Hadis Mazini
أحاديث المازني
Genre-genre
أي نعم تتسع الدنيا لي ولغيري وتستغني عنا جميعا، وليس أخطل رأيا ممن يتوهم أن الحياة لا تطيب له إلا إذا خلا طريقه فيها من الناس.
وما أحكم قول الإنجليز في أمثالهم (عش ودع غيرك يعش).
وما على المرء إلا أن يفكر فيما عسى أن تخسر الدنيا إذا هي خلت من الناس وعادت خرابا يبابا لا شيء. لم يكف الفلك المسير عن الدوران ولن تعدم الحياة على الأرض مظهر آخر تبتدىء فيه كما ابتدأت فينا نحن بني آدم وله نحن إلا صورة من صور الحياة وهي أشد غرورا أو أقل عقلا فمن يكبر في وهمه أن الحياة تنعدم إذا انقرض الإنسان وتقلص ظله على الأرض؟
ولا تحسبوا أن هذا الكلام زاهد أو متزهد، فما أنا بهذا ولا ذاك، وإني لمن أشد الناس رغبة في الحياة الرضية ونشدانا للعيش الرغيد وطالبا لأطايب الدنيا وعكوفا على متعها المشتهاة، وكل ما في الأمر أني لا أرى أن فوزي بما أبغي يستوجب أن يحرم الناس غير ما يطلبون. أو أن يخيبوا ويخفقوا ولست أحسن أنهم ينافسونني أو يزحمونني أو يضيقون علي المجال، فإن الدنيا رحيبة، ومجالاتها لا آخر لها، وما أراني عجزت قط عن اختراع طريق بكر أو خلق ميدان جديد إذا شعرت بالحاجة إلى ذلك.
وصحيح أن الحياة جهاد، جهاد مع الطبيعة ومع الإنسان، ولكنا لسنا من الحيوان، فنضالنا ليس بالأنياب والمخالب بل بالعقول. ونضال العقول متعة، لا يعي به أو يستثقله إلا من لا يصلح لغير حمل الأثقال كالدواب. وليس أمر الدنيا إلى هؤلاء المساكين الذين يساقون بل على أصحاب العقول. ولست تستطيع أن تعطل عقول الناس وخير وأرشد أن لا تفعل حتى إذا استطعت. وفي هذا النضال يتصفح المرء عقول منافسيه ويضيفها إلى عقله فهو يكسب أبدا ولا يخسر ويضيف كل يوم ثروة ذهنية إلى ما أوتي من ذلك ويمنع عقله أن يصدأ ويجلوه ويشخذه ويرهفه.
ولكن المرء لا يستطيع أن يناضل بعقله الفطري، وأعني بالفطري الذي لا زاد له من العلم ولا مدد من المعرفة، وشبيه بذلك أن تقاوم مقذوفات المدافع بالحجارة. فلا معدى لنا عن تعهد ملكاتنا وتزويدها بالأداة التي تجعلها أمضى وأكثر غناء. وأنا رجل أديب فلا علم لي إلا بفني ومن أجل هذا أقصر كلامي عليه.
وأحسب أن من تحصيل الحاصل أن أقول أنه لا مطمح لأحد في بلوغ مرتبة ملحوظة من مراتب الأدب إلا بالاطلاع الوافي.
ولما كانت لغتنا العربية أداتنا التي لا أداة لنا سواها، ولا سبيل لنا إلى البيان إلا بها فلا مهرب لنا إذن من تحصيل هذه اللغة والتوفر على درسها.
وهنا أذكر أن شابا مصريا جاءني ذات يوم يشكو إلي المرحوم شوقي الشاعر ويقول أنه ذهب إليه يستشيره فيما يحسن به أن يقرأ من الكتب العربية، فأشار شوقي عليه بدرس كتابين وجدهما الشاب من كتب النحو وفقه اللغة فاعتقد أنه أضاع ماله وأن شوقي أخطأه التوفيق.
فقلت له إن شوقي لم يخطئ فإن النحو والصرف وما يجري هذا المجرى لابد منه ولا غنى عنه، ولكل لغة قواعدها وأصولها وأحكامها وفقهها ولا معدى عن الإحاطة بذلك إذا كنت تريد أن تتخذ هذه اللغة أداة للكتابة وإلا فكيف تكتبها وأنت لا تعرف أحكامها وقواعدها؟
Halaman tidak diketahui