فاختلجت ليلى؛ إذ بدر إلى ذهنها في الحال أن قصده من «سفر التكوين» أن يكون كرسالة خاصة إليها بأسلوب ضمني، فقالت: قرأته ولكن ما أدراني أن يكون لهيفاء لا لي؟
فنظر يوسف إليها جاحظ العينين، وقال: إذا كنت لم تعلمي أنه لك فما هو لك. - كيف أعلم وهو خطاب مطلق لضمير مطلق؟ - إذن ليس لك، ليس لك يا ليلى. - إذن لهيفاء. - لا لا، ولا لهيفاء. - إذن لمن؟ - إذا لم يكن لك فما هو لأحد. - هل يمكن أن يكون لي؟ - نعم. - كيف؟ - ماذا شعرت حين تلوته؟ - شعرت بخفقان لم أشعر بمثله في حياتي.
فتنهد يوسف الصعداء، وقال: إذن هو لك وقد فهمت ولكنك تنكرين، فماذا تسمين هذا الإنكار؟ كبرياء طبعا ... فيا للكبرياء!
فسكتت ليلى هنيهة ثم قالت: إذن الأمر بين كبريائي وكبريائك، فدعنا نرى أي الكبرياءين أشمخ وأقتل، هل تذكرني بفعل فعلته يماثل فعلك في سبلندد بار؟ - لو كان في وسعك أن تفعلي مثله لعلك لم تترددي. - من قال لك: إنه ليس في وسعي؟ - أنت مقيدة بجماعة دائما، فلا تخرجين وحدك. - كلا، لست مقيدة بل لي الحرية أن أفعل ما أروم وأبي وأخي يوافقان على كل ما أفعل؛ لأنهما يعلمان سر من ربياها. - حسن، ولكن لم يتفق أن تكوني وحدك حتى إذا صادفتني تنفرين أو تقربين. - من كان معي يوم حادث الترام؟ - خادمتك هيفاء. - فما هي رقيبة. - فماذا؟ - أما التقينا؟ - الصدفة جمعتنا.
فضحكت ليلى فقال لها: لماذا تضحكين؟ - أضحك لأني لو لم أنهر الحوذي حتى يسرع مرافقا الترام، الذي كنت أنت فيه ما تعرضت لذلك الخطر الهائل بانقلاب مركبتي.
فنظر يوسف فيها قائلا: ليلى، سامحي كبريائي.
فقالت: وما قولك بوجودي هنا الآن؟
فبهت يوسف وبقي صامتا.
بعد هنيهة قال يوسف: ليلى. - نعم. - هل من قياس لرحمتك؟
فابتسمت قائلة: لا. - ولا قياس لإثمي، ومهما كانت رحمتك عظيمة، فإثمي أعظم وأود أن أكفر عما يزيد من إثمي على رحمتك، فهل أستطيع؟ - نعم تستطيع بأن تتم «سفر التكوين». - لا شيء بعد اللانهاية يا ليلى. - نعم لا يزال ما قبلها وما بعدها فارغين فاملأهما. - لقد فرغت معرفتي فعلميني: بماذا أملؤهما؟ - بأن تعنون «سفر التكوين» وتوقع عليه الآن.
Halaman tidak diketahui