مسألة تقديم وقت أذان الفجر، وتأخير توقيت العشاء

Adnan Al-Arur d. Unknown

مسألة تقديم وقت أذان الفجر، وتأخير توقيت العشاء

مسألة تقديم وقت أذان الفجر، وتأخير توقيت العشاء

Genre-genre

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وأشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله ﵌. أما بعد: فمنذ فترة من الزمن والناس في قيل وقال، وأخذ ورد في موضوع صحة توقيت الفجر في التقاويم المتداولة، وقد ذهب فريق من العلماء والباحثين إلى خطأ هذه التقاويم، وأن فيها اختلافًا عن الواقع المشاهد من قبل العشرات من طلبة العلم، والخبراء في الفلك الموثوق بهم. وكان المدافعون عن التقاويم يردون على المصححين،ويرون صحة هذه التقاويم، رغم عدم المعرفة التامة عن واضعيها، وعن علمهم الشرعي. لقد تتبعت هذه المسألة منذ أكثر من خمسة عشر سنة وتبين لي ما يلي: جهل كثير من الفلكيين بالتفريق بين الفجرين وهو أصل مشكلة هذه المسألة: مما هو معلوم في الشرع والفلك، أن ثمة فجرين فجر كاذب، وفجر صادق، والكاذب يطلع قبل الصادق بـ (٢٠) دقيقة، تزيد قليلًا أو تنقص، حسب فصول السنة. والكاذب، يُحل الطعام للصائم، ويُحرم صلاة الفجر، والصادق، يحرم الطعام، ويحل صلاة الفجر. قال ﷺ: «إن بلالًا يؤذن بليل (وهو أذان الفجر الكاذب) (١)، فكلوا، واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم» (٢) (وهو أذان الفجر الصادق) (٣) ودليل أن هذا الليل الذي يؤذن فيه بلال هو الفجر الكاذب رغم أن فيه نورًا، ما رواه مسلم عن سمرة بن جندب ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: " لا يغرنكم أذان بلال ولا هذا البياض لعمود الصبح حتى يستطير " ففيه دليل صريح أن النور الذي يخرج أفقيًا ليس هو الفجر المعتمد الصادق، بل هو الفجر الكاذب الذي لا يعتد به ... ومع ذلك فقد اعتد به واضعوا التقاويم، لعدم معرفتهم بالسنة، كما سنبين ذلك لاحقًا.

(١) ما بين القوسين من عندي، وليس من أصل الحديث. (٢) - أخرجه البخاري (٦٢٢)، ومسلم (١٠٩٢). (٣) - أخرجه ابن خزيمة في صحيحه (٣٥٦، ١٩٢٧)، والحاكم في المستدرك (٦٨٧، ١٥٤٩)، وصححه، ووافقه الذهبي، والبيهقي في السنن الكبرى (١/ ٣٧٧، ٤٥٧). وذكره الشيخ الألباني ﵀ في الصحيحة (٦٩٣)

