وكما رأينا، فقد كان هذا الإشكال واضحا لدى ديكارت كل الوضوح؛ لأن تفكيره يحمل في أحد جوانبه طابع الانحياز للمعرفة الجديدة والإقلال من أهمية الميتافيزيقا التقليدية، ويحمل في الجانب الآخر طابع الاحتفاظ بإيجابية الميتافيزيقا التقليدية حتى في قلب المعرفة العلمية، ووجود أزمة المواجهة بين الفلسفة والعلم عنده بمثل هذه الحدة هو - في رأينا - ما يجعل منه «أبا للفلسفة الحديثة»، فهو لا يستحق هذا اللقب؛ لأنه أضفى على الفلسفة الحديثة طابعها المميز وهو المثالية كما يزعم البعض، وإنما يستحقه لأنه أول من عانى من محاولة إيجاد منهج ومجال مميز للفلسفة في عصر أثبت فيه العلم فعاليته، وهو يستحق هذا اللقب؛ لأنه تناقض مع نفسه وأخفق في تحقيق هذا الهدف كما سيحاول ويخفق عشرات من الفلاسفة منذ عصره حتى وقتنا الراهن.
ومجمل القول أن تشبيه الشجرة - بما يكشف عنه من تفسيرات متعارضة، كلها معقولة - للعلاقة بين الميتافيزيقا والمعرفة العلمية، ينتهي بنا إلى حقيقة أساسية - وهي في رأينا حقيقة جديدة - هي أن ديكارت لم يكن فيلسوفا رائدا بفضل خصائص معينة في منهجه أو في مضمون فلسفته، بل كان أول المحدثين لأن فلسفته - في علاقتها بالعلم - وصلت إلى مأزق أصبح من لوازم الفلسفة في عصر سيادة المعرفة العلمية.
مذهب الذرات الروحية «المونادولوجيا» عند ليبنتس
(1) حياة ليبنتس وشخصيته
ولد جوتفريد فلهلم ليبنتس
Gottried Wihelm Leibniz
في ليبنتسج في 3 يوليو سنة 1646م، من أسرة اشتهر الكثير من أفرادها بالميول العقلية ولا سيما في ميدان القانون. وقد توفي أبوه وهو في السادسة من عمره، وحرصت أمه على أن تنشئه تنشئة بروتستانتينية محافظة. ولقد كان ليبنتس في صباه طفلا معجزا، سرعان ما فاق كل زملائه في مدرسة نيكولاي
Nikoloischule ، وعندما التحق بالجامعة لم يكن قد بلغ الخامسة عشرة من عمره، وتأثر في الجامعة بأستاذ كانت له اتجاهات مدرسية واضحة، وهو ياكوب تومازيوس
Thomasius ، وعلى يديه ألف أول بحث له نال به درجة البكالوريوس في موضوع كانت له أهمية كبرى في فلسفته التالية، وهو مبدأ الفردية
De principio individui ، وقبل انتهاء دراسة ليبنتس الفلسفية، انتقل إلى دراسة القانون، وأخذ في الوقت ذاته يدرس الرياضيات، فألف في عام 1666م كتاب «الفن الجامع»
Halaman tidak diketahui