وإذا عرفنا تاريخ الوقف اللبناني في كل قرية عرفنا أن غاية الواقف، منذ مئات السنين، كانت تعليم الأولاد. ففي ظل الكنيسة تنشأ المدرسة. وإذا تهاون وكيل الوقف قامت قيامة القرية، وكذلك قل عن ديورة الرهبان. فعلى الدير أن يخص راهبا بتعليم الصغار القراءة والكتابة مجانا.
أما كيف كانوا يعلمون ويتعلمون فإليك الخبر: يكتب المعلم الألف باء على ورقة يشكلها الولد بخشبة مفروضة لها متكأ، ويأخذ مدلا وهو عود رفيع يدل به على كل حرف تعلمه. ومتى عرف الألف باء طردا وعكسا وانتقاء، كتب له القسيس الأبجد، ثم ينقله إلى (القدوس) وغاية الغايات كان مزامير داود. يقرءونه ولا يفهمونه.
هذه المرحلة هي المرحلة الأولى التي يقف عندها الأكثرون وهي تضاهي الشهادة الابتدائية اليوم، وإذا كان الولد ابن بيت ميسور أدخله أبوه مدرسة أعلى. وهذه المدارس الصغيرة كانت منتشرة في لبنان، يقدم على فتحها الكهنة المتبتلون فيعلمون بها أبناء القرى المجاورة. ومن يقدر أبوه على تعليمه فهناك مدارس عالية للتعمق في درس النحو واللغة.
وكانوا في ذلك الزمان يعتمدون على الذاكرة يحشون عقل الطالب محفوظات لا أول لها ولا آخر. شعر ونثر من كل عصر، والويل لمن يلحن أو يخرم حرفا أو يخطئ في حركة عين المضارع فتقلع عينه وتصلم أذنه. المتقدم من الطلاب يعلم النحو في ابن مالك. شعر منظوم يحفظه التلميذ كالماء الجاري. أما شرح المعلم فهكذا. يقول أولا بيت ابن مالك بكامله:
كلامنا لفظ مفيد كاستقم
واسم وفعل ثم حرف الكلم
ثم يشرح قائلا: يعني كلامنا لفظ مفيد مثل استقم. وينتقل إلى الشطر الثاني فيقول: معنى هذا الشطر الكلم اسم وفعل وحرف. فهمتم يا أولادي؟ فنجيب بصوت واحد: نعم يا معلمي. - طيب، عافاكم، عافاكم.
وينتقل إلى درس آخر فيقول مثلا:
والاسم منه معرب ومبني
لشبه من الحروف مدني
Halaman tidak diketahui