1 / 1

ويؤيد هذا قول ابن عمر في الحديث نفسه: وكان - أي ابن أم مكتوم - رجلًا أعمى، لا ينادي حتى يقال: أصبحت أصبحت، أي: حتى يظهر النور لكل من يتوجه إلى المسجد، فيخبرون ابن أم مكتوم بطلوع الصبح لكي يؤذن، فأين هذا من أذان الناس اليوم؟ ! وقال ﷺ: «الفجر فجران: فجر يحرم فيه الطعام، وتحلُّ فيه الصلاة، وفجر تَحرمُ فيهِ الصلاة، ويحلُّ فيه الطعامُ» (١). ومن الجهل في بعض البلدان، أنهم يسمّون أذان الفجر الأول الذي يبيح الطعام ب «أذان الإمساك»، ويحرمون على الناس الأكل بعده. كلام أهل العلم في الأكل للتسحر، ووقت الفجرين: قال النووي ﵀: قال أصحابنا: والأحكام كلها معلقة بالفجر الثاني، فيه يدخل وقت صلاة الصبح، ويخرج وقت العشاء ويدخل في الصوم، ويحرم به الطعام والشراب على الصائم، وبه ينقضي الليل ويدخل النهار، ولا يتعلق بالفجر الأول «الكاذب» شيء من الأحكام بإجماع المسلمين». [المجموع (٣/ ٤٤)] وقال أبو عمر بن عبد البر: «أجمع العلماء؛ على أن وقت صلاة الصبح طلوع الفجر الثاني إذا تبين طلوعه، وهو البياض المنتشر من أفق المشرق، والذي لا ظلمة بعده». [الإجماع ص ٤٦] وقال ابن حزم: «ولا يجزئ لها الأذان الذي كان قبل الفجر، لأنه أذان سحور، لا أذان للصلاة، ولا يجوز أن يؤذن لها قبل المقدار الذي ذكرناه». وروى بسنده عن الحسن البصري أن رجلًا قال: يا أبا سعيد، الرجل يؤذن قبل الفجر يوقظ الناس؟ فغضب وقال: علوج فراغ، لو أدركهم عمر بن الخطاب لأوجع جنوبهم! من أذن قبل الفجر فإنما صلى أهل ذلك المسجد بإقامة لا أذان فيه» وفي رواية: «أنه سمع مؤذنًا أذن بليل فقال: «علوج تباري الديوك، وهل كان الأذان على عهد رسول الله ﷺ إلا بعد ما يطلع الفجر». وعن إبراهيم النخعي قال: سمع علقمة ابن قيس مؤذنًا بليل فقال: لقد خالف هذا سنة من سنة أصحاب رسول الله ﷺ لو نام على فراشه لكان خيرًا له»، وفي

(١)

1 / 2

رواية عن النخعي قال: كانوا إذا أذن المؤذن بليل قالوا له: اتق الله وأعد أذانك». [المحلى ٣/ ١١٧ - ١١٨] قلت: مقصودهم؛ إنكار أن يكون الأذان الثاني - بإعلام دخول الفجر - بليل فيمتنع الناس من الطعام بغير حق، وإلا فإن بلالًا كان يؤذن بليل لإيقاظ الناس. وقال محمد بن رشد: «واختلفوا في أوله (الإمساك)، فقال الجمهور: هو طلوع الفجر الثاني المستطير الأبيض، لثبوت ذلك عند رسول الله ﷺ أعني،حده بالمستطير [بداية المجتهد (١/ ٢٨٨)]. قال ابن قدامة: وجملته؛ أن وقت الصبح يدخل بطلوع الفجر الثاني إجماعًا، وقد دلت عليه أخبار المواقيت، وهو البياض المنتشر في الأفق، ويسمى الفجر الصادق، لأنه صدقك عن الصبح وبينه لك. [المغني (١/ ٣٨٥) طبعة دار الإفتاء] وقال شمس الدين السرخسي: «والفجر فجران؛ كاذب تسميه العرب ذنب السرحان، وهو البياض الذي يبدو في السماء طولًا، ويعقبه ظلام، والفجر الصادق وهو البياض المنتشر في الأفق، فبطلوع الفجر الكاذب لا يدخل وقت الصلاة، ولا يحرم الأكل على الصائم مالم يطلع الفجر الصادق ...». [كتاب المبسوط (١/ ١٤١) طبعة دار الفكر] وقال كمال الدين بن الهمام: ولا معتبر بالفجر الكاذب، وهو البياض الذي يبدو طولًا ثم يعقبه الظلام لقوله ﵊: «لا يغرنكم أذان بلال ولا الفجر المستطيل» وإنما الفجر في الأفق» أي المنتشر فيه. [فتح القدير (١/ ٢١٩)] وقال قبل ذلك: ثم صلى الفجر حين برق الفجر، وحرم الطعام على الصائم (١/ ٢١٨). التقاويم وضعت على وقت الفجر الكاذب والمشكلة نشأت من أن معظم الفلكيين والخبراء الجغرافيين والعسكريين لا يفرقون بين الفجرين، لأن هذا لا يهمهم، ولأنهم يرون أن أول ضوء هو الفجر عندهم، فلذلك وضعوا التقاويم بناءً على ذلك. وأما في الشرع؛ فالضوء الأول هو الفجر الكاذب، ومن هنا وقع الخطأ، وكان مقداره مقدار ما بين الفجرين، وهو عشرون دقيقة، تزيد خمس دقائق أو تنقص حسب طول الليل والنهار.

