ورحت أحكي له فكرة فاوست، وكانت آخر ما شاهدت، بلا جديد أضيفه، إلا أنني جعلت بطلها غلاما في مثل سني. فتساءلت أمي: وكيف ينتصر الغلام على الشيطان؟
فأجاب أبي: ينتصر الإنسان على الشيطان بوسائل الشيطان نفسه!
فهتفت أمي: احتفظ بأفكارك لنفسك، ألا ترى أنك تحدث ملاكا؟
منذ سن مبكرة، تشبعت بحب الفن والخير، ناجيتهما طويلا في وحدتي، وعرفت بهما بين أقراني في المدرسة، تميزت بينهم لما غلب على أكثرهم من العفرتة. وكلما ضاق المدرس بهم صاح: يا أبناء حي الغواني!
وملت إلى نخبة قليلة عرفت بالمثالية البريئة، حتى كونا من أنفسنا جمعية أخلاقية لمقاومة الألفاظ البذيئة، وكنا نردد الأناشيد، ونصدقها، ونؤمن بمصر الثورة الجديدة. وعلى حين نذر البعض أنفسهم لبطولات خارقة عسكرية أو سياسية، فقد نذرت نفسي للمسرح، وتصورته منبرا للبطولة أيضا، ويناسب من ناحية أخرى ضعف بصري الذي جعلني أستعمل النظارة الطبية قبل إنهاء دراستي الابتدائية. ومهما يكن من اختلافنا، فقد حلمنا بعالم مثالي جعلنا أنفسنا على رأس مواطنيه المثاليين، وحتى الهزيمة لم تزعزع أركاننا، وما دام الأناشيد لم تتغير، ولا تغير الزعيم، فماذا تعني الهزيمة؟ لقد شحب وجه أمي، وغمغمت بكلمات غير مفهومة، أما أبي فهز منكبيه كأن الأمر لا يعنيه، وراح يردد بصوت أجش ساخر:
بلادي بلادي فداك دمي
وقد توقف المسرح عن العمل أياما، فنعمت ببقاء والدي في البيت طيلة الوقت مرة، واصطحبني أبي معه إلى مقهى بشارع الجيش، فتذوقت تجربة جديدة. وإذن فإن الهزيمة لم تخل من نتائج طيبة غير متوقعة، وإن تكن قصيرة الأجل. •••
تقول أمي وهي تملأ أقداحنا بالشاي: عباس ... سيسكن عندنا غريب!
رنوت إليها غير مصدق، فقالت: إنه صديق أبيك، وأنت أيضا تعرفه، فهو طارق رمضان. - الممثل؟ - نعم؛ اضطر إلى ترك مسكنه، ولم يجد في أزمة المساكن حلا آخر.
تمتمت في غير ارتياح: إنه ممثل تافه ... ومنظره لا يسر. - الناس للناس، وأنت ملاك يا حبيبي ...!
Halaman tidak diketahui