عند ذلك اغتنم جورجي الفرصة، وقال لهيفاء في إبان اضطرابها: إن يوسف ينتظرك خارج الدار؛ ليخلصك من الجحيم الذي تذهبين إليه، إن القسيس الذي سيكللك ليس قسيسا بل هو عامي مثلي، وزواجك لا يكون شرعيا بل حيلة، فأسرعي واخرجي ولا تخافي.
فما ترددت هيفاء أن خرجت، ودخل جورجي في الحال يساعد البقية على إطفاء الحريق، وما هي إلا بضع دقائق حتى تغلبوا على الإطفاء، وعلموا أن سره انقلاب مصباح البترول، فجعلت نديمة تحرق الأرم على الخادم والخادمة؛ لأن إهمالهما كان السبب، وأما هما فكانا يتبرآن ويقسمان وكل منهما يلقي التبعة على الآخر.
ولما عادوا إلى البهو لم يجدوا هيفاء، فبحثوا عنها في المنزل فلم يجدوها فصاحت نديمة: إن هذه الفعلة فعلة تلك الشقية إذن، وقد رامت أن تحرق المنزل بنا لكي تهرب؛ إذا وقعت في يدي فأمزقها تمزيقا.
فقال جورجي: إنكم لمغفلون، أما درستم المسألة أول مرة؟ فلماذا لم تحتاطوا؟
فقالت نديمة: إننا في حاجة إليك الآن يا جورجي. - إذن مجيئي كان في حينه. - نعم هل تستطيع أن تهتدي إليها؟ - إن اهتديت إلى يوسف براق اهتديت إليها طبعا. - إذن بربك، هل تعجل بالأمر؟ - في بضعة أيام أردها إليكم. - أخاف أن يتزوجها هذا الجاهل. - أحول بينهما لا تخافي، دعوني الآن أمضي لعلي أعلم أمرا الليلة، ثم ودعهم ومضى.
ضمير يدمع
كانت الساعة العاشرة حين دخل جورجي إلى المنزل الذي أوى إليه يوسف وهيفاء، فاستقبلاه باسمين متهللين، أما هو فكانت عيناه تتقدان كأن في نفسه ثورة، فلما جلس قال له يوسف: أراك مضطربا فهل حدث أمر؟ - لم يحدث إلا كل خير، وإنما أود أن أعلم أمرا. - ماذا؟
فقال جورجي موجها الخطاب إلى هيفاء: هل أنت نادمة على هربك يا هيفاء؟ - بل أنا ممتنة لك وليوسف؛ لأنكما خلصتماني من الويل الهائل. - لقد كذبت عليك يا هيفاء كذبتين، وضميري يعنفني بشدة عليهما.
فأبرقت أسرة يوسف وقال: الحمد لله لقد بعث ضميرك من قبره.
وقالت هيفاء: ما هاتان الكذبتان؟ - الكذبة الأولى حين كنت في ثوب قسيس ينوي أن يكللك إكليلا كاذبا، وقد أنجاك من شر هذه الكذبة هذا الفتى.
Halaman tidak diketahui