1 / 3

وقد قامت عدة مشاهدات وشهادات من فضلاء، وتمت عدة دراسات تبين بالدليل العلمي، والرؤية الواقعية، أن معظم التقاويم ومنها تقويم أم القرى، قد وقعت في هذا الخطأ، إذ وُقِّت الفجر فيها على الفجر الكاذب. وهذا أمر بالغ الخطورة، حيث يصلي كثير من المسلمين، وبخاصة النساء في البيوت، والمرضى والمسافرون والمتعجلون من الأئمة، يصلون بُعيد أذان الفجر الكاذب، أي: قبل طلوع الفجر الصادق، مما يترتب على ذلك فساد الصلاة على مَنْ علم ذلك، كما لا يخفى على كل مسلم. لذا وجب على المسلم التنبه إلى هذه المسألة، والنظر فيها نظر علم واتباع وتمحيص، لا نظر تقليد، لا يفرق بين دليل وتزيين، ولا بين اتباع وتقليد، ولا يجوز له الاعتماد على تقويم مُعَدٍّ على حساب فلكي، لا يُدرى عن واضعيه، مقدار علمهم الشرعي، واتباعهم للسنة، بخاصة وقد تبين بالدليل القطعي خطؤه، وشهد على ذلك العلماء العدول. أدلة الذين يرون خطأ التقاويم وشهاداتهم على ذلك: الأول: شهادة الحافظ العسقلاني في ذلك: وهو دليل واضح قوي، يبين فيه سبب الخطأ، وبدايته، فقد قال الحافظ ابن حجر في [فتح الباري: (٤/ ١٩٩)]: (تنبيه) من البدع المنكرة ما أحدث في هذا الزمان من إيقاع الأذان الثاني قبل الفجر بنحو ثلث ساعة في رمضان، وإطفاء المصابيح التي جعلت علامة لتحريم الأكل والشرب على من يريد الصيام، زعمًا ممن أحدثه: أنه للاحتياط في العبادة، ولا يعلم بذلك إلا آحاد الناس، وقد جرهم ذلك إلى أن صاروا لا يؤذنون إلا بعد الغروب بدرجة، لتمكين الوقت زعموا، فأخروا الفطر، وعجلوا السحور، وخالفوا السنة، فلذلك قل عندهم الخير، وكثر فيهم الشر، والله المستعان»، والدرجة تقدر من ٤ - ٤.٤٥ دقيقة. الثاني: شهادة العلامة القرافي ﵀ قال: «جرت عادة المؤذنين، وأرباب المواقيت بتسيير درج الفلك إذا شاهدوا المتوسط من درج الفلك، أو غيره من درج الفلك الذي يقتضي أن درجة الشمس قربت من الأفق قربًا يقتضي أن الفجر طلع، أمروا الناس بالصلاة والصوم مع أن الأفق يكون صاحيًا لا يخفى فيه طلوع الفجر لو طلع، ومع ذلك لا يجد الإنسان للفجر أثرًا البتة، وهذا لا يجوز، فإن الله تعالى

