظها، ولم تقل كلمة بل تنهدت طويلا.
Halaman tidak diketahui