1 / 4

إنما نصب سبب وجوب الصلاة ظهور الفجر فوق الأفق ولم يظهر، فلا تجوز الصلاة حينئذ، فإنه إيقاع للصلاة قبل وقتها، وبدون سببها». [الفروق (٢/ ٣)، ٣٠١] الثالث: شهادة العلامة محمد رشيد رضا: قد قرر هذه الحقيقة، وأشار إلى أن هذا الخطأ وقع حين وُضع التقويم: الشيخ محمد رشيد رضا في تفسيره "المنار" عند قوله تعالى: ﴿حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر﴾. [البقرة (١٨٧)]، قال (٢/ ١٨٤): (ومن مبالغة الخلف في تحديد الظواهر مع التفريط في إصلاح الباطن من البر والتقوى، أنهم حددوا الفجر، وضبطوه بالدقائق، وزادوا عليه في الصيام، إمساك عشرين دقيقة تقريبًا، وأما وقت المغرب، فيزيدون فيه على وقت الغروب التام خمس دقائق على الأقل، ويشترط بعض الشيعة فيه ظهور بعض النجوم. وهذا نوع من اعتداء على حدود الله تعالى .... بيد أنه يجب إعلام المسلمين ... بأن وقت الإمساك الذي يرونه في التقاويم (النتائج) والصحف، إنما وضع لتنبيه الناس إلى قرب طلوع الفجر الذي يجب في بدء الصيام ... وأن من أكل، وشرب حتى طلوع الفجر الذي تصح فيه صلاته، ولو بدقيقة واحدة، فإن صيامه صحيح ..». قلت: والذي يظهر من كلام الحافظ، وكلام محمد رشيد رضا أن تقديم الأذان إلى الفجر الكاذب كان في رمضان أول الأمر، ثم صار مع مرور الزمن في أشهر السنة كافة، ولا حول ولا قوة إلا بالله. الرابع: شهادة العلامة تقي الدين الهلالي: قام بعض العلماء في بلاد المغرب، وفي مقدمتهم الشيخ تقي الدين الهلالي باستطلاع الفجر، وتبين لهم كما تبين لإخوانهم، وقد أصدر الشيخ الهلالي بيانًا بذلك. «اكتشفت بما لا مزيد عليه من البحث والتحقيق، والمشاهد المتكررة من صحيح البصر .. أن التوقيت لأذان الصبح لا يتفق مع التوقيت الشرعي، وذلك أن المؤذن يؤذن قبل تبين الفجر تبينًا شرعيًا». [رسالة بيان الفجر الصادق وامتيازه عن الفجر الكذاب ص ٢] الخامس: شهادة العلامة الشيخ الألباني:

1 / 5

قام أخوة في بلاد الشام، وعلى رأسهم العلامة الألباني ﵀ باستطلاع الفجر، وتبين لهم ما ذكرنا، وصرح الشيخ بذلك في شريط مسجل وذكر ذلك في كتابه سلسلة الأحاديث الصحيحة (٥/ ٥٢) رقم (٢٠٣١). «وقد رأيت ذلك بنفسي مرارًا من داري في جبل هملان -جنوب شرق عمان- ومكنني ذلك من التأكد من صحة ما ذكره بعض الغيورين على تصحيح عبادة المسلمين؛ أن أذان الفجر في بعض البلاد العربية يرفع قبل الفجر الصادق بزمن يتراوح بين العشرين والثلاثين دقيقة، أي قبل الفجر الكاذب أيضًا، وكثيرًا ما سمعت إقامة صلاة الفجر من بعض المساجد مع طلوع الفجر الصادق، وهم يؤذنون قبلها بنحو نصف ساعة، وعلى ذلك فقد صلوا سنة الفجر قبل وقتها، وقد يستعجلون بأداء الفريضة قبل وقتها في شهر رمضان ... وفي ذلك تضييق على الناس بالتعجيل بالإمساك عن الطعام، وتعريض لصلاة الفجر للبطلان، وما ذلك إلا بسبب اعتمادهم على التوقيت الفلكي، وإعراضهم عن التوقيت الشرعي، كما جاء في قوله ﷾: «وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر» وحديث: «فكلوا واشربوا حتى يعترض لكم الأحمر»، وهذه ذكرى والذكرى تنفع المؤمنين». [السلسلة الصحيحة (٥/ ٥٢) حديث رقم (٢٠٣١)] السادس: شهادة شيوخ من المملكة: قام أخوة من شيوخ فضلاء من طلبة العلم في السعودية، باستطلاع الفجر، في أكثر من مجموعة أكثر من مرة، وتبين لهم صحة ما ذكرنا. - وبرفقه تقرير من بعضهم - ومنهم الشيوخ: عمر بن عبد العزيز العثمان، د. سعيد بن زعير، عبد المحسن العبيكان، عبد العزيز السدحان، سليمان الدهمان، عبد الله السلطان وغيرهم، وكنت مع بعضهم. السابع: شهادة الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين ﵀-: «بالنسبة لصلاة الفجر؛ المعروف أن التوقيت الذي يعرفه الناس ليس بصحيح، فالتوقيت مقدم على الوقت بخمس دقائق على أقل تقدير، وبعض الإخوان خرجوا إلى البر فوجدوا أن الفرق بين التوقيت الذي بأيدي الناس وبين طلوع الفجر نحو ثلث ساعة، فالمسألة خطيرة

1 / 6

جدًا، ولهذا لا ينبغي للإنسان في صلاة الفجر أن يبادر في إقامة الصلاة، وليتأخر نحو ثلث ساعة أو (٢٥) دقيقة حتى يتيقن أن الفجر قد حضر وقته». [شرح رياض الصالحين (٣/ ٢١٦)] الثامن: شهادة الشيخ عبد الرحمن الفريان ﵀ في خطابه للدكتور صالح العدل يطلب فيه إعادة النظر في التقويم: «وكان شيخنا محمد بن إبراهيم ﵀ لا يقيم الصلاة في مسجده إلا بعد وضوح الفجر الصحيح، وبعض الأئمة لا يقيمون صلاة إلا بعد وقت التقويم الحاضر بأربعين دقيقة أو نحوها، ويخرجون من المسجد بغلس، أما البعض الآخر فإنهم يقيمون بعد الأذان بعشرين دقيقة، وبعضهم يقيمون الصلاة بعد الأذان على مقتضى التقويم بخمس عشرة دقيقة .. ثم هؤلاء المبكرون يخرجون من صلاتهم قبل أن يتضح الصبح فهذا خطر عظيم ...» [تاريخ الخطاب ٥/ ٩/١٤١٤ هـ] التاسع: شهادة من السودان: قام أخوة من أنصار السنة في السودان باستطلاع الفجر، وكنت معهم، وتبين لنا صحة ما ذكرنا. العاشر: شهادة من شيوخ مصر: "قد صدرت فتوى من شيخ الأزهر توافق قريبًا مما ذكرنا " (١) وصرح الشيخ محمد حسان والشيخ مصطفى العدوي بمثل ما ذكرنا. وقال الشيخ العدوي: " وقد راقبت ذلك بقريتي بمصر فإذا بهذا الخيط الأبيض (الفجر الثاني الصادق) يظهر بعد الأذان المثبت في التقاويم بمدة تدور حول الثلث ساعة. (٢) الحادي عشر: الأبحاث في هذه المسألة: وفضلًا عن هذه الشهادات العلمية، والمتضمنة لأدلة قوية، فقد ظهرت عدة بحوث في هذه المسألة تبين صحة ما ذكرنا. الأول: قام الدكتور سليمان بن إبراهيم الثنيان ببحث بعنوان: «أوقات الصلوات المفروضة»، وقد ذكر فيه أنه قام برصد الفجر لعام كامل، وأن وقت الفجر حسب تقويم أم

(١) يواقيت الفلاة في مواقيت الصلاة لمصطفى العدوي ص ١٢٧. (٢) المرجع السابق ص ١٢٧.

1 / 7

القرى، متقدم عن التوقيت الشرعي للفجر ما بين (١٥) دقيقة إلى ٢٤ دقيقة حسب فصول السنة. (١) الثاني: قام الباحث الشيخ عبد الله بن إبراهيم التركي ببحث أثبت فيه التفاوت بين الواقع وتقويم أم القرى في وقت الفجر، وكان يُشهد الشهود على طلعاته ومشاهداته. الثالث: قامت الجمعية الإسلامية بأمريكا الشمالية (الإسنا) بدراسة الأوقات كلها، وأثبتت صحة ما ذكرنا، وأصدرت توقيتًا معروفًا عند المسلمين، وهذا التوقيت موجودٌ في ساعة العصر وبعض الجوالات والحاسبات باسم طريقة حساب الجمعية الإسلامية بأمريكا (الإسنا). (٢) الرابع: دراسة من مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية كنت قد كتبت معظم ما سبق قبل سبع سنين تقريبًا، ثم خرجت علينا دراسة علمية فلكية من أهم الدراسات لقضية الفجر وأدقها، وهي ما قام به معهد بحوث الفلك في "مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية" بناء على توجيه من سماحة الشيخ عبد العزيز آل الشيخ مفتي المملكة، ومعالي الشيخ صالح آل الشيخ وزير الشؤون الدينية- حفظهم الله. وقد شارك في هذا البحث أفاضل من علماء الدين والفلك، وتميزت الدراسة بالتجرد، والميدانية، والشرعية، والفلكية، والعلمية، والتجارب المتكررة، وكانت بحق دراسة دقيقة ونافعة، فجزاهم الله خير الجزاء، وإن المسلم ليفتخر أن يجد مثل هذه الدراسات المتجردة، والدقيقة عند المسلمين، وقد أسفرت الدراسة عن الأمور التالية: - أن واضع تقويم أم القرى ليس لديه علم شرعي، فهو لا يفرق بين الفجر الكاذب، والفجر الصادق، ولهذا وضع وقت الفجر في التقويم على الفجر الكاذب حسب إفادته. وهذا خطأ شرعي واضح، فإن وقت الفجر الذي يحرم به الصيام، ويبيح الصلاة هو الفجر الصادق-كما هو معلوم من الشرع وقد سبق بيانه.

(١) مشروع دراسة الشفق الصادر عن مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية ص ٣٩. (٢) منظمة الإسنا هي منظمة معروفة مشهورة في أمريكا وينبه إلى ترك الاعتماد على توقيتها وقت العشاء لوقوع خطأ فيه.

1 / 8

- أن واضع التقويم قدم وقت الفجر بهواه مقدار درجة وهي تعادل ٤ - ٤.٤٥ دقيقة، وذلك حيطة منه للصيام، فوقع فيما هو أخطر منه، وهو تقديم وقت صلاة الفجر - أن الفجر الكاذب الذي وضع عليه التقويم متقدم على الصادق بنحو عشرين دقيقة، يزيد وينقص نحو خمس دقائق، وذلك حسب طول الليل، والنهار، وقصرهما. وبعد مقابلة اللجنة المشرفة على الدراسة للمسئول عن أم القرى وتسجيل هذه المقابلة قالت: " وقد أمكن اللقاء بمعد التقويم سابقًا الدكتور فضل نور، الذي أفاد بأنه أعد التقويم بناءً على ما ظهر له، وليس لديه أي أساس مكتوب، ومن خلال الحديث معه ومحاورته تبين أنه لا يميز بين الفجر الكاذب والصادق على وجه دقيق، حيث أعد التقويم على أول إضاءة تجاه الشرق في الغالب، أي: على درجة ١٨ وبعد عشر سنوات قدمه إلى ١٩ درجة احتياطًا " أدلة من يرى صحة التقاويم: لم أعثر على بحث مكتوب، أو شهادة موثقة من الذين يرون صحة هذه التقاويم، وقد جادلت كثيرًا منهم فما كانوا ليذكروا من الأدلة سوى أن هذه التقاويم هي الأصل .. والمعمول بها من سنين .. وأن في إثارة هذه القضية فتنة للناس. تحرير المسألة: هذه هي أدلة الفريقين من العلماء الذين يرون خطأ التقاويم في توقيت الفجر ووجوب تصحيحها، وأقوال الذين يرون صحة حسابات التقويم وعدم تصحيحها، والناظر فيها بعين الإنصاف، يرى أن أدلة القائلين بخطأ التقاويم أدلة ظاهرة، وشهادات موثقة، وبراهين قوية، لا يجوز ردها، بل توجب على المسلم التزامها. وأما المانعون من التصحيح الموافقون للتقاويم؛ فلا نجد عندهم أدلة البتة لا من الشرع ولا من علم الفلك سوى قولهم هذه (فتنة)، وأنها مخالفة لما اعتاد عليه الناس، وليس لديهم رد علمي ولا فلكي على أدلة الفريق الأول سوى التقليد وترك ماكان على ما كان. ومن المعلوم؛ أن مثل هذا لا يلتفت إليه في باب الأدلة، ولا يعتمد عليه في أحكام الدين، وإلا فبأي حق ترد شهادة هؤلاء العدول: العسقلاني، محمد رشيد رضا، الألباني، الهلالي، ابن عثيمين وغيرهم من الفضلاء، ويقبل كلام واضعي التقاويم الذين لا علم لهم في الشرع، .. اللهم إلا أن يتنزل تقويم أم القرى منزلة الوحي المعصوم؟

1 / 9

قال تعالى: " اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ" (١) ولم يبق بعد هذا لمقلد عذر؟ .. اللهم إلا عذر تقليد واضع تقويم أم القرى، الذي أقر أنه قد وضع التقويم على الفجر الكاذب .. وقد شهد الأخوة الثقات في دراستهم في مدينة الملك عبد العزيز أنه جاهل بالشرع، وبالفرق بين الفجر الكاذب والصادق، فهل يرضى عاقل أن يقلد في دينه من هذه حاله؟ ! وهذه الدراسة؛ - دراسة مدينة الملك عبد العزيز- بحق قاصمة الظهر - لاعتبارات معينة- لمن يرى تقليد أم القرى. وبهذه الأدلة يتبين الحق، ويغلق باب الجدل الذي طال أمده. ولم يبق على المسؤولين عن أم القرى إلا أن يتداركوا الأمر، ويؤدوا الأمانة في اتباع الدليل وترك التقليد، فإن مسئوليتهم أمام الله عظيمة، ففي أعناقهم صلاة ملايين من الناس، والله من وراء القصد. تأخير توقيت العشاء: قامت بعض البلاد في رمضان بتأخير وقت العشاء نصف ساعة عن وقته الذي وقته رسول الله ﷺ بدعوى أن الناس يحتاجون إلى وقت بين إفطارهم وصلاة العشاء. ولما كان تأخير التوقيت خطأ فادح في مخالفة الشرع، وخشية - مع مرور الزمن وفشوا الجهل - أن يظن ظان أن أصل وقت العشاء مؤخر في رمضان، فيتأخرون في صلاة المغرب. لذلك؛ كتبت هذا البيان سدًا للذريعة، وتنبيهًا للأمة، كما فعل العسقلاني - جزاه الله خيرًا - أن نبّه على ما حصل في زمانه من الخطأ في توقيت الفجر، واستمر إلى زماننا هذا الخطأ. من المعلوم شرعا أن أوقات الصلوات مؤقتة من الله سبحانه، ولا يحل لأحد تقديمها ولا تأخيرها قال تعالى: ﴿إنَّ الصَّلَاة كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا﴾ (٢)، وقال تعالى: ﴿تِلْكَ

(١) ٧ - سورة الأعراف (٣) (٢) ٨ - سورة النساء الآية (١٠٣)

1 / 10

حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوها وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ (١) وإذا احتاج الناس إلى تأخير صلاة ما عن أول وقتها جاز لهم ذلك. وثمة فرق كبير بين تأخير الصلاة، وتأخير الأذان، وتأخير التوقيت. فأما تأخير الصلاة عن وقتها فمشروع، وبخاصة العشاء بل يسن تأخير العشاء لما ثبت ذلك عن النبي ﷺ -وكذلك تأخير صلاة الظهر للإبراد وأما تأخير الأذان فلا يجوز البتة. وأما تأخير التوقيت وبخاصة في التقاويم فمنكر عظيم، وبدعة قبيحة، ومفسدة كبيرة، لأن كثيرًا من النساء والمرضى والضاربين في الأرض وغيرهم، يعتمدون في صلواتهم على سماع الأذان أو التقاويم، فإذا كان توقيت صلاة ما متأخرًا، وقعوا في تجاوز وقت الصلاة التي قبلها ظنًا منهم أن الوقت لا يزال بسبب تأخير التوقيت، وصلوا الصلاة بعد فوات وقتها. وقد رأيت مَن حصل معه هذا، فصلى المغرب بعد ذهاب وقتها، قبل أذان صلاة العشاء المؤخرة معتمدا على التقويم المؤخر، وسماع الآذان، فلما قلت له: فاتك الوقت قال: لا .. لم يؤذن العشاء بعد، وهذا التقويم يبين هذا، فلما اطلعت على التقويم وجدت وقت العشاء مؤخرا نصف ساعة ومكتوب: (وقت العشاء) دون أدنى تنبيه. كما يخشى - كما ذكرنا - أن يأتي زمان على الناس يعتقدون أن تأخير وقت العشاء عن وقتها في رمضان هو أمر شرعي وخاص برمضان، كما حصل اليوم في تقديم وقت الفجر. ومن عجيب ما حصل: أن بعضهم قال: من حكمة الشرع أن أخر رسول الله ﷺ توقيت صلاة العشاء نصف ساعة في رمضان. قيل له: من أين لك هذا؟ قال: من تقويم أم القرى - ولم يكن يعلم أن تأخير توقيت العشاء في رمضان هو حادث وليس من أصل الشرع في شيء ولكن لما سجل في أم القرى، ونشر على الناس، ظن بعضهم أن التأخير في أصل الشرع. وعليه؛ فالواجب إذا كان الناس يحتاجون إلى وقت في رمضان بين المغرب والعشاء، أن يبقى أذان العشاء في وقته، ولا يغير في التقويم أبدًا، وتؤخر الإقامة على قدر مصلحة الناس، وهذه هي سنة رسول الله - ﷺ - حيث كان يؤذن للصلاة في وقتها ثم تؤخر الإقامة حسب الحاجة.

(١) ٩ - سورة البقرة (٢٢٩)

1 / 11

أما أن يصدر تقويم يؤخر فيه الوقت .. ثم يُنص فيه؛ أن الوقت هو كذا، فهذا الذي لا يجوز البتة بل هو منكر عظيم، مهما كانت الذرائع لذلك، لأنه تغيير لحد من حدود الله وإن لم يقصد صاحبه ذلك. هذا هو الحق الذي لا ريب فيه، وذلك حتى لا يأتي آخر ويؤخر صلاة العصر نظرًا لظرف معين، وثالث يؤخر صلاة الظهر .. فمع مرور الزمن، ونسيان الناس أو جهلهم، قد يقع تغيير في أوقات الصلاة، وهذا هو التبديل لحدود الله وهكذا وقعت البدع وحصل التغيير في الأديان السابقة، والله نسأل التوفيق للحق والسنة، والسداد في القول والعمل، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. وكتبه عدنان بن محمد العرعور ١٤١٠

1 / 12